تاريخ المسلمين بين الشرعية الالهية والشرعية السياسية :
1 ـ بايجاز شديد :العدل هو الشرعية الالهية وما ينبغى أن يكون . العدل هو جوهر الاسلام. تطبيق المسلمين للعدل كأن فى أروع مظاهره وقت نزول القرآن فقد كان الوحى القرآنى يصلح ويقوّم مسيرة النبى والمسلمين. بدأت الفجوة بعد موت النبى محمد فى عصر الخلفاء الراشدين بالفتوحات والفتنة الكبرى ، وتعاظمت بالظلم وقهر الشعوب غير العربية فى الامبراطورية الأموية الفاتحة . ثم تم صبغ هذا الظلم بصبغة دينية مزيفة بالأحاديث والتفاسير والتأويل فى العصر العباسى ، حيث أدت الفجوة بين الاسلام والمسلمين الى انشاء أنواع مختلفة من التدين أهمها السنة والتشيع والتصوف ، كل منها ينتسب للاسلام ويخالفه فى نفس الوقت . هذه الدول الأموية والعباسية والفاطمية والطولونية والاخشيدية والعثمانية .. الخ ..كلها قامت بالقهر والظلم ولكنها بالاستحقاق ومنطق القوة ـ كانت ولا تزال ـ شرعية سياسية لا بد أن نعترف بها تاريخيا ، كما اعترف بالتبعية لها ملايين البشر الذين عاشوا فى كنفها.
2 ـ على المستوى السياسى الواقعى وبعيدا عن العدل والأخلاق وما ينبغى أن يكون وبمقياس القوة وحدها ـ أى بالشرعية السياسيةأو الاستحقاق ـ فان الأقوى هو الذى فرض شروطه وأقام واقعا سياسيا . ثم تعدى الأمر الى استئجار فقهاء يقيمون له تبريرا دينيا و أخلاقيا بأحاديث وفتاوى، مالبث ان نشأ عنها نوعيات من التدين والطوائف والفرق الاسلامية.
زاد فى الأمر سوءا أن المستضعفين أيضا دخلوا فى ميدان التدين عن طريق فقهاء ينتمون للعوام أوالدعاة الثائرين والمحتجين على النظم القائمة بالقوة واستحقاق الطاعة بالقهر والعنف. أولئك الفقهاء أيضا كانت لهم آراؤهم التى حملتها أحاديث منسوبة للنبى محمد وفتاوى منسوبة لأصحابه وكبار العلماء من الصحابة والتابعين قبل عصر التدوين. تكون التراث "الاسلامى" من مزيج من كل هؤلاء الفقهاء على اختلافاتهم المذهبية والسياسية
3 ـ تاريخ المسلمين هو أبرز ملامح العصور الوسطى المشهورة بتعصبها وتزمتها.
لولا الوهابية كان يمكن أن يظل تاريخنا فى العصور الوسطى مجرد تاريخ مضى ندرسه لمجرد العلم وليس التطبيق بأثر رجعى ، وكان يمكن أن يظل تراثنا العباسى والفاطمى مجرد تراث انتهت فترة صلاحيته ولم يعد صالحا للاستهلاك الآدمى فى عصر الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة وحقوق الانسان .
كانت مصر فى مطلع القرن التاسع عشر رائدة التحديث واليقظة ، تتأهب للأخذ عن الغرب واللحاق به فى نهضته ، وكانت اليابان تتبع خطى مصر فى هذا التحول من العصور الوسطى الى العصور الحديثة. ولكن أصيبت مصر والعالم العربى والاسلامى بالوباء الوهابى.
الوهابية هى أشد أنواع ثقافة العصور الوسطى تعصبا وتزمتا وتخلفا . وتتعاظم المصيبة حين نمارس هذه الثقافة فى عصرنا الراهن باسم الاسلام ، وحين نضع أئمتها من الفقهاء القدامى والمحدثين فى موضع التقديس والتأليه، بحيث يصبح نقد أفكارهم خروجا على الاسلام.
هذا ما جنته الدولة السعودية على الاسلام والمسلمين. أرجعت ظلم العصور الوسطى من استبداد وفساد وتخلف وتعصب الى عقلية المسلمين باسم الاسلام وهى تناقض الاسلام على طول الخط ، فاكتوى بها العالم كله ـ ولا يزال.
ولكن الدولة السعودية بمنطق القوة والاستحقاق هى دولة شرعية ، وستظل دولة شرعية طالما كانت الاسرة السعودية تتحكم فى مقاليد الأمور، فاذا قامت ثورة أسقطت الحكم السعودى وتحكمت بالقوة فى مقاليد الدولة الجديدة فلا بد للعالم أن يعترف بها ، فقد استحقت الشرعية السياسية. هذا بغض النظر عما اذا كانت الدولة الجديدة ستطبق العدل أم لا.
ونعنعطى عرضا سريعا لتاريخ المسلمين بين شرعية العدل الالهى والاستحقاق القائم على القوة، أو الشرعية السياسية.
[1]في عهد النبوة :دور الوحي في توجيه حركة النبي لتطابق حركته البشرية المشروعية الالهية :
نزلت الرسالة السماوية الاخيرة قرآنا محفوظا من التحريف والتغيير في نصه ولفظه ليكون حجة علي البشر حتي قيام الساعة .وفي القرآن جانب هام يعزف المسلمون عن التدبر به لأنه يخالف نوعيات التدين السائدة عندهم ،وهو العتاب واللوم الذي كان يوجهه الله تعالي الي الانبياء خصوصا خاتم النبيين عليهم السلام ،اذ ان نوعيات التدين لدى المسلمين تؤلّه الانبياء فضلا عن غيرهم من الصحابة والائمة والاولياء. والتدبر في هذا الجانب يهز ذلك الاعتقاد عند المسلمين .
ويهمنا ان القرآن يؤكد علي بشرية الأنبياء ،ويؤكد علي ان عصمة النبي محمد تكون بالتوجيه الالهي الذي يتابع النبي بالتصحيح ،وفي ذلك يقول تعالي لخاتم النبيين ( قل ان ضللت فانما اضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحي الي ربي :سبأ50)(ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك ،و ارسلناك للناس رسولا :النساء 79 )
وتصرفات النبي محمد منها ما كان مستوجبا للعتاب واللوم ، ومنها ما كان مستوجبا للمدح والإشادة .مدحه الله تعالي ومدح المؤمنين حين بايعوا تحت الشجرة (الفتح 18)حين جاهد وجاهدوا معه بأموالهم و انفسهم (التوبة88:89:92).
وعاتبه برفق حين سمح للمنافقين بالقعود عن القتال (التوبة 43)وعاتبه بقسوة قائلا (وتخشى الناس والله احق ان تخشاه :الاحزاب 37)في موضوع زواجه من مطلقة زيد بن حارثة الذي كان يتبناه .وفي حركته في الدعوة عاتبه كثيرا بسبب حماسه الزائد الذي كان يقترب من الاكراه في الدين فيقول له ربه(ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا، افأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين :يونس 99)وأكد علي ان يترفق بنفسه فلا يحزن علي عناد قومه (الكهف 6 فاطر 8، هود 12 ، النحل127،الحجر 97 ،آل عمران 176 ،المائدة 41،الانعام 33).
وفي حركته بالدعوة عاتبه الله حين كان يتقرب من المشركين اصحاب السطوة املا في هدايتهم ،وقد يطرد المؤمنين الفقراء ليستجيب الي هؤلاء الاغنياء (عبس 1-،طه 28-،الانعام 52:54).
وفي كل هذه التصرفات التي استلزمت المدح او العتاب واللوم كان النبي محمد يناضل بجهده البشرى لتغيير الواقع الذى يتحكم فيه ـ بالاستحقاق ـ اصحاب السلطان والهوى والذين لايريدون تغيير المناخ الذي يقوم عليه تراثهم وسلطانهم . وتحول رفض المشركين القرشيين الي اضطهاد للنبى محمد والمؤمنين ثم الي هجرة ، ثم الي قيام واقع جديد تمثل في دولة للرسول تخالف المألوف في العالم سياسيا واجتماعيا ودينيا .
ملامح دولة النبي :افضل تطبيق بشري (شرعية سياسية بشريه)للرسالة السماوية (الشرعية الالهية ):
هي دولة تقوم علي الديمقراطية المباشرة أو الشورى الاسلامية القرآنية حيث يستمد الحاكم النبي سلطته من الناس ويأمره ربه ان لا يكون فظا غليظ القلب والا انفضوا عنه ،واذا انفضوا عنه فلن تكون له دولة ،لذا امره ان يعفو عنهم وان يستغفر لهم وان يشاورهم في الامر (آل عمران 159 )وهي دولة تقوم علي السلام ،والقتال فيها لرد العدوان بمثله دون اعتداء أو استيلاء علي ارض الغير بدون وجه حق (البقرة 190،194)والمشركون الخصوم طالما لا يعتدون أو يتحالفوا مع المعتدين فالواجب معاملتهم بالبر والعدل (الممتحنة 9)فاذا اعتدوا وانهزموا وجب علي المعتدي المهزوم دفع غرامة حربية هي الجزية جزاء اعتدائه (التوبة 29)وحرية العقيدة في دولة النبي متاحة بالقول والفعل بدون حد اقصي حيث ان الهداية مسئولية شخصية فمن اهتدي فلنفسه ومن ضل فعليها (الاسراء 15)وحيث يمارس المنافقون حريتهم في القول والفعل أينما شاءوا ،وينزل القرآن يحكم بكفرهم ولكن يأمر النبي والمسلمين بالاعراض عنهم(النساء 60:63)(التوبة 60:68،79:84،94:96).
وهي دولة العدل الاجتماعي الذي يقوم علي حقوق اساسية للمحتاجين،وينزل القرآن يلوم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل (النساء 36:39،محمد 3)و هي دولة ليس فيها حاكم بالمعني المألوف حتي في النظم الديمقراطية النيابية الحديثة لأنها دولة يحكمها أصحابها ،بل ان اولي الامر المشار اليهم في القرآن هم اصحاب الخبرة ، ومصطلح الحكم في القرأن لا يعني الحكم السياسي ، وانما يعني الحكم القضائي بين الناس (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل : النساء 58)ووظيفة الدولة هي اقامة العدل وتوفير الامن .
ولأنها دولة الديمقراطية المباشرة فان الخطاب فيها يتوجه الي جماعة المسلمين لا الي الحاكم ،فجماعة المسلمين هي التي تقيم الشوري (وأمرهم شوري بينهم:الشوري 38)وهي التي تحكم بالعدل (النساء 58) وهي التي تعد القوة العسكرية لا للاعتداء وانما للردع وحقن الدماء (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم :الانفال 60).
وهي دولة الديمقراطية المباشرة التي لاتعرف الحاكم الفرد او الحاكم الذي يمثل مصالح طبقية أو فئوية ،ولأنها كذلك فان النبي محمد مات دون ان يعهد بالحكم لأحد من بعده ،لأن لدى المسلمين آليات للحكم الديمقراطي المباشر ..هذا بالطبع ان التزموا بسنته الحقيقية وهى الشرع القرآنى فى السياسة والحكم ، المشار اليها فى السطور السابقة.
ولكن ذلك لم يحدث .
ومن هنا بدأت الفجوة بين اكمل شرعية بشرية سياسية ـ تقترب من العدل الأسمى للشرعية الدينية ـ وبين شرعية الخلفاء الراشدين التالية لها.
وكلما مر الزمن ازدادت الفجوة اتساعا .
في عهد الخلفاء الراشدين (11-40هـ (632-661م):
لأن الخلفاء الاربعة كانوا ـ كأشخاص ـ اقل شرا ممن جاء بعدهم من الخلفاء الأمويين والعباسيين فقد اطلق عليهم لقب الخلفاء الراشدين تمييزا لهم عن الخلفاء الاخرين (غير الراشدين )حيث الاستبداد والفساد ،وحين ظهر عمر بن عبد العزيز ظاهرة نادرة في العصر الاموي الحقوه بالراشدين مع مرور حوالي نصف قرن بينه وبينهم .
بداية الفجوة بين تاريخ النبوة وتاريخ المسلمين :
احتوى عصر الخلفاء الراشدين على البذور الجنينية لكل التطور الهائل التي اتسعت به الفجوة بين تاريخ النبوة وتاريخ المسلمين ،ويرجع ذلك الي الاعراب البدو والامويين القرشيين ،وكلا الفريقين دخل الاسلام قبيل وفاة النبي ،ولازالوا بالمسلمين حتي حولوا تاريخهم الي النمط السائدفي العصور الوسطى ، وهي عصور الاحتراف الديني والتعصب الديني والحروب الدينية .
الاعراب الذين احترفوا الاغارة علي القوافل ما لبث ان انضموا الي دولة النبي ،وهددوا القوافل القريشية في رحلتي الشتاء والصيف ،فرأى بنو امية ان مصلحتهم التي كانت تحتم عليهم محاربة المسلمين تستوجب عليهم الآن الدخول في الاسلام ،وهكذا كان فتح مكه سلميا بعد فترة الهدنة .و قبيل موت النبي حكمت قريش نفسها بنفسها وكذلك الاعراب .وكانت الزكاة تؤخذ منهم لتوزع فيهم دون قسر او اكراه .لأن تشريع الزكاة يمنع اخذ الزكاة عنوة ،بل ان الله تعالي منع النبى من اخذ الصدقات من المنافقين لأنهم كانوا يقدمونها عن غير طيب خاطر (التوبة 54)
والتغيرالجديد الذي نعم به الاعراب هو المساواة والعدل بلا تفوق للقرشيين كالذي كان ،وذلك طبقا للقاعدة القرآنية ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم :الحجرات 13).
حركة الردة :
وبمرض النبي ثم وفاته ارادت قبائل الاعراب ان تؤكد وضعها في مرحلة ما بعد النبي ،ولأنها فهمت النبوة امتيازا قرشيا فقد تحولت معارضتها السياسية الي تدين جديد ،اقترنت فيه حرب الردة السياسية بادعاء النبوة ،كان اخطرها في نجد حين ظهرت حركة مسيلمة الكذاب في وادي حنيفة (مقر الدعوة الوهابية فيمابعد)وحركة طلحة الاسدي من قبائل اسد وطئ .وليس صحيحا ان ابا بكر هو الذي حارب المرتدين بل الصحيح ان المرتدين هم الذين حاربوا ابابكر ،وهاجموا المدينة فاضطر الي حربهم[1] وادت حركة الردة الي تطورات داخلية وعالمية لاحقة داخل المسلمين وخارجهم .
اثر حركة الردة والفتوحات :
فالتهديد الذي واجهه المسلمون في حركة الردة اوقع المسلمين تحت خطر الاستئصال ،وبالتالي كانوا في وضع استثنائي يستوجب احكاما عرفية ،فكان سهلا تعيين قائد حربي ثم بيعته بالقتال مثل ما تم سابقا من مبايعة المسلمين للنبى تحت الشجرة ،وفي هذه الظروف الاستثنائية جرت بيعة السقيفة ،وفيها تكتل القرشيون وتم تهميش الانصار ،وتم نفي زعيمهم سعد بن معاذ وقتله فيما بعد[2] وتم استرضاء الامويين ليوافقوا علي بيعة ابو بكر دون علي وهو الأقرب لديهم ،وذلك بتعيين يزيد بن ابي سفيان قائدا في حروب الردة .
واستطاعت قريش اخماد حركة الردة ،و حتي لا يعود الاعراب الي الردة ثانية وحياتهم تقوم علي السلب والنهب والتقاتل فقد قامت قريش بتصدير شوكة الاعراب الحربية الي خارج الجزيرة العربية في الفتوحات حيث كان القادة من الامويين والقرشين وكان الجند من الاعراب المرتدين سابقا .واستمرت الظروف الاستثنائية الحربية، ومات ابو بكر ،فتم اختيار عمر بنفس ظروف البيعة ،و اثناء استمرار الفتوحات تم اغتيال عمر فتم اختيار عثمان بنفس البيعة .وبذلك عرف المسلمون تطورين خطيرين وهما :
الاول :تعيين حاكم مستمر طيلة العمر تحيط به دائرة مستشارين عرفوا فيما بعد بأهل الحل والعقد .
والثاني تحول الجهاد من القتال الدفاعي وفق مشروعية الاسلام الاصلية الي توسيع حربي في البلاد المجاورة ،وتخييرها –او بالاصح -ارغامها علي قبول واحد من ثلاث :الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب .وبالتالي ضاعت القاعدة الاساسية القرآنية (لا اكراه في الدين )(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين :البقرة 256/190) وبعد ان كانت البيعة تعني مبايعة القائد علي القتال دفاعا عن النفس اصبحت تعني المبايعة بالطاعة لحاكم يظل يحكم مستبدا طول العمر .
وهذا التغيير مبعثه كبار قريش واعراب نجد والجزيرة العربية .
وبعد توقف الفتوحات في عهد عثمان بدأت القلاقل بين الاعراب والامويين القرشيين المتحكمين في عثمان وخلافته .واشتعل الخلاف بين الفريقين حول ارض السواد الواقعة علي حدود نجد والعراق حيث اعتاد الاعراب الاغارة علي البلاد الزراعية السوداء علي حافة الصحراء شمال نجد .ولم يكتف نبلاء قريش (من الامويين الذين يتحكمون في الخلافة ويحكمون الشام )بما يحصلون عليه من اموال ونفوذ فطمعوا في ارض السواد الذي يعتبره الاعراب ملكا تقليديا لهم في الجاهلية ثم فتحوه بسيوفهم بعد الاسلام .
تطور النزاع وتدخل فيه عبدالله ابن سبا الذي رفع شعار التشيع لعلي ابن ابي طالب .وكعب الاحبار الذي يوالي عثمان والاموييين ،وكلاهما (عبد الله بن سبأ وكعب الاحبار )من يهود اليمن [3] وانتهي بأن حاصر الاعراب عثمان ثم قتلوه وعينوا عليا مكانه .وتطورت الحرب بين علي واصحابه القدامى (الزبير وطلحةبن عبيد الله )في موقعة الجمل ،ثم بين علي وخصومه الامويين في موقعة صفين .وادى التحكيم الي القرآن الي اختلاف بين علي وبعض الإعراب من جنده الذين قتلوا عثمان من قبل ،فخرجوا على علي.
وبهذا تحول الاعراب من مسلمين في عهد النبي الي مرتدين ثم مسلمين للمرة الثانية ،ثم الي فاتحين فى عصر أبى بكر وعمر، ثم الي ثوريين علي عثمان ،ثم الي خارجين علي عليّ بن أبى طالب . كل ذلك التقلب حدث فيما بين موت النبي (11هـ،سنة 632م )الي مقتل علي علي ايديهم (40هـ،661)أي خلال اقل من ثلاثين عاما .واصطبغت حركتهم بالعنف المرتبط بتفسير ديني ،يسري هذا علي قبولهم المتحمس للاسلام في عهد النبي ،ثم خروجهم عليه في حركة الردة تحت زعامة مدعي النبوة ،ثم انغماسهم في الفتوحات علي انها جهاد يغنمون منه النصر والشهادة والغنائم في الدنيا و الاخرة ،ثم حين ثاروا علي عثمان رفعوا لواء العدل ،وحين رفع الامويين المصاحف علي اسنة الرماح في موقعة صفين خداعا ارغموا عليا علي الموافقة علي التحكيم لكتاب الله ،ثم حين ظهر ان التحكيم خدعة خرجوا علي علي لأنه وافق علي التحكيم واتهموه بالكفر ثم قتلوه .
وخلال نفس المدة تقلب الامويون في مواقع شتي حسب مصلحتهم وسعيهم الدائم للاستحقاق أو امتلاك القوة والاحتفاظ بها ،كانوا أعداء للاسلام في مكة، ثم دخلوا فيه فكانوا قادة حربيين بما لهم من مقدرة حربية وتحالفات قديمة منذ رحلتى الشتاء والصيف مع قبائل كلب الى تسيطر على الطرق التجارية للشام ،فقادوا المسلمن في حرب الردة ثم في الفتوحات ،وبعد توطيد الفتوحات اصبحوا امراء البلاد المفتوحة، وحين تولى ابن عمهم عثمان الخلافة سيطروا عليه وانتهى الامر بأن توارثوا الملك في ذريتهم خلال{الدولة الاموية} .
في الدولة الاموية (41-132هـ661 -750م)و تطاحن الشرعيات السياسية :
أي انه بعد موت النبي (ص) بأقل من ربع قرن دخل المسلمون في نزاع مسلح تطاحنت فيه شرعيات سياسية مختلفة ،كل منها تظن انها علي الحق او تسعي الي احقاق الحق ، وتمخض عن هذا النزاع تحويل الشوري المقيدة في عصر الخلفاء الراشدين الي ملك وراثي استبدادي في الدولة الأموية ،وبالتالي ادي الي تطاحن اكثر حدة بين شرعية السلطة الأموية والشرعيات الثائرة عليها من علويين وشيعة وخوارج وابناء البلاد المفتوحة من الفرس والمصريين الاقباط والبربر ،الي القبائل العربية نفسها التي كانت تؤيد الامويين ثم انقلبت عليهم .مما ادي في النهاية الي سقوط الدولة الاموية في ريعان شبابها (سنة132هـ،750م).
وقد وصلت الدولة العربية الاسلامية الي اقصي توسع لها في الدولة الاموية ،فيما بين الهند والصين شرقا الي جنوب فرنسا غربا ،ومن اسوار القسطنطينية شمالا الي النوبة والصحراء الافريقية جنوبا ،وفي عهدها اصبح البحر المتوسط بحيرة عربية وكذلك البحر الاحمر .وكانت الدولة الاموية تفتح الدولة المجاورة بيد وتقاتل في الداخل أعداءها باليد الاخرى ،الي ان سقطت بعد ان تكالب عليها اعداؤها الناقمون عليها.
ومن الطبيعي ان الامويين كانوا يعتقدون في شرعيتهم السياسية ،ويعتبرون الثائرين عليهم عصاة ،ولذلك قتلوا بدون رحمة الحسين وآله في كربلاء ودون الحاجة الي فتوى دينيةالا قول بعضهم فيما بعد (ان الحسين قتل بشرع جده )أي انه يستحق القتل لأنه ثار علي دولة شرعية دون ان يكون كفئا للنضال ومستحقا للنجاح .
وكذلك فان الثوار علي الامويين مهما اختلفت مذاهبهم كانوا يعتقدون بشرعية خروجهم علي الدولة ،ولهم عليها اتهامات تستوجب الثورة عليها ،واهم هذه الاتهامات انهم ساروا علي خلاف النبى والخلفاء الراشدين في احتكارهم السلطة والثروة وتوارثهم لها .وقد رد علي هذه الاتهامات عبد الملك بن مروان حين خطب بالمدينة مركز المعارضة سنة75هـ فقال (اما بعد ..فلست الخليفة المستضعف –يعني عثمان – ولست الخليفة المداهن –يعني معاوية –ولا الخليفة المأفون ـ يعني يزيد ابن معاوية –الا وان من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الاموال ،الا واني أداوي أدواء هذه الامة بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم .تكلفوننا اعمال المهاجرين ولا تعملون مثل اعمالهم …والله لا يأمرني احد بتقوى الله الا ضربت عنقه) [4].
الدولة الاموية وقانون القوة :
والواضح في خطبة عبد الملك انه يحكم بشرعية القوة أو الاستحقاق ويرفض استخدام الوعظ الدينى في نقده ، ويهددالثائرين عليه من مدعى التدين بالسيف. ويري ان خصومه يطالبونه بالسيرعلي عهد النبوة حين كان المهاجرون والانصار يعيشون فى عدل، ولكن هذا العدل قد انتهى عصره بدليل ان اولئك الخصوم لايعملون عمل المهاجرين والانصار ،لأن العصر غير العصر .
والواقع ان الامويين اسرفوا في استعمال القوة الي درجة القسوة دفاعا عن شرعيتهم السياسية واحقيتهم بالحكم كما يتصورون .فلم يتورعوا عن مذابح كربلاء واقتحام المدينة وانتهاك حرمة الكعبة في خلافة يزيد ابن معاوية، كما لم يتورع ولاتهم من التطرف بقتل الابرياء لمجرد الشبهة كما كان يفعل زياد ابن ابيه والحجاج وخالد القسري .
وكانت القبائل العربية في عصر الدولة الاموية قسمين ،قسم ثائر علي الدولة يمثله الخوارج الذين أرهقوا الامويين بثوراتهم ،ومنهم الذين استحلوا دماء كل المسلمين كالمحكّمة الاولى ،الذين كانوا يهجمون علي المدن فيقولون لا حكم الا الله ،ثم يقتلون كل من يقابلهم ،وفي نفس الوقت يراعون العهد مع اهل الكتاب ،أي يقتلون المسلمين بعد اتهامهم بالكفر ثم يحافظون علي حياة اليهود والنصارى.اما القسم الثاني من القبائل فكان يخدم الدولة الاموية يفتح بأسمها الاقطار ،ويقتل في سبيلها المعارضين في الداخل. وما لبث ان ثارت القبائل اليمنية علي الامويين بسبب تعصب بعض الخلفاء للقبائل المضرية العدنانية الشمالية ،وتعاونت تلك القبائل اليمنية مع عدو اكثر شراسة يتقدم ببطء وثبات وفي خفاء ،يدعو للرضى من آل محمد ،وهذا العدو هو الذي اسقط الدولة الاموية واقام بدلا منها الدولة العباسية .
بداية التمسح الاموي بالقضاء والقدر : أي بالشرعية الالهية :
علي ان تلك القسوة المفرطة للامويين اضطرت تحت وطأة الدعاية الدينية المضادة لخصوم الدولة الي التمسح بالارادة الالهية، فزعم الامويون ان افعالهم تجرى بقدر الله ، أي ان الله شاء منذ البداية ان يقتل الحسين وآله في كربلاء ، وما فعلوه هو تنفيذ لمشيئة الله ،وان من اعترض علي ذلك فقد اعترض علي مشيئة الله .
والتمسح بالمشيئة الالهية وتبرير الظلم والشرك بزعم ان الله شاء لهم ان يشركوا ،هذا الزعم قاله الامويون في مكة اثناء اضطهادهم للمسلمين ،وذكر القرآن ذلك ورد عليهم (وقال الذين اشركوا لو شاء الله ماعبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ ،كذلك فعل الذين من قبلهم فهل علي الرسل الا البلاغ المبين :النحل 35)أي انها عادة ان يتمسح الظالمون بالمشيئة الالهية فيما يرتكبون من ظلم لله والناس .واخبر القرآن الكريم انه سيأتي فيما بعد من سيقول نفس المقولة (سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ ،كذلك كذب الذين من قبلهم :الانعام 148)وقد لا تنطبق هذه الآية علي عصرالأمويين اذ لم يكن في عهدهم عبادة لغير الله ، وان كانت الاية تشير الي انها عادة ان يتمسح الظالم بالمشيئة إلالهية ،في الماضي،او في الحاضر ،و في المستقبل .
علي ان بعض المثقفين الاحرار فى العصر الأموى رفضوا الدعوة الاموية وتبريرها الظلم التى تقع فيه بقضاء الله وقدرة وقولهم ان اعمالنا تجري بقدرة الله ولا اعتراض علي مشيئة الله . رفع اولئك المثقفون شعار (لا قدر والأمر انف )أي ليس للقدر دخل بهذا الظلم الاموي ، وانما يسير الظلم الاموي بالقوة رغم انوفنا ،وسمي اصحاب هذا المبدأ بالقدرية ،أي اصحاب مذهب الارادة الحرة ومسئولية الانسان عن عمله دون التمسح بالارادة الالهية . وقد نشط زعماء هذا المذهب الي الثورة علي الامويين ،وتعرض زعماؤهم الي تعذيب الامويين وقتلهم، ومنهم معبد الجهني الذي قتله الحجاج وغيلان الدمشقي الذي قتله الخليفة هشام بن عبد الملك [5].
بداية تحول الشرعية السياسة للتدين أو استخدام السياسة للدين في العصر الاموي :
وشهد العصر الاموي بداية تحول الخلاف السياسي المسلح الي نوعيات من التدين ،او تحول التنافس بين الشرعيات السياسية الي اختلاف في التدين بين جماعات المسلمين .
وبدأ ذلك برعاية القطبين اليهوديين اللذين أسلما وغررا بالمسلمين .هما رفيقان من اليمن قاد كل منهما معسكرا من المسلمين يواجه به المعسكر الآخر. انهما كعب الاحبار المنحاز للامويين ورفيقه عبد لله بن سبأ الذي بدأ التشيع المعادى للأمويين، وكلاهما وضع تأويلات دينية للمعسكر الذي ينتمي اليه ،وقد زعم كعب الاحبار علم الغيب وبأنه يقرأ الموجود بالتوراة التي لا يعرفها سواه ،وكان يحظى بالتصديق، واستغل علاقته بالصحابي ابي هريرة الذي كان يوالي الامويين ،وعن طريقهما نشطت الدعاية للامويين ،ووضعت احاديث في فضل معاوية وآله ،واستخدم الأمويون وظيفة القصص او من يقوم بالوعظ بعد الصلاة ويستخدم وعظه فى الدعاية للامويين ،وكان ابو هريرة الصحابى يروى عن كعب ـ الذى لم ير النبى اذ أسلم فى عهد عمر ، وكان كعب وأبوهريرة معا من اهم مصادر هذا الوعظ، ثم كان الاوزاعي في نهاية الدولة الاموية من اهم اعلام الدعاية الاموية فى جانبى القصص وتأليف الأحاديث النبوية[6].
وفي جانب المعارضة بدأت السبئية ـ اتباع عبد الله بن سبأ ـ بتأليه عليّ بن أبى طالب وزعم انه لم يقتل وانه سيرجع يوم القيامة ليملأ الارض عدلا ،ثم ظهرت الكيسانية تقول بأمامة محمد بن علي ابن ابي طالب (ابن الحنفية )وتؤله الائمة وتعمل علي طاعتهم ،والكيسانية هم الذين انشأوا الدولة العباسية فيما بعد .واسفرت دعاوي الشيعة في العصر الاموي عن شيوع فكرة المهدي المنتظر، وبداية تأسيس المذهب الشيعي الذي اكتملت ملامحه في العصر العباسي .
والخوارج او البدو الثوريون المتدينون هم اول من بدأ بمزج الدين بالثورة ،الا انهم بمجىء العصر العباسي كانوا قد استهلكتهم الثورات المتكررة علي الامويين وخلافاتهم المتكررة الداخلية . ولكن بقيت آراؤهم الدينية ، وأغلبها فى تكفير علي بن أبى طالب وتكفير المخالفين لهم في الرأي واستحلال اموالهم واولادهم ونسائهم وتكفير مرتكب الكبيرة .وبانتهاء العصر الاموي انتهي الخوارج عسكريا ،ولكن بقيت اراؤهم ونوعية التدين في العصر العباسي ، وهو عصر تحول الشرعيات السياسية المختلفة للمسلمين الي نوعيات مختلفة من التدين .
تحول الشرعيات السياسية البشرية المتصارعة الي انواع مختلفة من التدين :
لماذا لم يكتمل التدين في العصر الاموي ؟
في دولة قامت علي اسس دينية لابد ان يتحول الخلاف السياسي فيها الي خلاف في التدين ،والتدين هو الرؤية البشرية للدين و تطبيقه ،بغض النظر عن مدى صحة هذه الرؤية واقترابها او اختلافها مع صحيح الدين وحقائقه .
وشهد العصر الاموي تطرفا في الاراء الدينية الي درجة ان الشيعة السبئية بادرت بتقديس علي في حياة عليبن أبى طالب مما اضطره لأحراقهم ،كما ان الخوارج في تطرفهم في تكفير كل المسلمين المخالفين قرنوا القول بالعمل فكانوا يستحلون دماء مخالفيهم حتى من المسالمين الذين لا شأن لهم بالحرب أو السياسة .كما ان الامويين بدورهم اسرفوا في القتل بمجرد الشبهة مثلما كان يفعل الحجاج وغيره .
ومع وجود هذا التطرف بالرأي والسلوك لدى اصحاب الشرعيات السياسية الا ان ذلك التطرف لم تتح له الفرصة الكافية لكي يتحول الي تدين مكتمل الملامح ،نظرا للانهماك السياسي في الحروب والمعارك المتبادلة بين الدولة ومعارضيها، والشقاق الذي كان يصل لدرجة الحرب الداخلية في داخل اجنحة الدولة الاموية ،وفي داخل الاحزاب المعارضة،علاوة علي قصر عمر الدولة الاموية الملئ بالاحداث الداخلية والخارجية ،وعدم اكتمال الحركة العلمية الفكرية في العصر الاموي .ولذلك لم يكن هناك وقت للتأصيل الفكري أو الديني واقتصر التدين علي تغليف السلوكيات القائمة فعلا برأي ديني ،فالقتل تحول الي تكفير فاستحلال ،أي كان التدين في بساطته يعتبر وسيلة لتبرير الشرعية السياسية مثلاولم يكن الدين هدفا قائما في حد ذاته ،كما في العصر العباسي حين اكتملت طقوس التشيع و مراسيمة الدينية ، واصبح السعي السياسي لأقامة دولة شيعية نابعا من ذلك التدين الشيعي المكتمل بعقائده وجدلياته واركانه ورسومه وطوائفه .
اسباب اكتمال التحول الي انواع مختلفة للتدين في العصر العباسي :
العصر العباسي هو الذي اتاح للشرعيات السياسية ان تتحول الي انواع تدين مكتملة ،لأسباب شتى ،منها طول العصر الذي استمر خمسة قرون (749-1258م)في مقابل تسعين عاما فقط للدولة الاموية ، ومنها اختلاف طبيعة الدولتين ،فالدولة الاموية دولة عسكرية تؤمن بقانون القوة ،أما الدولة العباسية فهي دولة دينية تقوم علي قوة القانون الشرعي الذي يستخرجه لها فقهاؤها ،وتبدأ باستصدار الفتوى المناسبة ثم تطبقها في مصلحتها السياسية .
وملامح الدولة الدينية اكتملت في الدولة العباسية فقد بدأت بدعوة دينية شيعية كيسانية لأمام مهدي مستتر تحت ستار الدعوة للرضى من آل محمد ،وعززت هذه الدعوة العلنية احاديث منسوبة للنبي تبشر بالدولة القادمة وتمهد لها ،وقد عقد السيوطي في(تاريخ الخلفاء )فصلا عن الاحاديث المبشرة بخلافة بني العباس ،بعضها يتحدث عن اسماء الخلفاء العباسيين [7]ومعلوم ان النبي عليه السلام لا يعرف الغيب وممنوع ان يتكلم فيه وفقا لما اكده القرآن الكريم (الانعام 50 ،الاعراف 188،الاحقاف 9).
ومع ان ابن عباس جد الخلفاء العباسيين لم يبلغ ما سمعه من الرسول عشرين حديثا كما يقول ابن القيم الجوزية [8]الا أن الدولة العباسية الدينية زورت آلاف الأحاديث ونسبتها الي ابن عباس لترفع من شأنه ومن شأنها ،ومن هنا كان الخلفاء العباسيون يتسمون بأسماء دينية وخصوصا في العصر العباسي الثاني (راجع المعتصم بالله ،الواثق بالله ، المتوكل علي الله ،المنتصر بالله ،المستعين بالله ،المعتز بالله ، المهتدي بالله ، المعتمد على الله ،المعتضد بالله ..الخ ).ويلاحظ ان ملامح التدين للدولة العباسية كانت تزداد وتترسخ كلما تقدم بها العمر وازداد ضعفها وانحلال خلفائها ،والدليل علي ذلك الاعتقاد بأن الدولة العباسية ستستمر الي قيام الساعة ،كما قالت الاحاديث الموضوعة في التبشير بالدولة ،حتى ان هولاكو تأثر بهذه الاساطير وهو علي اهبة تدمير بغداد و قتل الخليفة المستعصم ،فعقد مجلسا حربيا لبحث هذا الامر ومدى خطورته المحتملة عليه اذا دمر الخلافة والدولة العباسية ،واخيرا تشجع هولاكو بنبوءة نصير الدين الطوسي الفلكي وهجم علي بغداد حسبا يذكر الهمداني في تاريخ المغول [9].
وأبو جعفر المنصور هو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية ،وهو القائل في خطبته (ايها الناس انما انا سلطان الله في ارضه اسوسكم بتوفيقه ورشده وخازنه علي فيئه (ماله) اقسمه بارادته واعطيه بأذنه .)[10]. أى أنه الذى أعلن مذهب الحاكمية ، أو الخليفة الذى يحكم باسم الله تعالى ويستمد سلطته من الله وليس من الناس ، ويكون مسئولا ليس أمام الناس ولكن أمام الله تعالى فقط يوم القيامة. وهو أيضا الذى قام بتطبيق " الحاكمية " فتحولت الدولة العباسية الى دولة كهنوتية سنية ، أعطت مبررا للدولة الفاطمية أن تزيد عليها فيما بعد فى الكهنوت وتأليه الخليفة الفاطمى وتقديسه على نحو ما حدث فى مصر الفاطمية.
نعود للدولة العباسية ، وقد اصطنع ابو جعفر المنصور مجموعة من الفقهاء تفتي له بما يريد ،منهم ابن ابي ليلة وابن شبرمة وابن ابي هند ،وابو حنيفة .الا ان ابا حنيفة لم يساير الخليفة في هواه ،فكان مصيره التعذيب والقتل بالسم ،ويذكر ان اهل الموصل كانوا قد ثاروا علي المنصور ثم اخمد ثورتهم ،واشترط عليهم ان ثاروا ثانية فان دماءهم حلال ،وثار اهل الموصل سنة 148هـ فاستشار ابو جعفر الفقهاء بشأنهم فقالوا :ان عفوت فانت اهل العفو وان عاقبت فبما يستحقون .ولكن ابوحنيفة قال ( انهم اباحوا لك ما لا يملكون ، ولقد اشترطت عليهم ما ليس لك حين وافقوا انهم اذا ثاروا عليك فدماؤهم حلال لأنهم لا يملكون دماءهم ، وليس لك ان تشترط عليهم سفك دمائهم ،ارأيت ان اباحت امرأة جسدها الذي لا تملكه بغير عقد نكاح فهل يجوز ذلك ؟ ) [11].!!
وفي عصر هذه الدولة الدينية اكتملت الحركة العلمية وعرفت التدوين والاتساع والتخصص .وتم نقل معارف الثقافة الشرقية والغربية وترجمتها الي اللغة العربية ،وانعكس ذلك علي التدين ،فلم تتحول الحركات السياسية (المشروعيات السياسية)فقط الي طوائف دينية ومجموعات مختلفة من التدين ،بل ان بعض الحركات الفكرية التي انتجها العصر العباسي ما لبثت ان تدخلت في السياسة واصبح لها طوائف ،مثل المعتزلة وبعض الفرق الفلسفية والكلامية .وبعض الشرعيات السياسية مثل الخوارج استهلكت قوتها العسكرية في الدولة العباسية،ولكن بقيت مبادؤها البسيطة حتي العصر العباسي فنشأت حولها فرق وتنوعت آراؤها وتعقدت ،وما لبث ان اصبح لها تدين خاص ،مثل الاباضية في الجزيرة العربية وشمال افريقيا .
اكتمال انواع التدين الاساسية للمسلمين سنة ،شيعة وتصوف :
وبغض النظر عن انواع التدين السابقة فان العصر العباسي اكتملت فيه ثلاثة انواع من التدين لاتزال سائدة حتي الان ،وهي التدين السني والتدين الشيعي والتدين الصوفي .
ومصطلح السنة يأتي في القرآن بمعي المنهاج أو الشرع ،وبمعني الشرع يأتي منسوبا لله تعالي (ما كان علي النبي من حرج فيما فرض الله له، سنة الله في الذين خلوا من قبل ،وكان امر الله قدرا مقدورا :الاحزاب 38) فهنا " سنة الله " هى " شرع الله " هى " أمر الله ". وفي العصر الاموى استعمل مصطلح السّنة في معرض الاعتراض علي السياسة الاموية واهمية ان ترجع الي ما كانت عليه سنة النبي ،أي شرعيته العادلة فى الحكم .وبها بدأ الاستعمال السياسي لكلمة السنة في خضم الصراع بين الشرعيات السياسية .
وحين نجح الشيعة الكيسانية في الدعوة للرضى من آل محمد ـ الامام المختفى غير المعلوم ـ وكان مفترضا أنه من ذرية علىّ بن أبى طالب،وكان من ادبياتهم نفس الاستعمال السياسي لمصطلح السنة .وحين ظهر ان الخليفة الموعود ليس من ذرية علي وانما من ذرية ابن عباس حدث الشقاق بين انصار العباسيين القائمين مع الخليفة العباسي و انصار المطالبين بأحقية ذرية علي بالخلافة دون العباسيين .وظلت كلمة شيعةاوالصحابه تطلق علي انصار العباسيين حتي تولي ابو جعفر المنصور الخلافة وتقاتل مع العلويين فىالحجاز والعراق فى ثورةمحمدالنفس الزكيةواخيه ابراهيم . عندها استبقي الخلفاء العباسيون لأنفسهم مصطلح السنة ،وأهملوا لقب الشيعة، فاصبح خاصا بخصوم الدولة والخارجين عليها ،و اضيفت للشيعة اوصاف اخري سياسية وعقيدية اهمها الرافضة .
اذن تقلب مفهوم السنة من الشرع كما جاء في القرآن الكريم الي معني سياسي منسوب للنبي في اطار الخطاب السياسي المعارض للأمويين ،ثم احتكرته الخلافة العباسية ليدل علي مدلولها السياسي في مقابل خصومها الشيعية ، ثم تحول مصطلح السنة في العصر العباسي ليدل علي التدين ،بعد تحول الشرعية السياسيه الي التمسح بالدين ، فأصبحت السنة تعني من ناحية العقائد والفلسفات[ المذهب الذي يمثله ألا شعري بعد ان ترك المعتزله ].وأصبحت السنة من ناحية الفقه والفروع المذاهب الاربعة المنسوبة للائمة ابي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ،هذا في عصر الاجتهاد الفقهي ،ثم في عصر الجمود اصبح مصطلح السنة في كتب الفقة يشيرالي درجة اقل من درجات الواجب ،فيقال هذا فرض واجب ،وهذا سنة .اويقال "يسنّ"بمعني يستحسن فعل ذلك ..وفي علم الحديث اكتملت للحديث السني مصادره وشيوخه ،وبدأ مختلطا بالفقه ثم انفصل عنه ..
و اكتملت للتشيع طوائفه واسفاره المقدسة و احاديثه المقدسه وعباداته وائمته ،واتيح له اكثر من هذا ان يقيم دولا ثابتة راسخة ابرزها الدولة الفاطمية التي استمرت اكثر من قرنين من الزمان وتوسعت مابين شمال أفريقيا الي مصر والشام وحدود العراق ،وكادت تقضي علي الدولة العباسية ،واستمرت فيما بين (909-1712)واقامت القاهرة والازهر ،ولازالت آثارها العمرانية باقية حتي الان . كما اتيح للتشيع ان يقيم دولا متحركة مثل حركة الزنج في جنوب العراق وحركة القرامطة التي توسعت في العراق و الشام واعمدتها من الاعراب .
وعلي هامش الصراع بين السنة والتشيع ظهر التصوف ابنا شرعيا للتشيع [12]يعمل من اجله سياسيا ، مما اوقع بروّاد التصوف الاوائل في اضطهاد الدولة العباسية السنية،الا ن التصوف ما لبث ان انفصل وتخفف من السياسة وتملق الحكام في العصر العباسي الثاني ،فتخلص التصوف تدريجيا من الاضطهاد ،ثم تسيد وسيطر ،وبعد ان كان الحنابله –المتشددون السنيون –يضطهدون الصوفية فى العصر العباسى الثانى ،اصبح الصوفية بعد انتهاء العصر العباسي ومجئ العصر المملوكي هم الذين يضطهدون الحنابلة ،كما حدث في تاريخ ابن تيمية .
وبذلك ندخل علي الشرعيات السياسية وصراع التدين الصوفي والتدين الحنبلي فيما بين العصرين العباسي والمملوكي .
الشرعيات السياسية والصراع بين التدين الحنبلي السني والتدين الصوفي :من ابن حنبل الي ابن تيمية
صراع المحافظين والمستغربين: المعتزلة والحنابلة في العصر العباسي ومحنة ابن حنبل :
الدولة العباسية كدولة دينية ذات تدين خاص اعتمدت علي فقهائها ورواة الحديث التابعين لها في تعزيز سياستها ضد الشرعيات السياسية المناوئة لها ، واذا قصّر احد الفقهاء في خدمة الدولة كان يتعرض للاضطهاد على قدر التقصير، وهذا ما حدث مع مالك وابى حنيفة والشافعى ، ثم ابن حنبل فيما بعد.
الا ان الدولة العباسية فتحت ابواب الترجمة عن اليونانية والسيريانية والهندية وواكب ذلك عودة الحياة الي المدارس الفلسفية اليونانية القديمة ،واصبح التزندق الفلسفي موضة لا غبار عليها طالما لا يعار ض سياسة الدولة ، وقد اشتهر من العاملين في اجهزة الدولة العباسية الكثير من الزنادقة ،واشتهر شعرهم وادبهم بينما طاردت الدولة خصومها السياسيين بحد الردة وتهمة الزندقة [13].
ومن الطبيعي ان ينفر الفقهاء المحافظون من هذا التيار الجديد المتأثر بالثقافة اليونانية الغربية وما يتمخض عنه من تكرار مقالات الفلسفة والدهريين ،خصوصا مع ظهور المعتزلة الذين يقرأون الفلسفة ويقرأون التدين السائد قراءة عقلية ، وبصورة تخالف القراءة المحافظة التقليدية .
وقد وقع الخليفة المأمون (813-833)في هوى ذلك التيار المعتزلىالجديد ، اذ كان شغوفا بمجالس العلم، واقتنع بمقولة المعتزلة ان القرآن مخلوق، واستعظم ان يعارضهم الفقهاء المحافظون ،وكان يتزعمهم في عهده احمد بن حنبل فصمم علي فرض رأيه علي الدولة ،وبدأت بذلك محنة ابن حنبل لإجباره علي القول بأن القرآن مخلوق .وتحت الضغط والتهديد تراجع الفقهاء عدا ابن حنبل ومحمد بن نوح فوضعا في السجن تحت العذاب ومات المأمون وقد اوصى ولي عهده المعتصم بالله بالاستمرار بالقضية ، فأمر المعتصم بتعذيب ابن حنبل سنة218،وظل ابن حنبل بالسجن الي ان افرج عنه في رمضان سنة 220هـ،واستمر اثر الضرب في جسده يتوجع منه الي ان مات سنة241 هـ[14].
محنة ابن نصر الخزاعي :
وادى ما حدث لابن حبل الي قطيعة بين الفقهاء المحافظين والعباسيين ،واستغل الفقهاءمكانتهم في الشارع ،واقد اصبح لقبهم الحنابلة ،وبدءوا في اثارة القلاقل ضد الدولة بحجة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،مما دعاالخليفة الواثق الي القبض علي زعيم الفقهاء الحنابلة ،وهو احمد بن نصر الخزاعي بحجة انه ينكر خلق القرآن ،وحقق الخليفة معه ثم قتله بيده ،وامر بصلب رأسه في موضع وصلب جسده في موضع آخر وكان ذلك سنة231[15].وفي غضون هذ الأحداث وضع الحنابلة حديث (من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وهذا اضعف الايمان )ليعطوا لانفسهم سلطة الحركة فى الشارع.
علو شأن الحنابلة في العصر العباسي منذ عهد المتوكل واضطهاد الصوفية :
في هذه الفترة كان نفوذ المعتزلة سائدا في الدولة العباسية حيث كان الوزير المعتزلي محمد ابن عبد الملك بن الزيات يسيطر علي الامور ،ويستهين بولي العهد وهو أخ الخليفة الواثق الذي تولي الخلافة فيما بعد تحت اسم الخليفة المتوكل .
وعندما تولي المتوكل سنة 232/847م بادر بقتل ابن الزيات وتحسين علاقته بالفقهاء الحنابلة ،فاستقبل ابن حنبل وكرمه وارسل الفقهاء الحنابلة للتبشير بالسنة في الولايات ،واصبح الحنابلة متحكمين في الدولة وفي الشارع علي السواء ،وتأثر بهذا عصر المتوكل فشهد تعصبا ضد أهل الكتاب وإلزاما لهم بارتداء زي معين للتحقير ،واضطهادا للشيعة والصوفية الاوائل [16].
وكان التصوف وقتها يخطو خطواته الاولي ،ولكن لاحقت الدولة العباسية اربابه بالمحاكمات ،واشهرها محاكمة سمنون الذي اعتقل فيها كل ارباب التصوف فأظهروا التقية ،الا ان الدولة العباسية قتلت الحلاج سنة309 بسبب صراحته في اعلان عقيدته والشكوك السياسية التي احاطت به ،حيث اتهم بالتشيع والعمل مع القرامطة .وكان ذلك في خلافة المقتدر العباسي (295-320)(908 - 932)[17].
وسيطر الحنابلة علي الشارع لدرجة انهم حين اختلفوا مع الطبري امام المؤرخين والمفسرين حاصروه في داره الي ان مات ،ودفن في داره ،ولم تستطع الدولة العباسية حمايته منهم ،ومن يراجع تاريخ المنتظم لابن الجوزي يجد نفوذ الحنابلة نافذا علي المستويين الرسمي والشعبي في العصر العباسي الثاني من عهد المتوكل الي القرن السادس الهجري [18]حيث عاش ابن الجوزى نفسه ليشهد تغير الاحوال واشتداد عود التصوف في مواجهة الحنابلة ،وبعد ان كان الحنابلة يضطهدون التصوف نرى ابن الجوزي يكتب (تلبيس ابليس) يهاجم الصوفية في اكثر ابوابه ويتحسر كيف اصبح فقهاء الحنابلة يدخلون مؤسسات التصوف وكيف اصطلح الذئب الحنبلي علي الغنم الصوفي [19].
انتشار التصوف منذ القرن السادس الهجري وتفريغ التدين السني من محتواه .
ويعتبر ظهور الشيخ ابو حامد الغزالي (ت505هـ) نقطة تحول اساسية في تاريخ التصوف اذ كان زعيم الفقه والصوفية معا، وقد تزعم الفقهاء في نقد الفلسفة كما استخدم زعامته للفقهاء واسلوبه الفقهي الجديد في كتابه الشهير (الاحياء)في مزج التصوف بالفقه وتضييق الانكار علي التصوف ليصبح الانكار محصورا علي اشخاص الصوفية المعاصرين مع الاحترام للتصوف ذاته .
ومع ان الغزالي واجه الاستنكار في حياته وسجل هذا في كتابه (اشكالات الاحياء )الا ان المجرى التاريخي العام كان يسير لصالح التصوف فاصبح متسيدا لتاريخ المسلمين وعقائدهم وعقولهم منذ العصر المملوكي في منتصف القرن السابع الهجري ومنتصف القرن الثالث عشر الميلادي (648هـ-1250)واخذ نفوذه يتعاظم بمرور الايام والاعوام حتي خنق الحياة العقلية بخرافاته. واستطاع التصوف بهذا النفوذ اجهاض حركة ابن تيمية الحنبلية في القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادي .
ومن العوامل التي ساعدت علي انتشار التصوف وتسيده ضعف الحكام وظلمهم وشقاقهم فيما بينهم من سلاجقة وايوبيين الي ان ورثهم المماليك الذين تفوقوا علي الجميع في الظلم والقسوة . وهذا الصنف من الحكام لا يستريح الي فقيه حنبلي يقول له افعل أو لا تفعل لأنه لا يعرف سوي العنف والسيف ويريد رجل دين ينافقه ويوافقه ،ومن هنا وجد الحكام الظالمون ضالتهم في الصوفية الذين يجيدون فن الدعاء للحاكم وتقعيد اسلوب النفاق له .
وتقرب الصوفية للعوام بكل الطرق فلم يعد التبحر في العلم طريقا للولاية و انما مجرد الادعاء بالعلم اللدني و الكرامات يفتح الابواب لكل طموح من العوام ليكون شيخا صوفيا طالما وجد من يصدقه من المريدين والاتباع ، والعوام يجدون لدي التصوف كل ما يريدون اذاصاروا للشيوخ الصوفية اتباعا ، فاصحاب الهوى في الانحلال الطبيعي والشاذ يجدون مسوغا دينيا لدي الصوفية يحل لهم ما يشاءون، وهواة الغناء والرقص يجدون مجالا لهم في الحفلات الصوفية[20] وهواة المآدب والطعام والرحلات يجدون ما يريدون خلال الموالد والنذور والسياحة الصوفية، ثم في النهاية يجد العوام طريقا بسيطا للتدين خلال ما تعوده اسلافهم وهو تجسيد الاله في قبر مقدس (ضريح )وفي شيخ مقدس حي او ميت ،ويعتقد انه يدخل الجنة من خلال علاقته المادية المباشرة بذلك الاله المادي الذي يراه ويلمسه .
اما المثقفون من الفقهاء فقد ضعف مستواهم العلمي بقدر ما زاد خضوعهم للسلطة القائمة ورأوا مصلحتهم في مسايرة الوقت .وانهمك الثوريون منهم في الانكار علي متطرفي الصوفية اصحاب الشطحات او اساءة القول المفرطة في حق الله تعالي وفي حق رسوله، كما ان التصوف اتاح للمثقفين اصحاب الاهتمام بالفلسفة لكي يقرأوا اذا شاءوا في الغاز التصوف وفلسفته الوجدانية الاشراقيه
تحول التصوف النظرى الفلسفى الي طرق صوفية شعبية تعتمد علي سلاسل من العهد عبر الشيوخ،يزعمون انها انتقلت الي الشيخ الحالي من السابقين عبر الزمن الي ان تصل الي (علي )ابن ابي طالب ثم الي النبي ثم الي جبريل ثم الي الله تعالي ، وهو نفس النسق الذي اعتمده التدين السني في توثيق الاحاديث عبر سلاسل الرواة من شيخ معاصر الي النبي او الي الله تعالي في الحديث القدسي .
وادت كثرة الطرق الصوفية وتشعبها وسهولة تكوينها الي ان انتظم في سلك التصوف الجميع بالاعتقاد او بالاسترزاق من العوام والفلاحين الي الفقهاء والامراء والسلاطين، واصبح التصوف هو التدين الواقعي المتسلط في بلاد المسلمين وحل محل التدين السني والشيعي، اذ كان هناك تصوف شيعي وتصوف سني .
وإذا كان التصوف في حقيقته ابنا للتشيع متفقا معه في الأساسيات وبعض الشكليات وتقديس الأئمة من آل البيت فانه لم يضف جديدا للتدين الشيعي، ولكنه حين ساد في عالم التدين السني فانه في الحقيقة سلب التدين السني ابرز خصائصه، واصبح مصطلح السنة مجرد شعار سياسي تتمسك به الدولة المملوكية التي تأخذ شرعيتها السياسية من وجود خليفة عباسي ضمن حاشية السلطان بعد تدمير الدولة العباسية علي يد المغول. ومن هنا يكون مصطلح السنة مجرد واجهة تواجه بها الدولة المملوكية اعداءها الشيعة ، بالاضافة الى انهم جعلوا السنة خاصة بالعبادات أو" الشريعة " مقابل " الحقيقة " أى العقائد الصوفية من الحلول والاتحاد ووحدة الوجود . هذه الحقيقة الصوفية أو العقائد الصوفية تناقض عقيدة الاسلام اذ تجعل الكون بأسره جزءا من الله تعالى أو هو عين الله تعالى،أو لا وجود لله تعالى خارج هذا العالم المادى ، أو أن الفارق بين الله تعالى وبين العالم المادىـ من بشر وحجر ومادة وطاقة ـ كالفارق بين البحر وأمواجه .وبالطبع فان عقائد السنة التي فهمها ائمة الفقه السني من مالك وابي حنيفة تخالف عقائد التصوف ، بل ان ائمة الفقه السني الذين شهدوا بدايات التصوف انكروا عليه مثل الشافعي وابن حنبل ، واكثر من هذا حارب الحنابلة اللاحقون التصوف في ما بين القرن الثالث الي الخامس من الهجرة .
ظهور مصطلح التصوف السني ومعناه :
اذا فمع التناقض بين التدين السنى والصوفي الا ان تسيد التصوف حول مصطلح السنة الي مجرد شعار سياسي كما كان في العصر الاموي،والى شعار فقهى ( الشريعة ) وتحت شعار السّنة مارس العصر المملوكي تدينا صوفيا مخالفا للتدين السني ،وظلت الامور تسري علي هذا المنوال دون احساس بالتناقض حتي ظهر ابن تيمية واكتشف الفجوة بين التدين السني واحوال الصوفية في عصره وقرن الدعوة بالعمل فاضطهده عصره .
اضطهاد ابن تيمية في العصر المملوكي :
وبدأت محاكمة ابن تيمية حين احتج علي كتاب الفصوص لابن عربي الذي يصرح بعقيدة الصوفية في وحدة الوجود أو انه لا فارق بين الله والكون ،وكان ذلك في شهر رجب 705هـ في الشام ، وكان الشام تابعا للسلطنة المملوكية ،وكان السلطان الفعلي وقتها بيبرس الجاشنكير الذي اغتصب الحكم من السلطان الشرعي محمد بن قلاوون ،وكان ابن تيمية باعتباره اكبر فقهاء عصره يؤيد حق الملك الشرعي ومن هنا كان الجاشنكير غاضبا عليه فأيد الصوفية في اضطهاده .
ثم عقدت لأبن تيمية محاكمة اخرى في مصر حيث اعتقلوه في جب القلعة وارادوا الحكم بقتله ،وانصبت محاكمته حول امور فقهية لأن خصومه منعوه من مناقشة عقائد ابن عربي خوف الفضيحة، ومع ذلك ارادوا الحكم بقتل ابن تيمية في تلك الخلافات الفقهية اليسيرة . واثناء اعتقاله في السجن حاولوا الحصول علي اعترافه بعقائدهم ويعرضون عليه الصلح والافراج ولكنه رفض ، وفي النهاية افرجوا عنه ونفوه الي الاسكندرية علي امل ان يقتله اعداؤه فيها ، الا انه صار له اتباع في الاسكندرية ، ثم اطلق بيبرس الجاشنكير سراحه . واستمرت المناوشات بينه وبين الصوفية حتي انهم عادوا لمحاكمته وسلطوا عليه سفهاءهم فضربوه والحوا علي السلطان في سجنه فسجنه.
واسقطت ثورة شعبية مصرية السلطان الجاشنكير و قد تخلى الصوفية والجند عن الجاشنكير فهرب وجئ بالسلطان الشرعي محمد بن قلاوون صديق ابن تيمية، وكان وقتها ابن تيمية معتقلا . وأعدالصوفية العدة لإستقبال السلطان الناصر محمد الذي سبق وان تخلوا عنه من قبل ليستعيدوا مكانتهم عنده وليكفروا عن تخليهم عنه من قبل.
وصحيح ان السلطان الناصر محمد بن قلاوون افرج عن ابن تيمية واتباعه واكرمه وجعل ابن تيمية مستشارا له ، الا ان السلطان الجديد استجاب لدسائس شيوخ الصوفية ، وكانت لديه هواجسه من شخصية ابن تيمية وكثرة اتباعه وشدته فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،فصدق الاشاعات الصوفية عن الطموح السياسى لابن تيمية. وكان الناصر محمد بن قلاوون قد تعلم الكثير من عزله مرتين من السلطة ، ويريد الاحتفاظ بسلطنته الثالثة مستبدا بدون أى نقد لذا انحاز الي الصوفية مضحيا بصديقه القديم ابن تيمية ، فاقام للصوفية اكبر خانقاه وهي خانقاه سرياقوس وافتتحها في حفل جامع سنة 725هـ ، وفي السنة التالية امر باعتقال صديقه القديم ابن تيمية بسبب فتوي سابقة له عن تحريم زيارة القبور.
وحمل الاعتقال الاخير لابن تيمية كل الحقد الصوفي عليه ،اذ كان يفرح بالسجن حيث يتفرغ للعبادة والتأليف ، الا ان خصومة الصوفية في سجنه الاخير منعوه من الكتابة، مما اثر تأثيرا سيئا علي نفسيته فمات بعد عامين من السجن سنة 728هـ 1327م .[21]
اثر الاضطهاد في حدة ابن تيمية في الافتاء بالقتل والتكفير :
وانعكس هذا الاضطهاد علي فكر ابن تيمية فكان اكثر حدة في التكفير لخصومه واكثر جرأة في الافتاء بقتلهم . و بنظرة سريعة الي فتاوى ابن تيميه نراه يوزع القتل علي كل من يخالفه في الرأي حتي خارج الصوفية ، فصاحب البدعة يقتل ، وما اسهل ان ترمي كل فرقة الاخرى بأنها صاحبة بدعة ،واذا عرفنا تنوع التدين لدي المسلمين ادركنا ان هذه الفتوى اذا ما تم تطبيقها لكانت قتلا للجميع بنفس الاتهام ،ويفتي ابن تيمية ايضا بقتل المسلم الذي يجهر بالنية في الصلاة حتي لو كان يعتقد ان جهره بالنية يأمره به الله تعالي ،ويفتي بقتل المسلم الذي لا يلتزم بآداء الصلاة في وقتها او يؤخر صلاة الفجر الي بعد طلوع الشمس او يؤخر صلاة الظهر والعصر الي بعد غروب الشمس ، ويفتي بقتل المسلم الذي يحضر المسجد ولا يشارك في صلاة الجماعة ، وفي كل ذلك يشترط ابن تيمية استتابة المتهم فان تاب والا قتل. الاخطر من ذلك كله انه يفتي بقتل أي مسلم بدعوى انه منافق يبطن الكفر ويظهر الاسلام ،أى يعطى الحجة لأي فرد لكي يقتل من يشاء من المسلمين بتهمة انه منافق ودون استتابة ،يقول ابن تيمية (اما قتل من اظهر الاسلام وابطل الكفر فهو المنافق الذي يسميه الفقهاء بالزنديق فأكثر الفقهاء علي انه يقتل وان تاب )[22].
الوهابية بين الشرعية السياسية والشرعية الدينية:
الشرعيات السياسية وصراع التدين الصوفي والتدين الحنبلي من ابن تيميه لابن عبد الوهاب:
الفقيه البقاعي بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب :
اجهض الصوفية حركة الفقيه البقاعي سنة 875هـ في سلطنة قايتباي المملوكي أي بعد موت ابن تيمية بنحو قرن ونصف القرن،و قد ترسم البقاعي طريق ابن تيمية في الانكار علي المتطرفين الصرحاء من شيوخ التصوف ، فقد هاجم ابن عربي وابن الفارض وله في ذلك كتابان (تنبيه الغبي الي تكفير ابن عربي )(تحذير العباد من اهل العناد القائلين بالاتحاد )وقد اذاع انتقاده وتكفيره للشيخين المقدسين ابن عربي وابن الفارض اللذين ماتا قبل البقاعي بنحو قرنين ونصف القرن .فاضطهد الصوفية الشيخ البقاعي الي ان جعلوه يغادر مصر الي سورية. ولحقت كراهيتهم بمؤلفاته وتاريخه (تاريخ البقاعي )فلا تزال في معظمها اسيرة النسيان المتعمد والسرقة والتحريف مع انه سبق عصره في اجتهاد مبتكر في علم التفسير [23].
التصوف في العصر العثماني:
واضحي المسلمون في العصر العثماني اكثر تخلفا ،يجتهد ارباب التصوف مثل الشيخ عبد الوهاب الشعراني في نشر الخرافة واكاذيب الكرامات في جرأة يسمح بها عصره ،ويكتب في ذلك مؤلفات ضخمة مثل(لطائف المنن الكبري) وهو مجلد ضخم ملئ بالحديث عن مناقبه وكراماته وخرافاته .. وفي مؤلفاته الكثيرة يضع قواعد النفاق للحاكم والتسليم للشيوخ ، وقد ادرك الشعراني العصر المملوكي وفتح العثمانيين لمصر .. وظل نفوذه الفكري سائدا حتي الي عهد قريب بين الصوفية واتباعهم ،الا ان نفوذه الادبي اصيب في مقتل بظهور الدعوة الوهابية التي جددت فكر ابن تيمية واعادت الصراع الصوفى الحنبلي بعد طول انتظار.
في عصر ابن تيمية كان صراع الشرعيات السياسية البشرية قد اكتمل تحوله الي انواع متصارعة بين التدين وشارك ابن تيمية نفسه في قتال الشيعة والتتار للمسلمين ،وهذا التدين المختلف كرّس الاكراه في الدين والتكفير واستحلال قتل الاخر المسالم لمجرد ان تدينه مخالف للتدين السائد، وكان ابن تيمية نفسه ضحية لهذا المناخ بل انه عكس هذ المناخ في فتاويه الدموية .
ثم اصبح التصوف بعد ابن تيمية اكثر سيطرة واكثر رهبة للمنكرين عليه.
وهذا يغري بلمحة مقارنة بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب تلميذه المتأخر الذى ظهر بعده بأربعة قرون .
مقارنة بين الشيخين ابن تيمية وابن عبد الوهاب :في التسليم بالتصوف واستحلال قتل الصوفية:
نلاحظ ان كليهما مع ثورته الحادة علي صوفية عصره الا انه يسلم لأولياء التصوف ويعتقد في ولايتهم وكراماتهم وشفاعاتهم ، يقول ابن تيمية (ان الصوفية مجتهدون في طاعة الله) ويقول عن الجنيد احد ائمة التصوف السابقين (فإن الجنيد قدس الله روحه كان من ائمة الهدى ..)غاية ما هناك ان ابن تيمية يري ان طوائف من اهل البدع قد انتسبوا للتصوف وليسوا منهم كالحلاج ويعتقد ابن تيمية في كرامات الاولياء حتي فيمن يعتبرهم من أولياء الشيطان .
وابن عبد الوهاب يري ان قوله تعالي(الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )ينطبق علي الاولياء الصوفية المقدسين في عصره ويري ان الواجب حبهم واتباعهم والاقرار بكراماتهم (ولا يجحد كرامات الاولياء الا اهل البدع والضلال ) الا انه يستنكر عبادتهم والاشراك بهم ،ويري ان الاولياء يشفعون يوم القيامة ، الا انه يمنع طلب الشفاعة من الاولياء مباشرة لأن ذلك شرك ولكن نطلب من الله سبحانه وتعالي لكى يأذن للأولياء بالشفاعة[24]. أى يجعل الله تعالى واسطة بين الناس والأولياء اذ يرى ابن عبد الوهاب انه يجب أن ندعو الله تعالى لكى يجعل الأولياء يتشفعون بنا، أى يكون الله تعالى وسيلتنا لشفاعة الأولياء، وفى هذا تفضيل للأولياء الصوفية على الله تعالى لم يقله الجاهليون الذين كانوا يعبدون الأولياء لتقربهم الى الله زلفى ، فجاء ابن عبد الوهاب يعكس الوضع .ومن الحمق ما قتل.!!
وكابن تيميه الذي افتي بقتل معارضيه علي أي خلاف فقهي واحيانا بدون استتابة ،وحتي لو تاب نري ابن عبد الوهاب يري قتال المشركين أي الصوفية وعوام الناس المعتقدين فيهم حتي ولو كانوا مسالمين لا يعتدون علي احد ، المهم انهم طالما اشركوا بالله بعبادة الاضرحة فهم كفار مستحقون للقتل، وهناك عبارة تتكرر في مؤلفات ابن عبد الوهاب تؤكد دائما علي( ان المشركين الذين قاتلهم رسول الله ..)وقد اجتهد في ايراد الادلة علي ان مشركي عصره اكثر كفرا من مشركي عصر النبوة ويؤكد ان النبي قاتل أولئك المشركين لمجرد انهم مشركون فاستحقوا القتل.
ومع ان منهج ابن عبد الوهاب الفكري يقوم علي قاعدة اكد عليها وهي (ان كلام الله لا يتناقض ،وكلام النبي –ص-لا يخالف كلام الله عز وجل) الا ان التراث الفكري الذي وصل اليه (عبر صراع الشرعيات السياسية وتحولها الي انواع متصارعة من التدين )كان هو الذي يحتل بؤرة، تفكيره خصوصا وانه كان يستشهد بأقوال الأئمة وعمل الصحابة [25].أي يستشهد بالشرعيات السياسية والتدين السني ووجهات نظره ، وقد وصل ذلك الي عقل ابن عبد الوهاب عبر تراكم استمر قرونا فاعتبره دينا حقيقيا.
تأثر ابن عبد الوهاب بالتراكم الفكري الذي تحول الي تدين :
خرج ابن تيمية علي مألوف عصره ،وكما قال عنه خصمه بن الزملكاني ان ابن تيمية (اجتمعت فيه شروط الاجتهاد علي وجهها )وقال عنه ابن الوردي (أعان أعداءه علي نفسه بدخوله في مسائل كبار لا يحتملها عقول ابناء زماننا ولا علومهم )[26].
ومع ذلك فان ابن تيمية قاسي ما قاسي لانه اعترض ليس علي التصوف واوليائه الكبار ولا علي كراماته ولكنه أعترض علي بعض المشهورين بالتطرف في الكفر بين الصوفية ،فلم يغفر له عصره ذلك مع انه اكبر واشهر فقيه في وقته .
كل ما هنالك ان ابن تيمية اعاد تقديم التطرف الحنبلي في التكفير واستحلال دماء الخصم في فتاويه ليرد بالتدين الحنبلي علي التصوف أي انه واجه التراكم الصوفي باسترجاع التراكم الفقهي الحنبلي .وظل رد الفعل هذا لابن تيمية مجرد سطور من الفتاوي داخل كتبه لا تجد من ينفذها او يدعو اليها ،الي ان جاء ابن عبد الوهاب بعده بأربعة قرون.
وفي عصر ابن عبد الوهاب كان التصوف قد خنق الحركة العلمية والعقلية ،وكان التراكم الصوفى وتاثيره اضعاف ما كان عليه في عصر ابن تيمية ،وليس هناك مجال للمقارنة بين ابن تيمية ومدرسته الفكرية وبين الرسائل القليلة والصغيرة لتلميذه المتأخر ابن عبد الوهاب الذى كان يعيش فى نجد أكثر المناطق تخلفا وتوحشا . ومن هنا ردد ابن عبد الوهاب نفس كلام ابن تيمية دون تجديد ؛ سواء في التسليم للتصوف وكراماته وشفاعاته واوليائه الكبار ،وفي نفس الوقت فى تكفير الخصوم واستحلال دمائهم وتكفير الصوفية المعاصرين لهما .
الا ان ميزة ابن عبد الوهاب اتاحت له المزيد من الحركة بالتحالف مع أمير طموح هو ابن سعود فى الدرعية ، فتحولت آراء ابن تيمية وابن عبد الوهاب الي واقع سياسي ،أو شرعية سياسية. كانت هذه الآراء مجرد سطور فى كتب ابن تيمية ومن سبقه من فقهاء (التدين الحنبلي ) فأحياها التحالف بين الشيخ ابن عبد الوهاب والأمير ابن سعود، وتم تطبيقها بقولهما : الدم الدم .. الهدم الهدم . وبالدم والهدم أدخلت الدولة السعودية الوهابية فى شرعية سياسية أحيت أشد تراث العصور الوسطى تزمتا وتعصبا ودموية.،ودخل المسلمون بهذا التراث للعصر الحديث والعصر الراهن .
ان كلا من الشيخين ابن تيمية وابن عبد الوهاب نتاج طبيعي لعصره ،وقد ورث عصرهما انواعا من التدين كانت لها شرعية بشرية تقوم على الاستحقاق القائم على القوة ،وبموجبها يستحل الخصم قتل الخصم متهما اياه بالكفر .والقوي منهما هو الذي يفرض شروطه ،واستطاع الصوفية ان يفرضوا شروطهم علي ابن تيمية وهو استاذ عصره فانزوي في السجن يكتب فتاوية الملتهبة .بينما استطاع ابن عبد الوهاب بقوة ابن سعود أن يفرض شروطه علي خصومه لأنه عقد تحالفا مع قوة عسكرية طموحة اقتنعت بآرائه وعزمت علي ان تفتح بها بلاد المشركين أي خصومهم المسلمين .
المصادر والمراجع :
1-تاريخ ابن كثير ط.بيروت 6/311:312 نقلا عن كتاب حد الردة د.احمد صبحي منصور صـ59 ط.القاهرة 1993.
2-ابن سعد ت (222)هـ الطبقات الكبري .القاهرة 3/145.(دارالتحرير1968)0
3-تاريخ الطبري :ط4.ابو جعفر محمد بن جرير(224-310هـ)تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم
القاهرة 4/317-،330-،283،326،340-349،493-،500-191-،202،255،284.
4-تاريخ الخلفاء . السيوطي(جلال الدين السيوطى) ط القاهرة 347:348تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم
5-عبد الجبار المعتزلي :طبقات المعتزلة 334،330،333 نقلا عن :حرية الرأي بين الاسلام والمسلمين :د.احمد صبحي منصور :بحث في نشرات المنظمة المصرية لحقوق الانسان :حرية الرأي والعقيدة :79:80.
6-حرية الرأي –المرجع السابق 81:83.
7-تاريخ الخلفاء للسيوطي30:37 .
8- الوابل الصيب من الكلم الطيب77القاهرة1952ابن القيم الجوزيه ت 751هـ .
9-الهمداني :جوامع التاريخ جـ280:278ترجمة صادق نشات واخرون القاهرة1960
10-تاريخ الخلفاء للسيوطي 420:421.
11-ابن البرازى :مناقب ابن الحنفية 2/17،تاريخ الكامل لابن الاثير 5/217.نقلا عن حد الردة 71:72.
12- هناك بحث رائع للدكتور مصطفي كامل الشيبي ،بعنوان (الصلة بين التصوف والتشيع .كان رسالته في الدكتوراه وقد اوفي الموضوع حقه ،وهو منشور ،دار المعارف، القاهرة .
13-د.احمد صبحي منصور :الحسبة بين القرآن والتراث :القاهرة :دار المحروسة :صـ13.
14-ابن الجوزي عبدالرحمن بن على :مناقب ابن حنبل 339،346بيروت ط1،تحقيق محمد ومصطفى عبدالقادرعطا
المنتظم 11/43 ،تاريخ الطبري 8/631:645.
15-ابن الجوزي : المنتظم 11163:165،تاريخ الطبري 9/135:140.
16-تاريخ الطبري 9/161،ابن الجوزي: المنتظم11/206،283،222،238،265،270.
17-المنتظم13/201.
18/المنتظم14_46،،75،84،109،118،109،126،140،150،155،356،363،15/14،32،37،85،82،91،120،125،128،97،167،197،204،213،219،222-مجرد امثلة وعن موقفهم من الطبري
:الوافي بالوفيات 2/284.صلاح الدين بن خليل بن ايبك الصفدى:طـ2تحقيق س0ديدرنغ1981طـ0المانيا
19-تلبيس ابليس :164،166،167.القاهرة0بدون تاريخ
20-المرجع السابق :155،156،164،169،215،253،256،268،338،352.
21- ابن ايبك الداودار:سيرة الملك الناصر 133:138،143،154،146،150:151القاهرة1960.
،المقريزي احمد بن على،السلوك تحقيق د مصطفى الزيات دارالكتب المصرية2/1/185،215،
تاريخ ابن كثير 14/46:50،53:60،،123:124،ابن حجراحمد بن على :الدرر الكامنة 1/166،
القاهرة1966تحقيق محمد جادالحق ،ابو المحاسن جمال الدين ت874:النجوم الزاهرة 9/83تحقيق فهيم شلتوت القاهرة (1938_1972) ،تكسير الاحجار .
مخطوط بدار الكتب 404مجاميع تيمورية .
22-ابن تيمية مجموعة فتاوي بن تيميةجـ1،359،366،جـ250،52طـ السعودية28555،35110ورسالةالحسبة :7،10،48،50،53،طـ 0القاهرة
23-تاريخ البقاعي :مخطوط بدار الكتب مجلد رقم 5631تاريخ ورقات رقم 8،9،54،56،134،135،تاريخ ابن الصيرفي على بن داود :ت900هـ:انباء الهصر تحقيق حسن حبشى 186،190،256:257،508:509،
القاهرة 1970 تاريخ ابن اياس :بدائع الذهور 2/119،120،121.ط01311هـالقاهرة
24-ابن عبد الوهاب كشف الشبهات 8،،10،38.ابن تيمية :رسالة الصوفيه والفقراء16،الفرقان بين اولياءالرحمن واولياء الشيطان
99،100،141ط0صبيح القاهرة الرحمن واولياءالشيطان
25-كشف الشبهات 6،3،4،6،10،11،12،14،15.
26-تاريخ ابن الوردي : زين الدين عمر2/288:289.ط مكة 1930