لحية عار تسير على قدمين
280 مليون جنيه فقط ..!!

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٧ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

  أولا :

1 ـ فى أخبار شهر أغسطس 2011 جاء نبأ من مصر يقول ان الجهات المعنية تحقق فى تمويل قدره 280 مليون جنيه جاء من بعض السنيين قطر الى جمعية ( أنصار السّنة ) فى مصر.

فى تحليل هذا الخبر نقول :

1 ـ ان مبلغ 280 مليون جنيه جاء من بعض وليس كل السنيين فى قطر ، وجاء من الأفراد وليس الحكومة ، وجاء من قطر فقط وليس من الامارات والكويت ، ولم يأت من محور الشّر الوهابى وهو السعودية. السؤال هو كم المبالغ الأخرى التى تأتى من سنيين آخرين خارج قطر.

2 ـ إن مبلغ 280 جنيه جاء فى هذا الوقت وحده الى جمعية واحدة هى (أنصار السّنة ). فكم تلقته الجمعية من قبل ومن بعد ؟ مع ملاحظة أنها أقدم جمعية وهابية فى مصر، فقد أنشأها الشيخ حامد الفقى عام 1927 بتمويل من عبد العزيز آل سعود ، وبأمواله أقام الشيخ حامد الفقى أول مقر لمركز أنصار السنة فى القاهرة ، كان مبنى ضخما ،الدور الأول فيه مطبعة ودار نشر للترويج لفكر ابن عبد الوهاب وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم واصدار مجلة ( الهدى النبوى ) ، والطابق  الثانى للاجتماعات والثالث جعله سكنا خاصا به. ومن عهده استمرت جمعية أنصار السّنة تعيش على التمويل الوهابى حتى الآن .وأحدث مبلغ معلن وصلهم هو 280 مليون جنيه فقط.!!

3 ـ ثم ماذا عن تمويل بقية الجمعيات السلفية والحركية الأخرى التى أنشأها السلفيون المصريون خلال الخمسين عاما الماضية ومساجدهم وزواياهم ، وهى بالآلاف ؟

4 ـ وماذا عن رحلات التسول والتسوق التى يقوم بها كل من هبّ ودبّ زعماء السلفية الى السعودية والخليج ؟

وأحدهم ـ وهو مجرد لحية تسير على قدمين ـ أعلن إنه مسافر الى السعودية ليبحث مع مسئوليها تطبيق الشريعة فى مصر . قالها بدون خجل كأنما أصبحت مصر بتاريخها وعبقريتها وحضارتها وسكانها مزرعة دواجن يملكها ويتصرف فيها كيف يشاء.!! وإذا كان خادما أجيرا للسعوديين فلا مانع أن تكون مصر وأن يكون اهل مصر تابعين له ولأسياده .!!.ربما لا يفهم هذا الملتحى البائس خطورة ووقاحة ما قال لأنه قال ما قال ليجعل لنفسه شأنا يبيح له أن يتسول من أسياده ما استطاع باسم مصر وباسم الشريعة الوهابية السّنية .

5 ـ جنرالات مبارك الذين آلت اليهم مقاليد السلطة فى مصر الآن ، يواجهون ـ كما قلت من قبل ـ مشكلة عاتية . انتماؤهم لقائدهم مبارك وكانوا شركاءه وحماته فى الفساد والاستبداد، وهم بقلوبهم وجوارحهم ضد الثورة التى قامت رغما عنهم. وبسبب خوفهم من وطنية الجيش المصرى ومن انقلاب عسكرى يطيح برءوسهم أحنوا رءوسهم مؤقتا لعاصفة الثورة ، مع استمرار تآمرهم عليها . بهذا تفصح كل تصرفاتهم ما خفى منها وما ظهر. هؤلاء الجنرالات مصيرهم قريبا الى الاستيداع والخروج على المعاش ،او العودة للثكنات ـ أيهما أقرب، أى بقى لهم فى السلطة بضعة أشهر تحميهم ، وبعدها سيأتى أوان حسابهم لو تكونت حكومة مدنية حقوقية تعبر عن الثورة ، فما اقترفه الجنرالات ويجرى الحديث عنه الآن فى الخفاء سيأتى وقت الاعلان عنه والمطالبة بمحاكمة أصحابه . وهم اقترفوا بعد الثورة وهم فى السلطة جرائم فى حق الثوار لا تسقط بالتقادم . المخرج لهم فى التعاون مع السلفية ضد الثورة . ومن هنا نتوقع وجود ترتيبات نقل السلطة للصديق السلفى فى إطار من تبادل المنافع والمكاسب خلال حوارات بين الطرفين ، وكل من الطرفين يناور ويحاور ويتفنن ليفوز باتفاق أفضل . وعلى هامش هذه المناورات والتكتيكات تصدر التصريحات وتثور الحملات .

وما يخص موضوع التمويل منها هو تلك الحملة الحكومية على تمويل غربى لبعض منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال التنوير الديمقراطية وحقوق الانسان ، واتهامها بأنها السبب فى ( إشتعال الثورة ) كما لو كانت الثورة جرما وخطيئة. هو نفس موقف مبارك ، فمع قيام الثورة وخلع مبارك فلا زال نظامه قائما ـ خلال جنرالاته ـ برغم الثورة ـ لاجهاض الثورة . وما كان يقال فى عصر مبارك دفاعا عن التمويل الغربى اضطرت الحاجة لتكراره فى عصر جنرالاته، من انه تمويل ضئيل ومعلن وتحت رقابة الحكومة ، ثم هو لا شىء بالنسبة لما تتلقاه الحكومة والعسكر من تمويل  ظاهر وخفى ، وإذا كان التمويل الذى تحصل عليه الحكومة موطأ فساد ويذهب الى جيوب لا قاع لها ولا يستفيد منها الشعب ، فإن تمويل الجميعات الأهلية الحقوقية بالاضافة الى هدفه النبيل فهو يذهب الى أفراد وعائلات ويستفيد منه طوائف مختلفة من الشعب.

سكت الجنرالات عن التمويل المستمر والمتزايد للسلفية مع إن خطرها على مصر واضح ومعلن وبدأت ارهاصاته فى سيناء بعد الثورة ، كما إن تاريخه عريق فى الارهاب قبل وبعد الحادى عشر من سبتمبر. تعامى الجنرالات عن هذا التمويل وشنوا حملة ضارية على تمويل هزيل معلن لبعض الجمعيات الحقوقية،  وساندهم السلفيون فى هذه الحملة ، وبطونهم ملأى بأموال السحت من الخليج .

فى لحظة اتفاق بين الجنرالات والسلفيين ـ وتحت عنوان التمويل الأجنبى ـ شنوا معا تلك الحملة على العدو الحقيقى وهو الثورة المصرية النبيلة المسالمة . ثم فى لحظة اختلاف ـ فى المباحثات  والمناورات ـ تم اعلان لأول مرة عن مجىء تمويل بمبلغ قدره 280 مليون جنيه مصرى لجمعية أنصار السّنة.هو مجرد (قرصة ودن ) من الجنرالات يهدد بفتح ملف التمويل الوهابى للسلفيين المصريين ، وهو ملف ـ لو تعلمون ـ عظيم .

6 ـ نكرر : (هو ملف ـ لو تعلمون ـ عظيم ). للأسباب الآتية :

6/ 1 : السعودية ـ وحدها ـ أعلن ملكها فى بداية الثورة على استعداده لدفع 3 بليون دولار لحماية مبارك ، وبعد إحالة مبارك للمحاكمة بسبب الضغط الشعبى على الجنرالات فمن المنتظر توجيه نفس المبلغ لتدعيم السلفية الوهابية فى مصر. ونفس الوضع فى الامارات والبحرين ومعمان والكويت ..وقطر..

6/ 2 : دول الخليج تلك لا تفعل ذلك حبا فى مبارك الذى قام بتركيع مصر ليعتلوا قامتها ويكون لهم وزن على حسابها ، ولكن حرصا على استمرار نهج مبارك خلال السلفية المصرية حتى تظل مصر بكل تاريخها وثقلها ومكانتها تابعة لدول الخليج ، فالتبعية الدينية تؤسس للتبعية السياسية وفق ثقافة الاستبداد والاستعباد فى الأديان الأرضية لو تحكمت فى شعب ما.

6 / 3 :  دول الخليج تلك لا تنفق شيئا من أموالها ، ستنفقه من أموال مصر التى سرقها مبارك وهربها الى الغرب ، ثم حين اهتزّ عرشه قام بتحويل معظمها الى أصدقائه فى الخليج . فى النهاية سيموت مبارك وسينتهى أولاده فى السجن ، وتؤول الأموال المصرية الى حكام الخليج ، وهم يستثمرونها من الآن فى تدعيم السلفية لكى تحكم مصر .

6 / 4 : العامل الأهم لدى حكام الخليج هو الرعب من انتقال الثورة المصرية الى شعوبهم . وقد تمكنت السعودية وحلفاؤها بشق الأنفس من إخماد ثورة الشعب البحرينى حتى لا يشتعل الخليج كله ، وقد رفعوا قميص الخطر الايرانى الشيعى . والثورة المصرية أقوى أثرا لأنها ليست ثورة ايدلوجية بل حقوقية تطلب العدل والحرية والشفافية وحقوق الانسان للجميع، ومصر هى واسطة العقد فى العالمين العربى والمسلم ، وما يحدث فيها لا بد أن ينتقل الى الجزيرة العربية والخليج والشام وشمال أفريقيا . لذا فإن طبيعة الثورة المصرية التى لا يجادل أحد فى طهارتها وطبيعة الدور المصرى الذى لا يجادل أحد فى أهميته هما معا أكبر خطر يهدد عروش الاستبداد فى الخليج .

والحل بسيط ورائع معا ، هو أن تقفز السلفية المصرية على حكم مصر لتظل مصر تابعة للسعودية والخليج العربى ، ولتكون مصر رائدة للدول الأخرى فى سوريا ليبيا وتونس واليمن وغيرها ، أى بتحول الربيع المصرى الى شتاء سلفى ستتحول نظم الحكم كلها الى السلفية بدلا من الديمقراطية والعدل وحقوق الانسان .

وهذا النصر المزدوج ثمنه ضئيل مهما بلغ، لأنه مدفوع مقدما من أموال المصريين التى سرقها حسنى مبارك وأودعها عندهم . وعلى فرض أنه لا توجد أموال لمبارك لديهم فإنه طبقا للعدل فإن جزءا من الزيادات فى سعر البترول منذ عام 1973 يرجع الى دماء الشهداء المصريين مما يستوجب حقا لهم فى تلك الزيادات التى رفعت سعر البرميل عشرات الأضعاف من وقتها وحتى الآن. وعلى فرض ان خزائن حكام الخليج قد امتلأت بملايين البلايين فحق المصريين فيها لو كان مجرد عشرة فى المائة فسيصل بالعدل الى مئات البلايين. والخلاصة أنه مهما ينفق المستبد الخليجى فى إفساد مصر لمصلحته فهو ينفق على ذلك من أموال المصريين أنفسهم ومن ودمائهم أيضا.

أخيرا : الى متى ؟؟؟

1 ـ إلى متى تظل النّخب المصرية دعاة الديمقراطية والليبرالية وحقوق الانسان على تفرقها وتشتتها ؟ والى متى تظل الأحزاب المدنية على انتهازيتها ؟ والى متى يظل أقباط مصر فى ضلالهم السياسى يعمهون وهم اليوم قبل الغد مستهدفون ؟

2 ـ فى مقالات سابقة قلت فى عناوينها :( أين شرف العسكرية المصرية ؟)و ( نداء الى جنرالات مبارك : أليس منكم رجل رشيد ؟)( يا أمهات مصر : تحركن لقيادة المظاهرات ) ( الى متى تظل مصر مطية راكب ؟)..وغيرها ..

الى متى نظل نصرخ فى البرية ؟

اجمالي القراءات 14049