(( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه ))
(( قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيئون من ربهم لا تفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين .)) .سورة آل عمران – رقم 84-85.
إنهم عديدون أولئك الوعاظ والمفسرون والمرشدون الذين يحرصون - عن قصد أو عن غير قصد - وربما عن حسن نية ، في اقتطاع وتوظيف شطرمشهور من الآية رقم 85 في سورة آل عمران وهو:(( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل مــــنه )) ليفهمونا ويقنعونا أن المسلم الحقيقي والوحيد هو فقط ذلك الذي يؤمن بما أنزل الله على رسوله محمد بن عبد الله ، ذلك الذي صلى عليه الله هو ملائكته، ليس غير، وأما عن الآخرين، كالذين يتبعون التوراة والإنجيل، فلن يقبل منهم ما يؤمنون به وما يتبعونه مهما كان سليما، ومهما كانوا هم مخلصين ملتزمين به.
ولكن المرء ، عندما يراجع الآيتين 84+85 في سورة آل عمران ، لا يمكن أن يغض عنها الطرف أو يغلق سمعه عما يلح عليه تفكيره وتأمله ، لاسيما وأن هناك ءايات عديدة حاثة إلى وجوب الإطمئنان .
إذا كان المقصود من الاسلام هو الوحي الذي تنزل فـــــي ليلة القدر (القرءان ) وحده لا شريك له .
فهذا يعني أن الذين يكونون مسلمين حقا ، ويطمعون أن يقبل منهم ، وأن يدخلوا الجنة، هم فقط، أولئك الذين اتبعوا تعاليم الله في القرآن العظيم المنزل على خاتم النبيئين لا غير.
وإذا كان هذا الفهم مستقيما، فما بال كل تلك الأقوام الأولى من الذين عاصروا الصحف الأولى؟
ثم، وإذا كان هناك فهم آخرمغايرومصيب هو الآخر، وهو أن الجنة يسكنها كل المتقين من كل الأقوام والعصور، من ءادم إلى آخر مخلوق في الحياة ، فهل كانت التعاليم الأولى في الصحف الأولى مشابهة أم متقاربة أم متطابقة مع ما جاء في القرآن المنزل الأخير؟
وإذا كان المفهوم من الآية رقم 48 في سورة المائدة (( وأنزلنا إليك الكتاب بالحقمصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم عماجاءك من الحق ، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا،ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما ءاتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )).
ومن الآيات : 1-4 – في سورة ءال عمران : (( ألـم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نــزّل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بئايات الله لهم عذاب شديد والل عزيز ذو انتقام ))
إذا كان المفهوم ، كما يدل عليه ظاهرالآية، ولا سيما ذلك الفهم الذي مفاده أن الكتاب الذي تلقاه الرسول محمد عليه الصلاة والتسليم هو مصدق ومطابق لما قبله من الكتب، وبالتالي أن ما أنزل الله، كلّ ما أنزله هو يطابق بعضه بعضا بدون أدنى اختلاف أو تناقض، أواصطدام ، فإن هذا الفهم سيؤدي بنا إلى تساؤل آخر وهو :
ألا يكون (الاسلام) هو كل تلك التعاليم التي تنزلت وتتابعت من عهد آدم إلى آخريوم في الحياة الدنيا بما فيها من تباين واختلاف ؟ ... أم هي حتما وبالضرورة متطابقة مع القرآن العظيم ؟ وبريئة من أي تباين أواختلاف ؟
ثم إن الله سبحانه وتعالى ، لما وجه أمره إلى رسوله قائلا له : (( وأنزلنا إليك الكتاب بالحقمصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم عماجاءك من الحق ... ))رقم 48 في سورة المائدة .
وهل يجوز لنا أن نفهم أن ما أنزل الله ، وكل ما أنزله في مختلف الأزمان هو حديث وتعليمات واحدة ، وليس فيها أي تباين أو اختلاف ؟
ولكن ، ألا يكون تساؤلنا أو تساؤلاتنا مؤسسة ويثيرها هذا الشطر من الآية وهو ((... لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا،ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما ءاتاكم ...)) رقم 48 في سورة المائدة.
ثم هناك ءايات أخرى قد يُتفق على أنها تصُبّ في لب الموضوع ومنها :
(( ومـــا أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون )) سورة الأنبياء رقم 25.
(( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكونـن من الخاسرين ))سورة الزمر رقم : 65.
(( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم )) .سورة فصلت رقم 43.
ألا تلمّح هذه الآيات ، وقد تكون هناك أمثالها ، إلى أن العبد ، بمجرد أن يعتقد بأن الله واحد لا شريك له، وبمجرد أن يؤمن بأن الله أحد ,وبأنه الصمد ، وأنه لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفؤا أحدٌ ، بمجرد أن يعتقد بذلك يصبح مسلما ؟
(( قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيئون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين .)) .سورة آل عمران – رقم 84-85.
وإذا كان الإسلام هو الخضوع لله وحده لا شريك له وبذل الجهد في امتثال أوامره وتجنب نواهيه وفق ذلك العصرلذلك العبد، وإذا كان هذا التأويل جائزا، عندئذ ستنتفي كل الاختلافات بين شتى الملل والنحل .
ولكننا عندما نتلو قوله تعالى في سورة الحج ألاية رقم 40 : (( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز )).
ألا نضطرمن جديد إلى مواجهة تساؤل آخر؟ وهو ما دام الله يحب أن يذكر اسمه في صوامع ، وبيع، ومساجد ، وهل يحب أن يذكر فيها في نفس الوقت وفي نفس الزمن والعصر ؟ أم أن ذكرا ينفي ويلغي ذكرا ؟
وأخيرا وباختصار شديد ، هل يجوز أن نتصور في هذا العصر الراهن أن هناك مسلمين مؤمنين بالتوراة ومسلمين آخرين مؤمنين بالإنجيل ؟ ونتصور أنهم جادون ويخلصون في اتباع تعاليمها ما دامت متطابقة مع آخر الرسالات ؟ فهل يقبل منهم ؟ أم إن مصيرهم على الرغم من ذلك أنه لن يقبل منهم ؟
ودائما أخيرا وباختصر أشد :
فهل يتفق المسلمون جميعهم في هذا العصرالراهن على المفهوم الذي يقصده سبحانه وتعالى من الآية رقم 132 و133 في سورة البقرة : (( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنــيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )).