الثورة .. تحديات راهنة

شادي طلعت في السبت ٠٤ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

يعتقد البعض أن الثورة المصرية لم تنجح و أن الوضع العام للدولة لن يتغير و أن المستقبل سيكون كسلفه قبل الثورة !

و يرى البعض الآخر أن المستقبل سيكون أسوأ مما كان و أن عهد العصابة الحاكمة البائدة كان أفضل بكثير من القادم المحتمل !

و يرى تيار ثالث أن المستقبل سيكون أفضل و أن الثورة قامت للتغيير إلى الأحسن و أنا ممن يؤيدون هذا الرأي .

علينا إذاً أن نعرف أين نحن و كيف سيكون مستقبلنا و ما هي المخاطر المتعلقة بثورة 25 يناير 2011 ، و لا بد لنا من نعرف إجابة سؤالين .. الأول هل 25 يناير تعد ثورة أم أنها مجرد إنقلاب على الحكم ؟ و الثاني هل إنتهت الثورة أم لم تنتهي ؟ و لتكن الإجابة طبقاً للتعريفات العلمية السابقة على 25 يناير و أيضاً طبقاً للتاريخ .

إن الثورة المصرية هي أعظم ثورات العالم منذ أن خلق الله الكرة الأرضية و بالطبع أنا أعني ثورة 25 يناير ، و ذلك لعدة أسباب :

أولها / أنها كانت أعظم ثورات العالم حضارة .

ثانياً / لأنها فاقت ثورات العالم الحديث في الإبداع في فن فض المنازعات سلمياً .

ثالثاً / لأنها عبرت عن الإرادة المصرية إرادة شعب أراد التغيير و لم يتأخر في تحقيق هدفه الأول و هو إسقاط النظام .

رابعاً / لأن شعبها لم يقع في شرك الفوضى الهدامة التي توقعها الجميع بل كان للفوضى التي أراد النظام تعميمها لإرهاب الشعب سبباً رئيسياً في لم شمل الأفراد و الجماعات .

خامساً / تعد هي الأكبر في تاريخ الثورات إذ أنها أول ثورة يخرج فيها ملايين من البشر بشكل غير مسبوق من قبل .

سادساً / هي الثورة الأولى الاتي تم رصدها لحظة بلحظة و تدوين كل أحداثها بالصوت و الصورة .

إذاً نحن أصحاب أعظم ثورات التاريخ  و لكن دعونا نتساءل هل إنتهت الثورة ؟

 بالطبع لم تنتهي الثورة فالثورة قد بدأت يوم 25 يناير و إستطاعت تحقيق هدفها الأول يوم 11 فبراير ، و هذا يعني أن كافة أهدافها الأخرى لم تتحقق بعد ، و علينا أن نعلم أنها لن تتحقق قبل مرور 3 سنوات على الأقل ، ذلك لأن معنى كلمة ثورة هو أنها تحدث تغيرات جذرية في المجتمع و هذا أمر لا يحدث بين يوم و ليلة و إنما يحتاج لتطبيقه إلى سنوات لن تقل عن 3 أعوام ، فما بدأناه لا يمكننا أن نعرفه بأنه ثورة كاملة ! لأنه سيعد إنقلاب إذا ما توقفنا عند تلك المرحلة و أقصد يوم 11 فبراير ! إلا أننا في الواقع في ظل أحداث ثورة بدأت يوم 25 يناير 2011 و لن تنتهي قبل عام 2014 .

من هذه الرؤية نستطيع أن نتبين خطورة المرحلة التي تمر بها مصر و المصريون ، فثورة 25 يناير نالت تأييد الشعب بأغلب تياراته ، إلا أن هناك من الشعب من تأذى منها و أذكر على سبيل المثال فئة العاملين بوزارة الداخلية من الموظفين و أمناء الشرطة و المجندين نهاية بضباط الشرطة فجميعهم قد تأذى جداً من قيام الثورة ، أيضاً أعضاء عصابات النظام الحاكم و التي كانت تعيش كالديدان المتسلقة أو كمصاصي الدماء ، و هذه الفئات لا تقوى الآن على العمل أو التعايش ، فالعهد القادم يختلف عن العهد البائد .

كما أن المناخ العام للديكتاتورية التي كانت تعيش فيها البلاد و الذي تسبب في قمع كافة الأصوات و الحريات جعل من بعض التيارات تشعر و كأنها كانت في قمقم ضيق و إستطاعت الخروج منه الآن و أخص بالذكر هنا جماعة الإخوان المسلمين و هي جماعة سرية لها ملفاتها السوداء قبل البيضاء و هي تمثل خطراً أيضاً محدق بالثورة .

من هنا نستطيع أن نوجز المخاطر المحدقة بالثورة في الآتي :

أولاً / خطر وزارة الداخلية و طبيعة تعاملها مع الشعب

و إذا ما فكرنا لآلية للخروج من الخطر المحتمل و المتمثل في وزارة الداخلية و العاملين بها ، فلابد من الآتي :

- أولاً حل وزارة الداخلية و تحويلها إلى هيئة مدنية و لا يكون الإنضمام أو العمل فيها مقصور على فئة معينة ، بل يجب أن تكون متاحة للجميع .

- لا بد من محاسبة العاملين بالوزارة بأشد أنواع العقاب في حالات الرشوة أو الوساطة أو المحسوبية .

- لا بد من توطين الضباط بمحال إقامتهم ، و تطبيق أشد أنواع العقوبات عليهم في حال حمايتهم للبلطجة أو الخارجين عن القانون .

- لا بد من أن يتدرب أفراد الشرطة على أساليب البحث الجنائي بشكل علمي كما يجب أن يتم تدريبهم على كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .

ثانياً / مواجهة البلطجة

-          أن البلطجة لم تنتشر بعد قيام الثورة إلا بناءعلى خطة عمل وضعتها وزارة الداخلية فالبلطجية كانوا من رجالها الأوفياء التي يستعينون بهم في الإنتخابات لتزويرها أو لإسكات المثقفين أو السياسيين المعارضين ، و فوائد أخرى كثيرة إستفاد منها النظام الحاكم .

-          لا بد من تغليظ عقوبة البلطجة إلى الإعدام و يجب أن يعفى قتلة البلطجية من أي عقوبات إذ أنهم يرهبون الأمة و يفسدون في الأرض .

-          لابد من تطبيق عقوبة الإعدام على أي ضابط شرطة يقوم بحماية البلطجة أو يقوم بالتستر عليهم أو إخفاءهم .

ثالثاً / فلول النظام البائد

أتذكر و أنا أكتب عن فلول النظام البائد ، ما حدث مع سيدة الغناء العربي ((أم كلثوم)) عندما منعت من الغناء في الإذاعة المصرية بحجة أنها كانت من النظام البائد قبل ثورة 1952 ، إلا أن جمال عبد الناصر وقتها ، قال إذا منعنا أم كلثوم من الغناء فعلينا أن نقوم بهدم أبي الهول و الأهرامات الثلاثة لأنهم من العهد البائد أيضاً ! و بعدها أصدر عبد الناصر أوامره بأن تعود أم كلثوم إلى الإذاعة ، من هنا يجب علينا أن لا نأخذ مواقف متشددة من كل من كان يتعامل مع النظام البائد فبعضهم لم يكن لديه خيار آخر و بعضهم لديه خبرات و إمكانيات يجب أن لا نهدرها و علينا أن نستفيد منها ، أما من أخطأ من فلول النظام البائد فعلينا أن لا نتركه دون أن يحاكم و ليكن القانون هو الفيصل بيننا و بينه فلو أردنا أن يكون لنا شأن في المستقبل ، فعلينا أن نطبق القانون و أن يكون القانون هو الحكم بيننا ، على أن لا يفرق بين رئيس الجمهورية و بين أصغر عامل .

رابعاً / الإخوان المسلمين

جماعة الإخوان المسلمين هي أقدم تنظيم سياسي ديني في الشرق الأوسط ، و هي جماعة تعمل على المدى البعيد و لا تتعجل الأحداث فعقيدتها مبنية على العمل التنظيمي الذي يبدأ من القاعدة فهذه هي قاعدة و آلية التغيير عندهم الذي لا يبدأ من القمة ، و الإخوان المسلمون جماعة قادرة على عقد الصفقات و الدخول في مفاوضات من أجل إكتساب أي شيء حتى و لو كان صغيراً ، و بعد قيام الثورة هم مستعدون لإبرام أي إتفاقات مع المجلس العسكري أو الحكومة أو القوى الخارجية التي يمكن أن تدعمهم و هي جماعة تسعى لتحييد أي قوى تفكر في مهاجمتهم ، و الجماعة لن تهدأ قبل أن تصل إلى سدة الحكم ، و لكن هل ستصل الجماعة أو من الممكن أن تصل إلى الحكم ؟

لا أعتقد أن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم أمر قائم ، و ذلك لعدة أسباب :

1-   إستهتار الجماعة بكافة القوى المعادية لها .

2-   عدم إستهانة القوى المعادية للإخوان بخطرهم و قوتهم .

3-   حتى هذه اللحظة فإن قاعدة الإخوان المسلمين تعد ضعيفة جداً و ليست قوية كما يظن البعض .

4-   وصول جماعة الإخوان إلى درجة من التكبر بداية من كبار قادتها و نهاية بأعضاءها الشباب .

5-   عدم قدرة الإخوان على الحفاظ على أي معاهدات أو إتفاقات داخلية .

من هذه الأسباب فإنني أشعر بأن الإخوان المسلمين بحاجة إلى أن يضاعفوا من جهدهم مرات و مرات حتى يصلوا إلى الحكم بشرط أن تكف القوى الديمقراطية و الليبرالية عن العمل ! و هذا لن يحدث من وجهة نظري فالعصر القادم هو لليبراليين نتيجة المتغيرات الدولية و لأن الشعب يريد أن يصل إلى القمر و لا يريد العودة إلى زمن ركوب الخيال و الجمال ، لذلك فإن أفضل طريقة لمواجهة الإخوان هي تركهم يعملون بكل حرية ، على أن لا تكف القوى الديمقراطية و الليبرالية أيضاً عن العمل.

أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم

شادي طلعت

اجمالي القراءات 11256