مبارك مع الاقامة وعلى زين العابدين والأمويين

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢١ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

1 ـ فى البداية فاننا نقصد الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، ونقصد الامام على زين العابدين ابن الحسين بن على بن أبى طالب ، المتوفى عام 94 هجرية ، وهو الذى نجا من مذبحة كربلاء . أى لا صلة بالعنوان بزين العابدين بن على التونسى . أما مصطلح الاقامة ، فليس إقامة الصلاة ، بل هو مصطلح ساد فى العصر الأموى عن نوعية من التعذيب استحدثها الأمويون ، تطورت فيما بعد الى عقوبة ( التجريس ) . والفرق بين الاقامة والتجريس أن الاقامة هى توقيف الشخص المراد تعذيبه فى السوق مقيدا ، والإذن للناس بضربave;ه و سبّه وشتمه وتحقيره . أما التجريس ـ  الذى ظل معروفا حتى العصر العثمانى ـ  فكان يعنى تسيير المذنب فى الشوارع وهو يركب حمارا فى الأغلب ، وبصورة مهينة ، و يسبقه المشاعلى ،أى المنادى الذى يحمل المشاعل ـ لو كان الوقت ليلا ، وينادى المشاعلى وأعوانه  : هذا جزاء من يفعل كذا ، وقد يكون المذنب مصلوبا لا يزال يتنفس أو مقطوع اليد أو مجدوع الأنف .. ويجتمع الناس ( للفرجة ) ، ويحتشد آخرون يسيرون خلف موكب التجريس .

ونعود لتفصيلات العنوان.

 

2 ـ و نبدأ بالامام على زين العابدين .

شهد وهو فتى عليل مقتل أبيه ومعظم أهل بيته فى كربلاء ، ولولا شجاعة عمته السيدة زينب بنت على لقتله جيش يزيد . عاش حياته فى المدينة ساكنا متدينا محتملا أذى الأمويين ، يسمع على المنبر لعن جده على بن أبى طالب ، وقد جعل الأمويون لعن على أحد مشاعر خطبة الجمعة وصلاة الجمعة ، وكان الغلاة من ولاة الأمويين يتقربون الى الخليفة الأموى بالاستطالة على آل البيت وينالون من على زين العابدين فيسكت ويصبر . فى أحد المرات ضاق به الحال فارتفع صوته بالشكوى . يروى ابن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمة على زين العابدين أن أحدهم دخل عليه فقال له : ( كيف أصبحت أصلحك الله ؟ فقال : ما كنت أرى شيخا من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا .! فأما إذ لم تدر أو تعلم فسأخبرك : أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأصبح شيخنا وسيدنا ( أى على بن أبى طالب ) يتقرب إلى عدونا بشتمه أو سبه على المنابر ، وأصبحت قريش تعد أن لها الفضل على العرب لأن محمدا صلى الله عليه وسلم منها ، لا يعد لها فضل إلا به ، وأصبحت العرب مقرة لهم بذلك ، وأصبحت العرب تعد أن لها الفضل على العجم لأن محمدا صلى الله عليه وسلم منها ، لا يعد لها فضل إلا به ، وأصبحت العجم مقرة لهم بذلك . فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمدا صلى الله عليه وسلم منهم فإن لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمدا صلى الله عليه وسلم منا . فأصبحوا يأخذون بحقنا ولا يعرفون لنا حقا ، فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا .!! ).

 

3 ـ ومن المواقف الانسانية الدرامية النبيلة فى حياته تلك القصة ، ومنها نفهم معنى التوقيف فى العصر الأموى .

إشتهر والى المدينة (هشام بن إسماعيل ) بالمبالغة فى إيذاء على زين العابدين وأهله تقربا للآمويين . فقيل عنه : ( كان يؤذي علي بن حسين وأهل بيته يخطب بذلك على المنبر وينال من علي رحمه الله ) فلما مات عبد الملك بن مروان وتولى إبنه الوليد بن عبد الملك  غضب على ذلك الوالى فعزله ، تقول الرواية : (وأمر به أن يوقف للناس ) أى عاقبه بتوقيفه للناس يفعلون به ما يشاءون بعد أن كان واليا يأمر وينهى. ويحكى هشام بن اسماعيل مشاعره وهو فى محنته يتوقع أن يثأر منه آل البيت وزعيمهم على زين العابدين ، خصوصا وعلى زين العابدين مطاع فى المدينة وقد قاسى الكثير من هشام وقت عتوّه وظلمه : ( فكان يقول لا والله ما كان أحد من الناس أهم إلي من علي ابن حسين ، كنت أقول رجل صالح يسمع قوله ) أى يستجيب له الناس ويسمعون . وكانت المفاجأة ، إذ جمع علي ابن حسين ولده وأتباعه ونهاهم عن التعرض لهشام ، وهو موقوف للضرب والتحقير . وبسبب هذا الموقف من على زين العابدين نجا هشام من كثير من الأذى ، ظل موقوفا مقيدا دون ان يتعرض للأذى بفضل على زين العابدين . وحدث أن كان على زين العابدين سائرا مارا لحاجة له فرآه هشام فناداه قائلا باكيا : ( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ).!!

ويروى عبد الله ولد على زين العابدين : ( لما عزل هشام بن إسماعيل ..فإذا أبي قد جمعنا فقال إن هذا الرجل قد عزل وقد أمر بوقفه للناس فلا يتعرضن له أحد منكم .  فقلت : يا أبت ولم والله ؟ إن أثره عندنا لسيء وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم .! قال :  يا بني نكله إلى الله. فوالله ما عرض له أحد من آل حسين بحرف حتى تصرم أمره  )

الآن عرفنا عقوبة التوقيف .

4 ـ فما هى صلة المخلوع حسنى مبارك بالتوقيف ؟

القصاص هو شرع الله جل وعلا . وهو أيضا شريعة القانون الوضعى الطبيعى .

وحسنى مبارك ليس فوق القانون ، هو نفس بشرية مثل بقية الأنفس البشرية . والعدل يقتضى معاقبته بما ارتكب من جرائم قتل وتعذيب وسرقة . ومع أنه نفس بشرية واحدة فهو مسئول عن قتل وتعذيب وقهر وإذلال ونهب ملايين الأنفس البشرية المصرية . والعدل حرفيا يقول النفس بالنفس ، أى يستحق مبارك ومعه زوجته وولداه جمال وعلاء القتل ملايين المرات . وهذا مستحيل لأن الانسان له حياة واحدة فى هذه الدنيا . أى إن تحقيق العدل بحذافيره مستحيل . أكثر من هذا فإنه فى حالة مبارك يكون قتله قصاصا راحة له ، فهو فى أرذل العمر مصاب بالسرطان والمتبقى من عمره قليل حتى لو كان فى قصر العروبة .

العقاب المناسب له هو ( التوقيف )  ليس على الطريقة الأموية ولكن على الطريقة المصرية. أى يوضع مع زوجته وإبنية فى سجن زجاجى فى ميدان التحرير ، بحيث يتمكن الناس من رؤيته فقط  دون ان تمتد اليهم الأيدى بالأذى . ويكون هذا العرض اليومى لعدة ساعات  فقط . مع استمراره طيلة حياة كل واحد منهم . وممكن تقليل ساعات العرض وممكن إعطاؤهم أجازات للراحة كلما أفصحوا عن أموالهم المهربة.

هذا أفضل من الاعدام ،وأفضل من السجن والأشغال الشاقة مدى الحياة . بل هو الأفضل لهم  من حيث أنه عقاب يعطيهم فرصة القيام بعمل نافع فيما تبقى لهم من عمر ،إذ سيكونون مثلا وعبرة لأى مستبد قائم ولأى رئيس تراوده نفسه الأمّارة بالسوء ان يستبد . وهناك فوائد اقتصادية على هامش الموضوع ، إذ سيصبح ميدان التحرير مزارا سياحيا للمصريين والعرب و الغرب ، وسينشأ مولد جديد ليس سنويا ولكن يوميا هو مولد سيدو حسنى مبارك يحج اليه الناس من كل فج عميق ، وتتكاثر العملة الصعبة والسهلة  لتعوض بعض ما نهبه الشيخ الغير مبارك ، حسنى مبارك . 

اجمالي القراءات 16785