(2 ) تأكيد على الاطار الأخلاقى للصدقة وزكاة المال
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : (2 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٢ - يوليو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1ـ  سبق نشر مقال بهذا الخصوص ، ونعيد التأكيد هنا لأهمية الموضوع فى صلة زكاة المال بتزكية النفس .

2 ـ فى التنزيل المكى فى القرآن الكريم كان التركيز على الدعوة لإخلاص العقيدة والعبادة لله جل وعلا ، حيث كان العرب الجاهليون يعبدون الله جل وعلا ويعبدون الأصنام ، وقد حرفوا ملة ابراهيم  بأكاذيب وافتراءات ، وكان التركيز أيضا فى التنزيل المكى على قصص الأنبياء للعظة والاعتبار ، كما كان الاهتمام بالجانب الأخلاقى مختلطا بأساس العقيدة وبعض التشريع كما فى سور الاسراء ( 22 : 39  ) والأنعام ( 151 : 153 ) والفرقان ( 63 : 77 ) والنحل  (90 : 97  ) . وفى سياق هذه الموضوعات الأساس جاءت بعض  قواعد إجمالية فى التشريع  كقوله جل وعلا (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ   ) ( الأعراف 31 : 33 ).

3 ـ ثم اتسع التنزيل المدنى لتفصيلات التشريع ، وامتاز تشريع الصدقة منه بوضع إطار أخلاقى يغلّف تطبيق هذا التشريع . ففى سياق الحث على الصدقة يقول جل وعلا :( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) . وبعده جاء ما يسمى تسميته بآداب الصدقة .

أول آداب الصدقة : من المتصدق : عدم المنّ والأذى

1 ـ أى ألّا يصاحبها ( منّ ) أو (أذى ). يقول جل وعلا : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ). فليس كل من يعطى الصدقة ينال أجرها عند الله . لا ينال الأجر إلا من ترفّع عن المنّ والأذى . والمعنى أن المنّ والأذى يحبطان ثمرة الصدقة عند الله جل وعلا ، بحيث لا يجنى إلا خسارة ماله ذلك الذى يتصدق ويؤذى من يتصدق عليه بالمنّ والأذى ،والأفضل له من البداية ألا يتصدق ، بل إن ّالاعتذار عن عدم إعطاء الصدقة بقول معروف خير من صدقة يتبعها أذى ، وهذا ما جاء فى الآية التالية :(قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ).

2 ـ وحتى يتجذّر هذا التشريع ضرب الله جل وعلا أمثالا للتوضيح ، يقول جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) فالمثل هنا لمن يبطل صدقاته بالمنّ والأذى مثل حجر صوّان عليه تراب ، والمنتظر عندما يهطل عليه المطر أن ينبت التراب ، ولكن الصخر الصوأن عندما ينزل عليه المطر فإنه يزيل التربة ويترك الصخر صلدا ، وهكذا الذى يبطل صدقاته بالمنّ والأذى لا يكسب شيئا مما أنفق .

وفى المقابل فإن الذى ينفق يبتغى رضوان الله وعن عقيدة إيمانية صادقة فمثله كجنة فى منطقة رابية مرتفعة نزل عليها مطر فهى تؤتى ثمارها ضعفين ، وحتى لو نزل المطر قليلا فهى تثمر :( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) . ويعطى رب العزة مثلا قصصيا عن الذى احبط عمل الخير بعقيدته السيئة والمنّ والأذى بشيخ طاعن فى السّن أمضى حياته فى تعمير حدائق بهيجة ، وعندما أصابه الكبر لم يكن له من معين ، سوى أطفال صغار يحتاجون للرعاية ، ثم جاءت الكارثة بنيران أحرقت حدائقه واضاعت تعب شبابه وشقاء عمره ، وهو يشاهد حدائقه المدمرة وحوله أطفاله الصغار ، لا يستطيعون عونه بل هم الأحوج الى عونه ، وهو عاجز فى شيخوخته أن يستعيد ما تم تدميره، أى ضاع كل شىء ، الثروة و الصحة و الشباب ، ولم يعد يتبقى إلا الحسرة. هذا المثل القصصى الدرامى المؤثر يصور مصير من يتصدّق ويضيع صدقاته بالمنّ والأذى فلا يكسب مما أنفق إلا الحسرة و الخسار، يقول جل وعلا : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )

3 ـ والهدف من هذا التشريع الاخلاقى هو أن تكون الصدقة وسيلة فى تزكية النفس ، وليس مجرد إعطاء مال للمحتاج . وتبدأ تزكية النفس بادراك المؤمن أنه فى حقيقة الأمر لا يملك هذا المال ، ولكنه مال الله جل وعلا الرزّاق الكريم ، وكل ما هناك أنه جلّ وعلا قد أعطى هذا بسطا فى الرزق ليختبره ،أى جعله مخوّلا فى الرزق ليرى كيف يصنع بما خوّله الله جل وعلا فيه ، وفى نفس الوقت ضيّق على الفقير فى الرزق ليختبره فى صبره ، ولهذا فإن المؤمن يعلم ان للفقير والمحروم وسائر المستحقين حقوقا لديه فى المال الذى خوّله الله جل وعلا فيه ، ولا بد أن يعطيهم حقوقهم لينجح فى الاختبار . وبالتالى فلا بد أن يعطيهم حقوقهم عن طيب خاطر آملا فى رضى الله جل وعلا . الآخر يعتقد إنه يعطيهم من ماله هو ، ولذا يمتنّ عليهم ويستعلى عليهم . ومن قاع هذه العقيدة الضالة يحبط الله جل وعلا عمله ، وبينما يتزكى المؤمن بالصدقة ويعلو بها سموا فى الخلق فإن الآخر يهبط ويتضع ، وهو يتصور نفسه غير ذلك .

4 ـ وجعل رب العزة من صفات المتقي أن يعطى ماله لتتزكى وتتطهر به نفسه ، وهو لا ينتظر جزاء الشكر من أحد ،لأن كل ما يبتغيه هو رضى ربه جل وعلا ، لذا سيفوز برضى ربه ولسوف يرضى ويكون مرضيا عنه وسينجو من عذاب النار يوم القيامة : (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) ( الليل  17 : 21 ). والمتقون يوم القيامة هم الأبرار ، وقد وصف رب العزة حالهم فى الجنة فقال : (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) وهذا الجزاء فى الآخرة لأنهم كانوا فى الدنيا : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا ) ( الانسان 5 : 9 ). أى لا يقبلون الشكر من أحد لأنهم يبتغون وجه الله جل وعلا وحده.

ثانيا : من حيث المال : أن يكون مالا حلالا :

1 ـ من مبررات العصيان أن يجمع أحدهم المال بالحرام ثم يتصدق به ، معتقدا أنه طالما يتصدق فإن هذه الصدقة ستحلّ له ما إغتصبه وسرقه ونهبه من حرام . وفى العصر الذى يسيطر عليه التدين السطحى المظهرى والاحتراف الدينى يدخل المجتمع نفق التدين بحيث يكون كل تصرف مغلفا بالدين ومحتاجا الى تسويغ دينى أو فتوى دينية تحلّ الحرام وتحرم الحلال. وفى هذا المجتمع المريض تروج دولة رجال الدين الأرضى ، وتتنتشر مساجد الضرار الأيدلوجية التى تروج للباطل ، ويأكل أئمة الدين من المال السحت ليقولوا للناس ما يرضيهم ويغضب الرحمن . وفى هذا المناخ تتكاثر الصدقات والتبرعات من كبار العصاة ، لا فارق بين راقصة داعرة أو (حرامى ) يأكل السحت و ينشر الفساد ، وكلهم يتبرع ويتصدق من مال حرام وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، وينسى قول الله جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ). أى لا بد أن تكون الصدقة من كسب طيب حلال سواء من مرتب أو دخل ، أو من ثمرات الأرض . ولم يكتف رب العزة بالأمر بل قرنه بالنهى عن الانفاق من المال الخبيث الذى يأتى بالظلم ، والله جل وعلا غنى عن هذا المال الخبيث . والآية التالية تصف حال المجتمع المريض الذى يسيطر عليه الدين الأرضى وتدينه السطحى و محترفو التدين بأن هؤلاء زعيمهم الشيطان الذى يعدهم بالفقر  ويأمرهم بالفحشاء عبر اساطير الشفاعة والتصدق بالمال الحرام ، وفى المقابل فإن الله جل وعلا يعد المؤمنين بالمغفرة و الفضل : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )

2 ـ بل هناك أكثر من ذلك . فالمؤمن ينفق من ماله الحلال ، ولا يكتفى بهذا بل ينفق من (أحب ) المال لديه ، فإن كان معه عملة محلية ودولار فهو يعطى الأغلى وهو الدولار، وتلك هى بعض صفات الأبرار ، يقول جل وعلا (  لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ( البقرة 177 ). الشاهد هنا هو قوله جل وعلا (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ )، أى يتصدق من أحب المال اليه ، وتلك هى درجة البر ـ أو درجة الأبرار ، يؤكد هذا قوله جل وعلا عن درجة الأبرار : ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) ( آل عمران 92 )، ونفترض أنك ذبحت عجلا وجعلت جزءا منه صدقة ، فإذا أردت بلوغ درجة البر فعليك أن تتصدق بأفخر أنواه اللحم ،أو تتصدق بما تحبه وتشتهيه من لحم العجل ، ففى النهاية ما ستأكله من العجل مصيره الى ما نعرف ،اما الذى تتصدق به فسيكون عملا صالحا يضىء وجهك يوم القيامة (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )( آل عمران 106 : 107 )

ثالثا : من حيث القلب والنية والاخلاص:

1 ـ لا بد أن يتعامل المتصدق مباشرة مع رب العزة باخلاص عمله لله جل وعلا وحده دون أدنى اهتمام برأى الناس ، وهنا يكفيه أن الله جل وعلا يعلم نيته ومطّلع على سريرته واخلاصه فى ابتغاء رضى رب العزة ، يقول جل وعلا : (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ). وعندما يصل المتصدق لهذه المرحلة من الاخلاص والتقوى فلا حرج عليه إن تصدّق علانية أو إن أخفى صدقته ، فهو فى الحالتين يجتهد للمصلحة ، فمثلا إن أخفى صدقته فربما يكون حرصا منه على مشاعر من يتصدق عليه من المساتير الذين يعيشون فى فقر ولكن يسترون حالهم ولا يسألون الناس إلحافا ، وتحسبهم أغنياء من التعفف. وإن أظهر صدقته فربما يريد تشجيع الآخرين على الاقتداء به. المهم إنه فى كل ما يفعل يجتهد حسب علمه فى ابتغاء مرضاة الله جل وعلا ، ولا يجعل فى خاطره على الاطلاق أى ذرة من رياء او طلب للشهرة أو رضا الناس ، لأنه يكفيه رضى رب الناس عليه ، وهو الذى يرزقه ، وهو الذى سيجزيه خيرا وهو الذى سيحاسبه يوم القيامة . ومن هنا نفهم قوله جل وعلا :( إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) . فالله جل وعلا هو الخبير بما نفعل وبما نضمر فى سرائرنا . وهذا هو ما يتحسب له من يتقى الله جل وعلا وهو يعطى الصدقة.

2 ـ وطالما هو يتحسّب لرضا الله جل وعلا وحده فهو ينفق فى سبيل الله فى كل حالاته ، إن كان فى يسر أو فى عسر ، فى السرّاء أو فى الضرّاء : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( آل عمران 133 : 134 )، بل إنه فى وقت العسرة يؤثر على نفسه (  وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( الحشر9 ) ولا يهتم إن كان المستحق للصدقة مؤمنا مهتديا أم عاصيا لاهيا ، يكفى كونه مستحقا للصدقة حتى يعطيه حقه فيها ، أما هدايته أو عصيانه فلا شأن للمتصدق بهذا ، هذا يرجع الى مشيئة من يريد الهداية أو الضلالة ، يقول جل وعلا لكل من يتصدق :(لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ )( البقرة 261 : 272 )

أخيرا

بهذا تؤدى زكاة المال دورها الأخلاقى فى تزكية وتطهير النفس ، ويتحقق فى المتصدق قوله جل وعلا (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا )( الشمس 7 : 9  ).

اجمالي القراءات 16012