تأصيل ( كتب/كتاب ) فى القرآن الكريم ( 6 : 8 ): قضايا متعلقة

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 أولا : قاعدة  (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )

1 ـ تتكرر هذه القاعدة القرآنية لتؤكد على المسئولية الفردية لكل نفس على عملها إن خيرا أو شرا:(مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (الاسراء 15)(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ )(فاطر 18 )(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ( الأنعام 164 ـ ) (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور)(الزمر7 ).وفى ضوء هذه الآيات البينات نفهم قوله جل وعلا عن إرتباط السعى فى الحياة الدنيوية فقط:( أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى)(النجم 38 ـ ).    

2ـ هذه القاعدة تؤكد أيضا حدود هذه المسئولية وقت الحياة فقط ، فالنفس بعد موتها لا تحمل فى كتاب أعمالها المنتج الذى نتج عن عملها بل تحمل فقط عملها أو سعيها فيه ، فمن بنى مرقصا لا يحمل هذا المرقص فى كتاب أعماله ، ولا يحمل فجور الناس فيه ، ولكن يحمل فقط سعيه فى إنشاء هذا المرقص فى حياته ،أو إدارته له فى حياته . ومن ينشىء مسجدا لا يحمل فى كتاب أعماله هذا المسجد ولكن سعيه فى الانشاء ونيته وهدفه من إنشاء المسجد هل للرياء أم إبتغاء وجه الله جل وعلا.

3 ـ ومشاعرالاخلاص أوالنفاق هى الأهم،،فقد ترى إثنين يؤديان الصلاة، أحدهما يرائى أو يؤدى الصلاة معتقدا إنه يمنّ على الله جل وعلا بالصلاة اليه ، ويعتبرأداءها حملا ثقيلا يتمنى الفراغ منه سريعا ، والآخر يخشع فى صلاته ،ويلوم نفسه لو سرح فكره بعيدا عن الخشوع ، ويخشى ألا تكون صلاته دون المستوى المقبول عند الله جل وعلا ، ويحس فى قلبه الوجل أن يأتى يوم القيامة بعمل صالح لا يكون مقبولا ، لأن رب العزة ليس محتاجا الى عمل البشر الصالح وليس محتاجا لجهاد البشر ، بل البشر هم المحتاجون للعمل الصالح ليدخلوا الجنة ، وليتزحزحوا عن النار . إثنان يصليان بجانب بعضهما يؤديان نفس الحركات من قيام وركوع وسجود،ويقولان نفس القول، ولكن تختلف مشاعرهما ، يقول جل وعلا عن ملامح المتقين :(إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)، أى يقدمون الصالحات وهم على وجل وخوف من احتمال عدم قبولها ، لذا يسارعون فى الخيرات ويكثرون منها ليضمنوا قبول بعضها :(أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ). فكتاب الأعمال هو الذى يسجل العمل والنية بالحق(وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) كما إن كتاب الأعمال للمشركين هو الذى يفضح ما فى قلوبهم من رجس وسوء عمل :( بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ)(المؤمنون 57: 63 ). وفى النهاية فلا يدخل الجنة إلا المتقون ، طبقا لإخلاص القلب لله جل وعلا ، ولن يدخل الجنة من مات مشركا قد أحبط الله جل وعلا عمله الصالح . الأهمية هنا إن التقوى هى الفيصل فى دخول الجنة ومن مستلزماتها التوبة كما أن الشرك والاصرار القلبى على العصيان حتى الموت هو الفيصل فى دخول النار. وهذه المشاعر القلبية مرتبطة بكون الانسان حيا ، ولا تنتقل منه بعد موته لغيره.

 ثانيا : معرفة المصير النهائى عند الموت:

1 ـ ولأن كتاب الأعمال يتم غلقه بالموت فعند الاحتضار تبشر الملائكة الفرد المحتضر بمصيره النهائى فى الجنة أو فى النار طبقا لنتيجة كتاب عمل الفرد الذى تم غلقه: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(النحل 28 : 29 ، 32 ). بل يتلقى الخاسرون عند الموت إهانة وضربا جزاءا لما قدموه فى كتاب أعمالهم :(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) (الأنفال 50 : 51)( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)(محمد 27 : 28 )

2 ـ  ولأن كتاب الأعمال يتم غلقه بالموت فعند الاحتضار يتمنى الكافر فرصة أخرى يرجع فيها للحياة كى يعمل صالحا يتم تسجيله فى كتاب أعماله ، ولكن بلا فائدة :(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ) (المؤمنون 99 : 100 )، ولو ظل كتاب العمل مفتوحا بعد موت صاحبه يزيده سيئة أو يزيده حسنا ما تمنى المؤمن أو الكافر فرصة أخرى ، يقول رب العزة للمؤمنين يعظهم ويحذرهم مقدما وهم أحياء : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)( المنافقون 9 : 11 ).

3 ـ ولأن كتاب الأعمال يتم غلقه بالموت فلا تستطيع قوة بشرية أن ترجىء موعد الموت إذا جاء الأجل ووفى الانسان عمله وعمره والحتميات التى له أو عليه : ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)( المنافقون11 ). وبغلق كتاب عمله ـ رغم الجميع ـ يتم تحديد مستقبله فى الآخرة ،هل هو من السابقين المقريين،أو من أصحاب اليمين ؟ أم هو من أصحاب النار المكذبين بكتاب الله جل وعلا ، يقول رب العزة :(فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ  إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )(الواقعة 83 ـ) . قفل كتاب العمل بالموت هو حق اليقين الذى سيشهده كل منا عند الاحتضار . وعندها سيندم من يموت وهو يكذّب بآيات الله تمسكا بحديث كاذب مثل :(إذا مات ابن آدم انقطع عمله لا من ثلاث ..)

ثالثا : العمل الصالح والذرية

1ـ هناك مثل شعبى مصرى يقول ( العمل الصالح ينفع الذرية ) ، أى من يموت صالحا فان عمله الصالح ينفع ذريته من بعده،ويستشهدون بقوله جل وعلا (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ )(الكهف : 82 ).فهل يستمرعمل الصالحات بعد موت صاحبه ينفع ذريته ؟. نقول لا ينفع فى الآخرة لأنه ليس للانسان فى الآخرة إلا ما سعى بنفسه فى الدنيا . إن شرط دخول الذرية الجنة مع آبائهم أن يعملوا عملا صالحا مثل آبائهم لأن كل نفس بما كسبت رهينة:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )( الطور 21 ).

2ـ ولكن هناك وعدا من الله جل وعلا يتحقق فى الدنيا لمن يعيش متقيا متمسكا بالحق مناضلا فى سبيله ثم يموت تاركا ذرية ضعافا أن يشمل رب العزة هذه الذرية من الأيتام برعايتهم فى الدنيا : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا )(النساء 9 ).وهناك وعد آخر من الله جل وعلا فى نفس السورة لمن يحسن معاشرة زوجته التى يكرهها بأن يجعل الله منها خيرا كثيرا:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) ( النساء  19). وهناك وعود أخرى مثل النصر للمؤمنين لو نصروا الله جل وعلا:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )(محمد 7)، ومنه ثواب المهاجرين فى سبيل الله فى هذه الدنيا :(وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(النحل 41 : 42 ).

رابعا :الدعاء والغفران

1 ـ كل منا مأمور بأن يدعو لوالديه أو أحدهما ضمن الاحسان اليهما : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )(الاسراء  23 : 24). وبعض الأنبياء دعا ربه بالغفران لوالديه وللمؤمنين مثل نوح عليه السلام الذى دعا على قومه الكفرة بالهلاك ودعا لنفسه ولوالديه وللمؤمنين ولنفسه بالغفران:(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا) ( نوح 26 : 28 )،ودعا ابراهيم فقال:( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )(إبراهيم :41). والملائكة تدعو للمؤمنين التوابين الأحياء فى هذه الدنيا:(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(غافر :7 : 9)( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )(الشورى5 ) .

ونضع الملاحظات التالية :

1/1 : إن الدعاء المذكور فى الآيات السابقة هو من أجل أشخاص أحياء لا يزالون يسعون فى الأرض ، ولم يكونوا قد ماتوا بعد .

1/2 : إن الدعاء فريضة تعبدية مأمور بها المؤمنون ، وهى تعنى الخضوع لله جل وعلا القائل : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ( غافر60 )، فعكس الدعاء هو الاستكبار . والله جل وعلا يقول يجعل الدعاء صلة مباشرة بينه وبين المؤمن : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )(البقرة 186 )، لم يقل (واذا سألك عبادى عنى فقل لهم انى قريب ) ولكن تم حذف (قل ) خلافا لسياق لمنع الواسطة فى الدعاء ، فالله جل وعلا قريب من الانسان فى حياته (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ( ق  16) وقريب منه عند احتضاره (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ   وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ )(الواقعة 83 : 85). والله جل وعلا وعد باستجابة الدعاء،ولكنه هو الذى يحدد نوعية الاستجابة بما يحقق الأنفع للداعى. ولأن الدعاء فريضة مأمور بها المؤمن فهو الذى يثاب عليها بمجرد ن يؤديها أأتأتتأديتها ، وتتم كتابتها فى صحيفة أعماله هو بغض النظر عن مدى ونوعية الاستجابة للدعاء .

1/ 3 : وبالتالى فإن الدعاء لشخص ما بالغفران لا يعنى حتمية الغفران له لأن الغفران موعده يوم االحساب وليس فى هذا العالم :( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )(إبراهيم : 41 )،( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(الشعراء 82 )، ولأن الغفران مترتب فقط على توبة الشخص وليس على دعاء الآخرين له، فإذا تاب وقام بشروط التوبة من الندم وتصحيح الايمان وتأدية الحقوق لأصحابها والاكثار من الصالحات فإن الله جل وعلا يبدّل سيئاته الى حسنات : (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) (الفرقان 70 ـ  )(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ( طه 82).  

خامسا :الحسنة بأضعافها :

1 ـ يرتبط بالغفران للسيئات يوم القيامة أن يضاعف رب العزة حسنات المتقين ليصلحوا لدخول الجنة ، فقوله جل وعلا :(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )( الانعام 160 ) أى من جاء يوم الحساب. يؤكده قوله جل وعلا عن أصحاب الجنة :(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) ويقول بعدها ربنا سبحانه وتعالى: (وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النمل 89 : 90 ). حقيقة الأمر أن التعذيب لأصحاب النار يتم بسيئاتهم نفسها، لذا فمن يأتى يوم القيامة بأعماله موجزة تحت كلمة ( سيئة ) فسيكون بها عذابه ، أى سيعذب بما كان يعمل : (وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ). ومن هنا فإن الملائكة فى هذا العالم تدعو رب العزة ليغفر للمتقين التائبين يوم القيامة فتقول:( وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ )فهذه السيئات التى نرتكبها فى الدنيا ستكون علينا نارا فى الآخرة. والذى سيقيه ربه من عاقبة وشر سيئاته يوم الحساب هو الذى يغفر الله جل وعلا سيئاته أى يغطيها بعمله الصالح فيطفىء نارها ويخمد تأثيرها ، وإذا وقاه الله جل وعلا من شرسيئاته أصبح صالحا لأن تشمله رحمة ربه جل وعلا ويفوز،تقول بقية الآية:(وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(غافر9 ).

2 ـ وهذا الفوز العظيم فى الاخرة لا سبيل لمقارنته بأعمالنا الصالحة فى الدنيا مهما بلغت فى عمرنا القليل، فلحظة فى نعيم الجنة تفوق (كل ) متع الدنيا ( لكل البشر) فكيف بالخلود فيها. ولا يوجد تعبير بشرى يصلح هنا سوى الاسلوب المجازى بالتشبيه،كقوله جل وعلا:(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )( البقرة 261 ).

سادسا: حمل الوزر يوم الحساب:  

1 ـ يقول جل وعلا :(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)(طه 15)، أى سيجزى الله جل وعلا كل نفس بسعيها فى هذه الحياة الدنيا ، وهو سعى تتم كتابته وحفظه، ويتوقف السعى عند الاحتضار، وحينئذ يغلق كتاب الأعمال ولم يعد للانسان سوى ما سعاه ، ثم يوم القيامة سيرى سعيه هذا مكتوبا ومسجلا:(وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى)(النجم 39: 40 ).   وقد يكون سعيا سيئا مثل حال صاحبنا :(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ)(البقرة 205 )، وقد يكون سعيا صالحا معززا بإيمان مخلص:(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) (الاسراء 19).وفى كل الأحوال سيرى الناس كل أعمالهم فور البعث وفق ما جاء فى سورة الزلزلة :(إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) . والعمل الصالح يحمل صاحبه ويرتفع به الى أعلى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ( فاطر 10 ) (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ  ) ( عبس 13 : 16 )( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) ( المطففين 18 : 22 ) . والعمل السىء يهبط بصاحبه ويهوى به الى أسفل سافلين (  كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)( المطففين 7 : 15 ). عندها يكون عمله وزرا .

2 ـ الخاسر يحمل وزره يوم القيامة:(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ)(الانعام 31 ) . والقاعدة أن لن يحمل أحد عن أحد ورزره:(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (فاطر18 )، ولكن يقول رب العزة :(لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )(النحل 25 ).أى سيحمل بعضهم وزرا زائدا من أوزار أناس آخرين. فكيف هذا ؟ نقول :

 2 / 1 : التحريض على الجريمة فى القانون الوضعى يجعل المحرض شريكا فى الجريمة ، ولا ينقص ذلك من جزاء المجرم الأصلى . فمن يحرّض فى حياته شخصا على القتل يكون شريكا للقاتل ، وفى أحوالنا التعسة حيث ينتشر التعذيب والقتل فى دول الاستبداد فالمجرمون ليسوا فقط من يرتكب القتل والتعذيب من الجنود بل من يصدر لهم الأوامر ويهددهم بالتعذيب إن عصوا . والواضح أن المحرّض فى هذه الحالة أشد جرما من الفاعل الأصلى ، ولو شارك فى التعذيب بنفسه بالاضافة الى التحريض فإنه يواجه عقوبتين : التعذيب والتحريض على التعذيب.

2/ 2 :نفس الحال سيكون يوم القيامة ، فقد تكرر حديث رب العزة عن الذين استكبروا من الملآ المتحكم  فى الدنيا ، وعن الحوار الذي سيدور بينهم وبين الذين كانوا تبعا لهم فى الدنيا ، فقد عاصروهم وأيدوهم وخدموهم فى الدنيا ثم سيصيرون خصوما لهم فى النار.  يقول جل وعلا عن خصومتهم فى النار : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(سبأ 31 ـ ). الواضح هنا أن الفريقين كانوا يعيشون معا فى نفس الزمان والمكان ، فريق يأمر بالعصيان ويعصى وفريق يطيع أسياده فى العصيان .

2/ 3 : وفى الخصومة بينهما وهم فى النار سيطلب المستضعفون أن يتحمل عنهم المستكبرون جزءا من العذاب ، ويرفض المستكبرون :(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ)(غافر47 : 48). ولهذا فعندما قال مشركو قريش للمؤمنين أن يتبعوا سبيلهم مقابل أن يحمل المشركون خطاياهم يوم القيامة نزل التعليق من رب العزة بأن المستكبرين يوم القيامة سيرفضون أن يريحوا المستضعفين من شىء من العذاب المقرر عليهم ، لأن أولئك المستكبرين يحملون بالفعل أوزار التحريض مع أوزار العصيان ،أى لديهم أثقالا مع أثقالهم ،يقول جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )(العنكبوت 12 : 13 ). وسييأس المستضعفون فى النهاية وسيكتفون ـ ووجوههم تتقلب فى النار ـ بالدعاء على أسيادهم :(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) (الاحزاب 66 : 68 ).

2 / 4 :واقع الأمر إن الملأ المستكبر ، قادة المشركين وزعماءهم المحرضين على العصيان سينالون عذابا مضاعفا مقابل الكفر (العقيدى والسلوكى ) وبزيادة التحريض أو بالتعبير القرآنى ( الصّد عن سبيل الله) ،أى كفروا وصدوا عن سبيل الله ،وهؤلاء لهم عذاب إضافى ، يقول جل وعلا :( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ) ( النحل 88 ). هم كفروا وصدّوا ، وأفسدوا ..فإزداد عذابهم فوق عذاب أتباعهم . ولكن هذه الزيادة لن يتم خصمها من عذاب الأتباع . يقول جل وعلا عمّن يحترف الاضلال ويشترى بآيات الله جل وعلا :(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(البقرة 174 : 175 )،أى هم خصوم لله جل وعلا ، وهو القاضى الأعظم يوم القيامة ، والقاضى الأعظم سيتعجب من صبرهم على النار . ويقول جل وعلا فى تصوير لعذاب أولئك الأئمة المضلّين الآثمين:( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )  (الدخان 43 : ـ ). كان فى الدنيا عزيزا كريما فلقى ما يستحقه بالاضافة الى السخرية .! بهذا نفهم قوله جل وعلا : ( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )(النحل 25 ).

ودائما ..صدق الله العظيم .!

اجمالي القراءات 12194