من أنواع الضرائب الظالمة فى العصر المملوكى
فى العصور الوسطي كان الإقطاع هو النظام الاقتصادي السائد فى أوربا والعالم الإسلامي ، حيث تتوزع الأرض الزراعية على السلطان والأمراء والفرسان ، وتبعا لذلك كان يتم توزيع الضرائب أو المكوس ويقوم بتحصيلها بعض الأمراء لصالح الدولة ، واهم تلك المكوس الإقطاعية ما فرضه الوزير ابن صاعد فى بداية الدولة المملوكية فى سلطنة أيبك سنة 650 هـ وهو مكس " الحقوق والمعاملات " وكانت ضرائب على التجار وأصحاب العقارات ، ومنها ضرائب كانت على البضائع القادمة إلى المواني المصرية ويتم تحصيلها لصالح السلطان ، وقد استنكر الناس تلك المكوس فكان بعض السلاطين يبطلها تقربا لله تعالى كما فعل الظاهر بيبرس حين ألغى جميع تلك المكوس وكتب بذلك " مساميح " قرئت على المنابر ، وأبطل المنصور قلاوون مكوسا كثيرة ، وكذلك فعل ابنه الناصر محمد ، وقد علق المقريزى على ما ألغاه الناصر محمد من تلك المكوس فقال " فأراح الله سبحانه وتعالى الخلق بإبطال هذه الجهات من بلاء لا يقدر قدره ولا يمكن وصفه ".
وبعض السلاطين سجل إلغاءه لتلك المكوس على لوح رخام كما فعل المؤيد شيخ حين أبطل مكس الفواكه سنة 822هـ ونقش ذلك على رخام مسجده ، وكما فعل السلطان خشقدم الذي نقش ما أبطله من نقوش على رخامتين ألصقتا بحائط المسجد الأقصى .
وأهم الضرائب أو (المكوس الإقطاعية) المشهورة فى العصر المملوكي فى مصر والشام مكس ساحل الغلة ومقرر السجون ومقرر طرح الفراريج ونصف السمسرة ورسوم الولاية وضمان المغاني والأفراح وضمان المزر ومقرر الحوائص والبغال وكذلك متولي الجراريف ..
ونعطى فكرة سريعة عن كل منها .
مكس ساحل الغلة :هو مبلغ مقرر على بيع الغلال بنسبة درهمين على كل إردب للسلطان ، ويلحقه نصف درهم سوى ما كان ينهب و يسرق ، وعرف مكان البيع باسم " خص الكيالة " بساحل بولاق حيث كان يجلس الموظفون ومعهم ثلاثون جنديا وتحمل الغلال إلى هذا المكان ولا يسمح ببيعها فى غيره ، ثم تحول " خص الكيالة " إلى ديوان للإشراف على البيع وتحصيل المكس ، وكان إيراده للسلطان سنويا 604 آلاف درهم ، وانتفع بهذا الإقطاع 400 جندي سوى الأمراء ، وبلغ إقطاع الجندي الواحد من 3 إلى 10 آلاف درهم سنويا أما الأمير فكان بين 10 إلى 40 ألف درهم سنويا .
وقد تطور مكس الغلة بين الإقرار والإلغاء والإعادة عدة مرات ، فمثلا أبطله الناصر محمد ابن قلاوون ضمن ما أبطله من مكوس ، ثم عاد ، ثم زاد فى عهد قايتباى بحيث كانت الزيادة فيه من أقبح مساوىء قايتباى ، ثم أعاده وزاده السلطان الغورى حتى صار يؤخذ من كل إردب ثلاثة أنصاف فضة من البائع والمشترى معا وعرف هذا باسم " الموجب ".
مقرر السجون : هو أفظع ضريبة ، وهى نوع من السخرة كان على المسجون أن يدفعه للسجان وهو ستة دراهم غير الغرامة ، فلو تخاصم رجل مع امرأته أو أبنه ووصل الأمر للوالي .. وهو يماثل مدير الأمن الآن .. أودعه الوالي فى السجن حيث يدفع مقرر السجون حتى ولو تم الإفراج عنه بعد ساعة من سجنه ، ويحصل هذا المقرر فى جميع السجون ، وأقبل الكثيرون على شرائه من الدولة ، وكانوا يعرفون بالضامنين ، أي يضمنون للدولة تحصيل ذلك المكس ويشترونه ثم يقومون بالتحصيل بالزيادة ، ويوفون لأصحاب الإقطاع المنتفعين بهذا المكس حقوقهم فيه ، ويحتفظون بالباقى لأنفسهم .
مقرر طرح الفراريج : هو حق احتكار تجارة الدجاج ، وكان يشتريه الضامنون بمبالغ ضخمة ويتصرفون فى فرضه على الناس بحيث لم يكن لأحد الحق فى شراء أو بيع أي دجاج إلا من خلال الضامن ، وكان ينال الناس من ذلك بلاء عظيم ، فإن عثر على أحدهم أنه باع واشترى دجاجا من سوى الضامن " جاءه الموت من كل مكان وما هو بميت " على حد قول المقريزى ..!!
مقرر نصف السمسرة : أحدث هذا المكس والى القاهرة ناصر الدين الشيخى فى سلطنة الناصر محمد ، فمن كان يبيع شيئا عليه أن يدفع 2 % من قيمة البيع ، للسلطان درهم والباقي للدلالين وأصحاب الانتفاع من هذا المكس .
رسوم الولاية : وهو مبلغ يقوم بجبايته الولاة والمقدمون من عرفاء الأسواق ، ولهذه الرسوم ضامن وتحت يده عدة صبيان ، وعليها جنود وأمراء يستفيدون من هذا الإقطاع ..
ويلحق برسوم الولاية فى نفس النوعية فيما يعرف بضمان المغاني والملاهي والأفراح . ، فأما ضمان المغاني فهو مبلغ مقرر على النساء اللاتي يقمن بعمل الأفراح والاحتفالات المختلفة فى البيوت فى منازل الناس ، كما تدفعه البغايا ومحترفات الفاحشة ، لا فارق بين المغنية و الغانية البغى ، فتدفع النساء ذلك المبلغ لضمان المغاني أو الضمانة .
وكانت المغنية إذا تغيبت عن بيتها تدفع ذلك الرسم حتى لو كانت فى زيارة لأهلها ، لذلك كان أعوان الضامن أو الضامنة يدورون على بيوت المغنيات لمعرفة من باتت منهن خارج بيتها ليفرض عليها الضريبة !!
ويلحق بهذه المكوس رسم العرس ، فأهل العروسة لا بد أن يدفعوا للضامنة مالا حسب ظروفهم الاقتصادية وذلك حتى يتمكنوا من تهيئة العروس لزفافها ، وكانت لا تستطيع أي امرأة أن تقيم حفل زفاف أو نفاس أو ختان إلا بعد دفع تلك الضريبة ، وكان أكثر المستفيدين من ذلك المكس رجال الحاشية .
أما مكس " الجراريف " فكان يجنيه الولاة والمهندسون من القرى حيث يقومون ببناء الكباري والجسور على النيل والترع ، وكان يستفيد من هذا الباب كثيرون من جنود الدولة .
ومقرر الحوائص والبغال فهو مبلغ مقرر على الناس ويقوم بجبايته الولاة والمقدمون لتوريده إلى بيت المال ويقدر بمبلغ 300 درهم للحياصة ، و500 درهم بدل ثمن البغل ، ولكثرة إيراد هذا المكس كان عليه الكثير من المستفيدين .