الفارق بين الشهيد والمقتول فى سبيل الله جلّ وعلا

آحمد صبحي منصور في السبت ١١ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

فى باب الفتاوى فى موقعنا ( اهل القرآن ) جاءنى سؤال يطلب الرأى فى الجدل المثار حول قتلى المظاهرات المصرية ومذبحة بورسعيد فى مباراة الأهلى والمصرى ، وهل هم شهداء أم لا . ومع أننى كتبت مرات عن معنى الشهيد واختلافه عن معنى المقتول فى السبيل الله جل وعلا ، إلّا إن الأمر يستلزم توضيحا أكثر فى مقال خاص . ولهذا أكتب هذا  المقال.

أولا : الشهيد لاعلاقة له بالمقتول فى سبيل الله

1 ـ مفهوم الشهادة :

مفهوم الشهادة من (شهد ): وتعنى فى القرآن الكريم :

 1/ 1 : الحكم فى قضية ما ، فتأتى ( شهد ) بمعنى أصدر حكما ، كقوله جل وعلا فى قصة يوسف :(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ)( يوسف 26 :27)

1/ 2 : الحضور والتواجد فى نفس المكان أوالزمان ، كقوله جل وعلا عن حضور موسم الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)(الحج28) وعن صيام رمضان (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 186) وعن حضور عقوبة الزناة:( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)( النور2)، وقد تعنى الحضور والتقدم بالشهادة كقوله جل وعلا فى صفات عباد الرحمن:( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)(الفرقان 72)،أى لا يقولون الزورولا يشهدون أى لا يحضرون مجالس الزور أى الافتراء على الله جل وعلا ولا يحضرون موالد واحتفالات التقديس للأوثان أى يجتنبونها طاعة لقوله جل وعلا :(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(الحج 30 )

1/3 :شهادة البشر فيما بينهم فى الدنيا فى التعاملات التجارية كقوله جل وعلا (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)(البقرة 282 ، 283). وفى العقوبات:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ)(النور 6: 9).

1/ 4 : وهناك الشهادة فى الآخرة أمام الله جل وعلا . وهى أنواع :

2ـ أنواع الشهادة فى الآخرة أمام الله جل وعلا  :

2/1 : شهادة ملكى كتابة العمل على الشخص الذى يسجلان أعماله،لو كان عمله صالحا سيشهدان له شفاعة له،ولو كان عمله سيئا فستكون شهادتهما عليه:(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ )(ق 17: 21) (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(الزخرف 80،86).

2/2 :شهادة الجوارحعلى صاحبها يوم القيامة:(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النور 24) (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)( يس 65) (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)(فصلت 20 : 22)2

2/3 : وموضوعنا هنا فيما يخصّ شهادة البشرعلىالبشر يوم القيامة.

وفوق الجميع فالله جل وعلا هو الشهيد على كل شىء ، وتكرر كثيرا فى القرآن الكريم على أنه جل وعلا على كل شىء شهيد.

3 ـ شهادة البشر على البشر يوم الحساب :

 معنى الشهيد هنا : هو من يشهد يوم الحساب شهادة خصومة على قومه الذين عايشهم فى نفس الزمان والمكان ودعاهم الى الحق والهداية فى حياته . ثم يكون عليهم يوم الحساب شهيدا وخصما. والشهيد يشهد بما رآه وما سمعه وما لمسه وما عايشه، أى لا بد أن يكون حاضرا ومن نفس الزمان ، فلا يشهد عليك من مات قبل ولادتك أو المولود بعد وفاتك .

4 ـ الشاهد والمشهود:

4/1 :الشاهد يعنى الذى يشهد شيئا بحواسه ويقوم بالشهادة به عندما يطالب بالشهادة . وهنا لا فارق فى شهادة الأخرة بين ذكر وأنثى ، فالشهداء والأشهاد يوم القيامة هم من أمضوا حياتهم فى الدعوة للحق الالهى ابتغاء مرضاة الله عزّوجل ، ثم يأتون يوم القيامة بخلفيتهم النضالية خصوما لمن إضطهدهم .

4/2 : ولأن الشاهد هو الذى يشهد شيئا بحواسّه يراه ويسمعه ويلمسه فإن المجرمين المشهود عليهم يوم القيامة سيكونون أيضا شهداء على أنفسهم ،وستشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وهنا يأتى التعبير القرآنى فى(سورة البروج ) :(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)). والسورة تتحدث عن تحريق المؤمنين ممن إشتهروا فى اليمن باسم ( أصحاب الاخدود )،يقول جل وعلا فى السورة : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)) فأولئك المجرمون هم أنفسهم شهود على أنفسهم يوم القيامة :( وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)).  

 5 ـ أنواع الشهداء على أقوامهم يوم الحساب

والشهيد على الضالين يوم الحساب نوعان : رسل الله وأنبياؤه، والشهداء من المؤمنين.

والله جل وعلا يقول عن مهمة الرسول أنها التبليغ فى الدنيا ومستلزماته والشهادة :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً)(الأحزاب 45 ـ ). ولكن شهادة الرسل هى تكليف لأنهم مختارون مصطفون من قبل الله جل وعلا . ولكن فيما يخص البشر فالباب مفتوح لكل مؤمن أن يكون شاهدا على قومه إذا قضى حياته وهو يتمسك بالحق متبعا الرسول فى الدعوة ويعانى مثله الاضطهاد صابرا كما كان يفعل الأنبياء ويبتهل الى الله جل وعلا أن ينال هذه المنزلة يوم القيامة قائلا :(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )(آل عمران 53).

6: إقتران الشهداء الأشهاد بالرسل يوم القيامة

وعن إقتران الأنبياء والرسل والمؤمنين الشهود يوم القيامة، يقول الله جل وعلا يعدهما معا  بالنصر فى الدنيا والآخرة (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(غافر51 : 52 )،ويقول جلّ وعلا عن الإتيان بهما معا يوم الحساب حيث يبدأ بهم الحساب:( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )(الزمر 69 ـ ) وعن وجودهم فى الجنة معا يقول جل وعلا:( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً )(النساء 69 ).

7ـ نوعية الشهادة : هى شهادة خصومة

هى ( شهادة على ) هى شهادة خصومة وليس (شهادة ل ) بمعنى الدفاع . فالله جل وعلا يقول لقريش والعرب عن خاتم المرسلين:(إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ )(المزمل 15) ،أى شاهد خصومة . وهذا ينفى شفاعة النبى . فالشفاعة هى شهادة دفاع ، وليس شهادة خصومة.وعن نوعى الشهداء من الأنبياء والمؤمنين يقول جل وعلا لخاتم النبيين:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً)(النساء 41). أى يؤتى من كل أمة بشهيد(عليهم ) أى شاهد خصومة،ويؤتى بالنبى محمد عليه السلام شاهد خصومة على قومه،أو بالتعبير القرآنى (عَلَى هَؤُلاءِ ).ويقول جل وعلا عن عيسى عليه السلام وقومه : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)(النساء 159). وشهادة الخصومة تأتى هجوما على ضلال القوم،وهنا تقترن شهادة الرسول بإعلانه بالتبرؤ مما وقع فيه قومه.

8 ـ:موضوع شهادة عيسى على قومه يوم القيامة

أساس الضلال فى قوم عيسى هو تأليههم الصريح والمعلن لعيسى وأمه عليهما السلام . ويوم القيامة سيؤتى بعيسى شاهدا على قومه ويستجوبه رب العزّة جل وعلا عن مسئوليته فى هذا الضلال فينكره ويتبرأ منه ومنهم.يقول الله جل وعلا:(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(المائدة 116 : 118)

  9 ـ ( القرآن ) هوموضوع شهادة خاتم المرسلين على قومه يوم القيامة

9/ 1 :أمّا ضلال المسلمين فأساسه أتّخاذ القرآن مهجورا،ليس هجره تماما، ولكن أن يكون موجودا وغائبا مهملا منبوذا فى نفس الوقت ، وهى عبقرية شيطانية تتجلى فى التغطية على القرآن بمصادر أخرى شيطانية من أحاديث شيطانية وتعطيل لتشريعاته وتحريف لمفاهيمه آياته ، وكل هذا بحجة أن القرآن يحتاج الى (السّنة ) التى تبينه وتشرحه. ولذا فإن شهادة الرسول محمد ستتركز على إثبات أن القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شىء يحتاج الى تبيان،يقول جل وعلا :(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )( النحل 89 ). ويوم القيامة سيعلن الرسول تبرؤه من قومه الذين أتخذوا هذا القرآن مهجورا:(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(الفرقان 30).ويأتى التعليق الالهى يشير الى أئمة السّنة وبقية الأديان الأرضية للمسلمين يؤكد إجرامهم وعداءهم لخاتم المرسلين (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيرا)(الفرقان 31 )

9/ 2 : وما يفعله هؤلاء الأئمة المجرمون هو أنهم يفترون على الله كذبا ، ينسبون إفتراءهم للرسول عبر إسناد مكذوب ، ويزعمون ان تلك هى السّنة وانها وحى الاهى نزل به جبريل على من افترى تلك الأحاديث ،أو إن جبريل نزل بهذا الوحى على النبى ولم يبلغه النبى فظل يتنقل بين المسلمين أجيالا وأجيالا فيكتبونه مختلفين فيه عددا ونصوصا . كل هذا إفتراء لا يصمد أمام عقل واع .ولكن هذا الافتراء ساد وانتشر وتمتع بالتصديق بين المسلمين فى غيبة تامة للعقل والادراك . وسيأتى الأشهاد يوم القيامة خصوما لأولئك الأئمة المجرمين المفترين يواجهونهم بما كانوا يفعلون فى الدنيا من نشر الافتراء على الله وبالصّد عن سبيل الله وعن كتاب الله ، مستخدمين نفوذهم السياسى وجاههم فى إضطهاد المصلحين ، وفى يوم الحساب سيصبح أولئك المصلحون شهداء على أولئك الأئمة المجرمين . هذا ما جاء تفصيله فى قوله جل وعلا عن أؤلئك الأئمة المجرمين أشد الناس ظلما لرب العالمين :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ)(هود 18 : 22 ).

 10 ـ (القرآن ) هو موضوع الشهادة للشهداء بعد موت خاتم المرسلين

10 /1 :والله جل وعلا أمر خاتم المرسلين :(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(يوسف 108).فهو عليه السلام يدعو الى الاسلام على بصيرة. والقرآن هو البصائر:(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا)   (الأنعام 104)، وكل من يجاهد بالقرآن مخلصا فهوعلى سنّة الرسول الحقيقية وعلى منهاجه الدينى،فقد كان عليه السلام يجاهد الكفار بالقرآن (فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان 52 ).

10/2 : ولأن الرسول محمد عليه السلام قد مات فالقرآن هو الرسول القائم بيننا،وهو الرحمة المستمرة بعد موته المنتصبة للهداية لكل من شاء الهداية من العالمين الى قيام الساعة:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )(الأنبياء 107).وهذا يعنى وجوب تبليغ هذه الرحمة للعالمين فى كل زمان ومكان.وهذا التبليغ يعنى الاضطهاد فى ظل سيطرة الأديان الأرضية على المسلمين، وما تعرض له خاتم النبيين وصفوة أصحابه المؤمنين فى مكة يمكن تكراره على كل داعية يدعو الى الله جل وعلا على بصيرة.ويحدث هذا لأهل القرآن، لذا ندعو ربنا جل وعلا أن نكون أشهادا على قومنا يوم القيامة:(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ).

11 ـ مواصفات الشاهد بالقرآن

11/ 1 :والشاهد بالقرآن هو كل من يجاهد فى تبرئة الاسلام مما ألحقه به أتباع الأديان الأرضية ، الذين بسببهم أصبح الاسلام متهما بالتخلف والتعصب والتزمت والارهاب.الشاهد يوم القيامة هو من يناضل بفكره وماله ونفسه يسجل بعمله خلفية نضالية يستحق بها هذه المنزلة يوم القيامة ، يتمتع وقتها بكونه مع الأنبياء فى صحبتهم ومعيتهم. هذا الذى سيكون شاهدا يوم القيامة لا يسأل الناس أجرا لنفسه ، ولا يطلب جاها ، ولا يطلب رضا الناس بغضب رب الناس . هو مستغن عن الناس بقدر إحتياجه لرب الناس.هو لا يحزن إذا أعرض عنه الناس ، ولا يفرح إذا إتّبع الحق ملايين الناس،لأن كل فرد مسئول عن نفسه إن إهتدى فلنفسه وأن ضلّ فعلى نفسه . كل ما يرجوه هو رضى رب العالمين عنه.

11/2 : ومن هنا فالشاهد لا بد أن يكون معروفا لقومه بنضاله وجهاده ومعاناته وباعلانه الاحتكام للقرآن الكريم ودعوته الاصلاحية المعلنة، لأنهم بضطهدونه شخصيا ويفترون عليه الأكاذيب ويقيمون له المحاكمات ويحيكون له المؤامرات ويصادرون عمله لو استطاعوا ،أى يصدون عن سبيل الله جل وعلا. بل إنهم باضطهادهم له وبشائعاتهم حوله يسهمون بالقدر الأكبر فى نشر دعوته للحق . هذا الصخب من أكاذيبهم ومن الحق الذى يذيعه يتم تسجيله ويكون أساس شهادته على خصومه يوم القيامة يوم لقاء الله جل وعلا . وبالتالى فيمكن معرفة الشاهد يوم القيامة من خلال معايشة نضاله فى سبيل الحق ، ولكن لا يمكن معرفة من هو الفرد الذى يعتبره رب العزة مقتولا فى سبيل الله ،لأن الأمر هنا منوط بنية القتيل وقلبه، وهذه المشاعر لا يعلمها إلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

11/ 3 ـ لذا فإن الذى يرجو منزلة الشهادة يوم الحساب هو من الذين يرجون لقاء الله جل وعلا طلبا للانصاف والعدل فى يوم الفصل الذى هو ايضا (يوم التغابن ) أى رفع الغبن عن المظلومين . ومن هنا ينقسم الناس قرآنيا الى من يرجو لقاء الله ومن لا يرجو لقاء الله . فالظالم لا يرجو لقاء الله ولا يؤمن أصلا باليوم الآخر، لأنه لو آمن به لعمل له،أما من يعدّ نفسه لمقام الشهادة متحملا الأذى فهو يرجو يوم الانصاف وينتظر يوم التغابن .

12 ـ تبقى كلمة ختامية فى موضوع الشهداء : بعضهم يصل به الاضطهاد الى درجة القتل ، فيكون شهيدا على قومه وفى نفس الوقت يتمتع بمميزات المقتول فى سبيل الله . ليس كل مقتول فى سبيل الله يأتى شهيدا على قومه ، فقد يكون جنديا لا شأن له بالدعوة.

ثانيا :المقتول فى سبيل الله جلّ وعلا :

1 ـ أسباب القتل :

1/1 ـ لا نتحدث عن حوادث قتل بين عصابات أو قبائل، ولا نتحدث عن جريمة فيها قاتل ظالم ومقتول مظلوم،لا نتحدث عن صفحة الحوادث وأخبار الجرائم، ولكن نتحدث عن إنسان يختار أن يضحى بنفسه فى سبيل هدف ما .

 1/ 2 ـ هناك اسباب عدة يدفع فيها الإنسان حياته قتلا،يضحى بحياته الدنيا، أكثرها شيوعا أسباب دنيوية تتمثل فى الصراع المستمر حول السلطة والثروة ، وفى هذا الصراع يتم فيه تحريف الدين السماوى ليصبح أديانا أرضية تقام على أساسه دول دينية مذهبية تستخدم اسم الله فى طغيانها كما يحدث فى ايران والسعودية،وكما يسعى السلفيون والاخوان المسلمون فى مصر وغيرها. وهناك تسويغ للصراع حول السلطة والثروة بشعارات قومية كالنازية والفاشيستية والقومية العربية والصهيونية والطورانية والشعوبية ، أو شعارات وطنية باسم الوطن ،أو شعارات العدالة الاجتماعية كالشيوعية والاشتراكية. تختلف الشعارات ولكن تتحد فى أنها تستغل الجماهير لتضحى بحياتها كى يصل القادة الى التحكم فى السلطة والثروة، بل يصبحون أربابا يتمتعون بالتقديس ، مع أنهم يكررون نفس الظلم الذى كان يمارسه الطغاة السابقون.وهناك من يضحى بحياته فى سبيل الله فقط ،وهذاهو(المقتول فى سبيل الله).

2 ـ ماهية المقتول فى (سبيل الله) : ( سبيل الله هو القسط ).

2/1 :  الفيصل هنا هو مصطلح ( فى سبيل الله ) فمن هو المقتول فى سبيل الله جلّ وعلا ؟

نحن لا نرى الله جل وعلا ولن نراه . ولكن المؤمن يحتفظ فى القلب بالتقديس للخالق جل وعلا وحده، ويثمر هذا التقديس طاعة له جل وعلا فى كتابه ورسالته. وكل الرسالات الالهية نزلت لكى يقوم الناس سلميا بالقسط ،أو أن يقيموا سلميا مع بعضهم وفيما بينهم القسط .

2/ 2 : وهنا نتوقف مع قوله جل وعلا :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد 25 ). موجز الآية الكريمة إن الهدف من ارسال الرسل وأنزال الكتب السماوية هو أن يقوم الناس بالقسط سلميا، وإن لم يقم الناس بالقسط فهناك البديل وهو الحديد الذى أنزله الله جل وعلا الى الأرض. هذا الحديد الذى فيه باس شديد ومنافع للناس رمز للصراع المسلح ، أن لم يقم الناس بالقسط سلميا سيلجأون للصراع المسلح بالسيف والرمح والسكين والمدفع والطائرة والدبابة ..وكلها منتجات الحديد.

2/ 3 : وهذا الحديد فيه منافع للناس ، وفيه أيضا مضارّ للناس ، إذ يتوقف الأمر على الهدف من استعماله ، هل فى الظلم أو فى القسط . وهكذا فى الثورات والنضال المسلح الذى يستلزم التضحية بالنفس والقتل والاقتتال بالحديد . هناك من يقاتل فى سبيل الثروة والجاه والسلطة صراحة أو ضمنا ، وهناك من يقاتل فى سبيل الله ويضحى بحياته فى سبيل الله. ولا يخلو الأمر من تشابك و تضارب وتشويش ، حين يتم الزّج باسم الله جل وعلا فى صراع هو ليس فى سبيل الله ولكن فى سبيل الثروة والسلطة، كما حدث فى موقعة الجمل حين تحارب المسلمون صراعا على الدنيا واقتتلوا وكل فريق يهتف ( الله أكبر) ، وكما حدث بعدها فى الصراعات المسلحة بين المسلمين التى تحمل لواء الاسلام ، ثم يسفر الأمر عن قيام خلافة مؤسسة على الظلم والاستبداد. والسعوديون فى عصرنا ساروا فى نفس الطريق فأسسوا بالدم والمذابح وبشعارت اسلامية دولة للظلم ، وعلى سنتهم يسير الاخوان المسلمون والسلفيون . والنتيجة أن قيام دولة الظلم ـ ولو بشعارات دينية ـ لا بد أن تحوى فى داخلها بذور ثورة أخرى عليها ، فالظالم فى حكمه مضطر لارهاب الناس بالاستمرار فى الظلم كى يحمى نفسه وكى يؤمّن سلطانه ويخمد خوفه ، وكلما إزداد خوفا إزداد عسفا وقتلا وظلما ، وبالتالى تكاثرت بذور العصيان وأنبتت حركات مقاومة سلمية ثم مسلحة ، قد يتزعمها شخص طموح للسلطة يخدع الناس ليضحوا بحياتهم من أجله أو من أجل المبادىء التى يعلنها ، فإذا وصل للحكم صار أسوأ ممن سبقه ، أو كما قال جل وعلا (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ ) (ابراهيم 45) .

2/4 : ويأتى الحل القرآنى بأن يقوم الناس بتغيير ما بأنفسهم من خنوع وخضوع وسلبية الى نشاط وفعالية فى سبيل الحق والخير والعدل ، إيمانا بأن السبيل لحقن الدماء وارساء السعادة والرخاء والازدهار هو ان يتعاون الجميع معا فى إقامة القسط والعدل للجميع وعلى قدم المساواة ، وأن يسرى القانون على الجميع وعلى قدر المساواة . لو قامت الأغلبية الصامتة الساكتة السلبية بتغيير نفسها وتفاعلت بالخير طلبا لاقامة العدل سيقام العدل سلميا . ولكن إقامة العدل لا تكون إلاّ على حساب نظام ظالم قائم ، أى لابد من الصراع ، ولا بد من إشتراك الجميع فيه . وهنا قد يكون المستبد عاقلا فيخرج بلا سفك دماء وفق صيغة خروج آمن ، أو يكون متخلفا فى تفكيره فيصمم على البقاء فيلجأ طالبو العدل الى الحديد ذى البأس الشديد ، ولو ظلوا فى صمودهم سينتصرون ، ليس فقط فى عزل النظام الظالم ولكن أيضا فى منع قيام مستبد آخر يحلّ محله . هذا إذا كانوا فى أغلبيتهم المطلقة متفاعلين بالحق والخير والعدل ، وليسوا أقلية لا تعبّر عن الأغلبية الصامتة الساكنة السلبية ، أو ما يعرف فى مصر بحزب الكنبة . أو (الكنبة ) أو الأريكة التى يجلس عليها المستبد مطمئنا الى خمول الشعب وسلبيته .

3 ـ نوعا القسط :القسط مع الله والقسط بين الناس

3/ 1 :ما سبق تقريره هو إقامة القسط فى التعامل بين الناس بحيث لا يوجد شخص أو حزب أو جماعة تعلو على الناس وتستأثر بالسلطة والثروة وتظلم وتطغى . هذا هو الظلم من البشر للبشر ، ويجب مواجهته بأقامة القسط فى التعامل بين البشر. هناك النوع الآخر ، وهو العدل فى التعامل مع الله جل وعلا ، فمن الظلم للخالق رب العالمين أن تجعل له شريكا من الأحجار ومن الموتى المقبورين ، ليس عدلا أن تساوى الخالق الرازق بمخلوق تتخذه شريكا للخالق جل وعلا. وليس عدلا أن تمنح من التقديس الواجب لله جل وعلا وحده جزءا لغيره ، يستوى إن كان من تقدسه رسولا أو شيطانا . فالشرك ظلم عظيم :( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )( لقمان13).وأظلم الناس هو من يفترى على الله جل وعلا كذبا ليؤسس تقديسا للبشر والحجر ، وهؤلاء سيأتى الأشهاد خصوما لهم يوم القيامة.

3/ 2 : على أن هناك فارقا بين إقامة القسط فى التعامل بين الناس وإقامة القسط فى التعامل مع رب الناس. إقامة القسط فى التعامل بين الناس تكون بمراعاة العدل وفرض العقوبات على ينتهك حقوق الأفراد وحقوق المجتمع . أما إقامة القسط فى التعامل مع الله جل وعلا فلا تكون إلا بتأمين الحرية المطلقة فى الدين ،فلا إكراه فى الدين ،لا إكراه فى دخول أى دين أو الخروج من أى دين ،ولا إكراه فى العقائد وفى العبادات وفى الدعوة لأى دين ولأى فكرة.وأساس العدل هنا أن هذه الحرية اساس فى مسئولية كل فرد على إختياره،والبشر مختلفون فى عقائدهم ، و بكل اختلافاتهم فهم فى النهاية قسمان فيما يخص رب العزة ، قسم يؤمن بالله وحده بلا شريك ويعبده وحده ويعمل صالحا إبتغاء مرضاته متحسبا لليوم الآخر، وقسم آخر يقع فى الشرك والكفر العقيدى والسلوكى معتقدا فى آلهة مع الله . هنا قسمان مختلفان ، أى هما خصمان . وليس من العدل أن يكون أحد الخصمين حكما على خصمه. العدل هو أن يحكم على الخصمين معا صاحب الشأن ، وهو الله جل وعلا يوم الدين . ومن هنا فلا بد من تقرير الحرية المطلقة فى الدين لتقام دولة على أساس العدل والحرية .

3/ 3 ، وبالتالى فمن يضحى بحياته لإقامة دولة الحرية المطلقة فى الدين والعدل المطلق بين الناس يكون قد ضحى بحياته فى سبيل الله جل وعلا. ويكون ممن ينطبق عليه وصف المقتول فى سبيل الله .

4 ـ هل يمكن تحديد شخص ما على أنه ( مقتول فى سبيل الله )

يقول جل وعلا:(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ )(البقرة 154)( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران 169 : 171).

الواضح هنا أن الكلام على صفات مطروحة أمام الناس جميعا ، وليس على فرد بعينه،وأن النهى جاء لمنع وصفهم بالموت لأنهم طالما ضحّوا بحياتهم الدنيا فلن يموتوا كبقية البشر ، ولكن سيعيشون فى حياة برزخية ـ ربما جنة المأوى التى رآها خاتم النبيين وورد اسمها فى سورة النجم ، وربما هى الجنة التى كان فيها آدم وحواء . والقرآن الكريم تحدث عن سبع سماوات ومن الأرض مثلهن أى سبع أرضين ، وتلك الأرضين الست غير أرضنا المادية هى مستويات برزخية عليا مختلفة فيما بينها تعيش فيها عوالم الجن والشياطين والملائكة المكلفة بالبشر ، وفى أحدى تلك الأرضين السّت توجد الجنة التى يعيش فيها المقتولون فى سبيل الله ، وهم يحسّون بنا ونحن لا نشعر بهم ، يوننا ولا نراهم . وهم يظلون بلا موت الى أن تقوم الساعة ، فيجرى عليهم ما يجرى على بقية البشر من بعث وحشر وحساب ، ثم ينتهى بهم المطاف الى ما يستحقون من نعيم الجنة .

وبالتالى فلا أحد يعلم سريرة ذلك المقتول . وليس له ان يحكم له أوعليه . علم ذلك عند الله جل وعلا في نية ومشاعر من خرج من داره مجاهدا مسالما فى مظاهرات أو مقاتلا فى معركة . أما من خرج فى شأن دنيوى مباح مثل مشاهدة كرة القدم وقتلوه ظلما فمصير القتلة خلود فى النار وعذاب عظيم . أما الضحية المظلوم فحسابه عند ربه ، لكن لايقال فيه مقتول فى سبيل الله لأنه نفسه لم يخرج ليجاهد فى سبيل الله سلما او حربا.

اجمالي القراءات 48973