بولس الراهب الحبيس

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٣ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

  •  تحدثت عن هذا الرجل العجيب المصادر التاريخية لمصر المملوكية .. وقد ظهر في عصر السلطان الظاهر بيبرس .. كان في بداية أمره كاتبا في ديوان الإنشاء ثم ترك العمل وترهب وانقطع عن الناس في جبل حلوان ، ويقال أنه عثر على كنز من كنوز الفاطميين أو الفراعنة فأخذ يتصدق من ذلك الكنز على كل المحتاجين من المسلمين والأقباط وسائر الملل. وانتشر خبره فإعتقله السلطان وطلب منه ذلك الكنز ، فقال له الراهب : ( أما أن أعطيك المال من يدي إلى يدك فلا تتصور ذلك ، ولكنه يصل إليك حيث ت&OEcirc;صادر شخصا ولايستطيع دفع الغرامة وعندما أساعده بمال  يكون مصيره إليك ).. وصمم الراهب على ألا يعطى الكنز للظاهر بيبرس فأطلق السلطان سراحه ..
  • وظل ذلك الراهب يطرق المدن المصرية يعطي المحتاج ويدفع الغرامات عن المحبوسين ويدفع ديون العاجزين عن السداد ، وسافر إلى الإسكندرية والصعيد يجير بماله الفقراء ، وحيثما يحل بمكان يتوافد عليه الفقراء من المسلمين والأقباط وغيرهم من النصابين . ومن النوادر التي كانت تحكى أن بعضهم كان يقوم أمامه بتمثيلية، يقوم إثنان بجر رجل يصرخ مستغيثا وهما يضربانه يمثلان دور الشرطة ومعهم أناس يمثلون أنهم رسل القاضي ، ويستغيث المضروب بالراهب يقول له : يا أبونا اقض ما على من الدين. فيسأله عن قيمة المال المطلوب منه ، فيقول له : ألفان . فيكتب له على ورقة أو شقفة توقيعا بالمبلغ المطلوب ، فيأخذون الصك ويذهبون إلى الصيرفي فيدفعه لهم كما هو .. وبذلك وصل للسلطان ستمائة ألف دينار عن طريق ذلك الراهب حين كان يدفع عن المحبوسين والمصادرين.ولم يكن ذلك الراهب يأكل من ذلك المال أو يشرب منه ، بل كان طعامه وكساؤه من صدقات النصارى .
  • ثم حدث حريق فى القاهرة في جمادي الآخرة 663 هجرية بدأ فى حي الباطلية ( الباطنية ) وانتشر إلى أحياء أخرى ورأها السلطان بيبرس فرصة ليصادر كل أموال الراهب بولس ، فإتهم الظاهر بيبرس اليهود والنصارى بأنهم الذين أشعلوا الحرائق ، وأصدر أمرا بإحراق اليهود والنصارى جميعا . وكانت تمثيلية لاقناع الراهب لكى يفتدى كل النصارى و اليهود من الاحراق بالنار . ولكى يتقن هذه التمثيلية فإنه جمع آلافا من اليهود والنصارى تحت القلعة وأحضر الحطب والوقود فاستغاثوا وعلا صراخهم . وطبقا للحبكة التمثيلية تقدم الأمراء من السلطان يتشفعون فيهم فقرر الإفراج عنهم مقابل أن يدفعوا خمسمائة ألف دينار يدفعونها غرامة ، وألزم البطريرك باستخراجها من النصارى وأن يحملها إلى القلعة . ومن الطبيعي أن عين السلطان كانت على الراهب والكنز الذي يخفيه ..
  •  وهكذا قام الراهب بدفع المال المقرر على كل يهودي أو نصراني ، وكسب الظاهر بيبرس نصف مليون دينار فى ضربة واحدة ، فإكتسب الراهب بولس شهرة صاحبته فى حله
     وترحاله ، فأينما حل تتبعه جموع الفقراء يتسولون منه وهو يعطيهم الصكوك بالأموال .وسعد به الفقراء من المسلمين والنصارى على السواء ، ولكن لم يسعد فقهاء السوء الذين أكلهم الحسد من شهرة الراهب وحب الناس له من مسلمين ومسيحيين . وتربص الفقهاء به حين دخل الإسكندرية وسارت خلفه المظاهرات من المسلمين وغيرهم ، فبعث الفقهاء الى السلطان فتاوى تطالب بقتل الراهب وعللوا ذلك بأنه " أصبح فتنة للمسلمين ". ورأها السلطان حجة شرعية ليستخلص من الراهب سر الكنز. فإعتقله وسأله عن سر الكنز فرفض الراهب الاعتراف وأخذ يغالطه، فأمرالظاهر بيبرس بتعذيبه فتحمل الراهب العذاب إلى أن مات  دون أن يفصح بشىء . وأمر السلطان باخراج جثته وإلقائها على باب القرافة وبذلك ذبح الدجاجة التى كانت تبيض له ذهبا .
  •   وبعد .. فتاريخنا المصري بعد الفتح الإسلامي حافل بأمثال تلك الوقائع التاريخية ، وغنى عن البيان أن الإسلام العظيم بما فيه من تسامح وعدالة ينكر ذلك الظلم ويتبرأ منه.
  • إن أعدى أعداء الإسلام إنما هم أولئك الذين يظلمون الناس باسم الاسلام فيتحمل الاسلام جرائمهم ورذائلهم ، فإذا هبّ مفكر مسلم غيور على دينه ليضع الأمور فى نصابها و ليبرىء الاسلام من جرائم أولئك السلفيين طاردته اتهاماتهم وأكاذيبهم .
  • إن الصحوة الإسلامية الحقيقية ليست امتطاء الاسلام للوصول للسلطة والثروة ولكنها فهم الإسلام فهما صحيحا من خلال القرآن ، وأنه بدون هذا الفهم الصحيح للإسلام فإن تلك السلفية ستكون ردة إلى عصور التخلف فى القرون الوسطى ،تلك العصور التي مارست الظلم والتطرف والتعصب باسم الدين ودين الله منها برىء ..!!
اجمالي القراءات 13135