3 أفلام عالمية عن الدين والسلطة والتعذيب في مصر

في الإثنين ٠٥ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


في أسبوع واحد تابعت الصحف الأجنبية أخبار ثلاثة أفلام عن مصر.. ثلاثة أفلام تحكي عن الدين في مصر.. والسياسة عندما تمتزج بالدين.. والحروب التي تضع بصمتها علي السياسة.. كانت الأفلام الثلاثة تقرأ مصر بطريقة مختلفة.. تقرأ مجتمعها وأهلها ورجال الحكم فيها من عدة زوايا.. مرة من زاوية الدراما.. ومرة من زاوية التاريخ.. ومرة من زاوية نسائية.
الأفلام الثلاثة عن مصر.. والوجوه المؤثرة في الأفلام الثلاثة من النساء.. كان الفيلم الأول الذي اهتمت به الصحف العالمية.. هو فيلم «حكم بلا استئناف».. الفيلم الذي أنتجته هوليوود عن عمليات التعذيب التي تمارسها المخابرات المركزية الأمريكية ضد المشتبه فيهم في سجون دول صديقة.. ومنها سجون مصر.. اهتمت الصحف بفيلم «حكم بلا استئناف» بعد أن بدأ عرضه في دور العرض الأمريكية محققا إيرادات تفوق توقعات الكل.. الفيلم الثاني اهتمت به الصحف بعد عرضه في مهرجان أبوظبي الدولي.. اسمه «سلطة بلدي».. ولفت انتباه الكل له بعد أن قالوا عنه إنه أهم فيلم يبرز التسامح الديني في مصر.. وقيل عنه إنه دعوة صريحة للتطبيع مع إسرائيل.. أما الفيلم الثالث، فربما يكون واحدا من أهم وأكبر الأفلام التي تحكي تاريخ مصر بشكل ملحمي.. بإنتاج ضخم وامكانات هائلة، تليق بنجمة الأوسكار «هالي بيري» التي ستقوم ببطولته.. لتؤدي دور الملكة نفرتيتي فيه.

كان «حكم بلا استئناف» فيلما مثيرا للجدل منذ الإعلان عن بدء تصويره.. فهو فيلم خال من المجاملات، لا لإدارة بوش.. ولا للدول التي تحرص إدارة بوش علي علاقاتها معها.. يأتي الفيلم ليروي عن تجاوزات المخابرات المركزية التي تنعكس فورا علي تجاوزات الأجهزة الأمنية الأجنبية التي تتعامل معها. لقد أصيب صاحب سيناريو الفيلم بالذعر، عندما عرف الطريقة التي صارت أمريكا تحقق بها مع المشتبه فيهم في جرائم الإرهاب بعد أحداث سبتمبر.. فهي تطاردهم لمجرد الاشتباه وتعتقلهم بلا محاكمة.. ولا تردد في انتزاع أي اعتراف منهم، حتي وإن كان زائفا، بكل وأي طريقة.. يحكي الفيلم قصة جرائم تعذيب المخابرات المركزية من خلال قصة عالم كيميائي أمريكي من أصل مصري اسمه أنور الإبراهيمي (يقوم بدوره ممثل مصري الأصل اسمه عمر متولي).. مواطن أمريكي مثالي.. متزوج من أمريكية جميلة (تقوم بدورها ريز ويزرسبون التي حصلت علي جائزة الأوسكار) تنقلب حياته المستقرة رأسا علي عقب عندما يتلقي مكالمة «تشك» المخابرات المركزية في أنها من أحد أفراد تنظيم القاعدة.. وتلقي المخابرات الأمريكية القبض علي أنور، وتقوم بترحيله إلي مصر لكي يتم استجوابه وتعذيبه في سجونها تحت إشراف أحد رجال المخابرات المركزية الذي كان يتابع عمليات تعذيبه وانتزاع الاعترافات منه في السجن طيلة الوقت.

زعيم عملية التعذيب في السجن المصري في الفيلم ضابط اسمه «عباس» (يقوم بدوره ممثل إسرائيلي اسمه إيجال ناعور)، يظهره الفيلم خبيرا في كل أساليب التعذيب وفي التلاعب بعقول وأعصاب ضحاياه.. وإن كان عاجزا عن السيطرة علي قصة الحب التي تنمو بين شقيقته فاطمة وشاب اسمه خالد.. يظهره الفيلم شابا واعيا، ثائرا لا يتردد في المشاركة في مظاهرات سياسية تشعل شوارع القاهرة في الوقت الذي تصل فيه زوجة العالم المصري إليها بحثا عن زوجها الذي اختفي.. لتكتشف من خلال رحلة بحثها مدي عمق وتشابك وتعقد العلاقات بين أجهزة المخابرات والدول التي أدت إلي أن تنهار حياتها كلها علي الرغم منها.

ربما كان فيلم «حكم بلا استئناف» فيلما يناسب المرحلة الحالية.. المرحلة التي يؤمن فيها العالم بقرب المواجهة بين الإسلام الأصولي والغرب.. فيلم تمتزج فيه الإثارة والتشويق والمؤامرة، بمخاوف الأمريكان من تنظيم القاعدة.. لكن كان فيلم «سلطة بلدي» الذي عرض في مهرجان أبوظبي، فيلما يروج لرسالة عكسية.. رسالة عن إمكان التسامح الديني والعيش في سلام علي أرض مصر.. التي كانت تحتضن دائما كل الديانات.. والجنسيات.

قصة «صناعة» فيلم «سلطة بلدي»، لا تقل إثارة عن أحداثه.. لقد جاءت فكرته إلي مخرجته «نادية كامل» بعد أن أقلقها حال حفيدها.. كانت تشعر بضيق من خطب الكراهية التي كان يسمعها في بعض المساجد، تلك الخطب التي تقوم علي إشعال نيران الكراهية والغل والعنصرية في صدور من يستمعون إليها.. ولا تسعي إلا إلي محو الآخر.. أو تحقيره.. أو تصغير شأنه.. فقررت نادية كامل أن تصنع فيلما عن مصر أخري يصعب أن نتخيل وجودها اليوم وإن كانت موجودة يوما.. فيلم يحكي لحفيدها.. حكاية أمها.

إن الحفيد الذي يشعر اليوم بكراهية للغرب وبعدم تسامح مع الأقباط.. كانت له جدة يهودية نصف مصرية ونصف إيطالية مسيحية.. وهي علاقة، تختصر بوضوح حال مصر أيام الجدة.. وحالها اليوم أيام الحفيد.

كانت الجدة واسمها ماري.. تحيا في مصر عندما كانت تحتضن كل الجنسيات والحضارات.. فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون يعيشون ويتعايشون معا.. ومع الإيطاليين واليونان والأرمن.. أما ماري نفسها، فكانت متزوجة من مصري مسلم.. شيوعية تساند القضية الفلسطينية وحقوق أهلها.. وعلي الرغم من كونها نصف يهودية، إلا أنها قررت أن تقطع علاقتها بكل أقاربها في إسرائيل بعد أن هاجروا إليها عام 1948.

وتأتي نقطة التحول في الفيلم عندما تقرر ماري بعد سنوات طويلة أن تزور أقاربها، الذين صاروا مسنين اليوم في إسرائيل.. لتحدث مواجهة حاسمة بينها وبين أقاربها المسلمين في مصر الذين يرفضون قيامها بهذه الزيارة، لتفتح تلك المواجهة الباب لسؤال الفيلم الرئيسي: هل من حق المواطن العربي العادي أن يكون له أي اتصال بالمواطن الإسرائيلي العادي؟

إن أسرة ماري تمتد من إيطاليا إلي إسرائيل وإن كان قلبها في مصر.. فأخوها ترك مصر ليحيا في إيطاليا بعد أن شعر أن القاهرة كارهة وطاردة للأجانب منها.. وظل والدا ماري في مصر بينما ذهب ابن عمها إلي إسرائيل ليصبح واحدا ممن قاتلوا لقيام الدولة العبرية علي أرض فلسطين.. تعقبت كاميرا نادية كامل بيوت أهلها في إيطاليا وإسرائيل ومصر.. فوجدت تشابها غير عادي في البيوت العادية.. بيت المواطن المسيحي في إيطاليا والمواطن المسلم في مصر والمواطن اليهودي في إسرائيل.. المواطن الذي ترك مصر ليحيا في إسرائيل وإن ظل يستمع حتي اليوم إلي صوت أم كلثوم، ويحكي عن أيام شبابه في مصر، والعلاقات القوية التي كانت تربطه بجيرانه المسلمين الذين كانوا يحتضنون ابنته كما لو كانت منهم.. وإن كانت قد أصبحت اليوم مجندة في جيش الدفاع الإسرائيلي.

إن الرسالة الأساسية التي يحملها الفيلم تقول باختصار إن التشابه بين الناس أكبر من اختلافهم وأن الانقسام الديني الذي جعل الأحفاد يتأثرون بخطب الكراهية الدينية ويحملون المدافع ضد بعضهم في الحروب، لم يكن انقساما موجودا منذ جيلين فقط.. وهي رسالة أثارت جدلا واسعا فأيدها البعض وهاجمها البعض الآخر بوصفها رسالة صارخة للتطبيع مع إسرائيل.

وإن كان الدين يقف حائلا اليوم بين الناس.. فإن الدين أيضا كان عنصرا حاسما في حروب مصر وسلطتها منذ القدم هذا هو ما يظهره فيلم هالي بيري الأخير الذي بدأ تصويره الأسبوع الماضي، ويستعرض فترة حكم إخناتون مع زوجته نفرتيتي.

لقد كان إخناتون هو الحالم الأول بالتوحيد.. أول من ترجم غريزة الإنسان التي تميل إلي التوحيد بفطرتها، إلي صورة قرص الشمس «آتون» الإله الواحد الذي منحه إخناتون سطوة وسلطة علي باقي الآلهة الأخري وعلي رأسهم كبيرهم «آمون».. فكان بذلك أول حاكم يشعل حربا دينية في مصر، خاضها هو دفاعا عن دينه وخاضها كهنة آمون دفاعا عن سلطتهم.. وكانت النتيجة محسومة منذ فجر التاريخ كما هي اليوم.. السلطة فوق الدين دائما.

يستعرض الفيلم أحداث تلك الثورة الدينية التي لعبت فيها نفرتيتي.. السيدة الأولي في مصر وقتها.. دورا لا يستهان به، إلي حد أن الفيلم يظهرها كما لو كانت الحاكمة الفعلية لمصر خلال حكم زوجها وحتي بعد وفاته.

مخرج فيلم نفرتيتي سيكون هو نفس مخرج فيلم «حفلة الوحش» الذي حصلت هالي بيري بفضله علي جائزة أوسكار أحسن ممثلة وهو ما جعل كثيرين ينتظرون فيلما مختلفا عن ملكة مصر.. وعن مصر نفسها في واحدة من أكثر فتراتها صخبا.. وإن كان لا يقل صخبا عن الذي تحيا فيه اليوم
ر

اجمالي القراءات 4414