العذر بالجهل قضية مختلف فيها تراثيا وحاليا . والمرجعية فيها لله جل وعلا لأنها شأن أخروى . وطبعا لا يمنعنا هذا من الاجتهاد والقول فى حدود علمنا القاصر وفهمنا للقرآن الكريم .
واضع رأيي فى الاتى :
1 ـ أنها قضية شخصية فردية خاصة بكل فرد . نحن هنا لا نتحدث عن عموم المسلمين الغافلين ، ولكن عن كل فرد غافل بغض النظر عن دينه ومذهبه وزمانه ومكانه.
2 ـ مع أن الغفلة من طبيعة البشر حتى كان محمد قبل النبوة من الغافلين (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ )(يوسف 3) إلا إن كل فرد يحتفظ فى داخله بالفطرة السليمة فى الاعتقاد فى الخالق وفى الايمان بالقيم العليا من الخير والعدل والاحسان والحرية وكراهية الظلم والبغى . وكل فرد لديه ما يعرف بالضمير أو الأنا العليا ، ولذا فمهما بلغ طغيانه فهو على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره كم قال رب العزة .
3 ـ ويساعد على اليقظة من الغفلة وقوع كل فرد فى المصائب التى تجعله يراجع نفسه وتهيىء له أسباب التوبة .
4 ـ ومن هنا فإن لكل فرد فرص تأتيه لتوقظه ، من اختبارات الاهية و فطرة تنبض داخله ، ثم إذا أدركه الشيب كانت فرصته أكثر فى مراجعة النفس .
5 ـ وفى كل الاحوال فالله جل وعلا لا يؤاخذ الساهى و الناسى والمجبور المكره على العصيان . يؤاخذ المتعمد فقط .
وفى كل الأحوال فأى فرد يولد وبداخله أسئلة كبرى عن رب العزة وخلق الكون ولماذا ..وكل فرد لو تفكر فى خلق السماوات والأرض سيصل الى انه لا اله ألا الله .
وكل فرد لو تفكر بعقله فى تقديس البشر و الحجر لأدرك عبثية هذه الخرافات ..أى أن معرفة الحق ميسورة ، ولا تستلزم جهدا ، ولكن الباطل يستمر بالغفلة . والغفلة لا تدوم إلا إذا صمم الفرد على أن يظل غافلا. وعندها يستحق العذاب الخالد الأبدى يوم القيامة فقد استنفد كل الأعذار .
أخيرا
هذا الفرد لو ذهب يشترى كيلو لحم لا بد أن يستوثق من نوعية اللحم ويرضى بالسعر ويراقب الوزن . أى لا يرضى لنفسه بالغفلة . وهذا الكيلو من اللحم يظل بضع ساعات ثم يتحول الى براز . ولكن هذا الفرد يغفل عن آخرته وعن دينه ، ويرضى لنفسه بالانخداع والخضوع لتجار الأديان الأرضية يقدم لهم النذور والنقوط والقرابين والتبرعات ، ويسمع ويطيع لأئمة السوء متبعا المثل الشعبى المصرى القائل ( حطها فى رقبة عالم واطلع سالم ). هذا الغافل لا تعطيه غفلته حصانة من العذاب ، فليس مجنونا وليس مكرها بل هو صاحب عقل ، ولكن أخمدعقله عامدا متعمدا ، فيستحق مصير الغافلين : يقول جل وعلا فى سورة يونس: ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)) ويقول فى سورة الأعراف (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179)) . وصدق الله العظيم جل وعلا .