الفرق بين الروح والوحي والنفس
الفرق بين الروح والوحي والنفس

أنيس محمد صالح في الجمعة ٢٣ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين على أمور دنيانا والدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له والصلاة والسلام على والدينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين... وبعد

 

ظل هذا الموضوع الفقهي الأصولي القرءاني ( الفرق بين الروح, الوحي, النفس ) ضمن المواضيع التي تستدعي الغوص في داخل القرءان الكريم لمحاولة تدبره والتفكُر والتعقُل والتذكُر فيه وإستكشاف العديد من المحاور والأغوار والأسرار التي تكتنف وتحيط بهذا الموضوع من كل جوانبه, بعدما دار الجدل كثيرا حولها قديما وحديثا لمحاولة البحث والتقصي لمكنونات هذا الموضوع المحوري والذي أختلف فيه الكثيرون, غير إن ما يميز بحثنا هذا, إننا سنحاول تناسي وترك إجتهادات الآخرين قديما وحديثا لمحاولة الخروج بنتائج من مصدر التشريع الوحيد ( القرءان الكريم ) كرسالة سماوية تختص بالذات الإلهية السماوية ( من أمر ربي ) وتشتمل على علوم ومعارف فقهية أصولية تفوق قدرات البشر جميعا ولو أجتمعوا, ولأنه يتميز من كونه روحا أمينا ( القرءان الكريم ) ووحيا قدسيا إلهيا ( الفرقان الكريم ) أحاط بكل شيء علما ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ومن حيث كونه ككتاب إلهي رباني لا يقبل أن يُفسر من خارجه أبدا, ومن كونه كذلك كتاب وحي روحي إلهي سماوي لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة بإذن الله.

ميزة إختلافات البشر في كل العصور وفي مثل هكذا مواضيع فقهية قرءانية كبيرة, يتمحور من خلال, أن إجتهادات البشر في تأويل وتفسير الآيات القرءانية وما نتج عنه ذلك بالضرورة إلى إضفاء قناعاتهم الشخصية وتأويلاتهم, أكثر من أن يأولوا أو يفسروا القرءان الكريم من داخله, بحيث أثر سردهم وإسترسالهم وتأويلهم المُبالغ به كثيرا في إطلاقهم العنان لمخيلاتهم الشخصية من ذات أنفسهم, أدى بالنتيجة إلى كونهم تسببوا بشكل أو بآخر إلى لي عنق الآيات القرءانية والخروج عن السياق القرءاني!! وتظهر بوضوح حينما تتأمل وتتفكر وتتدبر آيات القرءان الكريم كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة, ومنهم من يحرف الكلم عن مواضعه ( مع سبق الإصرار والترصُد ) إرضاءا لغير الله جل جلاله!!! ومنهم من يعتقد خطئا بغير قصد إن ذلك السرد والتأويل والتفسير الخيالي الشخصي يقود إلى فهم معاني وتأويلات الآيات القرءانية مكتفيا بإجتهاده وعلمه الشخصي ولا يرضى بغير تأويله!! مُحتكرا الحقيقة كل الحقيقة ومن كونه عالما بجميع بواطن الأمور الفقهية والحياتية!!!

البحث في آيات القرءان الكريم كمصدرا وحيدا في التشريع وإعتباره كوحدة واحدة لا تتجزأ, يمكَننا هذا من التدبُر والتفكر والتفقه والتذكر كما ( أمرنا الله ) وإعتماد وإعتبار القرءان الكريم كمنظومة تشريعية فقهية أصولية واحدة لا تتجزأ, من واقع إن القرءان الكريم كما أسلفنا في بحوث ودراسات سابقة قد نزل مُفسرا ومُبينا, كآيات محكمات وأخرى متشابهات تفسر وتبين بعضها بعضا ( القرءان والفرقان, التوراة والفرقان, الإنجيل والبينات, الكتاب والحكمة, كتاب الله وسُنة الله, الشرعة والمنهاج, المحكم والمتشابه, جبريل وميكال ) بحيث إن الله جل جلاله قد أنزل القرءان الكريم بالوحي من عنده ( من أمر ربي ) ليبلغه لنا رسل الله جل جلاله من الملائكة والناس ( عليهم جميعا الصلاة والسلام ), كدستور وتشريع سماويين, كرسالات هدى ونور وذكر وحمد وبيان وبشير ونذير وشرعة ومنهاجا ( كأوامر ونواهي الله جل جلاله ), ( من أمر ربي ) بالوحي من عند الله جل جلاله, وليسلم العالمين وجوههم جميعا إلى الله جل جلاله ومنيبين إليه وحده لا شريك له.
لقوله تعالى:
يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2) النحل
(يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ ) ( بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِ الله جل جلاله- ربي- الذات الإلهية ) ( عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) ( أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ).

تردد كثيرا مصطلح ( الحلول والإتحاد ) حين التطرق لهكذا موضوع, كتهمة تُطلق ضد كل من يحاول الخوض في هذا الموضوع الفقهي الأصولي القرءاني, من خلال العديد من الفقهاء قديما وحديثا وخاصة من خلال فقهاء السلف الصوفية والأشاعرة والمعتزلة!! كطوائف تتبع ما تعتقد إنه يقربهم إلى الله زلفا من خلال أديانهم الأرضية الوضعية الشركية الملكية ( السُنية والشيعية ).
المفارقة العجيبة تكمن في كون البعض يأخذ تأويلات وتفسيرات وإجتهادات البشر وكأنها قرءان كريم ( والعياذ بالله ) بحيث يصادر حق الآخرين في الإجتهاد والدراسة والبحث ويُطلق أحكامه الغيابية الجزافية في قضية إجتهادية فكرية أصولية قرءانية, يخوضها الدارسون والمجتهدون والباحثون!!

هذا الموضوع ( الروح, الوحي, النفس ), سأحاول تدبره ودراسته والبحث والتفكر فيه من آيات القرءان الكريم نفسه, على ثلاثة محاور:

المحور الأول : الروح

لو تأملنا قوله تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء
لو حاولنا تدبُر الآية أعلاه منفردة كالتالي:
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ )!!! ( قُل ) (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ), فسنجد إن البعض من الناس في أثناء تبليغ الرسول محمد ( عليه الصلاة والسلام ) للرسالة السماوية وهو حي يُرزق, سألوه عن ( الروح ) !!! وبحكم إننا جميعنا, نعلم يقينا إن الرسالات السماوية جميعها تنزل ( بالوحي من عند الله جل جلاله ) إلى الناس كافة, فقد نزل الرد على السؤال بأن ( الروح من أمر ربي ) (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ), ولمحاولة تأويل وتبيين وتفسير ( الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ), هنا ستختلف الإجتهادات البشرية, الآية الكريمة فيها من الوضوح بأن ( الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) هو خطاب ودلالة مباشرة للجميع بأن الروح هي من شأن وخصوصيات الذات الإلهية ( مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) وإنه كما يعتقد البعض خطئا إنه لا يحق للجميع الخوض في شأن وخصوصيات الذات الإلهية ( ربي )!!! البعض الآخر والذي يؤكد إليه بأن (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) تعني ( الروح الإلهية- الذات الإلهيه ) التي تتجسد من خلال ( بالوحي من عند ربي ), بمعنى آخر إن (أَمْرِ رَبِّي ) هو يتجسد حقيقة ( بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) المتجسد كليا بالرسالات السماوية بالوحي من عند الله جل جلاله, فالأمر والنهي هي كلها أوامر ( أَمْرِ رَبِّي ), ولا يمكن أن تتجسد الذات الإلهية إلا ( بأَمْرِ رَبِّي )... إلا من خلال الوحي الرباني.... كقوله تعالى:
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) غافر
وقوله تعالى:
يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2) النحل
في الآيتين أعلاه ( 15 غافر, 2 النحل ) نجد صيغتين, الصيغة الأولى ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ ) ( عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) وفي هذه الآية القرءانية نجد إن الله جل جلاله ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ ) (عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) ( أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ) وكما هي الآيات بينات, فسنجد إن الصيغة هنا عامة, بأن ( رفيع الدرجات ذو العرش- الله جل جلاله ) يلقي الروح من أمره ( عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) ( لينذر يوم التلاق ) ومن عباد الله الصالحين يأتي الرسُل والأنبياء من الملائكة والناس جميعهم دونما تفريق بينهم ( عليهم جميعا الصلاة والسلام ).
ولقوله تعالى:
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) الحج

أما في الصيغة الأخرى ( 2 النحل ), في قوله تعالى:
( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) ( عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) ( أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ).. الصيغة في الآية الكريمة حددت بوضوح شديد إن للملائكة الحافين من حول عرش الرحمن الرحيم الله ذو الجلال والإكرام, إن من الملائكة رسلا كما إن للبشر رسلا وأنبياء, توحي الذات الإلهية ( الله جل جلاله ) لرسل الله من الملائكة ( بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ), كتكليفات بالروح من أمر ربي ( من روح الله جل جلاله ), بالوحي من عند الله جل جلاله, (عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) ( أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ), وهنا تتضح وتتحقق الصورة أكثر, في وسائل الوحي الرباني المتجسد ( كأوامر بالروح من عند الله جل جلاله ) المتجسد بالرسالات السماوية... وتأكيدا للآية الكريمة أعلاه:
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ )!!! ( قُل ) (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً )...

وتأكيدا لقوله تعالى:
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) الشورى
ومن الآية أعلاه ( 51 الشورى ) نستطيع أن نستنبط الأحكام في إن الوحي الإلهي ( مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) كلغة للروح والذات الإلهية, تقوم على التكليفات لرسل الله جل جلاله من الملائكة والناس ( بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ )... بوسائل ووسائط إتصال ثلاثة هي:
( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ ) إِلَّا ( وَحْيًا ) أَوْ ( مِن وَرَاء حِجَابٍ ) أَوْ ( يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ) ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ).... وحسبنا الله جل جلاله إن أراد شيئا أن يقول له كُن فيكون... وفي الآية الكريمة أعلاه ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ ) ( بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) يتحقق الشرط الثالث لوسائط الوحي للروح الإلهية ( يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ) ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ).

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنسب الروح في الذات الإلهية لأي من خلق الله جل جلاله جميعهم, كأن ننسب الروح الإلهية القدسية أو الروح الأمين لأي من رسل الله من الملائكة والناس, لسبب بسيط إن الروح هي من شأن وخصوصيات الذات الإلهية ( ربي جل جلاله ) وحده لا شريك له, كمن يعتقد خطئا بنسب الروح إلى ضيوف الرحمن من رسل الله من الملائكة, فالروح في الخلق جميعهم سواءا للملائكة أو الجن أو الناس أو في جميع مخلوقات الله جل جلاله في السموات والأرض, نفخة الروح من الذات الإلهية, نفخة الروح من الله جل جلاله في الخلق تتعدد ولها مراتب كثيرة هي من الأسماء والصفات المتجسدة لله جل جلاله وحده لا شريك له ولا يجوز برأيي الشخصي أن تُنسب لأي من خلق الله في السموات والأرض جميعهم... وأعظم روح الله جل جلاله تتمثل في أمر ربي بالوحي المتجسد في القرءان الكريم كرسالة إلهية سماوية أنزل من أجلها رسُل الله من الملائكة كضيوف للرحمن في الأرض ( عليهم السلام ) ليبلغوا بالوحي من روح الله جل جلاله,المتمثل برسالة الله جل جلاله إلى الناس كافة وعن طريق الرسُل من البشر ( موسى, عيسى, محمد – وغيرهم من الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام )... وكما أسلفت بأن الله جل جلاله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس كمكلفين ومُبلغين لرسالات الله السماوية أن أنذروا إنه لا إله إلا الله جل جلاله وحده لا شريك له.
لقوله تعالى:
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) المجادلة

اجمالي القراءات 28578