نوقشـت فى الغـرب مشـكلة جواز اغتيـال الطاغيـة طوال العصـور الوسطى وخلال القرن السـادس عشـر، فعلى الرغم من أن قتـل الطاغيـة يتعارض مع الوصية الثانيـة (لا تقتـل)، فإن النزاعات التى كانت قائمـة فى القـرن الثـانى عشـر بين الكنيسـة والإمبراطوريـة الجرمانيـة قد أجازت ذلك لصالح الكنيسة على اعتبـار أن الطاغيـة "هرطيـق"!، أما يوحنا السالسبورى فهو أول من دافع بصراحة عن مبـدأ قتل الحاكم المستبد إذ يرى "أن من يغتصب السيف خليق أن يموت به "، أما القديس توما الاكوينى فقـد أعلن عدم جواز اغتيـال المسـتبد، لأن العقـوبة الفرديـة ضد المسـتبد عمل غير شرعى، فالسلطة الإلهية وحدها هى التى تعلو عليـه، وهى وحدها التى يمكنها أن تعاقبه، فعلى المواطن طاعة الحاكم بغض النظـر عن طغيـانه.
وقادت الملكيةُ المطلقة الفقهاءَ والمشرعين للوقوف فى وجه اللاهوتيين الذين ينادون بجواز اغتيال المسـتبد ، ونلاحظ تشابه ذلك مع فكر جماعة المرجئة التى ظهرت فى العصـر الأموى، ومن جهـة أخرى فإن أصـحاب الحديث من أهل السنة، يحرمون استخدام العنف والقـوة (السيف) فى النهى عن المنكر، ومن ثم ينكرون "الخروج" أى الثـورة على أئمة الجور وظلمة الحكام، وهم يقولون وفقـا لعبـارة الأشـعرى: إن السـيف باطل، ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية، وإن الإمام قد يكون عادلا، ويكون غير عادل، وليس لنـا إزالته وإن كان فاسقا!!!!، ووفقـا لعبـارة ابن حنبـل، التى ينقلها أبو يعلى الفراء: فإن" من غلب بالسيف حتى صار خليفة، وسمى أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن باللـه واليـوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما عليه، برا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين !!!، "ويقـول ابن حنبـل بأن طاعة ولى الأمر واجبـة: حتى ولو كان فاجرا فاسـقا، والثـورة عليـه منكر لما تجلبه من الأخطـار، وتعطله من مصالح النـاس فى حيـاتهم اليوميـة " .
ويتفق ذلك مع قول مارتن لوثـر (1483-1546) أنـه "ليس من الصواب بأى حال أن يقف أى مسـيحى ضـد حكومته سواء أكانت أفعـالها عادلة أم جائرة!، فليس ثمة أفعـال أفضل من طاعة وخدمة رؤسـائنا، ولهذا السبب أيضا فالعصيان خطيئة أكبر من القتل والدس والسرقة وخيانة الأمانة وكل ما تشـتمل عليه هذه الرذائل " .
ويقول الحسن البصرى لنفر من تلامذته الذين ثاروا على الحجاج بن يوسف الثقفى طاغية بنى أمية، وطلبـوا منه تأييـدهم .... " وقد قالوا له: يا أبا سعيد، ما تقـول فى قتـال هذا الطاغية – أى الحجاج – الذى سـفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل وفعل؟ فيقول البصرى: أرى أن لا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقـوبة من اللـه فما أنتم برادى عقوبة اللـه بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم اللـه وهو خير الحاكمين " !، "وقوله لمن دعوا إلى الخروج على الحجاج: إنه، والله ، ما سلط اللـه الحجـاج عليكم إلا عقـوبة، فلا تعارضوا عقـوبة اللـه بالسيف، ولكن عليكم بالسكينة والتضرع!، فلو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا، ما لبثوا أن يفـرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف، ويتوكلون إليه، فواللـه ما جاءوا بيوم خير قط، إن اللـه إنما يغير بالتوبة لا بالسيف " ، ويتشابه ذلك مع ما جاء فى رسالة القديس بولس إلى أهل رومية: "فالحاكم المسـتبد لا يحمل السـيف عبثـا، إذ هو خادم اللـه ينتقم للغضب من الذى يفعـل الشر " ، كما يردد جون كالفن (1509-1564) ذلك التبـرير السـاذج الغريب الذى يقـول إن الطغيان، والهزائم الحربية، والنكبـات السـياسية، إنما هى غضب من اللـه، وعقـاب للنـاس لأنهم ابتعـدوا عنه، وتخلوا عن الصراط المسـتقيم " .
ويرى أبو حامد الغزالى، وهو من الأشعرية، خلع المستبد الذى لم يستكمل شروط الإمامة إذا أمكن تمام ذلك دون قتال، وإلا فالرأى عنـده هو وجوب طاعته، والحكم بإمامته " ، ويصور الأمر ابن جماعة (639-773هـ) كما لو كان غابة تجب الطاعة فيها للأقوى من المستبدين حتى لو كان جاهلا فاسقا، فإذا أطاح به جاهل فاسق آخر كان هو الإمام المطاع ,فيقول :" إنه إن خلا الوقت عن إمام ,فتصدى لها من هو ليس من أهلها، وقهـر النـاس بشوكته وجنـوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقـدت بيعته ولزمت طاعتـه، لينتظم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم، ولا يقـدح فى ذلك كونـه جاهلا أو فاسـقا، فى الأصح، وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبـة لواحد، ثم قام آخر فقهـر الأول بشـوكته وجنـوده انعـزل الأول وصـار الثـانى إماما " !!، هكذا كما لو كانت الأمة مجمـوعة من الخراف مسلوبة الإرادة والعقل يهشها أى راع بعصاه أى وجهة أراد، وتلك كانت أرآء "فقهـاء" السلاطين الذين ابتليت بهم الأمم.