قديما وفي العصر الجاهلي كانت المرأة مهدرة الحقوق، فلا يحق لها أن ترث ولا تعامل معاملة آدمية كريمة ، ولا يؤخذ رأيها عند زواجها ،بمعنى أدق كانت تعتبر ضمن ممتلكات الرجل، الذي بمكانته في الأسرة يمتلكها وتصير رهن طوعه وإشارته ولا تمتلك التحكم في أمورها، فلم يكن لها الحقوق التي شرعها القرآن الكريم حتى جاء الإسلام فاعطاها حقوقها كاملة .
إن الإسلام العظيم هو الدين الأكثر إعلاءً من شأن المرأة، وصوناً لعفافها وكرامتها، ويعمل علي رفعتها ويمنحها حريتها، ويضمن لها حياة كريمة ، في ظل مجتمع تعلم وتخلق بالقرآن الكريم ،ويتعلم منه كيف يمتثل لأوامر خالقه سبحانه وتعالى ويتقيه في تنفيذ ما يوجبه عليه دينه سواء أكانت أوامر أم نواهي
إعلاء الإسلام للنساء في أمور الحياة ..
قديماً وفي المجتمعات الجاهلية أقصيت المرأة عن الحياة الكريمة تماماً ، بل أنها حرمت من كافة صور النشاط الإنساني ، وهذا ما نجده واضحا في البلاد العربية بوجه عام وامتد الزحف حتى وصل إلى مصر في هذا العصر الذي سيطر عليه أصحاب الفكر الوهابي ، وهذا من أوجه الشبه بين العصرين ،
فالنساء المنقبات اللاتي يتبعن المنهج السلفي الوهابي قد أقصت نفسها بإرادتها عن صور النشاط الإجتماعي والفكري الناضج الذي يضيف للمجتمع ، والتي من المفترض أن تظهر ثمار هذا الفكر في تربيتها لأولادها وفي تعاملها مع المحيطين بها، وتفاعلها مع مجتمعها . علي وجه العموم. فتخلف المجتمع في أوجه كثيرة بسبب تخلف نصف وهى المرأة .
فتخلف المجتمع ينتج عن اعتماده واقتصاره علي نصف طاقته من الرجال -عند إقصاء عنصر النساء وتهميشهن، فضلاً عن تركه لكل أسباب الحضارة التي تقوم عادة علي تفتح العقل والأخذ بالعلم وتأصيل كرامة الإنسان من ذكر وإنثى .
وكان طبيعياً لذلك أن يغرق المجتمع في الجهل ويسرف فيه إسرافاً شديداً حتى بات سمة مميزة لا يمكن إخفائها .
وعندما أنعم الله تعالى على الناس بمجيء ،الإسلام أعاد للناس حقهم في الحياة الكريمة إن هم آمنوا بالله كرب واحد أحد ، وأعطى المرأة على وجه الخصوص حقوقها وكيانها في بناء المجتمع، وذلك بسبب مالاقته المرأة من ظلم وقهر وضياع حقوق في الجاهلية .
فالمتبعون المذاهب الجاهلية وما ألفوا عليه آباءهم يعتبرون أن المرأة شيطان،وأنها كلها عورة، وأنها لا تخرج من بيتها بدون محرم ،إلا في حالة الضرورة القصوى.وإذا خرجت فإن الشيطان يتلبسها حتى ترجع لبيتها
فالإسلام قد أعطى المرأة حقوقها كاملة وعاملها معاملة كريمة ،ورفع من قدرها وأعلى مكانتها ،بعدما كانت تعامل بازدراء شديد وتجاهل في كافة مناحي الحياة .
فعلى سبيل المثال قد أوجب لها الإسلام مهر وعند زواجها لابد من استئذانها عن طريق أهلها . وأوضحت ذلك آيات القرآن الكريم
(فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء 2
ومن بين الحقوق للمرأة ما أوجبه الإسلام العظيم من إحسان للأم .في آيات عديدة من القرآن الكريم. {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان.14
ومن بين ما شرعه الله للمراة في القرآن الكريم وآياته البينات من المساواة الكاملة في أعمال البر ووجوه الخير بحيث يكون للمرأة المشاركة فيها جميعاً مثل الرجال سواء بسواء:
(( ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران 195
نتأتي بعد ذلك للأية التي يتخذونها حجة لعدم خروج المرأة من البيت وبقائها تحت رحمة مقتنيها وهذه الاية.
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب. 33.
فهذا التشريع (وقرن في بيوتكن )خاص بنساء النبي لأن الآية التي قبلها تؤكد ذلك وتخاطب نساء النبي بما يجب عليهن فعله حتى لا يكن عرضة لطمع من في قلبه مرض . {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }الأحزاب32.
ولو كان هذا التشريع عام لكل النساء لجاء الأمر واضحا ،ولذا فمن حق المرأة الخروج وهى محتشمة وغير متبرجة بزينة تلفت لها الأنظار،فتخرج بالزينة الطبيعية التي لا إسراف فيها ، ولها أن تعمل لكفالة نفسها وأولادها ووالديها وزوجها إذا كان مريضاً وغير قادر على العمل .
ومن ضمن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة وإعطائها حقها ،ما شرعه الله تعالى من دخولهن كالرجال في الشوري في شئون البلاد ومنفعتها، حيث قال رب العزة جل وعلا {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الشورى38.
فالخطاب موجه الرجال والنساء بصيغة الجمع( والذين )، كما أن جميع الصفات الواردة في الآية الكريمة نفسها هي مشتركة أيضاً لهما (جميعاً)، ولكن الطابع الجاهلي قد خيم علي مجتمعاتنا الإسلامية حتي عادت إلي مفاهيم الجاهلية في أكثر شئون حياتها،
فأين هذا التشريع الإلهي العادل في حق المرأة من فهم هؤلاء السلفيين الوهابيين الذين أقصوا المرأة عن ركب الحياة والحضارة ، وتحكموا فيها بدافع التعصب والتخلف وإتباع الزي الأسود الذي تبدو فيه المرأة المنتقبة به متخفية لا يشعر من حولها بالأمان في المواصلات العامة خاصة وعند وجود الأطفال .
ما شرعه الإسلام كذلك من تعبير النساء دائماً عن أنفسهن مباشرة وذلك في قوله تعالى
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) (الممتحنة 12)في كل الأمور الإرادية وليس بالوكالة كما أتتنا به جماعات الجاهلية وهي تزعم أنه من الدين، بينما هو من الجهل والضلال المبين،
وهذه الآية الكريمة تتحدث عن بيعة النساء حين جاءت النساء إلي الرسول عليه السلام للبيعة التي كانت بعد بيعة الرجال في هذه المناسبة!! مما يدل علي استواء الأمر تماماً في التعبير عن الإرادة بين الرجال والنساء دون أدني تمييز!!، ولو كانت المرأة تظل حبيسة بيتها أو لا تعبر عن رأيها بنفسها لأكتفي الشرع بإرسال من ينوب عنها في ذلك، أو اكتفي بإبلاغ ما يقوله النبي الكريم إليهن في بيوتهن دون أن يأتين إليه عموماً لسؤاله، والتعلم منه كما كان حادثاً في عهده!!، ولكن لم نرى فى آيات القرآن الكريم ما يدل على هذا.
ونستنتج من هذا أن المرأة لها أن تكون فردا عاملا وأن النساء بايعن النبي عليه السلام الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الممتحنة12فكلمة (فامتحنونهن )هذا الامتحان المراد منه اختبار أمني وليس على العقائد وممارسة الحسبة كما يفعل ذلك أصحاب الأديان الأرضية .
أولئك النساء كشركاء في الوطن مثلهن مثل الرجال ، إذن النساء بايعن النبي وكل امرأة بذاتها ومن ينكث هذه البيعة فقد نكث عهده مع الله .
ولكن يبدو من استمرارية النظرة الدونية للمرأة من قبل السلفية الذين لم يعجبهم أن تضع المرأة يدها على يد النبي وادعوا في أحاديثهم المزورة أن الرسول عليه السلام رفض مصافحة النساء ولم ينتبهوا لهذه الآية القرآنية الكريمة التي تقرر أن المبايعة كانت للرجال والنساء بصيغة الجمع {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10.
هم ينظرون إلى المرأة نظرة دونية فهم لا يتجاهلون موضوع المصافحة فحسب ،بل يتجاهلون ما هو أكبر وأهم وهو حق المرأة في المبايعة وفي حقها في تقرير مصيرها.
إنها جرائم لا تغتفر قام بها هؤلاء الصحراويون وصار على خطاهم المقلدون الذين أهملوا العقل ولم يلتفتوا لكل آيات القرآن الكريم التي تٌعلى من شأن العقل وتحث على استخدامه .لكي تستقيم أمور الحياة .
وأختتم المقال بخير ختام ببعض من آيات القرآن الكريم التي تحث على التفكر والتدبر في الكون والخلق وعدم الرجوع للخلف ولما وجدوا عليه آباءهم من شرك وأفعال تٌغضب الخالق سبحانه وتعالى ، وتعلى الآيات الكريمات من شأن العقل لقوم يتفكرون .
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }النحل12.
{وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الجاثية5.
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الروم28.
وفي المقال القادم بعونه تعالى سوف نتحدث عن باقي الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة .