الإسلاميون الجدد ونصائح أهل القران

حمدى البصير في الأربعاء ٢٨ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بتواضع العالم المتمكن طلب منى الدكتور أحمد صبحى منصور ، أستاذ ومؤسس مدرسة القرأنيين الفكرية أن أساهم بفكرى المتواضع فى تقييم تلك المدرسة والموقع ، وهو طلب يدل على عظمة فكر وسعة صدر ورغبة فى تربية كوادر جديدة للدكتور منصور.

ولكنى هنا لا أستطيع الكلام إلا بلغة الصحفى والباحث ، ولم ولن أجرؤ على الكتابة بلغة العالم ، أى أننى سأتعرض إلى ملاحظة شكلية ، وطلب ورجاء ، وسيكون كلامى هنا من واقع معايشتى للأوضاع فى مصر ، لاسيما التغييرات التى حدثت بعد الثورة على المستوى السياسى والفكرى ، وفى نفس الوقت كيفية أن يساهم أهل القران بدور فعال ، فى المرحلة الإنتقالية الحالية ، حتى وهم خارج الوطن ، جسدا لا روحا.

فأنا أعرف وأقدر الظروف التى مربها الدكتور أحمد صبحى فى مصر ، وجعلته يفضل ترك بلده العزيزة على نفسه ، ويستقر هو وأسرته فى أمريكا ، وكذلك الدكتور عثمان محمد على الذى إستقر حاليا فى كندا ، وكنت أسأل نفسى مرارا : هل سيأتى اليوم الذى أجلس فيه كى أستمع للدكتور أحمد وهو يلقى محاضرة فى مصر ؟ وهل سيمهلنى القدر كى أستمتع لمداخلة غير تقليدية للدكتور عثمان فى ندوة هامة؟

وعندما قامت الثورة ، وسقط النظام السابق المستبد ومفرق الأحباب ، وتهاوى رجاله المستبدين كقطع الشطرنج ، وظهر فساده وتعاظمت فضائحه ، تخيلت إن الفرصة أصبحت سانحة كى نلتقى مرة أخرى ، حتى ولو كانت زيارة عابرة من الدكتور أحمد أو أحد أفراد عائلته ، وتخيلت أن الدكتور عثمان سيحدثنى تليفونيا ويخبرنى أنه فى مصر ويريد لقائى .

ولكان مضى حوالى ثمانية أشهر من نجاح الثورة ، ولم ألتق بالدكتور منصور أو الدكتور عثمان ، وقلت لعل المانع خيرا.

والسؤال الأن : لماذا أرغب فى نقل مدرسة القرأنيين من أمريكا إلى مصر فى الوقت الحالى ؟

والأجابة ببساطة هى إن الساحة الفكرية فى مصر تحتاجهم الأن ، وإن وضع الأمور فى نصابها من الناحية الشرعية ، والإحتكام إلى القران الكريم وإظهار صحيح الدين الصافى ، وإظهار عظمة الإسلام ومرونته وقيمه الرفيعة ، ومبادئه المستنيرة وهى كلها مناهج أصيلة فى مدرسة أهل القران ، تحتاجه بلادنا الحبيبة مصر أكثر من أى وقت مضى ، لإن الساحة الدينية اذات التفكير العقلانى المستنير أصبحت شبه خالية ، ولابد من مساهمات أهل العلم والفقه ومنهم أهل القران كى تدخل مصر فى عهد جديد ، ينهض بها ويلحقها بركب التقدم بعد سنوات من التخلف والجهل وإستخدام الدين وسيلة للحصول على مكاسب دينيوية ، بل والإتجار به أحيانا وإظهاره وكأنه فزاعة أو انه ضد العلم والتقدم .

فالمشهد السياسى فى مصر أختلط فى أغلبه بالناحية الدينية ، فبعد الثورة فتحت المعتقلات لأصحاب الرأى المتطرف ، الذين إتهموا فى قضايا إرهابية ، بعد قضاء مدة عقوبتهم ، وبعد إنتفاء مبررات إعتقالهم ، وخرج هؤلاء فى ثوب جديد ، وأصبحوا نجوما فى الفضائيات ، وتحدثوا بلغة ليبرالية ، ووافقوا على الإنخراط فى الحياة السياسية، وفجأة إعترفوا بالديمقراطية والأحزاب والإنتخابات وحقوق المرأة والأقباط ، وإدعوا أنهم كانوا أكبر المعارضين للحكم السابق ، بل تقدموا بإنشاء حزب سياسى ، ولكنه رفض ، لأنه قام على أسس دينية ، ويطالب بتطبيق الحدود ، فلجأوا إلى القضاء الإدارى كى يطعنوا فى قرار رفض حزبهم والدعوى متداولة فى المحاكم ،ولوسمح لهم بإنشاء هذا الحزب سيكون الحزب الخمسين فى مصر.

وبين 50 حزبا حتى الأن ، هناك 3 أحزاب سلفية وحزب للإخوان المسلمين ، والبقية تأتى ،وهناك 3مرشحين على منصب رئيس الجمهورية لهم توجهات إسلامية ، أى أن الإسلاميين الجدد هم أول من إستفادوا من الثورة ، وأصبحوا ينعمون بحرية غير مسبوقة ، ويأسسون مايريدون من أحزاب ، بعد أن أعطى لهم القانون الحق فى تكوين الأحزاب ، وهذا أفضل من أن يلجأون للعنف أو إرهاب المعارضيين ، وأصبح من المعتاد أن نجد مؤتمرا شعبيا لجماعة الإخوان وندوة كبرى للسلفيين ولقاءا موسعا لأعضاء الجماعة الإسلامية ، وفى حماية الأمن ، أما إعتلاء هؤلاء لمنابر المساجد ، فحدث ولاحرج ،كما أن هناك توسع فى إنشاء القنوات الفضائية الدينية. وزيادة كبيرة فى شيوخ الفضائيات

طبعا هناك معارك كلامية يومية فى الدين ، وكل يفتى ويفكر على هواه ، وإختلط الحابل بالنابل ، والمواطنين البسطاء أصبحوا فى حيرة من أمرهم ، وكأن النظام السابق حبس التيارات الدينية فى قمقم وضيق عليها ،وفجأة ،إنطلق كل هؤلاء تحت فضاء الحرية الشاسع ، ومن المنطقى أن يحدث تخبطا وعدم إلتزام فى الأفكار والأراء

الأزهر بالطبع دوره غائب ، ومختفى كالعادة ،ودار الإفتاء قلما نسمع منها فتوى ، وأنشغلت بعمل الخير من خلال مؤسسة مصر الخير وهذا ليس دورها ، وجمعية أنصار السنة تلقت تمويلا قطريا وصل إلى حوالى 181 مليون دولار ولاي عرف أحد ماذا تفعل به؟.

ومن هنا لابد من ضوابط وتوضيح صحيح الدين ومعرفة الحلال والحرام دون هوى ن وهذا من أجل حماية ديننا الأسلامى الحنيف ، وبالتالى لابد أن يدلى القرانيين بدلوهم ، ولابد من سماع نصائح وأفكار أهل القران فى تلك المرحلة الإنتقالية التى تمر بها مصر ، فهذا دورهم ، ولااعرف هل ممكن القيام بهذا الدور فى مصر ، بعيدا عن القمع الأمنى الذى أصبح فى خبر كان ،خاصة انه أتيحت الفرصة حتى لقتلة السادات كى يكونون نجوما دينية فى المجتمع ، وبالطبع من باب أولى أن تتاح الحرية للقرانيين أن يسدوا النصح ويصححوا المفاهيم ويعرضوا المبادىء السامية لمدرستهم القرانية الفريدة ، ولا أعرف هل من الممكن أن تكون هناك عودة قريبة للقرانين ، أم أن الظروف الحالية لاتسمح ، وسيظل نضالهم الفكرى من على بعد؟.

أتمنى أن تكون المرحلة القادمة فى مصر مرحلة تسود فيها حرية الفكر وقبول الاخر ، وتعطى الفرصة للعلماء ومنهم أهل القران أن يشاركوا فى بناء وطنهم ، ويكونون ناصرين وداعمين للدين الإسلامى على أسس صحيحة ، لان مصر تحتاج للجميع حتى تنهض ، فلم نجن من الإقصاء والتهميش والتخوين والتكفير إلا الفشل والتخلف وهجرة العقول المتفتحة المستنيرة إلى الخارج ، والتى أتمنى أن تعود لمصر الحبيبة فى أقرب وقت ، كى يشاركون فى نهضتها .

حمدى البصير

elbasser2@yahoo.com

 

 

اجمالي القراءات 11973