( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٨ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

1 ـ الآية الكريمة بأكملها تقول :(اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا  ) ( فاطر 43 ).

الآية الكريمة كانت تنطبق على تآمر مشركى مكة ، ولكن تعطى حكما عاما يسرى فوق الزمان والمكان بأن (سنّة الله ) جل وعلا العملية فى التعامل مع المعتدين الظالمين هى أن مكرهم ال&Oace;سىء لا بد أن يحيق بهم ، وتلك السّنّة الالهية لا يمكن أن تتبدل أو أن تتحوّل أو تتغير .

طبعا هناك (سنّة ) تشريعية مفروض تطبيقها وهى أوامر الله جل وعلا ونواهيه ، وخاتم النبيين ( عليهم جميعا السلام ) هو أول من يقوم بطاعتها وتطبيقها ، يقول جل وعلا : (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا )(الأحزاب 38 ). فالسّنّة هنا بمعنى شرع الله ،أو (أمر الله ) أو ( فرض الله ) كما هو واضح فى الآية الكريمة، وبالتالى فليست هناك سنّة فى التشريع إلا القرآن الكريم . هذا لمجرد التذكير فقط .

2 ـ ونعود لموضوعنا (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ )، لنرى كيف ينطبق هذا الحكم الالهى على مستكبرى مصر وظالميها فى عصر مبارك من عام 1981 وحتى الآن .

2 ـ فى أوائل التسعينيات كانت تنشر لى صحيفة الأخبار مقالات فى صفحة ( الرأى للشعب ) بفضل إلحاح الاستاذ عبد الوارث الدسوقى أحد أهم نبلاء الصحافة المصرية فى أواخر القرن الماضى . نشرت سلسلة من المقالات بعنوان :(دعوة للخروج من الوادى الضيق)وبعد ثلاث منها رفضوا نشر المقال الرابع ، فتوقفت عن كتابة المزيد من السلسلة ، وأحسسن أننى لمست عصبا حساسا لدى المستكبرين الظالمين . وصدق حسّى بعدها .

ثانيا :

وأعيد نشر المقال الرابع المرفوض ، ليعرف القارىء لماذا رفضوا نشره: (دعوة للخروج من الوادى الضيق): (4) مستقبل مصر فى الساحل الشمالى الغربى ) :

1ـ معى فكرة بمليار جنيه أهديها لمصر , الساحل الشمالى من الأسكندرية للسلوم هو امل اليوم وجنة المستقبل وطوق النجاة . والفكرة بسيطة : حفر آبار للرى على طول الساحل وزراعة الساحل الشمالى بالبرسيم الحجازى وتحويله إلى مراعٍ متخصصة للماشية بكل أنواعها ..

2ـ كان الساحلالشمالى معموراً بالبشر والزراعة وكان مشهوراً فى التاريخ القديم والوسيط بالحدائق التى تصاحب المسافر من الأسكندرية إلى ما بعد الحدود المصرية الغربية. ولا تزال الاكتشافات تثبت لنا كيف كان العمران ممتداً على الساحل . وذلك النشاط البشرى القديم اعتمد على وجود الأمطار والآبار. وقد نشرت الأخبار تحقيقاً صحفياً عن انشاء السدود المائية التى تحول سيول الأمطار إلى الداخل بدلاً من أن تصب فى البحر المتوسط . ولم يعد هناك جدل حول وجود الخزان المائى الجوفى ، ويبقى أن نستفيد منه فى حفر آبار تمتد بطول الساحل وزراعته بالبرسيم الحجازى للحيوان، والبرسيم الحجازى يبقى فى الأرض عدة سنوات بما يعطى الفرصة لتحويل الساحل إلى مزارع شاسعة ويخفف العبء عن الوادى الضيق وامكاناته المتآكلة فى تقديم الغذاء للإنسان والحيوان . ان الوادى لم يعد يتحمل ان يعطى غذاء للإنسان والحيوان . والإختيار صعب بين زراعة القمح والبرسيم , وكلاهما مطلوب ، واستزراع الساحل الشمالى بالبرسيم الحجازى يوفر دورة زراعية كاملة فى عموم الوادى لزراعة القمح الذى أصبح سلاحاً استراتيجياً فى عالم اليوم . ثم ان استمرار زراعة البرسيم الحجازى يحول تربة الساحل إلى منطقة زراعية خصبة بما تحمله جذوره من أزوت ثم بما يتخلف عن الحيوان من روث وسماد طبيعى .

3ـ ان هذه الفكرة معناها أن يتحول الساحل إلى أكبر منطقة فى العالم الثالث لإنتاج اللحوم الألبان .وفى بعض الدول المتقدمة تمتد أنابيب اللبن من المزارع إلى بيوت المستهلكين رأساً، كالماء والغاز والكهرباء . وليس ببعيد أن يأتى الوقت الذى يتوافر فيه لكل طفل مصر كوب لبن طازج من ساحلنا الشمالى ..

4ـ ان امكانات الساحل الشمالى تعطى أيضاً فرصة للزراعة المتخصصة فى المحاصيل الزراعية الصحراوية وشبه الصحراوية مع قيام شركات ضخمة للتصنيع الزراعى.ويبقى السؤال كيف نحول ذلك الحلم إلى حقيقة ؟؟  

5ـ تنفيذ الفكرة بسيط أيضاً .. السيولة المالية متوافرة فى القروض التى لم تستخدم بعد ، وفى رأس المال الوطنى والعربى إذا أوجدت الحكومة المناخ المناسب . واليد العاملة متوافرة فى ملايين العاطلين من شباب الجامعات والمدارس المتوسطة. والسوق الداخلية على استعداد لإلتهام الإنتاج بأكمله . ثم بعد الاكتفاء الذاتى فالبحر المتوسط أفضل وسيلة للتصدير خصوصاً إذا اكتمل تحقيق الحلم بتطوير مينائـَىْ مطروح والسلوم وإنشاء موانى جديدة فى الساحل الشمالى.

6ـ وبدلاً من تضييع الوقت فى مناقشات بيزنطية ومعارك حزبية تعالوا نشغل وقتنا بتوفير القوت للملايين من اطفالنا الجوعى .

بدلاً من أن يقوم بعضهم بإضاعة أموال المسلمين فى مضاربات وخلق احتكارات ألهبت الأسعار لماذا لا يلجأ "المال الإسلامى" إلى خلق مجتمعات جديدة يكون عمادها ذلك الشباب المتدين الساخط لأنه ـ أساساً ـ لا يجد عملاً ولا أملاً ؟ ..

إن المنظمات المسيحية فى أمريكا كانت فى طليعة الرواد الذين اقتحموا مجاهل الغرب ومدوا حدود أمريكا من المحيط الأطلنطى إلى المحيط الهادى،فأين منظماتنا الدينية من القضاء على مشكلة الفقر العدو الأول لنا ؟  أليس إطعام طفل جائع أفضل عند الله من إقامة مساجد لا يكتمل عدد المصلين فيها أكثر من صفين أوثلاث فى يوم الجمعة ؟

إن التيار الإسلامى فى مصر يملك من الأرصدة المالية ما يكفى لإستزراع الساحل الشمالى، ولدية من السواعد الشابة القوية التى تستطيع أن تحول الصحراء إلى جنات ، ثم لديه الدافع للهجرة النافعة ، ولديه الأوامر القرآنية الصريحة (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) (العنكبوت : 56 )( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا )(النساء : 97 ).

والساحل الشمالى فرصة للتيار الإسلامى لإستعادة الثقة به بعد مافعله الريان وغيره ، ثم هى الفرصة الحقيقية لتجسيد شعار " الإسلام هو الحل "

7ـ لماذا لا يكون استزراع الساحل الشمالى قضية قومية نخوضها الآن قبل الغد ؟ أين آراء المتخصصين فى الزراعة والإقتصاد والجغرافيا ؟.لماذا لا يقوم حزب جديد يتخصص فى الدعوة للخروج من هذا الوادى الضيق وأزماته الخانقة ؟ .. أفيقوا أيها الناس .. )إنتهى المقال .

وتم تعمير الساحل الشمالى ، ليس للفقراء ولكن للمترفين . ومن عجب أن تزدحم القاهرة بالعشوائيات على اطرافها وفى جنباتها فى المقطم و الدويقة ومنشية ناصر وتعانى من انقطاع المياه وعجز المرافق بينما تتوفر المياه والكهرباء وكل المرافق للمجتمعات الجديدة فى الساحل الشمالى و البحر الأحمر وحواف الصحراء لتغذى قصورا فارهة للمترفين الظالمين .كل منهم يمتلك قصرا وأكثر ، ولا يملك الوقت للعيش فيه ، بينما يتكدس ملايين المصريين  فى المقابر و شقق ضيقة ومساكن آيلة للسقوط ، ويعجز الشباب الجامعى عن الحصول على مسكن ملائم وعمل مناسب .

ثالثا :

1 ـ حمل مبارك مصر طفلة على كتفه ودار بها يتسول من دول العالم ، بحيث أصبحت مصر فى عهده حالة فريدة فى تلقى المساعدات من أمريكا وكندا والاتحاد الأوربى واليابان والصين ودول الخليج ما ظهر منها وما بطن . وحصيلة التسول التهمها مبارك وابناؤه وزوجته ، وترك لنا العار . ليس هو من يستشعر العار ، فأخلاقه سمحت له أن يسرق عرق الفقراء ليزيدهم جوعا ولتمتلىء خزائنه بالبلايين . نحن الذين عشنا العار ثلاثين عاما ، ومعه الذل والقهر والفقر وتعذيب أمن الدولة وأقسام البوليس. وأورث مبارك لجنده وبوليسه عقيدة إحتقار المصريين ، وأنهم (اسياد المصريين )، وترسبت فى نفوس ضباط البوليس هذه العقيدة ، وتجذرت مع عسكرة البوليس واعتباره الشعب المصرى عدوا و ( جبهة داخلية ) بعد أن تم الصلح مع اسرائيل.

2 ـ خلال ربع قرن مضت كنت أنتظر صابرا أن يتحقق للمصريين الصابرين قوله جل وعلا : ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ). وقد بدأ تحقيق الحلم .

3 ـ حصيلة ما نهبه مبارك وأعوانه تبلغ حسب المنشور فى الصحف( 2 تريليون و 200 مليار جنيه )، أغلبها فروق أسعار أراضى و قصور. أى أنها تنقسم الى أموال سائلة فى البنوك وفى شركات ومؤسسات معظمها فى الخارج ، وقصور وقرى سياحية ومنتجعات أغلبها فى الداخل ، ومنها تعمير ساحل البحر الأحمر وسيناء: شرم الشيخ ،وأخيرا الساحل الشمالى . بعبارة أخرى نجح مبارك فى تهريب معظم ثروته السائلة الى أوربا وأمريكا ، وعندما أحس بالخطر يزلزل عرشه أسرع بنقل أمواله لتكون تحت رعاية حكام السعودية والامارات . تلك الأرصدة سيعود بعضها أو كلها إن عاجلا أو آجلا .ولكن المهم أنهم تركوا خلفهم جنات وقصورا . كانوا يتصورون أنهم سينعمون بها الى الأبد ، فتركوها . وهم بين هارب أو سجين ،أو ينتظر هذا أو ذاك . أى مكروا ونهبوا آلاف الأفدنة أقاموها قصورا ومنتجعات وقرى ومدنا سياحية من أموال الشعب . والآن حاق بهم مكرهم السىء ، فتلك قصورهم خاوية على عروشها ، ومصيرها الى الشعب ، بالضبط كما  وصف رب العزة فى القرآن الكريم ما تركه فرعون موسى بعد غرقه : (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ  )( الدخان 25 : 28 ).

أخيرا

1 ـ نتمنى أن تقوم السلطات المصرية بمصادرة كل تلك القصور والقرى و المدن السياحية ، وخصوصا قصور مبارك ، وأن تعرض للبيع للمستثمرين فى مزاد علنى بأعلى الأسعار ، وأن توجه عوائد البيع لاستصلاح وزراعة الساحل الشمالى بأكمله ليسكنه الفقراء، مع توفير السيولة اللازمة لاقامة مشروع الدكتور فاروق الباز ( ممر التنمية ) الذى ينشىء واديا جديدا يصل بين بحيرة ناصر والساحل الشمالى مارا بالواحات وتوشكى .

2 ـ أى نعود للتذكير بما نادينا به من عشرين عاما : (دعوة للخروج من الوادى الضيق). 

اجمالي القراءات 21027