الحلف كذبا (14) شريعة قريش والسلفيين ظلمت رب العالمين

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٥ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

هو خصم لله جل وعلا من يخلط السياسة بالدين

أولا :

1 ـ يقول جل وعلا:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)( يونس 15 : 18 ). ونتوقف بالتدبر مع هذه الآيات الكريمة .

2ـ فى كراهيتها للقرآن الكريم طلبت قريش من خاتم النبيين الإتيان بقرآن غيره أو تبديله ، ولم يردّ عليهم خاتم النبيين ، ولم يكن له أن يجيب على أى تساؤل ،بل ينتظر الى أن ينزل الوحى بالاجابة . جاء الردّ من رب العزة يحكى القصة:( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) ويأمر الرسول بالرد عليهم بعبارات محددة :( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )، أى إنه عليه السلام لا يرضى من تلقاء نفسه تبديل القرآن لسببين : أنه متبع للقرآن ولأنه يخاف من عصيان ربه جل وعلا يوم القيامة .

3 :حقيقة أن عليه السلام كان متبعا للقرآن تكررت كثيرا فى القرآن الكريم ، منها (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأحقاف 9 )(قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(الاعراف 203). هذا التكرار جاء للرد مقدما على إفتراء أئمة الأديان الأرضية للمسلمين الذين نسبوا للنبى فيما بعد أحاديث كاذبة جعلوها مصدرا للتشريع ،متهمين بذلك النبى بأنه لم يتبع القرآن ، وأنه لم يكتف بالقرآن شرعا فجعل نفسه مصدرا للتشريع بزعمهم. إنّ رب العزة إستنكر عدم إكتفاء قريش والعرب المشركين بالقرآن الكريم :( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ثم يأمر رب العزة جل وعلا رسوله أن يجعل الله سبحانه وتعالى شهيدا على الاكتفاء بالقرآن :(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )( العنكبوت 51 : 52 )، وهى شهادة تكررت من قبل عن القرآن وعن ذاته جلّ وعلا:(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)(الأنعام 19 )وفى شهادة أخرى يقول جل وعلا (لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)(النساء 166) ثم يقول بعدها عن الكفار فى كل زمان ومكان : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)(النساء: 167ـ 169). .كان خاتم المرسلين متبعا للقرآن مكتفيا به ولكن أئمة الضلال نسبوا له منكرا من القول وزورا فيما يعرف بالسّنة النبوية.

4 ـ حقيقة خوفه عليه السلام من عذاب يوم القيامة تكرر ثلاث مرات ، مرة منها فى معرض رفضه تبديل القرآن فى الآيات السابقة من سورة يونس ، ومرتين فى معرض خوفه من إتخاذ ولى مع الله جل وعلا ، لأنه جلّ وعلا هو الولىّ وحده المستحق للعبادة والتقديس:(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )(الأنعام 14: 15)،وفى معرض خوفه من عدم إخلاصه الدين لرب العالمين:(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(الزمر11: 13 ). والمسلمون فى أديانهم الأرضية أعادوا تقديس الأولياء والأئمة فى قبورهم وفى كتبهم وأسفارهم وأقوالهم. وإذا كان خاتم المرسلين فى حياته يخاف من عذاب يوم عظيم ، فإن أديان المسلمين الأرضية أراحت أتباعها من هذا الخوف بزعم شفاعة الرسول لهم يوم القيامة،بل وشفاعة الأئمة. هذا مع أن تأكيد رب العزة على خوف النبى من عذاب يوم عظيم ينفى الزعم بشفاعة النبى ، فلو كان يملك الشفاعة للغير لأصبح هو نفسه محصّنا من العذاب. والواقع إن أديان المسلمين الأرضية سارت على سنّة العرب والقرشيين فى إتّخاذ شفعاء لهم،وهذا ما استنكره رب العزة فى نفس السياق من سورة يونس: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(يونس: 18).

5 ـ ويأمره رب العزّة أن يذكّر قومه بتاريخه معهم فقد لبث فيهم عمرا قبل نزول الوحى عليه ، وكانوا يطلقون عليه الصادق الأمين ، فلم يكذب عليهم فى خبر ولم يبدّل قولا سمعه ولم يفتر حديثا ، ولم يزعم قبلها وحيا سماويا إلا عندما شاء الله جل وعلا واختاره رسولا وأمره أن يتلو عليهم كتابه :(قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )

6 ـ بعدها يأتى هذا الحكم الالهى الذى يجعل أظلم الناس هو من يفترى على الله كذبا أو يكذّب بآياته:(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)( يونس17). أى ينسب وحيا كاذبا لله جل وعلا ولرسوله أو يكذّب بالحى الالهى صراحة أو ضمنا. وهنا نتابع تشابه الوهابيين السلفيين للكفار القرشيين فى كونهم أظلم الناس لرب العالمين.

ثانيا : أنواع التطرف فى ظلم الناس لرب العالمين

التطرف فى ظلم الكفار لرب العزة ورد فى أكثره فى التكذيب لآيات الله والافتراء على الله جل وعلا كذبا . وهناك نوعان آخران من ظلم المشركين لرب العالمين: تحكمهم فى المساجد:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )( البقرة114)، وكتم شهادة حق أو كلمة حق فى صالح الدين الحق :( أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )(البقرة 140 ). وفى نفس المعنى يقول جل وعلا فى سورة البقرةعمّن يكتم الحق القرآنى  :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)). أكثر أنواع التطرف فى ظلم الناس لرب العالمين هو التكذيب أوالافتراء أو هما معا. على النحو الآتى :

افتراء وتكذيب معا :

1ـ اى يجمع بعضهم بين تكذيب آيات الله وإفترائه على الله وحيا كاذبا: وقد جاء التحذير من ذلك مسبقا لبنى آدم جميعا بعد هبوط أبويهم الى الأرض ، فقال جل وعلا فى سورة الأعراف :( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)) وهذا حكم عام لمن إتقى وأصلح فسيكون من أصحاب الجنة . وفى المقابل فمن كذّب بآيات الله وحيه واستكبر عن الايمان بها فسيكون من أصحاب النار: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)) وأظلم البشر جميعا هو من يجمع بين التكذيب للآيات والافتراء على الله جل وعلا وحيا كاذبا ، وهم عند الموت سيندمون ويعترفون بضلالهم،ثم يوم القيامة يلقى بهم فى جهنم أمة بعد أمة: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)

2 ـ وهؤلاء الذين جمعوا بين التكذيب والافتراء سيقف الأشهاد خصوما عليهم يوم الحساب كما جاء فى سورة هود :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22)

3 ـ وفى يوم الحشر سينكرون كونهم مشركين فقد تغلغل الكذب فى قلوبهم فى الدنيا وجاءوا به الى يوم القيامة. يقول جل وعلا عنهم فى سورة الأنعام:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)     

4 ـ وفى سورة الزمر تقسيم للبشر الى قسمين : (المتقون أهل الجنة) وهم الأنبياء الذين جاءوا بالصدق ومعهم المؤمنون بهذا الصدق ، و( الظالمون أهل النار) الذين كذّبوا بالصدق وافتروا على الله جل وعلا كذبا :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)

5 ـ كل ما سبق نزل كلاما عاما فى البشر جميعا قبل وبعد نزول القرآن الكريم .ولكن فى سورة العنكبوت يتحدث رب العزة عن قريش التى آمنت بالباطل وهو تلك الأحاديث الموصوفة قرآنيا بلهو الحديث ، وكفرت بالحق وهو القرآن نعمة الله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67). ثم تعطى الآية التالية حكما عاما ينطبق على قريش وغيرها :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68).وفى المقابل  يقول جل وعلا عن كل من يجاهد فى سبيل الله بالقرآن الكريم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

افتراء فقط

1 ـ أئمة الباطل هم من يتخصص فى سبك الأحاديث وينسبها لله جل وعلا مثل ما يسمى بالحديث القدسى ،أو ينسبها للنبى مثل ما يسمى بالحديث النبوى ، ويعتبرها وحيا الاهيا ودينا. يقول جل وعلا عن أعدائه الساعين فى إضلال الناس بغيرعلم: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الأنعام 144) . فعلت هذا قريش وكفار العرب ، وسار على سنتهم أتباع الدين السّنى الأرضى الذين ينطبق عليهم ما جاء فى القرآن بوصف عام يسرى على كل من يفترى على الله جل وعلا كذبا .

2 ـ وفى قصة أهل الكهف ، أنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله جل وعلا هدى،وقد هربوا  من سطوة قومهم المشركين الذين عبدوا آلهة مع الله ، وهذا شرك عملى ، وإفتروا على الله كذبا ، وهذا شرك علمى .قال الفتية من أهل الكهف عن قومهم:( هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)(الكهف 15 ).

3 ـ وتخصصت قريش فى الافتراء لترد على دعوتها الى الاسلام ، يحاولون بأحاديثهم الضالة ان يطفئوا نور الله جل وعلا بأفواههم،يقول جل وعلا فى سورة الصّف:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)). ونفس الحال ينطبق على مخترعى الأديان الأرضية للمسلمين ، وخصوصا أئمة السّنة . يريدون أن يطفئوا نور الله فى القرآن الكريم ، ولكن يأبى الله جل وعلا إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .   

4 ـ وعند الاحتضار يكون موقف أولئك الأئمة عسيرا ، تبشرهم الملائكة بالعذاب وتسخر منهم ، وهم فى غمرات الموت ، يقول جل وعلا :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الانعام 93 ).

 تكذيب فقط :

1 ـ ليس كل الكفرة المشركين أئمة متخصصين فى سبك وتأليف الأحاديث ، فهذه مهمة تحتاج الى موهبة شيطانية . ولكن كل الكفرة والمشركين يؤمنون بتلك الأحاديث الضالة ، وبالتالى فهم فى تكذيب للقرآن الكريم . إذ لا يجتمع الايمان بالنقيضين ، فإذا أمنت بالقرآن وحده فمعناه أن تكفر بأى حديث غيره منسوب لله أو للرسول . وإذا آمنت بتلك الأحاديث فأنت كافر بالقرآن وبرب العّزة أيضا . ولذلك تكرر الاستفهام الانكارى من رب العزة على من يؤمن بحديث آخر غير القرآن :(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف 185)( المرسلات 50 )، وجعل الايمان بحديث الله جل وعلا فى القرآن وحده قرينا بالايمان بألوهيته وحده فقال فى سورة الجاثية : ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11 )). القضية هنا صفرية لا تحتمل الوسطية ، إمّا إتّباع للقرآن وحده وإمّا إتّباع للأئمة والأولياء، ولهذا قال جل وعلا لنا :(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) (الأعراف 3)، فهنا أمر ونهى معا (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3)  )، ولأن أكثرية البشر ضالة مضلة ( الأنعام 116) فقد قال تعالى فى نفس الآية أنه قليلا ما نتذكر : (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) . ولهذا سرعان ما نسى المسلمون ، واتبعوا أحاديث كاذبة إخترعها أئمة السّوء.

2 ـ وهو نفس موقف قريش قبيل نزول القرآن . كانوا يتمنون أن يكونوا مثل أهل الكتاب يبعث فيهم رسول بكتاب سماوى ، فلما بعث الله جل وعلا خاتم المرسلين بالقرآن واجهوا القرآن بالاعراض والتكذيب . فى سورة الأنعام يقول جل وعلا لهم عن القرآن :( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155). ويذكّرهم رب العزة بموقفهم قبل نزول القرآن حين كانوا يتمنون نزول كتاب سماوى فلما نزل القرآن أعرضوا عنه :( أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)) ولنتذكر هنا أن رب العزة يتوعّد أظلم الناس المكذّب لآيات الله والمعرض عنها بسوء العذاب:  (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ  )

3 ـ ورب العزة يجعلها قضية بشرية عامة فيقول فى سورة الكهف:( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً (56) .وموقف المشركين من الوحى الالهى بالجدال بالباطل والاستهزاء نابع من تكذيبهم لايات الله وكتابه ،وه أشد الظلم لرب العزة ، ومن يقع فى هذا الظلم مستحيل أن يهتدى :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)).

4 ـ ومن ثمّ ينتظره انتقام رب العزة:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ )(السجدة 22). ولكن يلفت النظر أن الله جل وعلا يصف أولئك المتطرفين فى الظلم المكذبين لآيات الله والمفترين بالكذب على الله بالاجرام :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ) ( السجدة 22).

5 ـ واضح إنطباق الآيات القرآنية السابقة على أئمة الدين السّنى وأتباعه وتشريعاته من الافتراء على الله جل وعلا كذبا ( باختراع الأحاديث ) وبتكذيب آيات الله فى القرآن بمقولة النسخ وإلغاء تشريعات رب العزة فى القرآن الكريم ، وتحريف مفاهيمه الأساس مثل الاسلام والايمان والكفر والشرك والسّنة والنسخ . ومن إعجاز القرآن أن ينطبق كلامه على كل من يستحقه ، حتى لو كان يزعم الاسلام وهو أظلم الناس لرب العالمين ، وأجرؤهم فى الافتراء عليه وفى التكذيب لآياته وقرآنه.

ثالثا :الظلم نوعان : بسيط و فظيع

1 ـ الظلم أنواع ، منه ظلم الفرد للفرد ، كالمجرم الذى يقتل بريئا ، أو ظلم الفرد لأفراد كثيرين مثل زعيم العصابة . ثم هناك مستبد يقتل مئات الالوف من شعبه ويسرق أموالهم كما فعل مبارك بالمصريين . وهناك من يتعدى ظلمه للشعوب الأخرى احتلالا وقتلا وسبيا وسلبا ، كما حدث من طغاة العالم مثل جنكيزخان وهتلر وموسولينى . كل أولئك يظلمون بشرا ، يبدأ بظلم شخص وأشخاص وينتهى الى ظلم شعب وشعوب . هتلر لم يظلم سوى البشر حتى لو كانوا بالملايين . الأعتى منه ظلما هو من يظلم رب العالمين ، ويتمسح باسمه لكى يفعل ما فعله هتلر وغيره . هتلر لم يتمسح باسم الله تعالى فى قتله الملايين من شعبه وشعوب أخرى، أمّا  أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من الخلفاء والسلاطين المسلمين العرب والعثمانيين فقد أحتلوا شعوبا وسلبوا ثرواتها وقتلوا أشرف رجالها المدافعين عن أوطانهم وإغتصبوا وسبوا نساءهم واسترقوا أولادهم باسم رب العزة ـ فظلموا الناس وظلموا رب الناس . ثم جاء أئمة السّوء والظلم فافتروا تشريعا نسبوه وحيا بالزور والكذب لله جل وعلا ورسوله تحت إسم السّنة ، وفيه جعلوا هذا الغزو والاعتداء والسلب والنهب والاغتصاب والسبى جهادا فى سبيل الله ، وجعلوه ذروة الأمر وسنامه ، وقننوا له الأحكام والتشريعات ، وأباحوا للمستبد أن يفعل ما يشاء بالناس أو ( الرعية ) ، وأنه ليس مسئولا أمامها بل هو مسئول عنها أمام الله فقط ، وقد أعطاه الله تشريعا أن يملك الأرض ومن عليها . وبعد أن تأسّس الدين السّنى على هذا الإفك ونسبوه الى الاسلام صارت تشريعا أن يحاول كل طموح استغلال اسم الاسلام للوصول الى الحكم ، والى استمرار طغيانه بإسم الاسلام . وهذا ما نعانيه الآن من وجود الدولة السعودية التى تأسست على الوهابية ، وهى الطبعة الأخيرة للسّنة الحنبلية التيمية . وهذا ما يشقى به المصريون الآن وهم على أهبة الخضوع للوهابية المصرية المتمثلة فى الاخوان والسلفيين . وبهم تحول أئمة الكفر والطغيان من الصحابة وشيوخ الدين السّنى الى آلهة معصومة ، يرتعش القلب عند سماع أى نقد فيهم .

2 ـ ومن الطبيعى أن يرتعش القارىء وهو يقرأ هذا الكلام، فقد توارثنا تقديس الخلفاء الراشدين والصحابة ومؤسسى الدين السّنى من رواة أحاديثه وفتاويه عبر التعليم والمساجد والاعلام والثقافة. ونحن ندمن التنديد بما يفعله الغرب وأمريكا واسرائيل ، وننسى ما فعله الخلفاء الراشدون والأمويون بأجدادنا وبأوطاننا ، والأهم من الوطن والقوم ما فعله أولئك الخلفاء القرشيون بدين الله جل وعلا . هم طبقا لما قاله رب العزة ( أظلم الناس ) لأنهم ظلموا الناس وظلموا رب العالمين .

3 ـ  ولا يمكن فى قضية فيها ظالم ومظلوم من البشر إلاّ أن تنحاز لأحدهما لو كنت محبا للعدل والقسط ، أما أن تدافع عن المظلوم وتهاجم الظالم، وإمّا أن تدافع عن الظالم وتؤيده فى ظلمه للمظلوم . وحين تكون قضية الظالم والمظلوم تخصّ رب العزة فهى هنا قضية دينية يتحدد بها إيمانك وموقفك ، هل تنصر الله جل وعلا أم تنصر الظالم لله جل وعلا ؟ أنت هنا تحدد بمشيئتك واختيارك موقعك فى الجنّة أو فى النار . ومن هنا نفهم معنى أن ندافع عن الله جل وعلا وأن ننصر الله جل وعلا ، ومعنى أن يدافع الله جل وعلا عنا وأن ينصرنا الله جل وعلا، يقول جل وعلا:(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج 40)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ) ( محمد 7 ).

4 ـ إن هناك مساحة من التقديس داخل القلب الانسانى . يجب أن تكون خالصة لله جل وعلا وحده . وإذا خصصّت منها نسبة ولو واحد فى المائة لتقديس شخص واحد من البشر فإن ذلك يكون على حساب التقديس الذى يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا وحده . فكيف إذا خصّصت هذه النسبة لعدو لله جل وعلا ورسوله ؟ كيف إذا خصّصتها لأظلم الناس لرب العالمين ؟ وهل يصحّ أن تتحرج من إتهامهم ولا تتحرج من كذبهم على الله ورسوله ؟ وايهما الأولى بالنصرة : الخالق جل وعلا الذى سيحاسبك يوم القيامة أم أعداؤه الباغون عليه ؟

5 ـ وهنا الفيصل فى قضية نصرة الظالم أو نصرة المظلوم ، فأولئك الخلفاء الراشدون وغير الراشدين وأولئك الأئمة الذين إفتروا على الله جل وعلا كذبا يأخذون مساحة كبرى من التقديس القلبى الذى يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا ،أى إن الظالم لله جل وعلا نعطيه تقديسا من التقديس الواجب لله جل وعلا وحده ، وبالتالى ننصره ونظاهره ونؤيده فى ظلمه لله جل وعلا ، وهذا منتهى الظلم منا لرب العزة. وهو ظلم يؤكد أننا لا نقدّر الله جل وعلا حق قدره،أى ينطبق علينا قوله جل وعلا:(مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج 74) (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(الزمر 67 ).

أخيرا :

المضحك المبكى المفجع أن نختار وأن نستكين لأظلم الناس لرب العالمين ليحكمونا باسم الاسلام ، وهو دين العدل والقسط والحرية ..نحن نستحق ما يجرى لنا وما يجرى علينا . 

اجمالي القراءات 13426