مقدمة:لنا سلسلة مقالات بحثية بعنوان ( لكل نفس بشرية جسدان ) نشرنا منها 18 حلقة ـ وتبقى منها القليل ،وسننشره لاحقا بعون الله جل وعلا. تثبت هذه السلسلة حقيقة قرآنية ،هى أن عمل الانسان فى الدنيا ترتديه النفس البشرية ثوبا يوم القيامة عوضا عن ثوب الجسد الأرضى الذى سيتحول رمادا ثم يفنى مع هذه الأرض ، ويتم بعث كل نفس ثم ترتدى عملها جسدا جديدا أو ثوبا جديدا ، وبه يتم صلاحها لدخول الجنة إن كان ثوبها أو عملها صالحا نورانيا ،أو به تدخل النار تبعا لعملها الظالم المظلم. هذا العمل إن خيرا أو شرأ تتم كتابته لحظة بلحظة ونحن أحياء،ونصطحبه معنا الى الآخرة كتابا لأعمالنا الفردية والجماعية . وهنا المزيد من التفصيلات مع كتاب الأعمال فى هذه السلسلة عن معانى ( كتب ، كتاب فى القرآن الكريم). ويتوقف هذا المقال عن الزمن وكتاب الأعمال .
أولا
1 ـ يقول جل وعلا :(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)(القمر49 : 53)، أى خلق الله جل وعلا كل شىء بتقديروإحكام ونظام دقيق يسرى على الخلية والذرة كما يسرى على كل نجم ومجرّة، وعلى وجهى عالمنا المادى من مادة وطاقة. الزمن هو الضلع الرابع فى هذا العالم المادى؛ يغلف كل شىء فيه؛سواء فى بنية المادة الحية والجامدة أو فى حركتها ،إذا كانت حركة إلزامية كحركة الكواكب والنجوم وحركة الاليكترون حول نواة الذّرة ـ أو حركة التفاعلات الكيماوية بالفيمتوثانية، أو كانت حركة نابعة من إرادة حرّة مثل حركة الانسان . وفى المستويات العليا البرزخية من الخلق حيث توجد عوالم الجن والملائكة والشياطين ،تتداخل تلك العوالم مع الانسان بجسده،بل إن النفس وهى التى تنتمى الى عالم البرزخ تضطر لتعود اليه بالنوم لتستريح من عالم المادة وأثقاله ، ثم تترك جسدها المادى نهائيا بالموت. وهى فى أثناء قيادتها لهذا الجسد تفعل به الخير أو ترتكب به الشر يوجد إثنان من الملائكة متداخلان مع الجسد ومع النفس يسجلان تحركها بجسدها فى اليقظة ، كما يسجلان مشاعرها وأحاسيسها ونواياها الطيبة أو السيئة. كل هذا فى الدنيا ، وهذا الوجود كما قال جل وعلا مخلوق بقدر ، سواء القدر فى التخليق أو القدر فى متابعة الخلق بالهداية الطبيعية الغريزية أو بالهداية الايمانية لمن شاء الهدى. كما يشمل القدر أو التقدير ايضا كتابة أعمال النفس ضمن أمر الله جل وعلا بتسجيله ، ويستمر هذا التسجيل يصحب البشر فردا فردا وجيلا جيلا وقوما قوما من أبيهم آدم وزوجه الى آخر جيل وآخر فرد من بنى آدم . أوجز هذا كله رب العزة فى أربع كلمات (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
2 ـ وتأتى الآية التالية لتقرر إنه بعد إكتمال قدر الحياة يأتى قدر القيامة بالساعة بتدمير العالم بأسرع من سرعة الضوء. سرعة الضوء هى أقصى سرعة نعرفها فى عالمنا المادى ، يقول جل وعلا : (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).(لمح البصر) هو المصطلح القرآنى عن سرعة الضوء ، ولأن قيام الساعة يشمل عالمنا المادى وعوالم البرزخ من ملائكة وجن وشياطين وأنفس بشرية وبمستويات مختلفة تعلو عن مستوانا المادى الثقيل ، فإن سرعة قيام الساعة سيكون بسرعة أكبر لتشمل تلك العوالم البرزخية فائقة السرعة بحيث لايمكن تخيلها بادراكاتنا المادية الأرضية المحدودة ، لذا يأتى التعبير بالتشبيه باستعمال كاف التشبيه ،فقال (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ).
3 ـ بقيام الساعة يكون إختبار خلق البشر قد إكتمل ، ويكون تسجيل كل أعمالهم كأفراد وكمجتمعات وأجيال وأمم قد انتهى . وحين نزلت هذه الآيات الكريمة لم نكن قد جئنا للحياة بعد ، كنا موتى الموتتة الأولى فى البرزخ لم تدخل أنفسنا فى أجسادنا ، وكان معنا فى نفس البرزخ أجيال ماتت الموتة الثانية ،أى أخذا إختبارها فى الحياة ثم ماتت وعادت للبرزخ الذى أتت منه . والقرآن الكريم حين نزل بهذه الآيات يخبر عن أولئك الأقوام الذين ماتوا من قديم الزمان قبل جيل النبى محمد بأجيال،فتقول الآية التالية:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، الخطاب هنا جاء أولا للعرب من جيل النبى يخبر إن الله جل وعلا أهلك المعاندين السابقين الذين يسير على سنتهم معاندو قريش . ويشكل القصص القرآنى جانبا أساسا فى الوعظ ، وبمنهجية خاصة مختلفة عن منهجية التاريخ.وتدمير الأمم السابقة جاء تلخيصه مع الدعوة للعظة فى ست كلمات:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ). ومات جيل النبى وبقى القرآن الكريم يخاطب الأجيال المتلاحقة، بنفس القول :(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).وهو الآن يخاطبنا ، وبعد موتناسيخاطب أجيال المستقبل ، وهكذا الى قيام الساعة ، وإكتمال اليوم الدنيوى (الأول ) ومجىء اليوم (الآخر).
4 ـ انتهى الجيل السابق لنا كما انتهت أجيال أسبق قال عنها جل وعلا:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).لم يبق منها إلا عملها المكتوب المحفوظ،لذا يقول جل وعلا عن المتبقى منهم :(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ)،أى فكل شىء فعلوه تم تسجيله فى الكتب أو الزبر، يشمل هذا كل صغيرة وكبيرة ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ). مستطر أى تم تسطيره وكتابته. لكل فرد ولكل جيل زمنه الذى يحياه فى هذه الدنيا . وأولئك الذين ماتوا قبلنا قد تمت كتابة أعمالهم افرديا وجماعيا،وتم غلق كتاب أعمالهم حيث لا يقبل الاضافة أو الحذف. هذا على مستوى البشر من بدء وجودهم من وقت أبيهم الى وقتنا الحالى ، ثم من وقتنا الى قيام الساعة .
5 ـ أما على مستوى الفرد الذى لا يزال حيّا يسعى فكتاب أعماله مفتوح لأنه لا يزال حيا يسعى ويمكنه بسعيه إضافة العمل السىء أو العمل السىء الى كتاب أعماله . هذا الفرد عليه أن يتعظ بمرور الزمن . فنحن نركب قطارا متحركا لا يتوقف ، وهو قطار الحياة بزمنه المتحرك الى الأمام دوما ، نركبه فى لحظة الميلاد أو محطة الميلاد ، ونعيش فيه الوقت المحدد لنا ، ثم نهبط منه بالموت فى موعدنا أو محطتنا النهائية. لا يمكن أن نوقف الزمن ، لأنه لايمكن أن نوقف دوران الأرض حول الشمس ، ولا يمكن أن نوقف دوران الشمس ومجموعتها حول المجرة ، فهى تسبح وتدور الى أجل محدد أو مسمى قدره أزلا رب العزة، وهو قيام الساعة . ولنقرأ هذه الآيات الكريمة : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( الرعد 2 )(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( لقمان 29 )( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى )(الروم 8 )(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( فاطر 13 ). لا يستطيع بشر إيقاف الزمن،ولا يستطيع إستعادة يوم أمس الذى مرّ،بل لا يستطيع استرجاع دقيقة مضت من عمره لأن كل دقيقة من يقظته قد تم تخزينها محملة بحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله ومشاعره. حتى إذا إنتهى عمره وتم قفل كتاب عمله سيأتى يوم القيامة ليرى عمله ، ثم سيتسلم كتاب عمله وبه يدخل الجنة أو النار .
6 ـ الفرصة الوحيدة له كانت معه وهو فى الدنيا حىّ يسعى . كل فرد لا يخلو من عمل سىء مهما بلغت تقواه ،ولا بد من تسجيل هذا الذنب ، ولكن الفارق هنا أن من يتقى ربه يتوب ويستغفر فى حياته ، وكلما تعاظمت تقواه كانت توبته أسرع وأبكر ، (أى مبكرا ومن وقت الشباب ).بتوبته فى الدنيا وهو حىّ يسعى يأتى يوم البعث فيرى كل أعماله من خير وشرّ كما جاء فى سورة الزلزلة :( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8). ثم يحين وقت الغفران يوم الحساب حين تسليم كتاب العمل ، فيتم الغفران لمن تاب وأناب فى حياته. وهنا التكفير عن الذنب أو غفران الذنب ، ومعناهما اللغوى واحد يعنى التغطية، حيث يغطى بتوبته على ذلك الذنب الذى تم تسجيله.نؤكد على أن زمن ووقت التوبة والاستغفار هو فى الدنيا أما الغفران فهو يوم الدين : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ )( الشعراء 82 ).
ويقول جل وعلا:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) (الفرقان 62 ). فالليل والنهار تمر يخلف بعضها بعضا لا تستطيع أن تسترجع يوما مضى ولا وقتا انتهى ولكن تستطيع وأنت حىّ تسعى أن تتذكر وتتعظ وتتوب وتشكر،أى إن فرصة التوبة فى الدنيا ، وعنصر الزمن فيها حاسم ، فكلما أسرع بالتوبة كان له أفضل . ومن هنا فإذا كان مستحيلا على الانسان أن يوقف الزمن أو أن يسترجع يوم أمس أو أن يشطب ذنبا ارتكبه تمت كتابته فى كتاب أعماله فهو يستطيع أن يتوب صادقا ويقوم بمتطلبات التوبة من إيمان صادق خالص وعمل صالح وارجاع الحقوق لأصحابها وإنفاق فى سبيل الله جل وعلا . بهذا يغفرالله جل وعلا له يوم الدين ويبدّل الله جل وعلا سيئاته حسنات. يقول جل وعلا: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(التوبة 102: 105 ).:
7 ـ هذا فى حياة كل فرد .. فماذا لو انتهى عمر البشرية ؟ ماذا لو أخذت كل نفس فرصتها فى إختبار الدنيا ؟ ماذا إذا أنتهى رسل كتابة الأعمال ( ملائكة كتابة الأعمال ) من مهمتهم ؟ يقول جل وعلا عن يوم القيامة فى سورة المرسلات : (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15). الشاهد هنا هو قوله تعالى : ( وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13). الرسل هم رسل كتابة العمل . إثنان من الملائكة ( رقيب وعتيد ) مكلفان بكل فرد. أى مكلفان بملازمته طيلة حياته يسجلان أعماله ونواياه فترة يقظته:(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ( ق 17 : 18)، ويموت ذلك الفرد (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ )(ق 19 ) فينتهى وقت هذين الملكين بموت صاحبهما الفرد البشرى ويتم (توقيتهما )أو تأجيلهما الى يوم الفصل(وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ)، وفى يوم الفصل يتحولان الى (سائق وشهيد ): (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)(ق 20 : 21 ).
8ـ بانفصال كل ملائكة كتاب الأعمال لكل البشر تنتهى الدنيا وزمنها وتأتى (الساعة ) وهى مصطلح قرآنى عن قيام يوم القيامة ونهاية العالم ،وهو يحمل مدلولا زمنيا (الساعة ) التى تفيد فى القاموس القرآنى معنيين : وقتا صغيرا فى حياة الانسان ،أو قيام (الساعة ) ، وقد جاء المعنيان معا فى آية واحدة :(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) (الروم 55 ).وبانتهاء (زمن) الدنيا و(أزمان ) البشر فى هذه الحياة الدنيا تنتهى مهمة هذا الكوكب الأرضى فتتخلى الأرض بأطباقها السبعة عن مهمتها فيتم تدميرها نهائيا ولا يبقى منها إلا المسجل من أعمال البشر التى حدثت فوقها وجرى تسجيلها بيد ملائكة التسجيل . نفهم هذا من قوله جل وعلا :( إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا )( الانشقاق 1 ـ ). فمن مظاهر تدمير هذا العالم (وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)، أى تتبعثر الأرض وتتزلزل وتتناثر بعد أن يأتيها الوحى الالهى أو الأمر الالهى بالتدمير ، تمتد وتنفجر وتتحول بحارها الى نيران ملتهبة وتتحول جبالها الى ما يشبه الصوف الطائر المنفوش ، وتلقى الأرض ما فيها مما تم تسجيله على قشرتها وتنصاع لأمر ربها . وكل ذلك موصول بكتاب الأعمال ، فالآيات التالية تقول عن تسجيل كتاب الأعمال للبشر فى الدنيا :( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ). وعن لقاء الفرد بربه وبعمله يوم القيامة تقول الآية التالية : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا). ويتأكد نفس المعنى فى سورة الزلزلة وهى تتحدث عن انهيار هذا العالم : (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)). الأرض هنا (تخلت ) عن ( الأعمال ) التى كانت لها مسرحا ، وبهذا تتحدث عن أخبارها والتاريخ الحقيقى لنا الذى جرى فيها ، وكل ذلك بأمر الله جل وعلا ووحيه .
وبعد تدميرها ونهايتها يخلق الله جل وعلا أرضا جديدة وسماوات جدية مختلفة تتناقض صفاتها مع أرضنا الحالية والسماوات الحالية ، يقول جل وعلا : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)( ابراهيم 48 ). هو تبديل أى تناقض تام بين عالمنا هذا والعالم الآخر ،أو بين يومنا هذا و (اليوم الآخر ). أرضنا فانية زمنها متحرك يسير الى نهايته ،أما الأرض القادمة و السماوات القادمة فهى أزلية بجنتها ونارها ، وزمنها خالد راهن ليس فيه ماض أو مضارع أو مستقبل . زمن لا ندرى كنهه لأننا لم نعايشه بعد. لهذا فإن عالمنا هذا هو عالم التكليف والحرية فى الطاعة أو المعصية ،أما اليوم الآخر فهو يوم أزلى للمكافأة أو العقوبة.إن تلخيص عالمنا اليوم يكمن فى كتاب الأعمال ، وبه تنتهى مهمة الأرض . وأن الفيصل فى دخول الجنة أو دخول النار هو أيضا فى كتاب الأعمال .
أخيرا
1 ـ نختم هذا المقال بتلك الآيات البينات من أواخر سورة الطلاق . يقول جل وعلا : (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا):
2 ـ فى آيات محكمة موجزة عن تاريخ الأمم السابقة : (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا )، هذا عن العقوبة فى الدنيا بالتدمير والاهلاك. فماذا عن عقوبتهم فى الآخرة ؟ الإجابة فى الآية التالية :(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) أى فى اليوم الآخر . فماذا عن وعظ الأجيال القادمة والراهنة ،يقول جل وعلا بعدها :(فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا).
3 ـ بعد الحديث عن الأجيال الماضية البائدة،ما هو مصدر التقوى والهداية للأجيال القادمة ؟ لا بد أن يكون هذا المصدر فوق الزمان والمكان ، يسير مع كل جيل حجة على كل جيل ،أى لا بد أن يكون القرآن وليس شخص النبى محمد المحدد بالزمان والمكان ، لذا يقول جل وعلا عن ذلك الرسول إنه (الذكر ) ولا يكون الذكر هنا سوى القرآن المستمر والمحفوظ فوق الزمان والمكان: (قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولا) الرسول هنا يفيد القرآن حصرا وليس خاتم النبيين .والقرآن بنفسه هو تلاوته:( يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).القرآن هو النذير البشير بمجرد أن يتلوه المؤمن الداعية للحق ، سواء كان النبى محمد فى حياته أو أى مؤمن يدعو الى الله جل وعلا على بصيرة : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )( يوسف 108 )
وبالاستشهاد بآيات أخرى تجد الكتاب نفسه هو النذير والبشير ، ففى إفتتاحية سورة هود يتحدث رب العزّة عن القرآن الكتاب الذى أحكم الله جل وعلا آياته ثم فصّلها : (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (هود 1 : 4 )،أى لا بد من مؤمن يقرأ ويتلوه هذا القرآن ، ويقول لهم بالنّص والحرف : (وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). وبذلك يتم استمرار النذير و البشير باستمرار الدعوة بالقرآن . ومن عجب أن يستمر الاعراض من المشركين فتقول الآية التالية من سورة هود (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (هود 5 ). وهنا إشارة الى تسجيل العمل والعقائد وما فى القلوب فى قوله جل وعلا (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
وفى إفتتاحية سورة فصلت وفى حديث عن القرآن الكريم بشيرا ونذيرا يقول جل وعلا (حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) ولأنه لا بد من مؤمن يتلو هذا القرآن يدعو وينذر به ويبشّر يقول جل وعلا عن رد الفعل للمعاندين : (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(فصلت 1 : 4)،ثم هم يعلنون أن فى قلوبهم أكنّة وحجبا تمنع مقدما تسرب النور القرآنى:(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)( فصلت 5 : 6 ).
هذا استطراد ضرورى ليس فقط فى أنه يصل الحديث عن الأمم البائدة بالأجيال اللاحقة ولكن لأنه وثيق الصلة بموضوع الزمن ،فالقرآن الكريم ليس (فعلا ماضيا ) وليس زمنا أنتهى بل هو هداية متجددة لكل زمان ومكان،وإذا كان النبى محمد مؤقتا فى وجوده بالزمان والمكان فالقرآن عظة فوق الزمان والمكان،لذا يقول جل وعلا عن القرآن:(إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)،وتقول الآية التالية:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء 106: 107)، فالرسالة التى أرسله الله جل وعلا بها هى الرحمة المستمرة للعالمين بعد موته عليه السلام. ويقول جل وعلا فى إفتتاحية سورة الفرقان ـ والفرقان من اسماء القرآن ـ (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا). فالنذير للعالمين ليس شخص النبى الذى مات ولكنه الكتاب المستمر بحفظ الله جل وعلا الى نهاية العالم .
4 ـ ونعود الى الآيات الكريمة فى نهاية سورة الطلاق ، ونقرأ قوله جل وعلا فى ثواب المؤمن الصالح يوم القيامة (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا).ويلاحظ هنا أن التعبير بالمضارع أى الزمن الحاضر:(وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) يعنى أن من يأتى يوم القيامة وسجل أعماله مضىء بالايمان وبالعمل الصالح فإن الله جل وعلا يغفر له ويكفّر عن سيئاته (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) فيصبح صالحا لدخول الجنة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (العنكبوت 7،9 ).
5 ـ ونسأل ونجيب : أين هو كتاب الأعمال ؟ هو مع الملائكة المناط بها تسجيل الأعمال. وأين أولئك الملائكة ؟ هم فى العالم البرزخى ، فى أحد طبقاته . وأين تلك الطبقات بالنسبة الى الأرض ؟ نحن نتحدث دائما عن أرض واحدة نعرفها ونعيش عليها، هى تلك الأرض المادية وما يكتنفها من طاقات . ولكن هناك أرضين أخرى عددها ست ،أى ست أرضين ليكتمل العدد سبع أرضين .أى إن أرضنا المادية هذه لها ست مستويات برزخية ، فالسبع سماوات تقابل سبع أرضين ، منها ست أرضين أرضية تقابل وتماثل المستويات البرزخية للسماوات السبع . ويوجد الملائكة من درجة الملأ الأعلى فى السماوات السبع،كما يوجد الملائكة الموكلة بوفاة الأنفس وبوفاة الأعمال أو توفية الأعمال أو تسجيل الأعمال فى بعض المستويات البرزخية للأرض ،كما توجد فيها بقية عوالم الجن والشياطين . وهذا يحتاج الى بحث قادم مفصل عن عوالم الغيب فى القرآن الكريم ـ لكن الذى يهمنا هنا أن ملائكة تسجيل الأعمال توجد فى إحدى الأرضين السبع ، وأن الأمر يتنزل اليهم من السماوت العلا ، ومنه تسجيل الأعمال وحفظها لكل فرد وفى كل جيل وكل قوم وكل زمن ، ومنه قفل كتاب العمل بموت صاحب العمل حيث يتم توفية عمره ورزقه والمصائب ـ أى الحتميات ـ ثم يتم توفية عمله بقفل كتاب أعماله. تقول الآية الأخيرة من سورة الطلاق :(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
6 ـ وسبحان الذى أحاط بكل شىء علما ..!!