ما الفرق بين يلفظ وينطق ؟
عزمت بسم الله،
لقد اشتهر بين المسلمين أن الرسول محمدا عليه السلام لا ينطق عن الهوى، أي لا ينطق بهوى نفسه، إن هو إلا وحي يوحى، نعم وهو كذلك، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والسؤال الذي يجب أن نبحث عن جوابه هو: هل كل ما يتلفظ به الرسول عليه السلام يعتبر من الوحي المنطوق به؟
هل يوجد فرق بين كلمة ينطق و يتلفظ؟
هل الرسول عليه السلام وغيره من عباد الله تعالى سوف يحاسبون على ما يلفظون من قول، أم على ما ينطقون؟ ما هو الفرق بين النطق والتلفظ؟
من وجهة نظري المتواضعة هناك فرق بين النطق والتلفظ، بالنسبة للنطق الصادر من مخلوق ما، يكون صاحبه ينطق بلا إرادة، أي مجبرا على النطق، ويكون ذلك للأنبياء، والوحي إلى الرسل، والأحلام أثناء النوم.
يقول تعالى:
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ(9). الأحقاف.ويؤكد المولى تعالى ذلك بقوله: وَمَا يَنْطِقُعَنْ الْهَوَى(3). النجم.
إن الرسول لا يمكن أن ينطق بالوحي من عنده، إنما يُنطقه الله بقدرته سبحانه، قال الله تعالى لرسوله: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ(45). الأنبياء.
كما سوف يُنطق الله تعالى بقدرته أعضاء البشر يوم تقوم الأشهاد، لتشهد على أصحابها على ما كانوا يعملون في الأولى ( الدنيا)، فتنطق الأعضاء وتشهد على ما عملت أو شهدت، بدأ باللسان والأيدي والأرجل، فهي الأعضاء المنفذة لما تأمر به نفس الإنسان من خير أوشر.
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24). النور.
ويأتي دور جلد الإنسان كذلك ليؤدي شهادته بقدرة الله تعالى الذي سوف ينطقه، حينئذ يتساءل الإنسان حسب ما بلّغ رسول الله عن الروح الأمين عن ربه:وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21). فصلت.
إذن هناك نطق لا يتحكم فيه المخلوق، ولا يمكن أن يمتنع عن النطق به، سواء كان نبيا رسولا أو مخلوقا آخر، ـ مثل أعضاء وجلد الإنسان ـ فهو ينطق بما يوحى إليه أن ينطق به رغما عنه.
أما التلفظ، فالإنسان حر فيه بأن يلفظ من القول ما بدا له، وسوف يشهد عليه لسانه ـ يوم ينطقه الله تعالى ـ بكل ما تلفظ به، من قول يريد به خيرا وإصلاحا أو شرا وإفسادا.
النبي مثلا يتلفظ بكل حرية كل ما يشاء أن يقوله، فهو بشر مثل باقي البشر ولا فرق بينه وبينهم في التلفظ الذي سوف يحاسب عليه، توضيحا لذلك فقد حرم النبي شيئا ما لم ينزل به الوحي لتحريمه، فكان اجتهادا منه فقط، فجاء الوحي الذي نطق به الرسول ليعاتبه على تحريم ما أحل الله تعالىفقال سبحانه: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(1). التحريم.
لاحظوا أعزائي لم يقل الله تعالى: ( يا أيها الرسول لم تحرم) لسبب بسيط وهو أن الرسول عليه السلام لا يمكن له أن ينطق بشيء لم يكن بوحي من الله تعالى، لذلك قال سبحانه (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ). ـ فهذا يعتبر عتابا وتحذيرا للنبي الذي حرم ما لم يحرم الله تعالى ـ. إن النبي مثل باقي البشر سوف يحاسب على ما يلفظ من قول، لأن ما يلفظ البشر من قول يكون مسؤولا عليه يوم الدين، ولدى البشر ملكان يكتبان ما يلفظ من قول. قال رسول الله عن الرُُّوح الأمين عن ربه سبحانه: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُمِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18).ق.
وعند الله تعالى كتاب ينطق علينا بالحق، لأن الله تعالى بقدرته كان يستنسخ ما كنا نعمل في الدنيا من مثقال ذرة من خير أو شر سوف نجده حاضرا يوم الفرقان.
هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29). الجاثية.
وقال سبحانه: وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّوَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(62). المؤمنون.
فعليه في نظري لقد فرق الله تعالى بين النطق ألا إرادي، والتلفظ الذي يتحكم فيه المخلوق،
أما النطق ألا إرادي فمصدره الوحي من الله تعالى إلى رُسله، والأحلام أثناء النوم أو عند ارتفاع درجة الحرارة عند الإنسان، فإنه يتحدث بلا إرادة، وربما يدخل في هذا الإطار أيضا المخمور الذي غيب عقله بوسيلة ما، ولأمر ما حرم الله تعالى القرب من الصلاة في حالة غياب العقل حتى يكون المصلي يعلم ما يقول. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا."43" النساء.
أما التلفظ، فيقول الإنسان ما يشاء من قول، وهو مسؤول عن قوله ومحاسب عليه، وربما يكون قوله مخالفا لما يخفي في قلبه، كأن يظهر ولاءه وحبه لشخص ما بينما هو ألد الخصام.
قال رسول الله عن الروح عن ربه: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204).. البقرة.
فما تعليقكم زاد الله فضلكم؟؟؟
ولا ننسى أن محمدا بن عبد الله عليه السلام ما هو إلا بشر إلا أنه يتمتع بشهادة من المولى تعالى أنه على خلق عظيم...
والسلام عليكم.