رسالة من بلطجي إلى المصريين

محمد عبد المجيد في الأحد ٠٣ - يوليو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

بعضُ الوظائف تحتاج إلى شهادات كانت معلقة على الحائط، أو مخبئة في الأدراج!
وبعض الوظائف تشترط خبرة لا تقل عن عدد معين من السنوات، لكن وظيفتي تلك تستمد شرعيتها من قلب صخري لا يلين ولو قرأت على صاحبه كل الكتب السماوية، ويومياتي مليئة بالكراهية، فأنا أكره نفسي، وأهلي، وجيراني، وأبناء وطني، والكون كله.
هل رأيتم صورة لي وأنا أتصدى لمتظاهرين مسالمين خلال انتخابات البرلمان المصري وقد أمدتني الشرطة بعصا مطاطية أو سلاح أبيض أو مطواة قرن غزال؟
صدر مفتوح، وعضلات مفتولة، ووجه ماتت خلاياه فبقي منه الجزء الصلد الخارجة منه عينان تمطران الخصوم بشرر لا يبقي ولا يذر.
إنني أنافس الكلاب شراسة، والذئاب افتراساً، والضباع غدراً، وأتلقى التوجيهات فأقوم بتنفيذها قبل أن ينتهي سيدي من القائها على مسامعي.
هل رأيتموني في موقعة الجمل؟
عشرات الآلاف من الصور التي تم التقاطها لي ولزملاء المهنة، وتم نشرها، وتوزيعها، وحفظ ملايين المصريين أشكالنا، وألواننا، وتعبيرات وجوهنا الصماء، وأذرعنا التي تنتهي بأصابع قـُدَّتْ من قرون الشياطين، ومع ذلك فأنا في حماية كاملة من قوى، معروفة أو مجهولة، بل إنني أشعر أنه لا يوجد مصري يأمن على حياته مثل البلطجي.
لا أسدد ضرائب على مرتبي، ولا تعرف لجنة الكسب غير المشروع مصادر دخلي، ولا أحد في الدولة يرصد ما يدخل جيبي وما يخرج منه، فقد يأتيني رزقي بمكالمة تليفونية من وراء القضبان في معتقل طرة، أو من سياسي كبير أو رجل حزبي جابت شهرته، سابقا، مصر كلها من نيلها إلى بحرها.
كل كبار رجال الدولة يعرفونني حق المعرفة، ولو أراد أحدهم أن ينهي عصر عضلاتي، وأن يحرر الشارع من قبضتي فسيقف في وجهه من هو أكبر منه، فأنا هنا سيد الحارة تماما كما كانت السينما تصور الفتوة حاملا نبّوتـَه فلا يرتفع صوت فوق صوته، ولا تحملق عيون في وجهه.
لكنني أيضا أختفي خلف وجوه لا حصر لها، وأتسلل لأجساد فأتلبسها كما يتلبس الجان جسد مريض يقف مرتعشاً أمام مشعوذ يزعم أنه يأمرني بالخروج في غرفته المعبئة بأبخرة ملونة، فأنا، مثلا، قد أكون وزيرا أو محافظاً أو رئيس حزب أو أمير جماعة أو مدير تحرير صحيفة أو ضابط أمن أو رجل أعمال أو مفتياً فضائيا تخرج من بين شفتيه فتاوى قتل وتكفير تكفي لاحراق وطنه بكل من يمشي على أرضه.
وأنا قد أكون زعيم بلد أو سكرتير رئيس الجمهورية أو رئيس قسم اخباري بقناة تلفزيونية أو مؤسساً لحزب جديد سيقلب الوطن عاليه سافله.
وأنا قد أكون عدالة بطيئة تمنح الفرصة للمجرمين أن يقوموا بتسوية أمورهم، والفرصة للزمن أن يتولى مهمة اشغال الناس بهموم أخرى تنسيهم كبار المطلوبين للعدالة.
أنا بلطجي وقاتل ومن اصحاب السوابق وملفي في الداخلية مليء بالادانات المعلقة في رقبتي حتى أظل كلباً لأسيادي، وينبغي أن أعترف لكم بأنني أعمل أوفرتايم بعد الثورة، فأرباب الثورة المضادة يكرمونني بسخاء، ويعطونني ما يزيد عن حاجتي، ويتولون حمايتي مهما بلغت درجة القسوة في بطشي بخصوم أسيادي.
لا تصدقوا من يزعم أنه لا يعرفني، وإذا أراد صاحب السلطة اعتقالنا جميعا، وتنظيف الشارع من تواجدنا فلن يستغرق الأمر يوماً أو بعض يوم، لكن تحرير مصر من براثننا ليست متوفرة لدى أحد ممن يتولوّن أمور البلاد والعباد.
لا أخفي عليكم أننا على استعداد تام لاشعال مصر كلها من صعيدها إلى ثغرها، ونحن إذا تلقينا التوجيهات بذبح شباب الثورة فسنأتيهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وسنجعل جمعاتهم الصيفية جمرات من نار، فقد تجاوزوا حدودهم، وهم يطالبون بمحاكمة مبارك وعائلته، ويبحثون عن كيفية استرداد أموالكم، ويريدون القضاء على كل مخلفات العهد البائد، لكن اللعب مع الكبار له ثمن، والحيتان مربوطة خياشيمها ببعضها حتى إذا غرق أحدها تداعى له الآخرون في القاع.
أنا بلطجي لكنني سيد عليكم طالما كان أي نظام قائم يتنفس برئتي الرئيس المخلوع، ولا تغرنكم ملابسي ومظهري الخارجي فأنا قد أرتدي ملابس رثة أو قميصا مفتوح الصدر كلاعبي الكاراتيه أو يونيفورماً أبيضاً أو أسوداً أو .. كاكياً تتراقص فوق أكتافي نجوم ونسور وتزين صدري نياشين كتلك التي يرتديها جنرالات الساحة الحمراء في الكرملين.
أنا أمير الثورة المضادة، وأنا روح مبارك وشلة طرة، عدو المصريين البديل عن عدو المصريين في جناحه الفاخر بمستشفى شرم الشيخ.
كلهم يعرفونني كما يعرفون أصابع أيديهم، لكن مصلحتهم في بقائي أكبر من مصلحتهم في رضا الشعب عنهم.
انتظروني يوم الثامن من يوليو فأنا متعطش للدماء، وربما تقوم القوى الدينية إياها بالدعاء في صلاة تهجد أن ينصر الله البلطجية على شباب الثورة، فكل الأشياء قابلة للتبرير، وإذا زعم إبليس أنه مبعوث العناية السماوية فلا ريب في أن هناك من سيصدقه.
أيها المصريون،
أنا سيدكم لأن روح مبارك لا تزال تعطي توجيهاته لأركان نظامه، فالبلطجة تكليف وتشريف في آن واحد، وبطشي هذه المرة لن يكون هيناً مثل يوم الخيل والبغال والحمير، لكنه سيكون يوم تتعلمون أن البلطجة هي صناعة الطاغية التي لا تموت بموته.
تنتظروني بقوة إيمانكم بعظمة واخلاص وحنكة وذكاء شباب الثورة، وأنا أنتظر بدهاء ومال وسطوة وَرَثة الرئيس المخلوع، أليس 8 يوليو بقريب؟

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 3 يوليو 2011

Taeralshmal@gmail.com

اجمالي القراءات 10323