رسالة من ثائر مصري إلى أُمِّـــه!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٢١ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أمي الحبيبة،

أعرف أنكِ تتنقلين ما بين شـُرفة منزلنا القديم وبين جهاز التلفزيون تبحثين عني بين عشرات من الشباب الذي يمر أمامك وآلاف من الذين تنقل لكِ الشاشة الصغيرة غضبــَهم الكبير، ثم تطلبين من شقيقتي الكبرىَ أن تترك لي نصيبي من طـعام العشاء خاصة أنكِ، أطال اللــه في عمركِ، طــهوت اليوم وجبتي المفضلة.

كنت أكذب عليكِ وأقول بأنني لا أحب أحداً في الدنيا أكثر من حبي لست الحبايب، وتبتسمين، ثم تقولين بأن هذا الحبَّ سيتراجع فور انتهاء فترة الخطوبة وانتقالي إلى عش الزوجية، فتسرق عروستي مكانــَكِ في قلبي، فأقــَبــِّل يديك الطاهرتين، ظــَهـْراً وبطناً، مؤكداً أنها أوهامٌ، فالجنةُ تحت قدميك.

كنت أكذب عليك حتى اكتشفت في يناير الماضي حبي الأكبر وعمرها خمسة آلاف عام، وهي عذراء ولو تبادل اغتصابــَها طــغاةُ وكلابٌ وذئابٌ في كل العصور والعهود، فقد رأيتها في الخامس والعشرين من يناير الماضي حورية من البحر لم يلمسها إنس ولا جان، وهي تختفي ثم تعود.. وتظــهر فجأة عندما يغلي جهازي العصبي على لصوص يريدون سرقتــَها، وعلى ضــِباع يظنون أنها غنيمة شهية، وعلى كارهين لها كأن قلوبــَهم خــُلقت من شــُهــُب ناريةٍ تــُطلق بغضاءَ مع كل شرارة.

في يناير الماضي خدعني الكبارُ بعدما أوحوا لي أنني وعشاقــَها الآخرين من شباب مصر نجحنا في تخليصها من براثن حيوانات مفترسة، وهم سيتولوّن مهمة علاجها، والحفاظ عليها في فترة نقاهتها، وتنظيف كل ما علــَق بها من أوساخ مُغتصبيها، وأقنعوني بآلة كذب عملاقة اسمها الإعلام أن كارهــَها الأكبر تعرضه العدالة المصرية في قفص شبيه بأقفاص القرود، وأنَّ رئيس المحكمة يُمــَثــِّل عدالة السماء على الأرض.

معذرة، أمي الحبيبة، فأنا الآن أدافع عمن أحببتها أكثر من حبي لكِ، ومعي عشرات الآلاف من عشـّاقها، وكل واحد منا يزعم أنه الأقرب إليها، وأن الموت في سبيلها يضمن له بيتين في الجنة، فنراها ساكنة وادعة يحيط بها نهر خالد يمر على عشر دول سمراء حتى يرتمي في أحضانها، فيصافحه النوبيون أولا قبل أن يودعهم ليروي عطش الإنسان والحيوان و .. النبات.

 

أمي الحبيبة،

لا تخافي ولا تحزني فقد سقط جدار الخوف لأقل من عام مضى، وأنا الآن مع عشاقها نعيد مــَشاهد الثورة الأولى حتى يعلم الذين ظلموا أن برودة ميدان التحرير أكثر دفئاً من فراشــِنا، وأن أخي الذي لم تلده أمي كان بجانبي يتلقى الضربات عني، ويضمد لي جرحي، ويصرخ في وجوه قاسية لغلاظٍ يرتدون يونيفورماً لا أدري لعدم خبرتي إن كانوا من رجال المشير أو من رجال اللواء.

أصابتني طلقة مطــّــاطية في جنبي الأيسر عندما كنت أحاول الدفاع عن زميل لي، ظل معتصماً في الميدان عدة أيام لا يرى خلالها إلا صورة شقيقه الذي لقي ربه شهيداً في الثامن والعشرين من يناير الماضي، وكان القاتل من مظــهره، وصدره العاري، وتقاطيع وجهه التي تنسجم مع وجوه المجرمين وأصحاب السوابق، بلطجياً يقف خلفه ثلاثة من رجال الأمن.

أنا بخير والحمد لله مادام حبي الأول والأكبر، مصر، تتنفس غضباً، وتركل الخوف بعيداً، وتقف شامخة كأنها قررت أن يكتب شبابــُها التاريخ من جديد بعدما ظل اللصوص ينسخونه بمــِداد من دمائنا.

 

أمي الحبيبة،

حبيبتي، هي أم الدنيا، التي، وأسمحي لي بهذا العتاب، لم يحافظ عليها والدي لعدة عقود، وكان يظن أن مغتصبيها يملكون القوة والسلاح والمال والدهاء، ونسي، غفر اللــه له، أنهم جبناء كالخفافيش يلتصقون بالوجه دون سابق إنذار.

دعيني أحمل مسؤولية لم يستطــع جيل أبي أن يحمل ولو جزءاً طفيفاً منها، فظل اللصوص ينهبون خيراتنا، ويخطفون اللقمة من فمي وأنا صغير حتى كبرت، وعرفت الطريق إلى مصرنا الحبيبة عندما تدثرت بسماء ميدان التحرير، وشهقت زفير عـُشــّاقها من شباب الوطن، فأعاد لي روحاً كنت أظن أنها هربت مني عندما لم يحافظ عليها أبي.

أريد أن أعود الليلة قبل الغد، والآن قبل أن تلوذي بفراشك ودموعك وخوفكِ عليَّ، لكنني الآن في أحد أهم ميادين الدفاع عن الوطن.

تريدين أن تعرفي من معي في ليلة العيد.. أقصد عيد استرداد الثورة المسروقة، أليس كذلك؟

معي محمد وأحمد ومصطفى وريهام وأمال وسمير وجرجس وكمال ومحمود وعبد المسيح ونادية و ... ومعنا آلاف .. عشرات الآلاف، ونحن نملك أسلحة أثبتت فعاليتها في كل المعارك بين الظلم والباطل! نملك حب الوطن وضميراً تصطك منه رُكـَبُ الذين يطلقون علينا الغازات المسيلة للدموع، ويهوون على رؤوسنا بهراوات مطاطية، فهم لا يعرفون من أين يأتي الإيمان بالوطن، ويظنون أن مصر هي القصر، والإلــَه هو الزعيم.

 

أمي الحبيبة،

لا تصدقيهم فهم كاذبون، يتجرعون الكذب فيثملون به، يُخلفون الوعود كما يغيرون ربطة العنق، ينكثون العهد ولو أقسموا بكل الإيمانات المقدسة. يقولون بأنهم لا يعرفون أسماء القــَتــَلة والمجرمين والبلطجية والقناصة الذين اغتالوا زملاءنا، فكاد الشيطان يعترف أنهم أكذب منه.

أنا هنا في بلدي، أدافع عنها، وأحتج على كل ما يمسها بسوء، ومـَطالبي هي مطالب كل سكان وادي النيل. عدالة. إزالة تامة لكل أركان نظام الطاغية المخلوع. استرداد أموال الشعب التي ترفض السلطة الحالية أن تعيد للمصريين قرشا واحدا منها، فهي في أمان حتى يخرج اللصوص من معتقل طره ويتسلمونها غير ناقصة ورقة نقدية واحدة.

كنت في أمان حيث يعرف العالم أن كرامة مصر الحديثة تتنفس في ميدان التحرير، وأنتِ تعرفينني جيدا، وأنا وزملائي لسنا طالبي شغب أو باحثين عن العنف أو حتى مستفزين لنجمة واحدة فوق كتف أحد الذين يطلقون علينا الرصاص المطاطــي.

أعرف أن دموعي غالية عليكِ، لكنها انهمرت بغزارة صباح اليوم عندما فقد أحد زملائي عينه اليسرى بعدما فقد اليمنى في نهاية يناير الماضي، فأصبح كفيفاً في ربيع عمره و.. ربيع العرب، ولن يشاهد بعد اليوم أهله وأشقاءه، ولن يفرح في عرس أخته الصغرى التي حلم كثيرا بأن يرقص فيه حتى الصباح.

تسألينني عن هويات من معي، وصدقينني، أمي الحبيبة، فأنا لا أعرفهم، ولا أكترث إن كان الذي يغطــي ظهري لحمايتي مسلما أو قبطيا، إسلاميا أو علمانيا، يساريا أو يمينيا أو لا ينتمي لأي دين أو مذهب أو حزب أو جماعة.

نحن مصريون اجتمعنا هنا لحماية مصر ممن زعموا أنهم يقومون بحمايتها من الرجل الذي خدموه سنوات طويلة حينما كان يبطش بأبي وأعمامي وأخوالي وأحبابي حتى من قبل أن أولد.

 

أمي الحبيبة،

أرجو أن تقومي بزيارة جارتنا التي تقطن الطابق الثالث فدموعها لا تنقطــع حتى تنهمر من جديد بعدما صرعت رصاصةُ قناص اختبأ قــُرب المتحف المصري في الثالث من فبراير الماضي ابنها الأكبر، ثم جاءت سيارة أمن فأخذت الابن الأصغر إلى حيث لا يعرف مكانه إلا الجن الأزرق ورجال المخلوع الذين يرتعون في البلد إمعاناً في تذكير المصري أن حُكم مبارك أبدي، ولو قبض عزرائيل روحـَه سبعين مرة.

إذا لم أعد إليكِ فلا تيأسي، ولا تحزني فهو قــَدَرُنا، وهي أمانة سلَّمها إلينا جيل سابق لم ترفع إلا قلة منهم عينيها أمام الطاغية السفاح، فتجسد الجبن فيهم، وزارهم الخوف من كل مكان، وتسلل إليهم في فراشــِهم، وطارد أحلامــَهم، واستقطب منهم مئات الآلاف في كل الوظــائف والمناصب، فجعلهم أرانبَ في الإعلام والصحف الكبرى وأجهزة الأمن والجامعات والمدارس والنقابات واتحادات الكــُتــّاب والصحفيين والفنانين ورجال الدين إلى أن جاء 25 يناير ليكتب ابنــُك وزملاؤه تاريخاً جديداً يبلل سراويل كل الطغاة إذا قرأوا مـُقدمته وبعضا من هوامشه.

لا تجعلي أختي الصغيرة تذهب بمفردها مساء كل ثلاثاء لدروس الجيتار، فالسلطــة الحاكمة لم تــُلـْق القبض بـَعـْدُ على أكثر من مئة وستين ألف بلطجي ومسجل خطر وهارب من السجون، وأكثر من ثلث هؤلاء تم اخراجهم خلال الثورة لانزال الرعب والفزع في قلوب المصريين، أما ترك أصحاب السوابق والمجرمين المسلحين بهذه الصورة الفجة والقذرة والحقيرة جريمة بكل المعايير، بل اعتداء صريح ومباشر ضد مصر والمصريين، ولا يحتمل أي تأويل أو تبرير.

 

أمي الحبيبة،

إذا كانت حياتــُكِ مع أبي لثلاثين عاما يحيطــها الرعب، ويستطيع اصبعُ أيّ ضابط أمن أن يقلع عين من يتجرأ ويرفع صوته أمام الباشا، فإن ابنــَكِ يـَعدك بحياة كلها كرامة وعزة وإباء ما بقي لكِ من عمر، أطال اللــه سنوات عمرك حتى تشاهدين ابنــَك وشباب مصر وأبطال الميدان أسياداً في وطنهم.

لا تصدقي من يــُحـَدِّثك عن انتخابات برلمانية فهو نظام عقيم، وعبث في فكرة الديمقراطية، وخطة جهنمية ستأتي للحرم الديمقراطــي بأطياف عجيبة، وشيوخ قبائل، وانتهازيين من فلول المخلوع بدعمها، ورفعها فوق رؤوسنا، والقائها على مقاعد مجلس الشعب لتعيد دورة الاستبداد من جديد، ومع ظهور عشرات من الجماعات والفرق والأحزاب الطامعة فيما بقي من كعكة وطن مزقوه، يمكن أن ننعي الديمقراطية في برلمان ترشح إلى عضويته ثمانية متخلفين من كل عشرة.

صباح أول أمس عندما غادرت البيت مررت على أكثر من تسعين مقلب قمامة في ساعتين، وهي شاهد على أن الحياة السياسية عبث، وأن اجتماعات كل أصحاب السلطة لا تساوي بعوضة فما تحتها، وما أحزنني هو خوفي الشديد على يوم يأتي فيقتحم الطاعون ثلث بيوت مصر، وتأكل الكوليرا أجساد ربع أطفال الوطن، فالمصريون منشغلون برجال سيمثلون دوائر صغيرة لا يعرف من يرشح نفسه فيها، على الأرجح، ما يدور في باقي مصر.

 

ست الحبايب،

قد أعود إليكِ، أو ينهال خمسة من رجال الأمن على جسدي الضعيف ضرباً وركلا فلا يتركون في فلذة كبدكِ إلا حطاماً، لكنني كما قلت لكِ اكتشفت إنني في حالة حب صادق، وعشق ولهان لا تغادره صورة حبيبته نائماً كان أم في يقظته!

حب بدأ في 25 يناير الماضي ولم أكن أعرف من قبل مصر الرائعة التي يبدأ أيّ مُدرس للتاريخ في مدارس الدنيا درســَه بالحديث عنها، والثناء على عطاءاتها طوال آلاف السنين، ويحسدها خصومها على موقعها الجغرافي، ويغار منها الكثيرون لأنها ملتقى الصحراء والمياه العذبة والمياه المالحة وقارتين وشعب كلما ظن احتلالٌ لها أنها انتهت، اكتشف بعد حين أن الغالب هو الذي يذوب في المغلوب، مخالفاً بذلك ابن خلدون.

 

أمي الحبيبة،

لا تخيفك قسوة الذين ينهالون علينا بأسلحتهم التي دفعنا ثمنها من أموال الشعب، ولا يذهبن بك الظن أن قسوتهم ستثنينا عن العزم الإيماني العميق باسترداد مصر من براثنهم، فنحن شباب ثورة 25 يناير، لسنا كآبائـِنا وأجدادِنا، فجيلــُكم، وسامحيني يا أمي الحبيبة، أدار ظهرَه لأعتى طغاة العصر، وسلــَّمنا بلداً مُثقلا بالديون، ومهدداً بالافلاس، ومكتظاً باللصوص، وبه نصف مليون مدمن، وينخر سوس الفساد في كل أركانه، وقد عاهدنا اللــهَ أن نسترد مصر بأي ثمن، حتى لو حفروا لنا في كل شارع مقبرة جماعية، فليس لنا خيار ثالث: إما نحن ومصر و .. إما هم وخصوم الوطن.

أفتقدك كثيرا، وقد نمت مساء أمس في خيمة مع مجموعة من عشاق الوطن، تحدثنا حتى طلوع الفجر عن أحلامنا، فحكى زميل عن ذلك اليوم، في عهد مبارك، الذي سمع عن اغتصاب أقرب أصدقائه في قسم الشرطة، وعندما عاد مطأطيء الرأس إلى أسرته رفض أن تلتقي عيناه بعيونهم، وظل هكذا ثلاثة أيام ثم فارق الحياة،

وحكى آخر عن البطالة التي أهانت كرامته لخمس سنوات فقررت خطيبته أن تعيد إليه خاتم خطوبة كان يرافقه في كل أحلامه الوردية مع صعاب لا يتحملها الصخر. وحكى ثالث عن زيارته الأخيرة لدولة لا تملك أكثر من خــُمس خيرات مصر، ويعيش شعبها في أمان وسلام وينتخب حاكمــَه، ولا يعرف صندوق الاقتراع ورقة مزيفة واحدة.

 

أمي الحبيبة،

هل تعرفين أن عدد المختطــَفين والغائبين منذ قيام ثورتنا المجيدة يفوق خيال أي متشائم، ومنهم أصدقاء وزملاء للذين قضوا ليلتهم معي في الخيمة، ومع ذلك فالصمت هو أحقر قيمة لا أخلاقية ساهم فيها الجبن والتخلف والمصالح والأهواء، لذا فقد يهتز المجتمع كله بكل طوائفه لخلاف على الدستور أو مواد معينة أو موعد انتخابات أو تغيير نائب رئيس وزراء أو حق المدعين بالحق المدني لدخول قاعة المحكمة قبل العاشرة صباحاً، لكن نفس هذا المجتمع لا يطرح أخطر قضاياه، ويبكي على كوب لبن مسكوب، ولا يكترث لثروة وطن يسخر العالم كله منا لأننا لا نطالب بها.

أريد أن أبكي بكاء الابن على صدر أمه وليس بكاء الرجل على قسوة جلاديه، ففي اليومين الماضيين شاهدتْ عيناي البريئتان ما جعلني أكره كل صاحب سلطــة، وأتمنى استبدال كل رجال الأمن من عسكري جلف وغليظ إلى ضابط ينتظر هاتفاً يهنئه على منصب مساعد وزير الداخلية، وأن نأتي بشباب حديثي التخرج من كليات مختلفة ومعاهد عليا ليأخذوا أماكن ممن لن يستطيعوا أن يفهموا قيمة الكرامة لدى المصري.

 

أمي الحبيبة،

حيرتي كانت في فك طلاسم القسوة والكراهية وشهوة الاهانة ولذة الضرب التي انتابت رجال الأمن أو الشرطة العسكرية وهم يكسّرون عظامنا، ولو كانوا في حرب مع عدو احتل أرضنا لما عاملوه بكل تلك الوحشية السافرة. هؤلاء يحتاجون لعلاج نفسي وعصبي وعقلي قبل توجيه اتهامات لهم، فلم تكن فقط أوامرَ من الكبار، لكنها تبرع بالافتراس.

جاءوا ومعهم بلطجيتهم الذين صنعهم عهد المخلوع، وأحرقوا سيارات، واصطادوا بأسلحتهم شبابا خرجوا لتحريرهم من ربقة العبودية لأي صاحب سلطة، فأصحاب السوابق يعرفون مسبقاً أن الذي رفض محاكمتهم عن جرائم القتل وموقعة ( الجمل ) وتصفية مئات الشهداء من زهور مصر الرافضة لمبارك، سيرفض أيضا هذه المرة التضحية بهم، فكل مسجل خطر هو ثروة قومية يحتفظ بها الحاكم أو حيتان الفساد أو داعمو المرشحين لمجلس الشعب.

لا تصدقي من يقول بأن الانتخابات قبل أي شيء آخر، فالنتيجة معروفة قبل فتح الصناديق بوقت طويل، والتخلي عن شباب الثورة مساء يوم الجمعة 18 نوفمبر كان ضمن مخطط الشياطين للنجاح في الانتخابات العبثية، وتشكيل حكومة في مقابل غض الطرف عن جرائم مبارك ورجاله طوال ثلاثين عاماً.

كان المفترض أن تخرج مصر كلها، برجالها ونسائها وأطفالها ومثقفيها ومحاميها وقضاتها وإعلامييها، تشد من أزرنا، وتؤيد مطالبنا، وتحمــي ظهورنا، وتقول للمجلس العسكري وأجهزة الأمن ووكالات الأنباء التي تنقل الخبر للعالم كله أننا أولادهم وبناتهم وأشقاؤهم وشقيقاتهم، وأننا أصحاب الثورة ولا نريد أكثر من استردادها.

أشتاق لحضنك، أمي الحبيبة، قبل أن تـُسكتني هراوة أو تقتلني رصاصة، أو يختطفني من أنفقنا عليهم لخدمة الشعب، فأذلونا حتى نخفض رؤوسنا من جديد.

قولي لكل من تعرفين بأنك فخورة بي، وأن ما عجز عنه أبي سأحققه، وأن تاريخ مصر كتبناه نحن، شباب 25 يناير، ولن نسمح لأحد بتزويره وتزييفه مرة أخرى.

لو أعادوا لكِ جثتي فلا تصدقي حرفا واحدا من كلامهم، فأنا لن أقتل نفسي، ولن ألقيها في التهلكة، لكنهم هم القتلة، فاحتسبيني عند اللــه، وتذكرينني كلما رأيتِ شابا مصريا أو فتاة في مثل عمري، فأنا أموت ليعيشوا هــُم!

من يدري فربما تجدينني أمامك في لحظة من لحظات الصدق والعدل والطهارة، وحينئذ ستزغردين، ليس لي فقط ..ولكن لمصر كلها.

أترككِ الآن فهناك ثلــة من العسكر تلهث خلفي، وتحمل وجوههم ملامح مقتٍ وبغضاء وشراسة، ظننتها لأول وهلة كراهيةً لي فقط، لكنها للحقيقة كراهية لمصر كلها ولشعبها.

إذا لم أعد إليك، فسيبلغك حتما نبأَ الخبرين أحدُّ زملائي من عاشقي مصر: استشهادي بأيدي أعداء الوطن في الداخل و .. تحرير مصر من كل آثار الطاغية المخلوع، فهل هناك ثمن للشهادة أقل من هذا؟

 

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 21 نوفمبر 2011

Taeralshmal@gmail.com

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 15817