تديين التعليم‏!‏ قلم: احمد عبد المعطي حجازي

في الثلاثاء ٠٢ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 


تديين التعليم‏!‏

بقلم: احمد عبد المعطي حجازي

احمد عبد المعطي حجازي

إذا أردتم أن تضعوا أيديكم علي سبب جوهري من الأسباب التي تؤدي لما نواجهه اليوم من تدني مستوي التعليم وانتشار الأمية الثقافية‏,‏ والتطرف الهمجي‏,‏ والعنف الدموي‏,‏ والتدين الكاذب‏,‏ وضعف الشعور بالانتماء لمصر‏,‏ فاقرأوا الكتب المقررة علي أبنائكم وبناتكم في المدارس الحكومية‏.

 
 

 

‏ولقد قدمت في مقالتي السابقتين صورا من الأخطاء الشنيعة التي لم نكن نتصور أن تقع في هذه الكتب‏,‏ لأن الخطأ فيها ليس مجرد نقص في المعلومات‏,‏ وإنما هو قبل كل شئ خطأ المنهج الذي وضع لهذه الكتب‏,‏ والهدف الذي رسم لها والذي نستطيع بكل بساطة أن نسميه تديين التعليم كجزء من خطة شاملة تهدف لتديين الحياة الوطنية في كل مجالاتها‏,‏ بحيث لا يبقي إلا تغيير أشخاص الحكام لتعود مصر من جديد إلي العصور الوسطي وتصبح الدولة المصرية دولة دينية‏,‏ يقطع فيها اللصوص الكبار أيدي اللصوص الصغار‏!.‏
أقول لكم إن تديين التعليم ـ كما تشهد به رسالة الدكتور مراد وهبة ـ هو الخطة التي تسير عليها الآن وزارة التربية والتعليم ويعمل لها رجالها‏,‏ كما رأينا في كتب اللغة العربية التي عرضت بعضها في المقالتين السابقتين‏,‏ وكما سنري في الكتاب الذي أعرضه في هذه المقالة‏,‏ وهو عقبة بن نافع المقرر علي الصف الأول الإعدادي‏.‏
وعقبة بن نافع قائد عربي مسلم عاش في القرن الأول الهجري ـ السابع الميلادي ـ وقاتل تحت لواء عمرو بن العاص في الشام ومصر‏,‏ ثم تولي قيادة الجيوش العربية التي توغلت في شمال إفريقيا‏,‏ وتغلبت علي جيوش البيزنطيين المستعمرين وجيوش الأمازيغيين ـ البربر ـ سكان البلاد الأصليين‏,‏ ووصلت إلي أقصي بلاد المغرب‏,‏ حيث حوصر عقبة بن نافع مع قوة من المسلمين قاتلت عن نفسها حتي قتل أفرادها جميعا وفي مقدمتهم عقبة‏.‏
كيف قدم كتاب وزارة التربية والتعليم قصة هذا القائد الفاتح للتلاميذ؟
لقد ناقض الكتاب نفسه فأعلن في المقدمة أن انتشار الإسلام لم يكن بحد السيف‏,‏ ثم قص علي التلاميذ قصة عقبة فإذا هي شهادة نفي لما جاء في المقدمة‏,‏ وإذا هي دليل علي أن الإسلام انتشر بحد السيف في البلاد التي دخلها عقبة بن نافع‏,‏ وظل يقاتل أهلها نحو أربعين سنة‏,‏ وهم يقاتلونه ويقاتلون من حل محله إلي نهايات القرن السابع الميلادي‏,‏ وهكذا استغرق فتح شمال إفريقيا نحو ستين سنة خاض فيها العرب الفاتحون عشرات المعارك في طرابلس‏,‏ وفزان‏,‏ وودان‏,‏ وسبيطلة‏,‏ وخاوار‏,‏ وبجاية‏,‏ وأدنة‏,‏ وتيهرت‏,‏ والسوس الأقصي‏,‏ والسوس الأدني‏,‏ وفي هذا يتناقض الكتاب ويتناقض مؤلفوه الذين يتحدثون عن هذه المعارك‏,‏ بعد أن ذكروا في صحفات الكتاب الأولي أن القبائل البربرية تري في الفتح العربي بشائر الفجر الجديد الذي سيطل عليهم بنور العدالة‏,‏ ويزيل ظلام الاستعباد‏,‏ والاستبداد الذي عاشوا فيه قرونا عديدة تحت الحكم البيزنطي‏!.‏
هذه التناقضات التي وقع فيها الكتاب ومؤلفوه مصدرها الخلط الذي لابد أن يقع فيه أمثالهم من دعاة الدولة الدينية‏,‏ حين يجعلون أنفسهم مرجعا للعقيدة ويظنون أن ما يقولونه باسم الإسلام هو الإسلام‏,‏ وأن ما يفعلونه باسمه هو حقيقته وجوهره‏.‏ هؤلاء يخلطون بين العقيدة والسلوك‏,‏ بين الإسلام كما يعبر عنه كتابه‏,‏ والإسلام كما يتمثل في أعمال الذين يؤمنون به ويتحدثون باسمه‏.‏
الإسلام يقول لا إكراه في الدين‏,‏ ويقول من شاء فليؤمن‏,‏ ومن شاء فليكفر ويقول ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‏,‏ لكن الفتوح الإسلامية لم تتحقق إلا بالسيف‏,‏ ولقد انتشر الإسلام في بعض البلاد بالكلمة الطيبة والمثل الصالح‏,‏ كما حدث في إندونيسيا‏,‏ لكن الأمر لم يكن كذلك في بلاد أخري‏,‏ ولا شك في أن الحماسة الدينية كانت دافعا أساسيا في الفتوح الإسلامية‏,‏ وكانت عاملا حاسما في تحقيق النصر للفاتحين‏,‏ لكن الغنائم كانت دافعا آخر لا يقل إغراء ولا حسما‏.‏ ونحن نعرف أن بعض أبطال الفتوح لم يكونوا من السابقين للاسلام‏,‏ ولم ينطقوا بالشهادتين إلا قبل فتح مكة بقليل‏.‏ ومن هؤلاء خالد بن الوليد‏,‏ وعمرو بن العاص‏,‏ وعبدالله بن سعد بن أبي السرح‏.‏
وفي بعض الذين ركضوا وراء هذه الغنائم يقول الشاعر العربي القديم‏:‏
فما جنة الفردوس هاجرت تبتغي
ولكن دعاك الخبز أحسب والتمر‏!.‏
المؤرخون المسلمون يحدثوننا عن الثروات التي انهالت علي الفاتحين‏,‏ وعن آلاف الرجال والنساء الذين تحولوا الي رقيق مستعبدين في قصور الأمراء والخلفاء‏.‏
ولقد كان بوسع مؤلفي الكتاب أن يبرئوا الإسلام من التهمة التي يرميه بها بعض المستشرقين الذين لم يروا من الإسلام إلا هذا الجانب‏,‏ ولم يلتفتوا إلي أن العنف لم يكن مقصورا علي المسلمين‏,‏ وإنما اندفع إليه المتعصبون في كل الديانات والمذاهب‏,‏ وعرفه اليهود في ماضيهم وحاضرهم‏,‏ وعرفه المسيحيون في الحروب الصليبية التي اشتعلت بينهم وبين المسلمين‏,‏ وفي الحروب المذهبية التي اشتعلت بين الكاثوليك والبروتستانت‏,‏ أقول إن مؤلفي الكتاب كانوا يستطعيون تبرئة الإسلام من العنف لو أنهم ميزوا بينه وبين المؤمنين به‏,‏ لكنهم بالعكس كانوا حريصين علي الخلط بينهما‏,‏ لأن الإسلام في نظرهم ليس دينا فحسب‏,‏ ولكنه دين ودولة‏,‏ مصحف وسيف‏,‏ من هنا كان كتابهم تبريرا للعنف وتحريضا عليه‏,‏ وتصديقا للخرافة‏,‏ وتزويرا لحقائق التاريخ‏,‏ عيون الماء تتفجر في الصحراء تلبية لدعوات عقبة بن نافع‏,‏ والبربر‏,‏ وثنيون يعبدون الاصنام‏,‏ وهذا كذب وتضليل‏,‏ فقد دخلت المسيحية شمال إفريقيا منذ القرون الميلادية الأولي‏,‏ واعتنقها كثير من البربر‏,‏ وفي شمال إفريقيا ظهر عدد من آباء الكنيسة في مقدمتهم القديس أوغسطين صاحب الاعترافات ومدينة الله‏,‏ فإذا كان أبناؤنا يذهبون إلي المدارس ليجدوا من يعلمونهم أن الدين قهر وإكراه وأن الايمان يمكن صاحبه من الخروج علي قوانين الطبيعة‏,‏ وأن انتماءنا للاسلام يعطينا الحق في خلط الدين بالسياسة‏,‏ وإخفاء الحقائق‏,‏ وتزوير التاريخ فالنتيجة هي ما نواجهه في هذه الأيام‏!.‏
الأخ العزيز الشاعر
الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي
قرأت بالتقدير والإعزاز مقالكم المنشور بجريدة الأهرام والمعنون من هم الأولي بالرسوب‏:‏ المدرسون أم التلاميذ؟ مسار المقال يشي بالجواب وهو أنهم المدرسون‏,‏ وأظن أن جوابك علي صواب‏,‏ فالمدرسون‏,‏ في مجملهم‏,‏ خريجو كليات التربية‏,‏ وتأتي في مقدمة هذه الكليات الكلية الأم والمقصود بها كلية التربية الملحقة بجامعة عين شمس‏.‏
وسميت كذلك لأنها المسئولة عن إعداد هيئات بكليات التربية‏.‏ وهذه الكلية الأم هي كلية أصولية بمعني أنها تمنع إعمال العقل‏,‏ وتحرض علي التعصب الديني‏,‏ فتقف ضد إصلاح التعليم وتحافظ علي فساده‏.‏
مراد وهبة

 

 

اجمالي القراءات 6339