أصول التربية
أفكار تسري في عقول ثوار مصر

محمد عبدالرحمن محمد في الجمعة ١٨ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 الأخوة الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله .

ما زلنا مع الفيلسوف والمصلح السياسي جون لوك في إلقاء الضوء على فلسفته ورؤيته العقلية والعلمية والتي كانت من أسباب النهضة الأوروبية الحديثة  هو وأقرانه وتلامذته من بعده كما ذكرت من قبل في المقالات السابقة..

ولو تأملنا ما حدث في مصر من ثورة شباب التحمت بها باقي جموع الشعب المصري فإننا نرى أن أعمار هؤلاء الشباب كان معظمهم يتأرجح فوق وتحت الثلا&Eumاثين ، هى فترة حكم مبارك ونظامه الفاسد المستبد الذي أفسد التعليم والتربية الحقيقة داخل المدارس والجامعات والبيوتات المصرية .. عن عمد

فعن عمد أفسد مبارك التعلم وأفسد معه التربية حتى ينشأ جيل خاوي من المعرفة ومفتقر الى التربية السليمة كما تٌعرفها أسس التربية الحديثة والعلمية وكما ينص عليها الدين القويم في القرآن الكريم ، كان ذلك الإفساد بطرق شيطانية متعمدة مع سبق إصرار وترصد ، من تدني أجور ومرتبات المدرسين والمعلمين وخبراء التعليم . إصيبوا جميعا بالاحباط والمهانة وتدني الأخلاقيات ومُثُل وقيم القائمين على العملية التعليمية ، اضمحل التعليم الحقيقي المتميز داخل فصول المدارس في جميع أنحاء مصر ، لجأ المدرسون الى تحسين أحوالهم المالية عن طريق الدروس الخصوصية فيما عرف بمافايا الدروس الخصوصية ، وأصبح هدف الأسر المصرية  حصول تلاميذهم على أعلى الدرجات دون الجوهر الحقيقي للتعليم وهو الفهم وتكوين ملكة الابداع عند أبنائهم واحترف مدرسي الدروس الخصوصية الطرق المبتكرة لحصد أعلى الدرجات دون بناء عقل التلميذ وكذلك الطالب الجامعي علميا وعقليا ومهاريا ..!!

الجميع يبحث عن الدرجات فقط ودخول الكليات وكليات القمة !

 ويتخرج  ملايين الطلاب وهم  يحملون الشهادات ولا يحملون مهارت علمية وعملية لمواجهة متطلبات سوق العمل . ولايوجد تنمية بالبلد وتزداد معدلات البطالة والبطالة المقنعة ( العمل بمرتب زهيد في غير مجال التخصص) .

 وهكذا وجد الشباب المصري الذي ولد في أوائل عصر مبارك وحيدا غريباً في بلده يحمل شهادة جامعية ولا يحمل رؤية مستقبلية  ولا يحمل مهارات سوق العمل الدولية والمحلية ..

 أباء الشباب وامهاتهم مشغلون بعدد كبير من ساعات العمل الاضافية كل يوم لسد احتياجات الأفواه والأجسام من مأكل وملبس  وجهاز كمبيوتر أو لاب توب لآبناء الآسرة كي يقضوا وقت فراغهم الطويل الثقيل الممتد عبر الأيام والشهور ..

ونظام مبارك يعلم كل ذلك من معاناة الأسر وأبناء الأسر من الفقر والبطالة والعوز .. وهم لايحركون ساكنا الا من بعض التصريحات الرنانة التي فقدت رنينها من كثرة استعمالها من الانحياز الى محدودي الدخل والفقراء  وكل يوم يزداد الغلاء ..!

 انفتح هذا الشباب على الانترنت والشبكة العنكبوتية وعوض ما فاته من نقص التعلم في الجامعات والمدارس العليا والمعاهد .. وتواصل مع بعضه البعص وبحثوا مشاكلهم وآمالهم وآلامهم   في هذه الشبكة العنكبوتية وتكِّون هذا النسيج الفكري يشبه نسيج العنكبوت في رقته ودقته ، ولكنه اقوى من أي نسيج نسجه آبائهم وأساتذهم في المدارس والجامعات .!

وكانت الثورة المصرية العصرية السلمية . هكذا فعلتها تونس وأسرعت مصرعززت ما فعله شباب تونس الحرة ..

 رحم الله تعالى الشاب الشهيد (البوعزيزي) وأثاب الله وزير دفاع تونس النبيل الفارس الحق والعسكري المخلص لأبناء وطنه .. رفض أوامر زين العابين بإطلاق نيران جيش تونس على التونسيين .. هذان الرجلان هما شعلة الثورات العربية العصرية المعاصرة.

 وهكذا يكون مثال العسكرية الوطنية الشريفة  الفارس النبيل ( رشيد) فقد  وهبه الله تعالى الرشد . والنبل.  

ولمعالجة كوارث نظام الطاغية البائد مبارك في التعليم والتربية الحديثة لابد لنا من أن نتطلع على فكر وفلاسفة وخبراء التربية في العالم وخصوصا في عصر النهضة الأوروبية  أمثال جون لوك وجان جاك روسو وليف تولستوي .. وغيرهم ..

  لوطالعنا آراء (لوك) عن التربية في كتابه آراء في التربية (Some Thought Concerning Education) الذي نشره عام 1963  وكان يهدف من ورائه إلى الدفاع أيضا عن حرية الفرد، ولكن من الناحية الفكرية  فطالب فيه باستقلال التعلم عن الكنيسة فكان لوك مسيحياً محبا للمسيحية ولكنه  كان متمرداً على الكنيسة ورجال الدين ، بل طالب لوك باستقلال  التعليم عن الحكومة!!!

لذا يشترط لوك ان يكون التعليم خاصا في المنازل بدلا من المدارس للتخلص من سيطرة الحكومات على عقول الشعوب والأمم ، ويقترح لوك في كتابه هذا بعض الأفكار القيمة التي أخذها عنه روسو وألبسها ثوبا جديدا وأخرجها في كتابه (إميل  (Emile  مثل الاهتمام بالناحية العملية أكثر من الناحية النظرية ، ويمكن تلخيص أهم أفكار لوك التربوية فيما يلي :

1 – أراد لوك أن يغير من الطريقة الروتينية القديمة  التي كانت تحتم على التلاميذ قراءة وكتابة الشعر والنثر بمجموعة من الدرسات المتعلقة بالحياة مثل الجغرافيا والفلك والتشريح بجانب بعض التاريخ  وهو بهذ كمفكر وفيلسوف مصلح يتسق مع جاء بالقرآن الكريم من الدعوة للأخذ يالأسباب العلمية العملية في الحياة فعن الفلك يقول القرآن الكريم {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }غافر57   ويقول تعالى ايضا  {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40

 ويقول تعالى عن السعي في الأرض ومعرفة خواصها وأجوائها واحوالها  وهو أمر لكل البشر {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20  إذن هناك اتساق بين فكر الفلاسفة المصلحون مهما كانت انتمائهم العقائدي وبين ما جاء بالقرآن الكريم وهذا أمر جدير بالذكر

وعن تعلم التاريخ  أو بعض منه الذي نصح به لوك في التربية الحديثة  جاء الأمر الإلهي لكل البشر بمعرفة أحوال الأمم السابقة للعظة والاعتبار والتعلم والهداية يقول تعالى ( تلك من ابناء الغيب ..) وقوله  {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }يوسف3.

فمن أسباب زوال الغفلة معرفة القصص القرآني ( أي التاريخ ) . لأنه بمثل هذه العلوم يجب أن تكون اساس معرفتنا ، لا للأفكار المجردة الموجودة في المنطق والميتافيزيقا.

2 – كان لوك يرغب في تزويد التلاميذ بنتائج العلوم الطبيعية التي كانت تشري الى التقدم الملحوظ في العلوم الطبيعية في القرن السابع عشر.

3 – وكان يرى غرس الفضائل الاجتماعية في نفوس التلاميذ  بجانب العلوم التي يدرسونها، وهو بهذا يؤكد أهمية العنصر الأخلاقي شأنه شأن العصر العقلي في التربية السليمة. إذ أن الرجل المثقف في نظره يجب أن يكون نبيلا على مستوى عال، يمكنه من السيطرة على دوافعه وإنكار ذاته في سبيل الخير، والتضحية بالرغبات القريبة في سبيل الأهداف والغايات الصعبة، كما يجب ان يكون مثابراً، هادئا، شجاعاً، متزوداً بالعادات الحسنة.

4 – وكان يرى ضرورة الاهتمام بتربية الأجسام وقوتها، إذ ليست التربية مقصورة في نظره على تربية العقول بقدر ما هى ترمي كذلك إلى تربية الأجسام ، وخاصة عن طريق الحركات الجسمية والدراسات العملية والألعاب الرياضية التي تساعد الطفل على تحمل الصعاب والمثابرة على العمل.

5 – كان يرى البعد عن تخويف الطفل أثناء تريته  ، إذ أنه لن يتعلم الطاعة وشبح العصا أما عينيه ، والبعد كذلك عن القسوة الزائدة التي تهدد عقل الطفل وتحطم روحه ، وكان لوك يعتقد أن طريقة التربية الصحيحة بضرب الأمثلة من ذكر القواعد والأحكام وهو هنا ايضا يتسق مع منهج القرآن  في طريقة تعليم المؤمنين به يقول تعالى  {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }الزمر27.

6 – وكان لا يرى جدوى من دراسة التلاميذ للغتين اللاتيتنية واليونانية.  وخصوصا اللاتينية ، حقيقة إنها تعتبر شيئاً ذات فائدة بالنسبة لأبناء السادة gentlemen الذين قد يسمح لهم وضعهم الاجتماعي بفرص الاستفادة منها ، إلا أنها ستكون عديمة القيمة بالنسبة لابن التاجر أو التلميذ العادي الذي لن تتيح له الحياة بعد ذلك فرصة استخدام هذه اللغات أو الافادة من معرفتها ، ولذا فدراستها في هذه الحالة ستكون بمثابة ضياع لقوت التلميذ في تعلم أشياء لن يستخدمها في حياته بعد ذلك.

والواقع أن أفكار لوك التربوية على النحو السالف الذكر ، تعتبر بمثابة إعداد للتلميذ أو الفرد لمواجهة الحياة ، وهذا ليس أكثر مما تهدف إليه التربية الحديثة الآن بإعداد الفرد لمواجهة الحياة بحيث يكون هذا الإعداد شاملاً للشخصية الانسانية من كافة  نواحيها: عقلية وخلقية وجسمية  والبعد عن حشو ذهن التلميذ بالحقائق الجافة والمعلومات الميتة.

والواقع أن أي علم من العلوم لن تكون له أي فائدة بالنسبة للإنسان إلا إذا كان مرتبطاً بحياته ، وثيق الصلة بها ، وهذه الفائدة لن تحقق الا إذا كان لتلك العلوم جوانب تطبيقية عملية ، وعلى ذلك فالخبرة هى أساس التربية ، وهذا ما ذهب إليه لوك.

وقد ذكر لوك أنه يجب الملائمة بين طريقة التدريس في المدارس وبين شخصية الطفل نفسه ، فيجب ألا تكون جافة نظرية ، بل مرنة مناسبة له ، ولدرجة نموه وحيث أن الطفل يميل إلى اللعب فيجب أن يتحول العمل  في مدارس الأطفال إلى لعب ، حتى يتناسب مع روح الطفل، وهذا ما تنادي به التربية الحديثة مثل طريقة "فروبل" وهداياه العشرة.

وحين ذكر لوك ضرورة الاهتمام بالألعاب الرياضية والتربية الجسمية ، إنما كان ينادي بما تهتم به التربية الحديثة الآن ، إذ أن الألعاب الرياضية تعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى تكامل الشخصية الإنسانية. فالرياضة تقوي الجسم وتُقوِّي في الطفل بعض القيم الخلقية والاجتماعية كالتعاون والغيرية والصبر، وحب الجماعة ، وتُقوِي من أواصر العلاقات الاجتماعية بين الفرد والجماعة وخاصة عن طريق النشاط الجماعي.     

اجمالي القراءات 14263