وصلتنى رسالة من الصحفى الشاب «ماجد إبراهيم»، صاحب مدونة صحفى مشاغب جداً، الرسالة تدق جرس إنذار وتحذر من تغلغل الفكر المتشدد داخل مدارسنا، من الممكن أن يتناقش الكبار مع هذا الفكر ويمتلكوا جهاز مناعة يستطيع تفنيد تلك الأفكار، ولكن ماذا عن الأطفال؟ تلك العجينة الطيعة اللينة التى تتشرب الأفكار كورقة النشاف، وتتشكل طبقاً لقبضة المعلم خباز هذه الأفكار، وطبقاً أيضاً لدرجة حرارة فرن أو مكان نضج وتسوية تلك الأفكار وهى المدرسة.
يقول ماجد: «رغم عملى كصحفى فإننى أملك مكتبة للأدوات المدرسية وتصوير المستندات بمنطقة الهرم بالقرب من أكاديمية الفنون بهدف السعى وراء زيادة الدخل، ولأننى فى مكتبتى لا أعبر إلا عن فكرى وتوجهاتى التى أؤمن بها وأكتب كثيراً عنها فأنا أعانى دوماً من تصرفات السلفيين، وما هم بسلفيين من وجهة نظرى، فلو كان السلف الصالح - المنتمون لهم اسماً لا فعلا - مثلهم فى أسلوب الدعوة لانتهى الإسلام قبل أن ينتشر، وليلة أمس جاءنى طالب بالمرحلة الابتدائية يريد تصوير بعض أوراق التدريبات من كتاب الأضواء للغة العربية للصف الخامس الابتدائى لهذا العام، وبينما أصور له لفت انتباهى أن غلاف الكتاب يحتوى على صورة للأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ لكنها وللأسف مشوهة بيد الطالب تشويهاً مؤسفاً (صورة نجيب محفوظ فقط وليس غلاف الكتاب بالكامل)،
فلما سألته: لماذا فعلت هذا بصورته؟ أجاب: المدرس بتاعنا قالنا إنه راجل كافر وإنه شتم ربنا فى إحدى رواياته وأنه علشان شتم ربنا أخد جائزة نوبل. وحينها هالنى ما سمعت منه وأخذت أصحح له المعلومة وأحدثه عن رواية «أولاد حارتنا» المقصودة بهذا، وأن عليه أن يقرأها أولاً قبل أن يشوه شكله بهذه الطريقة بل أحثه على عدم قبول أى معلومة دونما التأكد منها، وعندما سألته عن هذا المدرس وهيئته عرفت وكما توقعت أنه سلفى ويطلق لحيته، وهو ممن يرون أن المسيحيين كفار، والفنون والآداب حرام، رغم أنه مدرس لغة عربية ويدرس لهم درساً عن سيرة محفوظ..!! والواضح أنه يدرس هذا الدرس لطلابه حسب فكره وليس حسب المنهج الموضوع!! وقد عرفت من هذا التلميذ أنه مدرس فى مدرسة قرطبة بشارع فيصل بالجيزة وهى مدرسة مشتركة بها المرحلتان معاً الابتدائية والإعدادية، ولأننى أكره هذا الفكر المتشدد وبدأت أخاف من انتشاره فأنا أوجه نداء من خلالكم إلى وزير التعليم بتشديد الرقابة على المدارس من الآن فصاعداً وجعل المفتشين يناقشون كل ذوى الفكر المتشدد من السلفيين المنتشرين فى المدارس لأننا بهذا الشكل أمام مأساة حقيقية إذ إن من يفترض فيهم تشكيل عقلية الأطفال ووعيهم هم بهذا الشكل أول من يدمرونه.
وهذه ليست الواقعة الأولى أمامى بل هى أشدها تأثيراً فىّ، فهناك أطفال يدخلون على مكتبتى ينتقدون استماعى للغناء لأنه حرام، أو يرون أن بيع أى شىء لمسيحى حرام، ومثل هذه الأمثلة متعددة معى دوماً ولو ذكرتها لك لاحتجت كتاباً كاملاً!!».
ما حكاه ماجد إبراهيم هو بعض من كل، وهو قمة جبل الجليد، وإذا كان نجيب محفوظ عملاق الكتابة الروائية فى مصر والعالم يتم تكفيره داخل مدارسنا، فماذا يبقى للوجدان والعقل المصرى؟ غداً سيتم تكفير كل الشعراء والروائيين والسينمائيين والمسرحيين والموسيقيين والرسامين والنحاتين.. إلخ، لأنهم من أهل البدع والضلال والحث على اللهو وإنكار المعلوم بالضرورة! طرح مثل هذه الأفكار المتشددة فى كتب على قارعة الطريق أو فى قاعات الندوات شىء، وطرحها داخل فصول الابتدائى شىء آخر، لابد أن تكون المدرسة خطاً أحمر لأننا نراهن على الجيل القادم، فأرجوكم لا تضحوا بهذا الجيل لكى تنافقوا أى تيار مهما وعدكم هذا التيار بأنه سندكم السياسى وحاميكم الشرعى.