بسم الله الرحمن الرحيم
الكفر والذنب والمقفرة
أولا : من حيث الذنب وما يغتفر وما لا يغتفر منه :
- الذنب هو ما ترتكب من معاصي تجاه الخالق وانت مؤمن -ومن تاب من المعاصي تاب الله عليه
- السيئة هي ما ترتكب من إسائة أو ظلم في حق الآخرين من الخلق وأنت مؤمن - وهذه لا تغتفر بالتوبة وحدها ويلزمها تكفير عنها – فإذا مات العبد قبل ان يكفر عنها يتولها الله عنه إن شاء فيكفر له عنها (وكفر عنا سيئاتنا) وإن شاء عذبه – لذلك ففي الدعاء نقول : " ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا " فيعطي الله المظلوم حتي يرضي - هذا حق العبد المظلوم لا يغفره لك الله إلا ان يتنازل العبد المظلوم عنه سواء كان باعتذارك له والتعويض عنها كما في الدية أو ان يكفره عنك المولي عز وجل استجابة لدعاء أو جزاء لما فعلت من حسنات -
- " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114) هود
ثانيا : من حيث الكفر والشرك – هنالك خلط في المفاهيم فيما يتعلق بهاتين اللفظتين –
- فالشرك ذنب حيث ان المشرك بالضرورة هو مؤمن ويخضع لقوانين الإيمان السماوية ثم اشرك بالله في عبادته وولائه شي أو أحد – ومن الذنوب الشرك أعظمها ولكنه بالتوبة يغتفر كما كل الذنوب فالتوبة تجب ما قبلها " قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) الزمر" وبما ان الشرك ذنب فلفظة " جميعا تشمله
- " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا(48) النساء – ففي هذه الآية كل الذنوب هي دون الشرك –
- كي نفهم الآية السابقة فيزول التناقض الظاهري يجب ان نعلم ان للتوبة حالتان وهما :
- توبة في الحياة الدنيا للعبد التائب " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِم وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(17) النساء" والجهالة هي ليست عدم العلم بالشئ انما هي الطيش والاندفاع والفشل في مغالبة النفس الأمارة بالسوء – وكون ان المذنب يتوب من قريب تعني انه ليس في حاجة لمن يعلمه بل هو يعلم انه ارتكب خطأ
- وبما ان الشرك ذنب فالتوبة تجبه – ومن كان رسول الله صلي الله عليه يدعو ويلح عليه بالدعوة للدخول في الإسلام غير عتاة مشركي قريش ؟! – ما الطائل من الدخول في الإسلام إذا كان الشرك لا يغتفر؟! إذا فما المقصود من " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"
- هنا المقفرة المقصودة هي التي فيما بعد الموت (من مات وهو مشرك) وبرحمة من الله فسوف يغفر لمن يشاء من الظالمين غير المشركين (شرك حقيقي) وغير الكفار برحمته يوم القيامة " – هذا لمن مات علي الشرك
- " وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْت ُقَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌأُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) النساء
- وحتي من مات علي الشرك فإنه ينظر في أمره يوم القيامة لان هنالك شرك حقيقي وآخر ظاهري:
- " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَمَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(3) الزمر
- فيحكم الله بينهم يوم القيامة هل كانوا صادقين في ادعائهم ابتقاء القربى الي الله أم هم كاذبين لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار-
- الكفر ليس بالذنب - هو أعظم من الذنب وهو الخروج علي الملة والتمرد عليها وإنكارها تماما – لذلك يقال " ليس بعد الكفر ذنبا" لان من يكفر لا يتبع لقوانين الملة فهو ليس منها ويحبط عمله صالحا كان أم طالحا ولا ينظر فيه بتاتا بل يساق الي النار دون سؤال- وحتي توبة ما بعد الموت لا تشمل الكفر (الآية عاليه) أما المشرك والمجوسي والصابئ :
- " إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِإِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج يحكم بينهم خلاف للذين كفروا
- الصابئون والمجوس والذين أشركوا هم داخل الملة وإلا لما نظر الله الي أعمالهم حتي يمييز الخبيث من الصالح فيجزي كل بعمله
- " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌأَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) آل عمرآن فلا يتدخل أو يشفع يومها إلا من أذن له الرحمن– وهؤلاء من هم دون الكفر ودون الشرك الحقيقي
- الخلاصة : من مات علي كفر أو شرك حقيقي فليس له توبة يوم القيامة – لكن كل من تاب وآمن قبل ان يحضره الموت فسيجد أن الله غفور رحيم
- وفقنا الله وإياكم.