ابليس والجن والملائك

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
فى كتاب ربي توصلت الي ان الله يدلنا علي بعض خلقه (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) وان الانسان عندما يصطفيه الله يصبح نبيااو رسولا وهي صفات او رتب . وان لم يكن كذلك يكون انسانا مؤمنا اوانسانا كافرا ، اما الجن فلو اصطفاه الله اصبح ملكا او رسولا ، وان لم يكن اصبح جنا مؤمنا او جنا كافرا او جنا ابليسيا شيطانيا . ومن ذلك توصلت الي ان الملائكه ليست خلقا مختلفا لله ولكن هي الرتبه العاليه للجن الذي يصطفيه الله وبذلك تحل معضلة امر الله للملائكه بالسجود لادم وعدم سجود ابليس فأنزله الله من منزلة الجن الملائكي الي الجن الابليسي او الشيطاني. ارجوك خذ تدبري وطبقه علي ايات الله الخاصه بالملائكه والجن وجاوبني بكل صدق هل في تدبري جزء من الحقيقه ام هو شطط ولماذا ولك كل تقدير وحب.
آحمد صبحي منصور

أولا : مع الأسف الشديد هو استنتاجات خاطئة على طول الخط . فالتدبر القرآنى يستلزم فهم لغة القرآن واختلافها عن قواعد النحو الموضوع فى العصر العباسى . وفهم لغة القرآن يأتى من تدبر القرآن من داخله . ولو قمنا بهذا لن نجد معضلة على الاطلاق فى موضوع سجود الملائكة لآدم . وأنصحك أن تبدأ بقراءة كل ما كتبناه من فتاوى ومقالات وابحاث حتى لا تبحر فى القرآن بدون استعداد ، وبعدها يمكن أن تبنى على ما كتبناه وتضيف اليه بدلا من تضييع وقتك . وبالمناسبة فقد سبق وأجبنا على فتوى خاصة بسجود الملائكة لآدم ونضطر لتكرارها هنا ، ولوقرأتها لوفرت علينا وعليك العناء.

ثانيا : قوله جل وعلا (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ   )( الكهف 50  ) يعنى فيما يخص موضوعنا شيئين : أن الله جل وعلا أمر الملائكة ومنهم ابليس بالسجود لآدم ، فلو لم يكن ابليس وقتها من الملائكة ما كان مأمورا بالسجود . ولأنه كان من الملائكة ورفض السجود فقد عوقب بالطرد من الملأ  الأعلى من الملائكة . ثانيا : مبعث الخطأ فى فهم الآية هو عدم فهم المصطلح القرآنى ( كان ) فى قوله جل وعلا ( كان من الجن ) . (كان ) هنا ليست بمعنى الفعل الماضى الذى انتهى مثل قولك ( كان فلان فقيرا ) وفق قواعد اللغة العربية الموضوعة فى العصر العباسى والتى فيها جعلوا ( كان ) تدل على معنى واحد فقط . ولكن (كان ) فى لسان القرآن تدل على الاستمرار مثل وصف الله جل وعلا بأنه كان قديرا وكان على كل شىء مقتدرا ..الخ . ومن معانيها ( أصبح ). وقد جاء ذلك فى قوله جل وعلا فى تشريع الصيام والافطار فى رمضان (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ   )( البقرة 185) أى من أصبح مريضا أو على سفر ،اى طرأ عليه المرض أو عارض السفر  وفى تشريع الحج (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ  ) ( البقرة  169)أى من أصبح مريضا أو به أذى من رأسه ـ أى طرأ عليه المرض . ونفس الاستعمال لكلمة (كان ) فى قوله جل وعلا (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ   )( الكهف 50  )، أى حين عصا ابليس كان من الجن أى أصبح من الجن . ونفس الوضع فى قوله جل وعلا : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )( البقرة 34) ، أى حين عصا وأبى واستكبر (كان ) أى أصبح من الكافرين .

ثالثا : الاصطفاء للرسالة يكون من الملائكة ومن البشر حسبما جاء فى القرآن الكريم (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ ) ( الحج  75). البشر الرسل هم الذين يتلقون الوحى والكتاب السماوى عبر الملائكة (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا  ) ( فاطر 1 ) ، فالملائكة هم رسل الوحى (  يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) ( النحل 2 ) ومنهم من يكتب الأعمال (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ( الزخرف  )ومن يقوم بقبض النفس عند الموت (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) ( الأعراف 37 ) .  وليس الجن مذكورا فى القرآن بهذا الصدد .

رابعا : أريدك أن تراجع كلمة (إنسان ) فى القرآن لتتأكد أنها تدل على أسوا صفات البشر لو ظلوا بلا هداية . وبالتالى لا يوجد انسان مؤمن فى النسق القرآنى .

اجمالي القراءات 22238