بين مبارك وأبى لهب ( 3 / 3) : إستحالة التوبة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٨ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ فى المقارنة والتشابه بين مبارك وأبى لهب عشنا مع سيطرة المال عليهما وكيف ما أغنى عنهما مالهما وما كسبا . وفى الحلقة الثانية تعرضنا للتشابه بين زوجتيهما : أم جميل وام جمال أو سوزان مبارك. وفى هذه الحلقة الأخيرة نتعرض لاستحالة التوبة لأبى لهب ومبارك ، فأبو لهب وهو لايزال حيا نزل فى حقه تأكيد الاهى بأنه سيصلى نارا ذات لهب ، وهذا يثير قضية : هل يمكن الحكم على انسان ما بعدم قبول توبته وهو لايزال حيا يسعى ؟ . تعرضنا لهذا الموضوع فى مقالين سبق نشرهما ، أحدهما عن       مبارك فى سلسلة ( لكل نفس بشرية جسدان : (12 ) : التوبة بين الجسد المادى والجسد الأزلى : أولا : إستحالة توبة الطغاة المستبدين )، والآخر عن عن ابى لهب بعنوان  : ( هل مات أبو طالب كافرا كما يزعم ارباب الدين السّنى ؟ ).. ونعطى هنا مزيدا من التفصيلات .

أولا : إستحالة توبة أبولهب:

1 ـ تركز خلال العقل المسلم من أن أباطالب مات كافرا وأن النبى محمدا عليه السلام استغفر له فجاءه العتاب من الله جل وعلا :(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( التوبة 113 : 115). وقد أسقطنا هذه الكذبة التى رواها أبوهريرة أشهر كذاب فى تاريخ المسلمين ، وبلغ من جرأته فى الكذب فى مناصرته للأمويين أن يروى هذه الاسطورة عن موت أبى طالب فى مكة قبل الهجرة ـ بينما كان أبوهريرة وقتها كافرا صعلوكا مع قومه من قبيلة دوس لا علم له بالنبى وأهله فى مكة. وفى المقال المذكور أثبتنا إن المقصود فى الآيات الكريمة لم يكن أبا طالب ولكن أبالهب الذى نزلت فيه سورة باسمه تتوعده بالعذاب ، وكان وقتها حيا فى مكة يكيد لابن أخيه بينما كان أبو طالب ـ يدافع عن النبى بكل ما أوتى من قوة . ونزيد هنا التوقف مع قوله جل وعلا : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ).فالذى (تبين ) هو ما جاء فى القرآن الكتاب ( المبين ) وفى آياته ( البينات ) وقد نزلت من قبل تلعن أبا لهب بالاسم وتؤكد عذابه بنار ذات لهب .

2ـ والقضية الأخرى عن استحالة توبة أبى لهب لم يتعرض لها المقال السابق لأن الموضوع ليس عن أبى لهب وإنما عن أبى طالب : ( هل مات أبو طالب كافرا كما يزعم ارباب الدين السّنى ؟ ). وننا قش هذه القضية هنا . فقد نزل تكفير أبى لهب وهو حىّ يسعى ، وكان يمكنه أن يعلن الاسلام ليثبت تكذيب القرآن ، ولكنه ظل على كفره وعناده ليثبت أنه ( صدق الله جل وعلا العظيم ).

بعضهم قد يجد هنا مدخلا لاتهام الله جل وعلا بالانحياز والظلم لأنه حكم مقدما على شخص لا يزال حيا بدخوله النار ، أو أن علم الله يتدخل فى مصير الاشخاص . والواقع أن علم الله جل وعلا الأزلى هو محيط بنا ولا يمكن ان نخرج عن نطاقه ولكن لا يتدخل فى اختياراتنا ، إنه كالسماء التى تظلنا والأرض الى تقلنا ، لا نستطيع الخروج عن نطاق السموات والأرض ولكن السماوات والأرض لا دخل لهما باختياراتنا . وتكرّر التأكيد على أن مشيئة الانسان بالهداية هى الأساس ، وأن الانسان لو شاء الهداية زاده الله جل وعلا هدى ولو شاء الضلال زاده الله جل وعلا ضلالا:(قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا)( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)( مريم 75 : 76 ) (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً )(البقرة 10 ) (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ )(محمد 16: 17)(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت 69 ). أى إن أبالهب هو الذى شاء الكفر باختياره الحرّ ،ووقف معاديا لابن أخيه وهو يعلم شهرة ابن أخيه بالصدق والأمانة . وبنفس الاختيار الحرّ إختار أخوة ابى لهب الاسلام وهم أبو طالب وحمزة ثم العباس .

3 ـ ويبقى تساؤل : ما الذى منع أبا لهب من التوبة مقدما ؟ فى المقارنة بين أبى لهب وأخيه العباس وصهره أبى سفيان نجدهما قد أسلما فى خريف العمر ، بينما مات ابو لهب فى خريف عمره مصمما على كفره . ما هو الجديد فى أبى لهب الذى جعله يستمر فى كفره دون توبة الى النهاية من مطلع عمره الى نهايته ؟ . فلان أمضى أربعين عاما من عمره متخصصا فى آداب اللغة الانجليزية ، هل يستطيع فى نهاية العمر أن يتخصص فى الأدب الروسى أو فى علوم الفضاء أو فى تاريخ العصر العباسى ؟ . فلان آخر أمضى حياته مدرسا فى التعليم الابتدائى هل يستطيع فى خريف العمر ان يتخصص فى احدث ما وصل اليه علم الكيمياء؟ العادة أن الانسان فى نهاية عمره يكون أسيرا لما تعوده طيلة عمره ، ومن الصعب أن يتقبل فكرا جديدا يتناقض مع فكر إعتنقه وتمسك به طيلة عمره الفائت ، ومن الصعب أن يتخصص فى علم جديد يتقنه بعد أن أمضى معظم حياته خبيرا فى تخصص آخر أو حتى بلا تخصص. ما يصدق على العمل و التخصص العلمى والمهنى ينطبق على الهداية والضلال ،أو بالتحديد على التوبة . لا يوجد إنسان بلاخطيئة معصوما من الخطأ.بل إن رب العزة قد أكّد فى آيتين فى القرآن الكريم إنه جل وعلا لو عاقب الناس بظلمهم بالعدل دون عفو لدمّر كل دابة على الأرض بما فيهم الأنبياء ، ولكنه جل وعلا قد أجّل حسابهم الى يوم الحساب ليعطيهم فرصة للتوبة ومراجعة النفس ، يقول ربنا سبحانه وتعالى :(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) ( النحل 61) (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) ( فاطر 45 ).  

الفيصل هنا هو توقيت التوبة وحقيقتها . نبدأ بتوقيت التوبة : من الناس من يتوب مبكرا فيتسع أمامه العمر للعمل الصالح فينجو ، وعلى النقيض هناك من يظل فى ضلاله ألى لحظة الاحتضار فيحاول التوبة فلا يقبلها رب العزة:(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(النساء 17 : 18 ).وبين هذين هناك من يتوب فى منتصف العمر بعد أن يكون قد عمل صالحا وسيئا ، هذا تكون مهمته عسيرة لأن عليه أن يعوّض ما فاته بالتوبة ومضاعفة العمل الصالح خصوصا تقديم الصدقات : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )( التوبة 102 : 104 ). وهنا ترجيح قبول توبته من التواب الرحيم. ثم هناك من يحاول التوبة فى أواخر العمر حيث يكفى ما تبقى من العمر لكى يصلح ما فات ، وهذا أمره متروك لله جل وعلا إن شاء تاب عليه وإن شاء جعله خالدا فى النار ، يقول جل وعلا : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة 106 ) لم يقل ( والله تواب رحيم ) بل قال (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ، أى هو جل وعلا الأعلم بحالهم والأحكم فى القرار المناسب لهم حسب صدق التوبة وصدق الايمان والعمل الصالح .

حقيقة التوبة تعنى تصحيح الايمان وتصحيح العمل فيما يخص حقوق الله جل وعلا ، ثم رد حقوق الناس. فمن أمضى عمرا من حياته يظلم ويسرق ويؤذى الناس ويشرك بعقيدته عابدا للأولياء والأئمة ، ثم أراد التوبة فمن السهل عليه لو شاء الهداية الايمانية ان يصحح عقيدته وإيمانه بالكفر بتلك الآلهة البشرية وأن يعتبرهم بشرا كسائر البشر ،وأن يخلص لله جل وعلا قلبه وعبادته . أما لو مات على شركه العقيدى فلا يمكن ان يقبل الله جل وعلا له توبة . المشكلة الكبرى هى فى حقوق البشر الذين أوقع بهم الظلم والأذى واغتصب حقوقهم. لا بد أن يعيد لهم حقوقهم ، ولا بد أن يسامحوه حتى يقبل الله جل وعلا توبته . ثم عليه أن يبدأ عهدا جديدا من الايمان الحق والاخلاص فى العبادة والعمل الصالح لكى يعوض ما فاته ، وهنا (الكيف ) فى التوبة . وسبق (الكم ) أى موعد التوبة التى تعنى عدد سنوات العمر الباقية . من هنا لو تحالف (الكم ) بسنين طويلة فى التوبة مع (الكيف ) أى بتوبة يتم فيها تصحيح الايمان وزيادة العمل الصالح وعدم العودة للسيئات والكبائر من الذنوب والاكثار من الصالحات يكون قبول التوبة ، ويأتى الغفران يوم القيامة ، حيث يغطى أن ( يغفر ) أو (يكفّر ) الله جل وعلا الذنوب بتلك الأعمال الصالحة ، فيكون صالحا لدخول الجنة. يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) (الفرقان 68 : 71 ). بتطبيق ما سبق من قواعد قرآنية يتضح أن أبا لهب كان أسير ماضيه ملتزما بما تمسك به طيلة عمره ، ولم يرد التوبة ، وحتى لو أرادها فإن ما تبقى له من عمر لا يكفى لتصحيح ما فات وما أذنب من كبائر.

ثانيا : مبارك :

1 ـ أثناء عنفوان مبارك وبتاريخ  23 نوفمبر عام 2010 قلت عنه: (.. والله جل وعلا سلّط عذاب الدنيا  على الرئيس مبارك ليتذكر ويتوب ، ولكنه بعد كل محنة صحية أو عائلية كان يعود أكثر ضلالا وظلما وطغيانا . وهو يذكرنا بقوله جل وعلا :(أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) ( التوبة 126 ). وننصح بالعودة للمقال وهو يتحدث عن التشابه بين حسنى مبارك طاغية مصر الحالى وفرعون موسى طاغية مصر من حوالى ثلاثة آلاف عام ، ويثبت أن مبارك اكثر شرا وظلما من فرعون موسى مع اختلاف الزمن والظروف والثقافة ، وسيموت مبارك مثله بلا توبة . ثم ختمنا المقال بالآتى : ( تطرف حسنى مبارك فى الظلم والطغيان أكثر من فرعون موسى يجعلنا ننصح باتخاذ نفس الوسائل التى اتخذها موسى وقومه فى التخلص من الفرعون ، وهى الصلاة والدعاء لله العلى القدير المنتقم الجبار أن يأخذ حسنى مبارك وقومه أخذ عزيز مقتدر وطالما لا يستطيع المصريون مواجهة جيش مبارك وقواته المسلحة فعليهم باللجوء الى الله جل وعلا ، وهو يمهل ولا يهمل .ربنا إنك آتيت حسنى ومبارك وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا ..ربنا ليضلوا عن سبيلك ؟ ربنا رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ..) اللهم استجب يا أرحم الراحمين ..).

2 ـ فى المقال التالى قلت عن حسنى مبارك.: (يقترب حسنى مبارك من الموت ويقترب منه الموت فقد بلغ أرذل العمر، فهل يمكن أن يتوب ؟ وعلى فرض أن يمكن أن يتوب فلو تاب هل سيقبل الله جل وعلا توبته ؟ . نحن هنا لا نحكم بالغيب ولا بالهوى ، ولكن وفق القوانين الالهية الواضحة فى القرآن الكريم ، ونحاول تطبيقها على حالة ( حسنى مبارك ) وهو طاغية قضى فى السلطة حوالى ثلاثين عاما  من الاجرام . ونحن هنا لا نحكم على عقيدته أو سريرته ، ولكن نحكم على جرائمه الواضحة ، ونحن عليها شهود ومعنا 80 مليون مصرى من ضحاياه ، ومعنا وسائل الاعلام العالمية ومنظمات حقوق الانسان ، وتؤكدها الأحداث الظاهرة المعروفة من سيرة حياته ، وما خفى منها أفظع وأبشع ، وسنعرف بعضه بعد موته ، وسنعرف الحقائق كاملة يوم يصدر الناس أشتاتا يوم القيامة ليروا أعمالهم.  لنبدأ بالسؤال الأول : هل يمكن أن يتوب حسنى مبارك ؟ الجواب (لا ).. لا يمكن . واليكم التوضيح .إدمان المعصية دون توبة عشرات السنين يطبع القلب على العصيان ، ويجعل العاصى يبرر عصيانه ويسوغه ، ثم تنقلب لديه المعايير فيصبح العصيان محمودا و الخير مذموما . ويأتى هنا دور الشيطان الذى يوقع الانسان فى تبرير المعصية بدلا من التوبة ، ثم يهبط به الى الدرك الأسفل حين يزين للعاصى سوء عمله فيحسبه خيرا ، وهنا لا فائدة من الوعظ ،لأنه سيظل سادرا فى عصيانه دون رغبة فى التوبة حتى الموت وعند الموت يحاول التوبة ويرجو فرصة أخرى ليصلح أعماله ، ولكن دون جدوى . هذا الحال ينطبق على حسنى مبارك الذى يرى واجبه فى تزوير الانتخابات وفى التعذيب و قهر المصريين وسلب أموالهم و هتك حرماتهم ، ويرى جنوده يرتكبون الفظائع أمام أعين العالم ، وتأتيه الاحتجاجات من العالم الخارجى من أغراب يتعاطفون مع الضحايا المصريين ، وتأتيه النصائح بالكف عن التعذيب وعن التزوير فى الانتخابات فتأخذه العزة بالاثم  ويعتبر ذلك تدخلا فى الشئون الداخلية لمصر، لأن مصر عنده ضيعة يملكها ويملك أهلها ويستعبدهم ويفعل بهم ما يشاء ، ولا يجوز لأحد أن يتدخل فى شئونه الخاصة وطريقة إدارته لعزبته وضيعته وعبيده ، وهو يعتبر هذا النصح بالخير شرا محضا ، ولأنه قد زين له الشيطان عمله وصده عن سبيل الحق فرأى سوء عمله خيرا ورأى الخير شرا . يقول جل وعلا لخاتم المرسلين:(أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (فاطر 8) .

ولقد تعرض مبارك للمرض وفقد حفيدا له ، ولا شك أنه عند المحنة استجار بالله جل وعلا ، ولكن عندما زالت المحنة عاد لطغيانه ، فشأن ( المسرفين ) المتطرفين فى الشر أن يزين لهم الشيطان جرائمهم فيحسبونها خيرا ، يقول جل وعلا :( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )(يونس 12 )

وحسنى مبارك مجرد مثل تكرر ملايين المرات فى تاريخ البشرية الملطخ بالظلم والطغيان و العصيان ، وكلهم عصاة طغاة زيّن لهم الشيطان أعمالهم ، ويقسم رب العزة بأن الشيطان سيكون وليهم ، ومصيرهم العذاب الأليم ـ أى لا يقبل الله جل وعلا توبتهم ـ على فرض أنهم يتوبون ، يقول جل وعلا : (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ   ) ( النحل 63 ). وحسنى مبارك فى اسرافه فى الطغيان يقتدى بفرعون موسى ، الذى وصفه رب العزة بالفساد (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ( القصص 3 ) وبالطغيان والاسراف ( وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) ( يونس 83 )، والسبب أن الشيطان زيّن له سوء عمله فصدّه عن سبيل الحق : (  وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ )(غافر 37). ولأنه زين له سوء عمله فرآه حسنا فقد أنقلبت لديه المعايير ، فأصبح يتهم موسى بالفساد ، ويجعل من الخير أن يقتل موسى متحديا رب العزة : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ) ( غافر 26 ). أى ان فرعون بقلبه الرقيق يخاف من موسى أن يظهر الفساد فى أرض مصر ، والحل الذى ليس مفسدا هو قتل موسى .!! وبنفس العقلية يرى حسنى مبارك أن قتل المصريين وقهرهم وتعذيبهم هو الصلاح ، وأن دعوة (أهل القرآن ) للاصلاح هى الفساد ، ويستحقون عليها السجن و التعذيب والاتهام بازدراء الدين.. دين فرعون بالطبع .وكما زين الشيطان لفرعون موسى سوء عمله فظل بلا توبة حتى لحظة الموت فإن حسنى مبارك يرفض التوبة وسيظل يرفضها حتى لحظة لقائه بملائكة الموت ، بل سيجادلهم بأنه لم يفعل سوءا ، أى سيظل مقتنعا بالباطل الى وقتها ، وهذا هو حال أمثاله ، والله جل وعلا يصف موقفهم مع ملائكة الموت فيقول : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) ( النحل  28 : 29). ليس هذا تجنيا على حسنى مبارك ،فهو الذى يرفض الاستجابة حتى لمطالب الاصلاح الجزئى ؛ يرفض إلغاء قانون الطوارىء الذى يحكم به مصر من ثلاثين عاما ، ويرفض إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء من سجناء الرأى والمحبوسين احتياطيا و المساجين بلا تهمة ، كما يرفض باستماتة إجراء انتخابات نزيهة يراقبها العالم الحرّ.أى لا يمكن أن يتوب حسنى مبارك ، ومستحيل أن يظهر على شاشة التليفزيون باكيا نادما معتذرا متأسفا مقرّا ومعترفا بما ارتكبه فى حق ملايين المصريين من قتل وقهر وتعذيب وتنكيل .قد يفعل هذا مرغما حين يتعرض للتعذيب الذى أذاقه لملايين المصريين الأبرياء ، اما لوجاء فى محكمة علنية وبها ضمانات للعدالة تمنع التعذيب ، فسيدافع عن نفسه بكل بجاحة مثلما فعل سلفه صدّام حسين .

نأتى للسؤال الثانى : لنفترض جدلا أن حسنى مبارك ( 82 عاما ) قرر التوبة صادقا ، هل سيقبلها رب العزة ؟الجواب أيضا : ( لا ).. أى لا يمكن أن يقبل الله جل وعلا توبته لأنه جل وعلا لا يصلح عمل المفسدين ، وهذا ما قيل عن فرعون موسى من قبل : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ  ) ( يونس 81 ).   إنه لا وقت لديه للتوبة المقبولة . أى ما تبقى من عمره لا يكفيه للوفاء بمتطلبات التوبة وشروطها ، وهنا نواجه قضية الزمن ، وهى أعظم إختبار لبنى آدم . وقد قلنا أن لكل نفس بشرية جسدين ، الجسد المادى الذى تتحرك به النفس فى الدنيا ، تسعى فيها بالخير والشر ، والجسد الأزلى الذى يسجل فى كل ثانية من عمر الانسان على الأرض حركته وسعيه بالخير و بالشر ، ويتراكم هذا العمل مع كل ثانية تمر ، وكل ثانية تمر يتناقص بها عمر الانسان فى هذه الدنيا بينما يتراكم بها تسجيل عمله فى جسده الأزلى ، الى أن تأتى لحظة الوفاة فيموت الجسد البشرى المادى ويكتمل للنفس التأريخ والتسجيل لها فى جسدها الأزلى ، وبهذا الجسد الأزلى تبعث يوم القيامة وبه تحاسب وتدخل الجنة أو النار ، حسب عملها. التوبة تقع فى بؤرة العلاقة بين النفس وجسديها المادى و الأزلى . فالجسد المادى تحركه النفس نحو الخير والعمل الصالح ، وتحركه أيضا نحو الشّر والعمل السيىء . وكل نفس تقبل التوجه للناحيتين : الفجور و التقوى ، وكل نفس تملك المشيئة لفعل الخير والعمل الصالح كما تملك المشيئة لارتكاب الشرور والفسوق . وهنا نرى نوعيتين : نفس تختار التقوى و العمل الصالح ، وبالتكرار للعمل الصالح ومراعاة التقوى تصحو فيها الفطرة و تتكون فيها ما يعرف بالأنا العليا التى يمكن أن نطلق عليها الضمير أو النفس اللوامة ، وهى لا تكتفى فقط باللوم والندم على وقوعها فى السيئات بل تمنع من البداية الوقوع فى الشر ، وتسارع بالتوبة لو وقعت فيه . والنوعية الأخرى نفس أدمنت الشر وارتكاب السيئات وتتفنن فى تسويغها وتشريعها وتزيينها .يقول جل وعلا : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ( الشمس 7 : 10 ) ففى كل نفس القابلية للفجور والتقوى ، والذى تتكون لديه ( الأنا العليا ) هو الذى يفلح فى تزكية نفسه وتطهيرها بالعمل الصالح والتقوى والتوبة ، بينما يخيب من يخضع لغرائزه وينصاع لهواه وشحّ نفسه وفجورها. يقول جل وعلا عن الصنف الخاسر الخائب : (فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) فهنا طغيان وبغى فى سبيل الحياة الدنيا ، ويظل سادرا فى بغيه دون توبة مقبولة الى أن تكون الجحيم مأواه ومثواه . وفى المقابل يقول جل وعلا عن الأنا العليا التى تأمر بالخير (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات 37 : 41 ). فالأنا العليا هى التى تنهى النفس عن الهوى .وبينما تكون التوبة مفتاح الفلاح لمن يتقى ربه فإن الاستمرار على الفسوق والعصيان يزيد سواد النفس ، أو بالتعبير القرآنى :( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ( المطففين  : 14 )، أى إن الفطرة البيضاء النقية قد علاها الران أو الصدأ والسواد والكدر ، أى تغلفت بالسواد دون أن تجد فرصة لأن يغسلها صاحبها ويطهرها ويزكيها وينقيها بالتوبة . وبالتالى يحتاج العاصى لوقت كاف يستطيع فيه أن يتوب توبة صحيحة مقبولة يتم بها ارجاع قلبه الى النقاء حتى يلقى ربه بقلب سليم طاهر من كدر الذنوب والسيئات (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( الشعراء 88 : 89 ). وهنا تختلف مواقف البشر : منهم من حافظ على تقواه فإذا وقع فى ذنب بادر بالتوبة وأقلع عن السيئات ويموت وهو فى أعلى الدرجات فيكون من السابقين المقربين :(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) ( آل عمران  133 : 136) (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة 100 ). ومنهم من أفاق لنفسه فى الوقت المناسب وحاسب نفسه فوجد نفسه قد خلط عملا صالحا وآخر سيئا فعزم على التوبة وقام بشروطها ، وكان معه وقت نذره لعمل الصالحات ليعوض ما فات ، هذا يغفر الله جل وعلا له ويأتى يوم القيامة فى الجنة من الدرجة الثانية (أصحاب اليمين ) : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )( التوبة 102 : 103 ). ومنهم من أدمن السيئة وأحاطت به خطيئته فاسود بها قلبه فأصبح موجز حياته كلمة واحدة هى السيئة ، هذا الصنف خالد فى النار بسبب عمله السيىء الذى أحاط به ، بغض النظر عما يزعمه من إيمان : (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( البقرة 81 ). ونتساءل هنا :هل ما بقى لحسنى مبارك من عمر يكفى لأن يتوب توبة نصوحا ؟ دعنا نفترض أن حسنى مبارك طيلة حياته قتل شخصا بريئا واحدا فقط ومات بهذا الذنب ، فإن  مصيره يوم القيامة الخلود فى جهنم مع غضب الله جل وعلا عليه ولعنه وعذاب عظيم ينتظره : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ( النساء 93 ). فهل قتل حسنى مبارك شخصا واحدا من الأبرياء المصريين ؟ لنفترض أن حسنى مبارك لم يقتل أحدا ولكن ظل يظلم شخصا واحدا فقط طيلة ثلاثين عاما وأراد التوبة ، فإننا نشكّ فى أن ما بقى له من عمر قد يكفى لتطهير القلب من ذنب استمر ثلاثين عاما بلا توقف لهذا الشخص الواحد .. هذا مع افتراض أن حسنى مبارك فى الوقت الضيق الباقى له قام بشروط التوبة للشخص الوحيد الذى ظلمه ، أى اعترف بالذنب وأقرّ به ، وأعلن ألا يعود اليه ، وأرجع حق المظلوم ، وإعتذر له وطلب سماحه ومغفرته . فهل تتصور حسنى مبارك يفعل هذا ؟ حسنى مبارك لم يظلم شخصا واحدا بل  عشرات الملايين من المصريين وغير المصريين ، ولم يقتل شخصا بريئا واحدا بل قتل ملايين قتلا مباشرا أو غير مباشر ، ولم يرتكب ذنبا واحدا بل ارتكب كل الجرائم فى حق الملايين ، من قتل وتعذيب و سرقة ونهب وقهر وسجن وإيذاء . فعل كل ذلك بالأمر المباشر ، وبنفسه أحيانا وبأذنابه غالبا . أى يحتاج حسنى مبارك لعشرات القرون لكى يجد الوقت الكافى ليعتذر لكل مظلوم وليرجع كل الحقوق وليعترف بكل الذنوب .. المضحك أن حسنى مبارك منذ ظهر فى السلطة نائبا للرئيس ثم رئيسا لم يعترف يوما بخطأ كما لو كان الاها معصوما من الخطأ ، بينما يتفوق فى جرائمه وفى فشله وفى خيباته على كل الطغاة الذين حكموا مصر فى تاريخها المعروف . وهو فى كل ذلك لا يستشعر عارا ولا يحسّ خجلا ، ولا يشعر بتأنيب الضمير لأنه قد زين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا ، بل إنه يعادى من ينصحه بالخير ويوصيه بالاصلاح . وهو ماض فى طريقه هذا حتى الموت ..دون توبة .. وحتى لو تاب فلا يستطيع الوفاء بحق التوبة.).

آخر السطر

وأخيرا تحقق ما قلناه . الرئيس المخلوع مبارك  يظهر فى المحكمة يزعم المرض ، وهو الآن مصمم على فجوره يرى نفسه على الحق وينكر كل الكبائر التى ارتكبها بكل فجاجة وفظاظة . أى قد أهّل نفسه باختياره لمصير أبى لهب .

اجمالي القراءات 15143