ما الذي يجري في “إسلام أون لاين” ؟!!

في السبت ٢٠ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً


ما الذي يجري في “إسلام أون لاين” ؟!!

علي عبدالعال

 لا أحد يعرف ما الذي يجري في (إسلام أون لاين)، أو الأسباب التي تقف وراء هذا التحول المفاجيء لدى بعض النافذين في جمعية (البلاغ) الثقافية التي تدير الموقع، ولمصلحة من؟ .. ذهبت التأويلات يمينًا ويسارًا حول هذه المساعي الحثيثة لتصفية الموقع، وتسريح صحفيه، ووقف رسالته، دون أن تقدم إجابة شافية.

  فمنذ ما يزيد عن عشرة أعوام وبالتحديد في أكتوبر 1999م جرى إطلاق (إسلام أون لاين.نت) كموقع على الإنترنت ذو رسالة شاملة "إسلامية المضمون، متنوعة الخدمات، متعددة اللغات"، وأيضاً كبداية لمشروع هادف على الشبكة العالمية ذات الإمكانات "الهائلة في الإيصال والاتصال"، والتي كانت قد ظهرت قبل ذلك بسنوات قليلة (بين عامي 1996ــ 1997).

  أراد الشيخ يوسف القرضاوي ومعه "نخبة من الخبراء والمختصين في السياسة والاقتصاد والإعلام والاجتماع والتكنولوجيا والفنون" أن يكون مساهمة منهم في مشروع النهضة الإسلامية، دون أن يكون مرتبطًا أو معبرًا عن بلد أو حزب أو فئة أو هيئة "لأنه ليس مشروع بلد، ولا مشروع مجموعة، ولا مشروع فئة من الناس"، إنه مشروع أمة الإسلام يسهم فيه كل مسلم بقدر جهده.

  بدأ (إسلام أون لاين) العمل صغيرًا في القاهرة، موقع ناشيء يقوم عليه عدد قليل من الأفراد، وعلى مدار أكثر من عشر سنوات من العمل الدؤوب، والجهد المتواصل المشهود له بالكفاءة والنجاح لعشرات من الباحثين والصحفيين والإداريين والكتاب والمحللين أخذ المشروع يكبر ويتوسع شيئا فشيئا إلى أن صار ـ حاليا ـ مؤسسة إعلامية عالمية ضخمة، تضم عدد كبير من المواقع على الشبكة العنكبوتية، وتصدر عشرات الكتب المطبوعة والأبحاث، وتخرج عددا من الدوريات المتخصصة، في الشرق والغرب، كما قدمت خدمات متنوعة بينها المكتبة الرقمية، ومركز التدريب الإلكتروني "تواصل"، وخدمة البث الإذاعي، ومكتب المشروعات، حتى استطاعت خلال هذه الفترة أن تكون جزءا حاضرا في النقاش العام حول واقع ومستقبل الأمة العربية والإسلامية.

  يتبع إسلام أون لاين جمعية (البلاغ) الثقافية لخدمة الإسلام علي الإنترنت التي مقرها الدوحة، وهي جمعية أنشئت عام 1998م بقرار من وزارة الأوقاف القطرية، وتتلقى دعما مباشرًا من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر المسند، ويرأس مجلس إدارتها الدكتور القرضاوي.

  بدأت البلاغ ككيان شرعى لجمع الأموال للموقع وإدارتها، ولما كان من غير القانونى أن تتولى إدارته لأنها جمعية خيرية غير مصرية فقد أنشأت شركة "ميديا إنترناشونال" للإعلام لتدير الموقع من مصر، وبذلك صار الموقع مساهمة مصرية برأس مال عربى (قطري سعودي)، وهو ما حقق في الوقت نفسه الفصل بين رأس المال والعملية التحريرية…. إلى هنا والأمور تسير بشكل عادي، وفي تناغم نادر يعمل الجميع كحلية نحل: في القاهرة (المقر الرئيسي لإسلام أون لاين) وفي الدوحة (مقر البلاغ) والمراسلون والإعلاميون في جميع عواصم العالم، إلى أن باغتت الجميع الأزمة الحالية. 

  الأزمة العاصفة

  تعود هذه الأزمة التي تفجرت بين العاملين في مصر ـ وهم من جنسيات شتى بينهم أمريكون وأفارقة وهنود وعرب ـ  وبعض أعضاء مجلس إدارة (البلاغ) إلى منتصف مايو من العام الماضي 2009 ، بعدما جرى انتخاب مجلس إدارة جديد للجمعية، سعت جهات نافذة فيه إلى وقف المشروع، دون سابق إنذار.

  ففي غيبة الشيخ القرضاوي الذي كان يخضع لعملية جراحية في المملكة السعودية (منتصف فبراير 2010) صدر قرار غير معلن من قبل نائب رئيس مجلس الإدارة د.إبراهيم الأنصاري والمدير العام الجديد المهندس علي العمادي، بتصفية المؤسسة وإنهاء وجودها في القاهرة وتسريح من فيها، وذلك تحت دعاوى عديدة، منها التطوير، وإعادة المؤسسة إلى الخط الذي خرجت عنه!!، إلى غير ذلك من الدعاوى، دون أن يمهلوا أحدا حتى يفهم حقيقة ما يجري أو الأسباب التي تقف وراءه، وهو ما دفع العاملين في المؤسسة (340 بين صحفي وإداري وعامل) إلى الدخول في اعتصام مفتوح في مقر إسلام أون لاين بمدينة (6 أكتوبر).

  وتيرة الأحداث جرت متسارعة في أيام قليلة، حيث أرادا العمادي والأنصاري ـ على ما يبدوـ الانتهاء من تصفية المؤسسة قبل أن ينهي الشيخ القرضاوي فترة النقاهة الطبية لما بعد العملية الجراحية التي أجراها في الرياض.. فأصدرا عددا من القرارات في الدوحة تضمنت تغيرات إدارية أطاحت بعدد كبير من قيادات (إسلام اون لاين) ومؤسسيه في مصر، على رأسهم: توفيق غانم رئيس التحرير العام، وهشام جعفر رئيس تحرير القطاع العربي، ومحمد زيدان رئيس تحرير القطاع الإنجليزي. ثم أعلنت (البلاغ) أنها ستنهي عقدها مع ميديا انترناشيونال (الجهة القانونية للمؤسسة) بنهاية مارس 2010، كما أغلقت برنامج نشر المحتوى (cms) وأوقفت (السيرفرات) وفوضت عدد من المحامين باستلام المقر ممن فيه، فضلا عن تحويل 250 من العاملين إلى التحقيق.

  كان الشيخ القرضاوي ما يزال مريضاً في هذه الفترة، وما أن خرج واتيح له الوقت للإطلاع والوقوف على بعض تفاصيل ما جرى حتى أصدر قراره بتجميد مهام كل من إبراهيم الأنصاري وعلي العمادي، ووقف كل توقيعاتهم على القرارات السابقة التي صدرت بحق إسلام أون لاين بالإضافة إلى منعهم من إصدار أي قرارات مستقبلية تخص المؤسسة. كما جرى تعيين الشيخة مريم آل ثاني في منصب القائم بأعمال المدير العام، ومريم الهاجري القائم بمهام مدير التقنية بمقر الجمعية في قطر. وكانت آل ثاني تشغل منصب نائب مدير عام البلاغ، في حين كانت الهاجري مديرة إدارة تكنولوجيا المعلومات بـإسلام اونلاين، وهي أيضا صاحبة فكرة المشروع منذ كانت طالبة في الجامعة.

  وبالرغم من أن سلطات الشيخ القرضاوي الإدارية لا تسمح له أن ينفرد بقرارات التعيين أو الإقالة إلا أن مصادر مقربة من الشيخ أكدت أنه سعى خلال الفترة الماضية ومازال لعقد جمعية عمومية تهيء تنفيذ هذه القرارات إنقاذا للمشروع وخروجا من الأزمة… لم يستجب الأنصاري لقرارت الشيخ بل نفى لقناة (الجزيرة) أن يكون للبلاغ موظفين من الأساس في مصر، في محاولة على ما يبدو للتنصل بإلقاء الكورة في ملعب الشركة المصرية التي لا يربطها سوى عقد قانوني بالبلاغ رتب الأنصاري والعمادي الأمور لعدم تجديده، وهي شركة يعلم القاصي والداني أن البلاغ نفسها هي التي أنشأتها لكي تدير المؤسسة باسمها في مصر.

  هل ثمة رغبة قطرية في الاستحواذ؟

  وأمام هذا اللغز، المتمثل في محاولة تصفية مؤسسة إعلامية بهذا الحجم، تحقق نجاحات مشهود لها في الداخل والخارج، دون سبب… سارت التكهنات التي حاولت تفسير ما يحدث في اتجاهات عدة، أبرزها: التنافس السياسي بين مصر وقطر، ورغبة الدوحة في الاستحواذ على المؤسسة وحدها، أي قطرنتها ـ حسبما قيل ـ بعد التخلص من الممولين السعوديين.

  وكان المستشار القانونى لـ (إسلام أون لاين) المحامى المصري عصام سلطان، قد قال إن عددا من أعضاء الإدارة "القطريين" طلبوا منه التفكير فى وسيلة قانونية مناسبة للتخلص من كافة المساهمين اللذين تزيد نسبتهم عن 37% من أسهم الشركة وأبرزهم الدكتور"علي بدحدح" وهو سعودي الجنسية، ووصل الأمر إلى توجيه طلب مباشر إليه- سلطان - بعمل بلاغ ضد بدحدح بهدف التخلص منه كقوة لها سلطة القرار داخل الشركة. وأضاف سلطان انه تلقي طلبات غير قانونية وغير أخلاقية من إدارة الموقع الذي يعمل مستشارا قانونيا له منذ ما يزيد عن 10 سنوات بأن يذهب إلى النيابة ويقدم بلاغات ضد الصحفيين بغرض أرهاقهم وتطفيشهم من المكان بدلا من المطالبة بحقوقهم بعد إغلاق الموقع. وعلى إثر ذلك أرسل سلطان للشيخ القرضاوى يخبره بالتنحى عن عمله لأنه لن يفعل أشياء غير قانونية... إلا أن الذين تكهنوا برغبة القطريين في القطرنة لم يوضحوا إن كانت هذه الرغبة رسمية تحركها مؤسسات الدولة أم أنها فقط اجتهاد من بعض القطريين الذين سعوا إلى ذلك من قبل أنفسهم، وهي فرضية ما زالت بحاجة إلى العديد من الشواهد كي تؤكدها.

  الإخوان المسلمون على الخط

  آخرون رجحوا ضلوع الإخوان المسلمين في تأجيج "الفتنة" بسبب عدم رضائهم عن معالجات (إسلام أون لاين) وبالتحديد تغطيات موقع (الإسلاميون) لقضايا الجماعات الإسلامية، خاصة الانتخابات الأخيرة التي أجراها الإخوان لمكتب الإرشاد ومنصب المرشد العام، وهو تحليل لا يثبت ـ باعتقادي ـ لعدد من الأسباب، منها أن قناة (الجزيرة) هي التي كانت قد فجرت الجدل حول انتخابات الإخوان باصطدافتها الدكتور محمد حبيب، وليس (الإسلاميون) الذي كان كغيره من وسائل الإعلام التي حاولت التفاعل مع الحدث.

  وقد نفى عدد من قادة الإخوان أي علاقة لهم بما يجري، ولعل الجهود التي بذلها وكيل نقابة الصحفيين صلاح عبدالمقصود (رجل الإخوان في النقابة) دليل آخر يضعف من فرضية ضلوع الجماعة، وخاصة موقفه الداعم لصحفي إسلام أون لاين وسعيه لاصدار بيان تضامني رسمي من النقابة، وتطوعه بالاتصال بالشيخ القرضاوي،  كل ذلك فضلا عن موقف الشيخ القرضاوي نفسه من القضية ووقوفه إلى جانب العاملين، برأي يقلل من صحة هذه الفرضية.

  ومما يثير التناقض حيال هذا التكهن أن من يتهمون الإخوان لا ينفكون في بعض مواقفهم يرددون أن من يقف خلف الأزمة جهات محافظة وسلفية تسعى لتحويل (إسلام أون لاين) إلى موقع ديني لا يهتم سوى بالفتاوى والأمور الشرعية.

  فتش عن المنظمات الصهيونية

  من جهة أخرى، يعتقد المراقبون بوجود أجندة أو مخطط خارجي يقف وراء هدم هذا الصرح الإعلامي ربما بسبب الدور الذي يقوم به في نشر الرسالة الوسطية للإسلام، ودعم القضية الفلسطينية، ومقاومتها ومناهضة الصهيونية، وقد ربط المراقبون بين توقيت تصفية إسلام أون لاين وبين الهجمة الصهيونية على القدس فى الوقت الذى كان من المفترض أن يستمر الموقع فى خدمته لتغطية أخبار ما يحدث من انتهاكات إسرائيلية على أرض فلسطين.

  وكان عدد من المنظمات الصهيونية الداعمة لإسرائيل قد هاجم (إسلام أون لاين) في عدد من المناسبات، ففي منتصف يوليو 2009 هاجمت "رابطة مكافحة التشهير" وهي واحدة من أكبر المنظمات الصهيونية الأمريكية الداعمة لإسرائيل، مقرها فى نيويورك، الموقع واتهمته بـ"التطرف" و"تشجيع المنظمات الإرهابية" بسبب قصيدة انتقدت إسرائيل، وبسبب ارتباط الموقع بالشيخ القرضاوى، المناهض القوي للاحتلال الإسرائيلى. وفى بيان رسمي زعمت الرابطة إن إسلام أون لاين "يروج للجماعات الإرهابية المعادية لإسرائيل". وانتقدته لوصفه الصهيونية بأنها "سرطان". وقالت عن الموقع إنه: "زعم بشكل متكرر أن العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تبرهن على رغبتهما المشتركة فى اضطهاد المسلمين".

  وفى البيان وصفت الرابطة، التى تتمتع بعشرات الآلاف من المشتركين، الشيخ يوسف القرضاوى بأنه "منظّر متطرف من جماعة الإخوان المسلمين". وجاء اتهام المنظمة للقرضاوى وإسلام أون لاين ضمن اتهام أكبر من المنظمة لحملة تعريفية بالإسلام فى الولايات المتحدة تم فيها بث دعوة للتعرف على الإسلام على جوانب الحافلات والمواصلات العامة فى أمريكا. وقالت الرابطة إن الحملة ككل مرتبطة بمواقع إنترنت "معادية للسامية"، وهى التهمة التى توجهها المنظمة عادة لمنتقدى ممارسات الاحتلال الإسرائيلى.

  وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرابطة متخصصة فى رصد الانتقادات الموجهة لإسرائيل وخصوصا فى إعلام الدول العربية والإسلامية، وهي تقوم بنشر تقارير دورية فى هذا الصدد وتوزيعها على الإدارة الأمريكية وعدد من كبار رجال الكونجرس المعنيين بالدول العربية، وهى التقارير التى يلجأ الكثير من أعضاء الكونجرس المتعاطفين مع إسرائيل للاستشهاد بها فى تنديدهم بالدول العربية. وكان المدير التنفيذى لرابطة مكافحة التشهير أبراهام فوكسمان، من بين القيادات اليهودية الأمريكية التى التقت الرئيس الأمريكى باراك أوباما.

  وقد تعرض الدكتور يوسف القرضاوى لهجوم مشابه عندما نشرت (اللجنة الأمريكية اليهودية)، وهى منظمة يهودية أمريكية نافذة أخرى مقرها واشنطن العاصمة، إعلانا احتل صفحة كاملة فى صحيفتى (وول ستريت جورنال) و(نيويورك بوست) الأمريكية وصف القرضاوى، ضمن قيادات عربية وإسلامية، بأنهم عقبات أمام السلام فى المنطقة.

  وكان القرضاوي قد صرح نهاية الشهر الماضي بأن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر قد تدخل لدى الإدارة الأميركية لمنع إدراج الشيخ على قائمة الإرهاب الأمريكية بناء على تقرير قدمه عدد من نواب الكونغرس في أغسطس من العام الماضي طالب بإغلاق موقع إسلام أونلاين، أو وضعه على قائمة المؤسسات المعادية للسامية، وقال القرضاوي وقتها «لولا أمير قطر لأدرج اسمي ضمن قوائم داعمي الإرهاب».

  وإن كنت مقتنع بفاعلية المساعي الصهيونية التي ثبتت نجاعتها في أكثر من مناسبة إلا أنني استبعد تماما أن يكون الأشخاص الذين يقفون خلف تصفية الموقع مرتبطون بشكل أو بآخر بمثل هذه المنظمات أو حتى يمكن أن يكون قد تم استخدامهم بطريق مباشرة أو غير مباشرة نحو تحقيق مثل هذه الأهداف... ولذلك يبقى السر مجهولا حتى الآن ليظل التعويل على ما قد تجود به الأيام.

   

 

 

 

 
--
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/ علي عبدالعال
صحفي مصري

 

اجمالي القراءات 1908