المسـتبد لص، ولن تجد مسـتبدا واحدا طاهر الذيل نظيف اليـد، فهو يسرق السلطة والنفوذ ابتـداء، وينهب أموال الأمة انتهـاء، فالمال والنفـوذ هما غاية اسـتبداد المسـتبد، فيرى أنـه وحده المتصرف فى أموال الدولة، إذ يراها أموال اللـه وهو ظل اللـه فى الأرض خولـه سـلطة التصرف فى أرواح العبـاد وأموالهم . قال الخليفـة المنصـور فى خطبتـه للنـاس: "أيها النـاس، إنما أنا سلطان اللـه فى أرضه، وحارسه على ماله، وأعمـل فيـه بمشيئته وإرادتـه "، وإذا نظرت إلى موضـع ثروات الأمم عرفت نظم حكمها، هل تتركز الثروة فى أيـدى الحكام والأتبـاع والأقارب والمعارف، أم فى أيدى ملاك الأراضى (الإقطاعيين)، أم لدى التجار والصناع (الرأسماليين)، أم هى أموال الناس كافة؟ والفرق الحاسم بين الخلافة الراشدة وغيرها هو أن بيت المال فى الأولى للأمة كافة، وفى الثـانية للمستبد وأعوانـه . قال عمـر بن الخطاب ذات مرة: " واللـه ما أدرى أخليفة أنا أم ملك فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم" فقال أحد الصحابة: "ياأمير المؤمنين إن بينهما فرقا، قال: وما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقـا ولا يضعه إلا فى حق فأنت بحمد اللـه كذلك والملك يعسـف النـاس فيأخذ من هذا ويعطى هذا " ." وحمل أبو بكر الصديق رضى اللـه عنـه أقمشته على كتفيه – فى اليوم التـالى لتـوليه الخلافة – وخرج لبيعها (وكان يتعيش قبل الخلافة من تجارة القماش) فلقيه فى الطريق عمـر بن الخطاب رضى اللـه عنه فسأله: أين تريد؟ قال: السوق، قال: تصنع ماذا وقـد وليت أمر المسلمين؟ قال: ومن أين أطعم عيالى؟ قال عمـر: انطلق يفرض لك أبو عبيدة (صاحب بيت المال) فانطلقا إلى أبى عبيـدة فقال: افرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا بأوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف إذا أخلقت شـيئا رددته وأخذت غيره، ففرض له أبو عبيدة من بيت المال أربعة آلاف درهم سنويا، فلما حضر أبا بكر الموتُ قال: قد كنت قلت لعمر أنى أخاف إلا يسعنى أن آكل من هذا المال شـيئا فغلبنى، فإذا مت خذوا من مالى ثمانيـة آلاف درهم وردوها إلى بيت المـال، فلما جاءوا بها إلى عمـر قال: رحم اللـه أبا بكر لقـد أتعب من بعده تعبا شـديدا "(3) . ولما تولى عمـر بن الخطـاب قال: "كنت تـاجرا، وقـد شغلتمونى بأمركم هـذا، فما ترون أن يحل لى من هـذا المـال؟ فقـال على بن أبي طالب: ما يصـلحك ويصلح عيالك بالمعروف، ليس لك من هذا المال غيره، فقـال: القول ما قال على " .رضي الله عنهم أجمعين خلفاء كرام تربوا في مدرسة النبوة التي اغلقت أبوابها بعدهم وللأبد. هل من مرشح على شاكلتهم ؟ لو كان لبذلت في مساندته النفس والروح ,لكن هيهات ...هيهات