بسم الله الرحمن الرحيم
نعم، لقد ولدت مسلما، ومن ثم أصبحت سنيا تبعا لأهلي ولمحيطي، لقد ولدت في احدى المخيمات اللتي أسسوها لاحتواء النازحين من الفلسطينيين في الأردن، ونميت هناك، وكنت من المجتهدين في المدرسة، ومن الأوائل على المطالعين في مراحل متأخرة من المدرسة، حتى دخلت الثانوية العامة، وكنت ما زلت انسانا ملتزما لا أفوت صلاة حتى الصبح منها...ثم وقع بين يدي كتاب لأنجلز، يتحدث عن المبادئ الثلاث – الأربعة لاحقا لأصول الماركسية، وهنا بدأت أحرك " خلايا مخي " ان صح التعبير، وكنت غضا غير مضطلع فأعجبني اسلوب الطرح والنقاش الفلسفي، وتعمقت أكثر وأكثر في هذه المجالات والاتجاهات الفلسفية اللتي كانت سائدة في ذلك الوقت ( حدث ذلك معي في بدايات الثمانينات )، فقرأت لكثير من فلاسفة أوروبا والعرب القدماء على السواء...
في ذلك الوقت كنت قد انخرطت مع الأخوان المسلمين لفترة من الزمن ثم تركتهم لكثرة تركيزهم على أن أطبق كامل تعليماتهم وأن لا أحيد عنها، ومن ضمنها التدريبات على القتال..وأذكر أن مدرسي في السنة الثانية من الثانوية العامة وكان منهم (الأخوان) ، أذكر أنني سألته سؤالا بالفعل كنت أريد فهمه آنذاك، فسألته أمام الطلبة في الصف، كيف تفسر لي الأية اللتي تقول "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، فقلت له كيف نفسر أن الله عز وجل "ماكر"...! وأقسم بالله لم أرد غير العلم، ووقعت فريسة لجهله، فطردني من الصف وارسلني للأدارة بحجة التمرد والغوغاء، " حيث أطعمني المدير هناك ما أشتهي من العصي! " ثم ابتعدت شيئا فشيئا عن الدين وبدأت أقرأ أكثر وأكثر للفلاسفة الغرب والشرقيين فما وجدت نفسي الا ملحدا........!
حين أنهيت الدراسة لم أستطع الألتحاق بجامعة هنا لفقري فقررت أن أتم دراستي في الاتحاد السوفييتي – سابقا – لكثرة ما قرأت لكتابه وعنه، فكان ما كان و ذهبت هناك مشبعا بأفكار الشيوعية والأشتراكية ووو...
لن أطيل ولكن بداية السنة الأولى مرت أيضا بدون تغيرات وبسرعة لأستغراقي في تعلم اللغة الروسية، فلم ألحظ حولي من شيء يؤثر علي ثقافيا سوى اللغة الجديدة.
وجدت اسلاما ولم أجد مسلمين*
أنا من الذين أتمو اللغة الروسية في ستة أشهر، وخرجت الى الشارع لأرى الحياة والناس..وشيئا فشيئا تبين لي أنهم يملكون ما فقدت أنا..! وكن كيف ذلك؟ فهم غير مسلمون وأنا الذي كنت مسلما يوما ما لا أستطيع قول "يا رب"! نعم، لقد كانت أيام صعبة جدا علي، كنت معلقا في الهواء، أضعت اسلامي وأضعت الحادي، فلا أنا مسلم ولا أنا ملحد، أحيانا كنت أجلس أبكي كالطفل أريد قول "يا رب... يا الله" ولا تخرج من فمي!!!
كيف حدث ذلك؟ حينما اختلطت بالشعب الروسي البسيط، وجالستهم وتحدثت معهم، حينما عرفت عاداتهم وتقاليدهم وطريقة تفكيرهم، لم أجد فيهم الحادا كما كانوا يدّعون في الخارج، ولم أجد شيئا من شيوعية الاعلام الخارجي، فجلُ ما وجدت هو الاشتراكية المسروقة من الاسلام...!
" الاشتراكية المسروقة من الاسلام !"، نعم، أنهم شعب كان يعتبر الكلأ والماء والكهرباء والتدريس والملبس والمسكن للجميع، بل أنهم كانوا وما زالو يرضعون حولين كاملين، والمرأة المرضعة تأخذ عطلة حولين بأجر من الحكومة وصاحب عملها ملزم بقبولها وارجاعها على رأس عملها حين تنهي الرضاعة...!
أنا أقول هنا معلومات يمكنكم التأكد منها في القانون الروسي حاليا أيضا..
كان الماء البارد والساخن والغاز يصلهم شبه مجانا بأبخس الأسعار..بينما بلد مثل مصر يشتري أهلها الغاز - غازهم – بأبهظ الأسعار ان تمكن البعض منهم ذلك...
كان الطلبة يدرسون – وما زالو – مجانا، بل يأخذون راتبا شهريا يعينهم على حياتهم، بل ولهم سكنهم ومطاعمهم وتذاكر سفر خاصة بهم بأسعار رمزية...
أنا تعلمت في صغري أن الاسلام – أو الدولة الاسلامية توفر كل هذا، حيث لم أر أو أسمع أن هنالك من وفر هذا لشعبه، فكل ما تعلمته كان كلاما لا غير...حبر على ورق..
لقد وجدت شعبا يقدس القراءة، وكأن الله قال لهم "اقرأ" في أول عزيز كلامه وليس لنا، أناس جالسون في الحدائق يقرأون، أناس جالسون في الحافلات المختلفة يقرأون، بل واقفون كذلك يقرأون، عجوز عمرها 82 عاما تحرس سكننا طيلة الوقت تقرأ...!
لقد وجدت الأسلام ولم أجد مسلمين...!
وهنا كان الصدام العنيف بين ما اعتقدته عن الشيوعية (غير الموجودة) والأشتراكية (وهي أقرب الى الاسلام) وبين اسلامي الذي أضعته...والعقدة هنا ليست ببسيطة، فأنا للأسف أضعت الايمان بالله عز وجل في ذلك الوقت، فبدأت أبحث عنه من جديد لأني بدأت أثمن ما أضعت...فكنت أقضي الأيام والليالي أبكي من الحزن وقلة الايمان..فاكببت من جديد على قرائة الانجيل (وكان مع أحد زملائي)، ولم أستطع هضم فكرة أن انسانا يمشي في الأسواق وينام ويأكل...الخ الخ هو اله أو ما شابه، ويوما ما وقع بين يدي مقال لكاتب روسي يصف فيه تركيبة العين بيولوجيا واعجازها، ويصف كيف أنها من المفردات المعجزة في الكون...بأسلوب رائع جميل أحسست كأن نهرا من المياه الباردة تتدفق من فوق رأسي...ومنذ تلك اللحظة رجعت الى الله ووجدته...فقسما بمن هو الأعز والأقدر، بديع السماوات والأرض، لن يتزحزح من صدري وسيبقى فيه حتى القبر، ان شاء الله...
وجدت الله فأين الاسلام؟!
نعم، ذلك سؤال آخر لم أجد له جوابا منذ سبع عشرة عاما من اليوم، فلقد وجدت الله خالق كل شئ ولكن لم أستطع كذلك هضم التعاليم القديمة اللتي درستها في المدرسة وعلى أيادي بعض من سمعوا وحضروا جلسات الألباني، لم أستطع فهم الخلافات بين كل تلك الشيع من السنة والصوفية والشيعة وتفرعات كل منها، فأنا وصلت الى ربي بالعقل وأستحق أن اتبعه بالعقل وليس لأن ابي وأمي من السنة! وأكثر ما كنت اجادل فيه هو نقطة واحدة، كنت دائما أسأل من حولي، "تصور ولو للحظة أنك شيعي وأهلك ومحيطك شيعة، كيف كنت ستنظر للسنة حينذاك؟" وما من جواب..!!
كان التناقض يأكل داخلي، فمن ناحية أريد أن أكون مسلما، ومن ناحية أخرى أرى كل تناقضات الكون في الاسلام!
(وهنا لا أناقش قضية الايمان بالله وكتبه...) ، فهذا أسهل ما واجهته، لم أستطع هضم مسألة أن الكون خلق لأجل شخص بحد ذاته ولم ينص على ذلك في القران..! لم أستطع فهم أمي حين تقول لي أن كل بيتي وأكلي نجس لأن عندي كلب في البيت، لم أستطع فهم جيراني وأغلب أهلي حينما كانو يلحون على امرأتي أن تنطق الشهادتين، أو حينما يسألني الجيران لماذا لا تسجلها عند القاضي أنها مسلمة "رسميا" وحين أجيبهم بأنها نعم تؤمن بالله واحدا أحدا، وتؤمن بأن محمدا عليه السلام رسولا من الله، وتؤمن بأن المسيح ابن مريم أنسان بشر...لا...لم يكفهم هذا، بل يجب أن نذهب الى قاضي القضاة "لترسيم" الأمر...!
لم استطع فهم لماذا اليمين محبب، النوم على الجنب اليمين! لماذ فتاة مثل ابنة أخي مجبرة أن تأكل بيمناها بينما خلقها الله عز وجل عسراء؟ وان أكلت فيا ويلتاه ممن حولها! لم أستطع فهم الكره الذي يجب أن أحمله ضد كل من يخالف السنة ، فيجب علي كره اليهود والنصارى والشيعة على السواء، وكنت لا أفهم سبب حب "الشيوخ" للمرسيدس وكرههم لمن يصنعها! وصدقوني، هذا غيض من فيض...!
في وقت ما قبل عدة أعوام مات صديق عزيز لي، أحد أقربائي، شنقا، شنق نفسه، وكتب رسالة من ضمنها أنه سيصعد الى السماء ليرى الله...الخ، أثرت تلك الحادثة علي فقلت تعال يا غالب تعال لنصلي لله عز وجل، على الأقل، فأخذت كتيبا صغيرا للألباني يصف فيه صلاة النبي بأقل التناقضات، فقلت سأبدأ به، وهو كتاب عرفته في صغري، وهو قليل التناقض، فأعجبني وأخذت منه الأسس، ومنها كان موضع نقاش حول "وضع اليدين" ومما أذكر أنه ذكر أشهر ثلاث مواضع أحدها على النحر فأعجبتني وبدأت أصلي واضعا يدي على النحر، ثم تجرات (وليتني لم أفعل) فذهبت الى المسجد، وهناك عاد الاصطدام من جديد...هذا كان قبل عام ونيف، فكلما وقفت أصلي أسمع أصوات المعترضين على وضع يدي‘ لأني أخالف الجماعة ممن يحبون أن يرتكئو على بطونهم المليئة "نزّل ايديك!" وبصوت أصبح يعلو وأنا قائم أصلي!فأين الخشوع ومن أين!
غبت فترة ثم عدت، فما كان من أحدهم الا وأخذ بيدي وأنا في صلاتي يريد انزالهما..!! نعم، سلمت ولم أكمل. وأردت ضربه بكل عنف فرأيت أنه شيخ كبير، فصرخت فيه وهل عندك علم أخر تقوله لي كيف أضعهما؟! فنظر مستنجدا بشيخ أخر "يبدو أنه مرجعية عندهم" فأشار عليه أنِي أصلي بشكل "جائز" فنظر الي وقال "صلي صلي كمل صلاتك".. فقلت له وهل تظن بعد هذا كله ساستطيع الصلاة...من أين سأخشع..وحملت نفسي وخرجت من المسجد..
بقيت أصلي في البيت لفترة، ثم بدأت أتلكا وأسهو حتى أصبحت لا أصلي الا صلاة الظهر من يوم الجمعة، وعدت وانغلقت على نفسي، وحسبت أنني أنا الخطأ، وأن لا سبيل لي الى الهداية لأنني "دائما مخالف للجماعة" ...ودائما لا يعجبني أغلب الحديث، أنا كنت أحب عليا أكثر من بقية الصحابة لعدة مواقف له ولقرابته من الرسول عليه السلام، وكل ما استفدته من الشيعة هو أن حب أهل البيت من رغبات الرسول ولم أجد هذا عند أهل السنة، فكنت أستغرب فأقول لهم : حينما تقرأون في كل صلاة "اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد" ثم تضعون عليا في آخر الصف من الصحابة "كما يقول العجائز عندنا الأربعة أقطاب!".. والكثير الكثير من الأسئلة اللتي لا جواب لها...
دخولي الأسلام
لا أعرف كيف حدث ذلك معي، كنت منذ فترة اكتشفت هذا الموقع، وحاولت التسجيل فيه ولم أستطع في البداية فأهملته لفترة، ولم أعره اهتماما كثيرا، حتى نهايات شهر رمضان الماضي، ففي العشر الأواخر منه دلني أحد الجيران على مسجد غير قريب، لنقوم فيه الليل، فوافقت وذهبت معه، وهناك فتح الله على قلبي وأذاب الثلوج والصدأ معا، ذلك لأن امام ذلك المسجد كان يصلي بحق لله، فأقل ركعة كان وقتها لا يقل عن عشر دقائق، فيقرأ كثيرا، ويركع طويلا ويطيل في السجود، وحينما كان يقرأ القران يبكي البعض وهو منهم أحيانا وأنا كذلك، فأصبحت لا أنقطع عن صلاة القيام معه، ولان قلبي لذكر الله، وطلبت من ربي الهداية من قلب خالص، ثم أهداني الله السبيل للعودة ولفتح هذا الموقع وقرائة كتابات استاذنا ومعلمنا الحبيب أحمد "جزاه الله عنا كل الخير وأطعمه حجة الى بيته العتيق باذن العلي القدير"، .......... فاكتمل ايماني بالله عزوجل وبكتبه ورسله واليوم الأخر بتسليمي له أمري وباتباعي لما أنزل على رسوله، ومنذ ذلك الوقت وجدت طعما للاسلام ليس فيه غضاضة، ونفضت الغبار والصدأ وكل تناقضات الشيع الأخرى عن جسدي، وأصبح الاسلام عندي واضحا لا ضباب فيه، فالحلال بين والحرام بين، وها أنذا بين أيديكم أنهل مما سبقتموني اليه، وما أجملكم وما أسعدني بكم...
وشكرا لأستاذنا الحبيب الدكتور أحمد مرة أخرى، وانا أشهد له عند الله بما أفادني به.
"شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" – ال عمران : 18
"وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِي" الأحقاف : 15
"رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ" ال عمران :8
"سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" الصافات : 180-182
* الاسم المستخدم لهذا القسم يعود للاستاذ محمد عبده