إختلاف معنى بعض الألفاظ القرآنية بل تناقضها حسب السياق

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٤ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1ـ هناك آفة يعانى منها بعض هواة الكتابة ، هى إنهم لا يقرأون ، وبعضهم إذا قرأ ولديه فكرة معينة فهو لا يتخلى عن فكرته ، ولا يفهم ما يقرأ ـ لو قرأ ، وهو يلاحقنى بنفس الأسئلة دون ان يكلف نفسه عناء القراءة . مؤخرا ، إنتهيت من كتابة ونشر أربع مقالات عن الثورة المصرية الراهنة ثم بدأت أستانف الكتابة فى سلسلة ( كتب ـ كتاب ) فى القرآن الكريم ، مع سلسلة أخرى تتكون من أربع مقالات ساخرة بعنوان ( تبرئة ابن حجر من بيع الحشيش للبشر ..آه  يا بقر..؟؟) للتعليق على ثورة السلفية المصريين على المفتى فى اتهام ابن حجر ببيع الحشيش. عطّلنى عن عملى تعليق ظل صاحبه يلاحقنى به من التسعينيات دون ملل ودون رحمة ، ودون أن يقتنع ، ودون أن يقرأ لى.!

2 ـ إن جهادنا هو اصلاح المسلمين بالاسلام عن طريق الاحتكام للقرآن الكريم عند الاختلاف ، ومنهجنا أن نقرأ القرآن وفق مصطلحاته قراءة علمية موضوعية ، نفهم فيها المصطلح القرآنى من خلال السياق العام والسياق الخاص . هذا هوجهادنا ، وهذا هو منهجنا ، وهذا هو عملنا العلمى منذ حوالى اربعين عاما .

وأتاح لى موقع (اهل القرآن ) شرح المنهج وتطبيقه خلال مئات المقالات والبحوث ،بل أسسست لهذا المنهج قاعة البحث للتدريب ، بل خصصت له بابين : ( القاموس القرآنى ) و ( التأصيل القرآنى ) .. ومع هذا يظل البعض يلاحقنى بنفس السؤال عن المنهج ،أو عن سبل حلّ الخلاف ،أو أن يطرح فكرة نراها خطأ وهو يصمم عليها ويصمم على أن نعتنقها وأن نروّج لها وإلاّ اتهمنا بالتعتيم على فكرته. هذا مع ان موقع (أهل القرآن ) مفتوح لمناهج مختلفة فى البحث القرآنى ، منها الاعتماد على القواميس ومنها الاعجاز العددى وفهم بعض الآيات من خلاله . ويمكن لأى صاحب منهج ان يكتب بمنهجه ، ملتزما مثلنا بشروط النشر فى الموقع ، ويتعرض مثلنا للنقاش والنقد والتصويب.  ونعطى المزيد من التفصيل :

أولا :

أضطر هنا الى نقل بعض ما جاء فى مقال : (هذه اللغة العربية .. العجوز المتصابية ) المنشوربتاريخ 19 يناير 2007 ، وفيه قلت:

1 ـ ( اللغة كائن حى يتطور باستمرار، تموت منها ألفاظ وتتولد ألفاظ جديدة ، و بالاحتكاك باللغات الأخرى يتم التلقيح وتوالد واستعارة ألفاظ اجنبية وتعريبها. واللغة العربية بالذات هى أقدم اللغات الحية التى لا تزال موجودة حتى الان قبل وبعد ظهور الاسلام. عاصرت اللغة العربية لغات أخرى تحولت لهجاتها الى لغات مستقلة على حساب تلك اللغة الم التى اندثرت ، مثل اللغة اللاتينية التى ماتت وتحولت لهجاتها الى لغات مستقلة كاللغات الفرنسية و الأسبانية و البرتغالية والايطالية وغيرها، وكل منها اكتملت وأصبح لها معاجمها وقواعدها . لا تزال اللغة العربية حية حتى الآن لسببين : القرآن الكريم و تأدية الصلاة اليومية . ولكن ديمومة اللغة العربية واستمرارها جعل لها مستويين : اللغة الفصحى و اللهجات المحلية فى كل قطر عربى ، كما جعلها تختلف فى ألفاظها من عصر الى آخر، بل من مكان الى آخر. وأدى الاتصال والتفاعل الحضارى بالآخرين و تكوين الفرق  والطوائف الدينية والمذهبية الى توليد الكثير من المصطلحات وتغيير معانى كثير من الألفاظ و موت مئات الكلمات ليحل محلها آلاف الكلمات والتعبيرات الأخرى . هذا التغير الكمى والكيفى حدث ويحدث للغة العربية بينما يظل القرآن فريدا محتفظا بلغته ومصطلحاته التى لا يمكن فهمها إلا من خلال القرآن الكريم نفسه. ولولا القرآن الكريم لاندثرت اللغة العربية كما أندثرت الآرامية قبلها ، وكما اندثرت السريانية واللاتينية بعدها ..ولسنا فى مجال التفصيل فى فقه اللغة العربية وتطورها وأسرارها ، ولكن لنلمس بسرعة قضية أساسية ، هى كيف نفهم القرآن الكريم الذى نزل منذ خمسة عشر قرنا باللغة العربية ؟ تلك اللغة التى لا زلنا نتحدث بها مع تطورها و اختلافاتها من عصر الى آخر ؟

 2 ـ هل نفهم هذا القرآن العربى بمعاجم اللغة العربية؟

إن للغة العربية معاجمها المتميزة، و قد تم تدوينها بعد القرآن بقرون ، وهى خير دليل على أن اللغة العربية كائن متحرك تختلف فيها معانى الألفاظ من عصر لأخر ، ومن مكان لأخر. إلا إنه لا يجوز أشتراط فهم القرآن بمعاجم لغوية كانت ترصد حركة اللغة حتى عصرها ، ولذلك فإننا اليوم نجد عجبا حين نرجع إليها ،فمعظم مفرداتها اندثرت من الاستعمال فى عصرنا الذى جاء بمصطلحات جديدة من الغرب يتضاعف عددها باضطراد. وحتى فى لغتنا المستعملة المتوارثة تجد بعض المفردات قد اختلفت عما سبق، فكلمة (عميد ) ظلت حتى العصر العباسى تعنى (المريض حبا )، وفى ذلك يقول الشاعر :" وإنى من حبها لعميد.." ، ويقول الفيروز آبادى ، فى معنى كلمة عميد " هدّه العشق" اى أمرضه العشق. فأصبحت كلمة ( عميد ) اليوم تعنى مرتبة عالية فى الجيش أو فى رئاسة الكليات الجامعية. الخلاصة أن تلك المعاجم تم تدوينها بعد نزول القرآن بعدة قرون لتسجل حركة اللغة العربية فى زمانها وليس زماننا، وقد أصبح أغلب ما فيها من كلمات عربية غير مستعمل فى عصرنا .

3ـ هل نفهم القرآن الكريم بمصطلحات التراث ؟

لقد زاد فى تطور اللغة العربية وازدياد وتعقد مصطلحاتها أن صار لكل طائفة دينية مصطلحاتها الدينية الخاصة بها ، فالشيعة لهم مصطلحاتهم ، وعلى سبيل المثال فان مصطلح (النواصب ) لدى الشيعة يطلقونه على السنة الذين ( يناصبون أهل البيت العداء ) ونفس المصطلح ( النواصب ) له معنى مختلف فى علم النحو إذ يعنى أدوات النصب التى تنصب الفعل المضارع أو الاسم , بل ان كلمة ( النصب ) تعنى التحايل على الناس و( النصب) عليهم، ولا علاقة لهذا ( النصب) على الناس بعلم النحو. بل إن كلمة ( النحو ) فى حد ذاتها مصطلح جديد ،ومثله المصطلحات الجديدة فى إطاره مثل الرفع و الجر و السكون والاعراب و البناء و الفعل و الاسم و المبتدأ و الخبر و الفاعل و المفعول به ..الخ .. فاذا دخلنا فى علوم اللغة الأخرى وجدنا مصطلحات أخرى فى علم الصرف والبلاغة . وقد اخترع العبقرى العربى الخليل بن أحمد علم العروض ووضع له المصطلحات مثل البحور الشعرية بمصطلحاتها المختلفة، ثم هناك شلالات من المصطلحات فى الفقه والتفسير والحديث والجرح والتعديل وعلم الكلام و التوحيد و المعتزلة و المرجئة والشيعة والسنة و الصوفية و البلاغة من استعارة وكناية وتشبيه و محسنات بديعية و معنوية و طباق وجناس و شتى مصطلحات الفنون والأداب.. أى انتجت الحضارة العربية الاسلامية كما هائلا من المصطلحات الدينية والعلمية والأدبية والفنية لم تكن فى عهد النبى محمد عليه السلام، بعضها تمت صياغته لأول مرة وبعضها تبدل معناه واكتسب مدلولا جديدا. أى أننا لو دخلنا فى إطار أى فرقة دينية أو علم من العلوم لوجدنا كمّا هائلا من المصطلحات ـ وهذا باب واسع يخرج عن موضوعنا .

ولكن نعرض لمثلين بايجاز من نوعين من أديان المسلمين الأرضية :

* فقد أدخل التصوف مصطلحات دينية مستحدثة فى الحياة الدينية للمسلمين لم يعرفها المسلمون الأوائل فى عصر النبوة .ومن المصطلحات الدينية الجديدة التى استحدثها دين التصوف : الكرامة ، المريد، المقام ،الوقت  الحال ، القبض ، الصحو والسكر ، الذوق الشرب ، المحو والإثبات ، الستر والتجلي، المحاضرة والمكاشفة ، الحقيقة والطريقة ، الوارد، الشاهد، السر، المجاهدة ، الخلوة ، الزهد، الولاية ، .. إلخ ، ولكل منها مدلول فى دين التصوف ، وسطرت فى ذلك الكتب ، وبالطبع هم مختلفون فى معناها وعددها.

وبعض هذ الألفاظ كان مستعملا فى الإسلام بغير ما يقصده الصوفية ، إلا أنهم أولوها وأستحدثوا لها مدلولات جديدة تخرج عن الإسلام مثل (الولى والولاية ).

* ومصطلح السنة يأتي في القرآن بمعني المنهاج والطريقة أو الشرع ،وبمعني الشرع يأتي منسوبا لله تعالي (33 / 38) . وفي العصر الاموى استعمل مصطلح السّنة في معرض الاعتراض علي السياسة الاموية واهمية ان ترجع الي ما كانت عليه سنة النبي ،أي طريقته العادلة فى الحكم .وبها بدأ الاستعمال السياسي لكلمة السنة وقتها . وحين نجح الشيعة الكيسانية في الدعوة للرضى من آل محمد ـ الامام المختفى غير المعلوم ـ وكان مفترضا أنه من ذرية علىّ بن أبى طالب، كان من ادبياتهم نفس الاستعمال السياسي لمصطلح السنة مع الاستعمال لمصطلح الشيعة الذى يدل على المعتقدين بأحقية ذرية على بن أبى طالب فى الحكم.وحين ظهر ان الخليفة الموعود ليس من ذرية علي وانما من ذرية ابن عباس حدث الشقاق بين انصار العباسيين القائمين مع الخليفة العباسي وبين المطالبين بأحقية ذرية علي بالخلافة دون العباسيين .وظلت كلمة شيعة أوالصحابه تطلق علي انصار العباسيين حتي تولي ابو جعفر المنصور الخلافة وتقاتل مع العلويين فىالحجاز والعراق فى ثورة محمد النفس الزكية واخيه ابراهيم . عندها استبقي الخلفاء العباسيون لأنفسهم مصطلح السنة ،وأهملوا لقب الشيعة، فاصبح خاصا بخصوم الدولة العباسية والخارجين عليها ،و اضيفت للشيعة اوصاف اخري سياسية وعقيدية اهمها الرافضة .وهكذا تقلب مفهوم السنة من الشرع كما جاء في القرآن الكريم الي معني سياسي منسوب للنبي في اطار الخطاب السياسي المعارض للأمويين ،ثم احتكرته الخلافة العباسية ليدل علي مدلولها السياسي في مقابل خصومها الشيعة. ليس هذا فقط ، بل تحول مصطلح السنة في العصر العباسي الثانى ليدل علي الدين ( الأرضى ) السائد المعترف به من الدولة العباسية . والمعتزلة والفلاسفة والمثقفون ثقافة عقلية بالفلسفة اليونانية والهلينية كانوا يطلقون على خصومهم من الفقهاء السنيين المحافظين مصطلح الحشوية ، يتهمونهم بأنهم كانوا يحشون عقولهم بروايات منسوبة للنبى يؤمنون بها ويجادلون بها الآخرين بدون عقل أو منطق متمسحين بالدين. ثم مالبث أولئك الفقهاء الحشويون أن دخلوا فى جدال مع المعتزلة ، فأصبحت السنة تعني من ناحية العقائد والفلسفات ذلك الاتجاه الفكرى العقائدى المحافظ الذي يمثله أبو منصور الماتوريدى ثم أبو الحسن الأشعري بعد ان ترك المعتزله ،وأصبحت السنة من ناحية الفقه والفروع تعنى المذاهب الفقهية الاربعة المنسوبة للأئمة ابي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ،هذا في عصر الاجتهاد الفقهي . وفي كتب الفقه السنى اصبح مصطلح السنة يشيرالي درجة اقل من درجات الواجب ،فيقال هذا فرض واجب ،وهذا سنة .اويقال "يسنّ"بمعني يستحسن.

4 ـ ومع كل هذا التطور والتعقد فى المصطلحات التراثية لا يجوز فى المنهج العلمى أن نستعملها فى فهم القرآن الكريم ، ليس فقط لأنها تمت ولادتها بعد عصر القرآن متأثرة بظروف سياسية واجتماعية وفكرية ، ولكن أيضا لأن للقرآن مفاهيمه الخاصة ومصطلحاته الخاصة التى تعارض بل وأحيانا تناقض تلك المصطلحات التراثية المستحدثة.

5 ـ إن من الطبيعى أن نفهم القرآن بالقرآن : أى أن نتعرف على مصطلحات القرآن من خلال القرآن نفسه. وهذا معنى البيان القرآنى. وهو معنى أن الله تعالى جعل بيان القرآن بالقرآن ، فلكى تفهم القرآن لابد أن تتدبره وتتعقله من خلاله هو ، وبمفاهيمه هو ، وخصوصا أن القرآن لم ترد فيه إحالة إلى شروح أخرى تعين على فهمه .

 6 ـ ونعطى نماذج سريعة للاختلاف والتناقض بيم مفاهيم القرآن ومفاهيم التراث :

 6/1  - الدين فى مفهوم القرآن يعنى الطريق، والسبيل، والصراط، والطريق قد يكون مستقيماً وقد يكون معوجاً. وقد يكون الدين أو الطريق معنوياً، أى العلاقة بالله تعالى. وقد يكون الدين أو الطريق حسياً مادياً كقوله تعالى عن أهل المدينة فى عصر النبى يعلمهم فن القتال ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة 122) فالآية سبقتها وتلتها آيات فى سياق القتال وتتحدث هذه الاية الكريمة عن النفرة للقتال، وضرورة إرسال فرقة استطلاع تتعرف على الدين أو الطريق ثم تنذر الناس وتحذرهم. ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وكان غيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت.

 6/2  - ولكن مصطلحات التراث جعلت التفقه قصراً على العلم بالشرع، مع أن مفهوم التفقه فى القرآن يعنى العلم والبحث العقلى والمادى فى كل شىء.

  6/3  ـ والسنة فى اللغة العربية تعنى الشرع، تقول "سن قانوناً" أى شرع قانوناً. وفى القرآن تأتى فى التشريع بمعنى الشرع حتى فيما يخص النبى (الأحزاب 38) وتكون حينئذ منسوبة لله تعالى، أما النبى فهو صاحب القدوة والأسوة (الأحزاب 21) فالسنة لله تعالى، ولنا فى النبى أسوة حسنة، وتأتى السنة منسوبة لله تعالى أيضاً فيما يخص تعامله جل وعلا مع المشركين، وتكون هنا بمعنى المنهاج والطريقة (الأحزاب 62، فاطر 43، الفتح 23) ولكن السنة فى التراث تعنى شيئاً مختلفاً سياسياً ومذهباً فقهياً.

  6/4   - و"الصحابة" فى التراث هم أصحاب النبى وأصدقاؤه ممن أسلموا. ولكن فى مفهوم القرآن فالصاحب هو الذى يصحب فى الزمان والمكان، وذلك تكرر فى القرآن وصف النبى عليه السلام بأنه صاحب المشركين (النجم 2، سبأ 46، التكوير 22).

 6/5    - والنسخ فى القرآن يعنى الإثبات والكتابة والتدوين، ويعنى فى التراث العكس تماماً، أى الإلغاء. ولنا بحث منشور فى هذا الموضوع .

   6 /6  - ومفهوم الحكم فى القرآن يعنى التحاكم القضائى، وليس مقصوداً به على الإطلاق ما يتردد فى التراث من أنه الحكم السياسى أو الحاكمية.

   6/7  - وكذلك الحال مع "أولوا الأمر"، فالمقصود بهم فى القرآن هم أصحاب الشأن وأصحاب الخبرة والاختصاص فى الموضوع المطروح (النساء 59، 83) وليس المقصود هم الحكام كما يتردد فى التراث.

   6/8  - و"الحدود" فى القرآن تعنى الشرع والحق، ولا تعنى العقوبات. وتفصيلات ذلك فى كتابنا عن حد الردة.

   6/9  - و"المكروه" فى مفهوم القرآن هو أفظع المحرمات وأكبر الكبائر كالقتل والزنا والكفر والفسوق (الإسراء 38، الحجرات 7) ولكن المكروه فى الفقه التراثى هو الحلال الذى يفضل الابتعاد عنه.

  6/10   - وكذلك المستحب أو المندوب فى التراث يعنى الحلال المباح، ولكن المستحب فى مفهوم القرآن هو الفرض الواجب (الحجرات).

  6/11   - والتعزير عند الفقهاء هو الإهانة والعقوبة، ولكن التعزير فى القرآن يعنى التكريم والتمجيد والتقديس والإعزاز والنصرة لله تعالى ورسوله (المائدة 12، الأعراف 157، الفتح 9).

    والأمثلة كثيرة أهمها على الاطلاق تناقض القرآن مع تراث الفكر السنى فى مفاهيم الاسلام والايمان والشرك والكفر وما يخص المسيحيين واليهود والمرأة والشورى وحقوق الانسان الخ.... ولهذا فان موقع أهل القرآنيقوم بتدريب القراء على التعامل المباشر مع كتاب الله تعالى بالتدبر فيه بقراءة علمية موضوعية وفق مصطلحاته و مفاهيمه ، كما يقوم أيضا باعداد الباحثين للتعامل المباشر مع كتب التراث الأصلية ، بكل ما فيها من نوادر و تاريخ و تشريعات ، والتدريب على تحليلها وقراءتها بصورة نقدية. والله تعالى المستعان). إنتهى النقل .

ثالثا :

ونضيف هنا ما تردد من قبل فى ابحاث عن ( التأويل ) وغيره ، ومن باب ( القاموس القرآنى ) و ( التاصيل القرآنى . ونركّز على الآتى فيما يخص  (إختلاف معنى بعض الألفاظ القرآنية بل تناقضها حسب السياق ) :

1 ـ فيما يخص رب العزة جل وعلا الخالق من ضمائر يكون متناقضا مع ما يأتى منها خاصا بالبشر والمخلوقات . ونعطى أمثلة :

1/1ـ ضمير الملكية : (الياء ) فى قولك ( كتابى وقلمى ) تفيد الياء هنا ملكيتك للقلم أو الكتاب . ومثال ذلك فى القرآن الكريم  كلمة ( كتابى ) فى : (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ) ( النمل  28). اى كتابى الذى أملكه . هنا يتحول الأمر الى النقيض حين تقول ( ربى )، ياء الملكية تعنى العكس وهو أن الذى يملكك هو الله جل وعلا وليس العكس . وبهذا المعنى نفهم قول موسى عليه السلام (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )( الشعراء 62 ).

1/2 ـ ضمير الغيبة : ( هو ) يفيد غياب الشخص ،ولكن عندما تستعمل (هو ) بالنسبة لرب العزة الذى لا يغيب فإن كلمة (هو ) تفيد وتؤكد الحضور وليس الغياب ، بل يأتى السياق يؤكد على الحضور وعدم الغياب كقوله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا  )( المجادلة 7 ). تكررت كلمة ( هو ) عن رب العزة لتؤكد الحضور وليس الغيبة .

2ـ فيما يخص رب العزة جل وعلا الخالق من الصفات الالهية ، نعطى أمثلة:

2/1 : صفة ( الحى ) تعنى الحىّ الذى لا يموت : (  وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) ( الفرقان 58) وهى تناقض صفة (الحى ) لدى المخلوقات التى لا بد أن تموت ( وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( آل عمران 27 ).

 2/2 : صفة المولى لله جل وعلا تفيد معنى السيد المالك المتحكم :( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا ) ( البقرة  286) (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) ( الحج 78 ) بالنسبة لنا تفيد العكس وهو التابع من البشر لسيده وولى أمره : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) ( النساء 33 )

2/3 :صفة الواحد تأتى لله جل وعلا الاها واحدا لاشريك له (  إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )،(وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ)( النحل 22، 51 )، وتأتى صفة لأى فرد من البشر: (فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ)القمر:24).

2/4 :ونفس الحال مع كلمة (أحد ) تعنى رب العزة ، كما تعنى أى (أحد ) من البشر . وهذا ما جاء فى سورة الاخلاص : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ). (أحد ) الاولى وصف لرب العزة ، و (أحد ) الأخيرة وصف لأى مخلوق. والتناقض قائم بين هذه وتلك مع انهما كلمة واحدة .

2/5 ـ صفة النفس لله جل وعلا تتناقض مع صفة النفس لرب العزة . النفس البشرية لا بد أن تموت طبقا لقوله جل وعلا (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )( آل عمران 185 ، الأنبياء 35 ).ولكن النفس (الالهية )أو ( الذات ) الالهية لا تموت فى قوله جل وعلا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) (آل عمران 28 ، 30 )(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) ( الانعام 54 ) .

3 ـ تتباين وتختلف معانى الأفعال حسب السياق . ومنها مثلا فعل ( أتى ) ومشتقاته من (الاتيان) و(يأتى) و(آت ) وغيرها . ونقتصر من معانيه المختلفة والمتشابكة والمتداخلة على مثلين :

3/1 :الاتيان الجنسى : مع الزوجة: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ  ) ( البقرة 223 ) .

واتيان الفواحش الطبيعية والشاذة :(وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ ..) ( ..وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ) ( النساء 15 : 16 )( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ) ( العنكبوت 28 : 29 )

3/ 2 : يستحيل استعمال نفس المعنى فى الفعل المفيد للاتيان فى التعامل مع رب العزة ، فى مثل قوله جل وعلا :(  إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى  ) ( طه 74 : 75 )(  إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) ( مريم 94 : 95 )

4 ـ وتتباين معانى الأسماء حسب السياق ، مثل كلمة ( الحساب ) . وبدون فهمها فى سياقها يحدث خطأ هائل .

4/ 1 : (حساب) بمعنى ( بلا حد أقصى ) كقوله جل وعلا : (وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)( آل عمران 27 ، 37) (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ  ) ( البقرة 212 ) (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ  ) ( النور 38 )(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ  ) ( الزمر 10 )( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ  ) ( غافر 40 )

4/2 : ( حساب ) بمعنى يوم الحساب الأخروى كما فى قوله جل وعلا  (لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ  ) ( ابراهيم 51 ).

4 / 3 : (حساب ) بمعنى الحساب العددى فى قوله جل وعلا (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ   ) ( يونس 5 )( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ  ) ( الاسراء 12 ).

5 ـ نفس الحال فى الصفات البشرية : مثلا

5/ 1 : صفة أعمى تأتى على حقيقتها فى التشريع القرآنى بمعنى ( الكفيف ) : (  لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ ) (النور 61 ، الفتح 17 )، وفى القصص القرآنى (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى  ) ( عبس 1 :2 )،.

5/ 2 :  وتأتى مجازيا بمعنى الضلال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) ( البقرة 18 )( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً  ) ( الاسراء 72 ).

وهذه مجرد أمثلة . ولا نرجو العودة لهذا الموضوع .

اجمالي القراءات 23071