هل تم اختطاف ثورة الشباب؟

سعد الدين ابراهيم في السبت ١٠ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

كنا قد نبهنا بعد أيام قليلة من نجاح ثورة شباب مصر فى إسقاط نظام حسنى مبارك فى فبراير ٢٠١١، إلى احتمالات اختطافها أو إجهاضها من ثلاثة مصادر: العسكريون، والإسلاميون، وفلول النظام المخلوع.

ورغم شكوك الكثيرين فى وعود العسكريين بالتخلى عن السُلطة، طبقاً لجدول زمنى مُحدد، فإن الشاهد هو أنهم أوفوا بالوعود، إلا قليلا. صحيح أن تعامل العسكريين مع عدد من الأزمات كان تنقصه الحصافة السياسية، وكان محل نقد شديد، من ذلك اختيار المجلس العسكرى للجنة التى اقترحت التعديلات الدستورية، والتى غلب عليها التوجه الإخوانى الإسلامى، وكذلك إدارة أزمتى ماسبيرو، وطائفية مُحافظ أسوان، والاستخدام المُفرط للقوة فى فض مُظاهرات التحرير، وحادث السفارة الإسرائيلية، والتعامل مع أسر شُهداء الثورة، والاعتصامات والمطالب الفئوية، والجهوية، وفى مُقدمتها مطالب أهالينا فى سيناء.

ولكن ربما يغفر للعسكريين هذا التعثر أو التخبط، هو أنهم تدرّبوا على فنون الحرب ولم يتدربوا على فنون السياسة، ويعتقد، مع ذلك، أن المؤسسة العسكرية المصرية ما زالت تتمتع بثقة أغلبية المصريين وهو ما كُنا قد نوّهنا به فى دراسات ومقالات سابقة.

أما المصدر الثانى لاختطاف الثورة أو إجهاضها، كما نوّهنا منذ عدة شهور، فهو الإسلاميون بجناحيهم الإخوان المسلمين والسلفيين. وإذا كان الرأى العام المصرى يعرف الكثير عن الإخوان المسلمين، حيث إنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع السياسى منذ نشأتهم على يد الشيخ حسن البنا عام ١٩٢٨، فإنه قد فوجئ بظهور السلفيين على المسرح. وإذا كان شباب الإخوان المسلمين قد جاءوا إلى ميدان التحرير مُتأخرين عدة أيام بسبب تحفظ كهولهم وشيوخهم على المُشاركة فى الثورة فإن السلفيين لم يأتوا على الإطلاق. بل كانوا يرفضون رفضاً تاماً «الخروج على ولىّ الأمر». وتتلخص فلسفتهم فى هذا الشأن فى مقولتهم الشهيرة: «نتحمل حاكم غشوم، مخافة فتنة قد تدوم»!

وربما كانت فلسفتهم هذه هى نتاج للفكر الوهابى، الذى وفد إلى مصر من خلال أكثر من عشرين مليوناً تناوبوا على العمل فى السعودية بعد «الطفرة النفطية» بين عامى ١٩٧٣و٢٠١٠. وكان السلفيون يعتبرون «السياسة» «دناسة» و«نجاسة». ومع ذلك فبمجرد نجاح ثورة الشباب التى لم يُشاركوا فيها، فإن شهيتهم للسياسة انفتحت بشراهة غير مسبوقة، رأينا بدايتها فى منع مُحافظ قنا من تولى مهام عمله، لأنه مصرى قبطى، وكانت تجلياتها فى إحدى مليونيات التحرير خلال شهر أكتوبر الماضى.

أما المصدر الثالث لاختطاف أو إجهاض ثورة الشباب فهو فلول النظام المخلوع. وهم الأكثر تمرساً بالعمل السياسى الانتخابى. ولا يرجع ذلك فقط للثلاثين سنة التى كانوا فيها أعضاءً فى الحزب الوطنى الحاكم خلال عهد مُبارك، ولكن أيضاً فى عهد سلفه الراحل الرئيس أنور السادات. بل يذهب المُراقبون، ومنهم عالم السياسة «ليونارد بايندر» فى كتابه «الشريحة الوسيطة»، إلى أنه منذ أول انتخابات نيابية فى أعقاب ثورة ١٩١٩، فإن هناك حوالى خمسمائة عائلة، من أعيان الريف ووجهاء المُدن، تطفو على السطح السياسى فى كل العهود، إن لم تكن بشيوخها، فمن خلال الأبناء، والأحفاد، وأولاد العموم. وكانت هذه الشريحة الوسيطة، هى عماد حزب الوفد فى العهد الملكى، ثم الاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى فى العهد الناصرى، ثم الحزب الوطنى الديمقراطى فى عهدى السادات ومُبارك. وهذا المصدر الثالث هو فى الغالب الذى سيبقى، لأنه أعمق جذوراً، وأكثر تأدية للخدمات، وأخلص وفاء بالمُجاملات (فى المآتم والأفراح وتأشيرات الحج والعُمرة).

لقد كُنت أدعو كل من كان يسأل الرأى أن يُعطى صوته الانتخابى للشباب وللنساء... فشبابنا ونساؤنا هم الأكثر أمانة واستحقاقاً... وهم الجديرون بشرف تمثيلنا فى المستقبل، لأنهم المستقبل. ولا مستقبل للديمقراطية والحُرية، والكرامة فى مصر إلا بهم ولهم. ولهذه الأسباب تحديداً، اقترحنا تخصيص أربعين فى المائة من مقاعد كل المجالس المُنتخبة للشباب، دون الأربعين من أعمارهم. فإذا كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قد استحدث فى عهده نصاً يمنح العُمال والفلاحين نسبة لا تقل عن خمسين فى المائة من مقاعد تلك المجالس، بدعوى أنهم أصحاب المصالح الحقيقية فى إنجازات ثورة يوليو ١٩٥٢، فإننا ندعو لاستحداث نص مُماثل للشباب، على النحو المُقترح أعلاه. فنحن جميعاً مدينون لشبابنا إناثاً وذكوراً بتفجير ثورة يناير المجيدة، والتى أبهرت العالم، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به من الصين إلى الأرجنتين، ومن إسبانيا إلى كاليفورنيا. فإذا كان العالم كله يعترف بعظمة شبابنا، فلا أقل من أن نفعل نفس الشىء معه، فالأقربون أولى بالمعروف.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 9318