كم وددت أن أبعث إليكم تهئة العيد بسقوط الصنم الهش كما فعلت مع المصريين والليبيين والتونسيين، ولكن لا بأس فقد تأتي التهنئة المتأخرة حاملة معها بشائر نصر قادم بسقوط طغاة آخرين في عالمنا العربي الذي تجمعت كل فصول العام فيه ربيعاً حتى لو أصر أسياد الوهم على جعله خريفا يقطعون فيه رقاب شعوبهم، ويضاعفون أعداد المفقودين لعل الشمس تخفي وراءها ما تبديه في شوارع المدن الحزينة.
كل الثورات الشعبية تثلج صدري، وأي حالة غضب ضد الخنوع والخضوع والقهر ينبغي أن نحتفل بها كما نحتفل بأعيادنا كلها خاصة أن هتافات السوريين ضد جزّارهم بدتْ لي نغمات موسيقية لحـَّنتها السماء، وعزفتها حناجر طاهرة ترفض أعتى قساة العصر.
ما أجمل ثورتكم الرائعة وهي تلعن شبلا ضعيفا أقنعه المنافقون والأفـَّاقون والأوغاد أنه أسد، وأن جُحره الذي يرتعد فيه خوفاً هو عرين، وأن كلابه لا تنبح ضد اللصوص، ولا تهز ذيلها فرحاً إلا بمَقـْدم الشبـّيحة.
تحيرني قدرة سفاح دمشق على المجيء بعشرات الآلاف من رجال الجيش والاستخبارات والفن والأدب والإعلام والدبلوماسية وقد ارتدوا جميعاً أقنعة المـَذلة والمسكنة والعبودية وهم يلعقون حذاءه، ويمرغون أنوفهم في التراب تحت قدميه فيصطادون الأبرياء من فوق أسطح المنازل، ويمارسون كل أنواع التنكيل والتعذيب والغلظة مع من أوقعهم حظهم العاثر في قبضتهم.
لا أخاف من استمرار نظام الأسد الشبل، فمن يملك أبسط القدرات على استشراف شروق شمس اليوم التالي لا يخالجه أدنى شك في أن دراكيولا الشام يـُعِدّ حقائبه للهروب إلى الشاطيء الآخر من خليجنا العربي، لكنني خائف من وجود أعداد كثيفة وهائلة محسوبة على السوريين والشياطين في نفس الوقت، يملكون هوية قلب العروبة ويحلمون مثلما حلم سعد حداد وأنطوان سعد بالأرتماء في أحضان فتيات إسرائيليات على شاطيء إيلات، ومكافأة شهرية من جيش الدفاع الاسرائيلي(!) لكل الخدمات التي قدمها عملاؤه في الجنوب اللبناني!
أخاف يوم يعلن أحرار سوريا بعد هروب عائلة الأسد أو قتلهم أو إعدامهم أن المقابر الجماعية يزدحم بها باطن الأرض العربية المحررة، وأن أوغاد الحـُكم لم يكونوا تحت تهديد السلاح والترويع والترهيب، لكنهم تبرعوا من جراء كراهيتهم الإبليسية لأبناء بلدهم، فمارسوا كل صنوف التعذيب والاخضاع والسيطرة والقهر بلذة ومتعة وغبطة لن تعطي فرصة في سوريا الجديدة للقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء!
أيها السوريون:
ملحمتكم درس سيتعلمه أبناؤكم في المدارس والجامعات كما يتعلمون دروس العبادة، وعندما صلى الأسد وخدمه وعبيده ومتزلفوه صلاة العيد في الوقت الذي كنتم تتظاهرون، وتعتصمون، وتفقدون البريء تلو الآخر، فإن العلي القدير كانت له، سبحانه، حسابات خاصة، وأظن، وبعض الظن يقين، أن صلاتهم لم تصل إلى السماء الدنيا، وثورتكم هي الصلاة الحقيقية التي تقبـّلها الله بغض النظر عن دين أو مذهب أو فـِرقة الثائر، فالجنة تحت أقدام الثوار.
كنت أريد أن أبعث لكل السوريين الذي أعرفهم، وبعض الذين لا أعرف، تهنئتين: واحدة بعيد الفطر، والثانية بالنصر، لكنني لم أفقد تفاؤلي وأكاد أرى ثورتين جديدتين لغضب شعبي عارم في بلدين عربيين عانا من الطغاة ردحاً طويلا من الزمن.
أيها السوريون:
هتافاتكم تتفوق على أي كونسرتو أو عزف جماعي أو أناشيد وطنية يطلقها ربيع الوطن العربي الهادر غربا وشرقا، والغاضب شمال وجنوبا، والثائر مدناً وحضراً، وعندما كتبت في شهر يناير( أكاد أرى سراويل مبللة) كنت فعلا أراها على أجساد جبناء يعادونكم من القصر الجمهوري بدمشق إلى درعا، ومن اللاذقية إلى بانياس، ومن حِمص إلى حماة.
مدن سورية ستلهم كل الخاضعين من أبناء العروبة في المستقبل روحَ المقاومة، وسيعرف المتبرعون بدماء لأنياب الأسد أن السوريين تحرروا حتى لو لم تتم إذاعة البيان رقم واحد، يستتبعه خبر القاء القبض على بشار وماهر وبشرى وأسماء وهم يحاولون الهروب من الحدود العراقية أو اللبنانية استعداداً للقفز في أحشاء طائرة إيرانية جاثمة فوق مطار أقيم لمن أراد أن يلحق بزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح وليلى الطرابلسي.
أيها السوريون:
دعوني أقبـّل رؤوسـَكم، وأدعو الله أن يرحم شهداءكم الأبرار،وأستعد لزيارة أرض البطولة والأمجاد، وأستمع لقصص المئات عما لم تستطع الشاشة الصغيرة أن تحكيه أو تقصّ على أسماعنا وعيوننا بعضا منه.
إنها خطوة واحدة .. بل هزة واحدة ويتهاوى أعفن أنظمة الاستبداد، وإلى أن تضعوا القيد الحديدي في يدي سفاحكم الأشر، فإنني أنتظر بصبر نافد بشائر نصر لاحت أكثر وضوحاً من شمس دمشق في ظهورها وظـُهرها وهي تتوسط كبد السماء .
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 31 أغسطس 2011