علم الله جل وعلا بالغيب وما سيحدث فى المستقبل لا يعنى التدخل فى حرية البشر لأن العلم صفة تختلف عن صفة القدرة ، ومثال ذلك قول بعض العلماء عن إحاطة علم الله جل وعلا بنا وعدم تدخل هذا العلم فى حريتنا :( مثل علم الله فينا كمثل السماء الى تظلنا والأرض التى تقلنا ، فكما لا نستطيع الخروج عن أقطار السماوات والأرض لا نستطيع الخروج عن علم الله ، وكما لا تحملنا السماء والأرض على فعل الذنوب و فعل الخيرات فكذلك علم الله )
ابو لهب اختار بمحض ارادته ان يظل كافرا الى النهاية ، ولم يكن يأبه بما يقول القرآن الكريم عنه . وكل إنسان فيه هذه الملامح ، بمعنى أنك لو وهبت عمرك كله فى اتجاه واحد وبلغت الستين فمن الصعب ان تغير رأيك واتجاهك بعد الستين ، وربما جاءت اشارة لذلك فى موضوع ( لكل نفس بشرية جسدان ) فى حلقة عن توبة حسنى مبارك ، واستحالة هذه التوبة . والواقع الآن يؤكد ما قلته من قبل ، فقد تم خلعه من الحكم وطرده ولكن وهو فى ارذل العمر يرفض ارجاع ما سرقه من بلايين الشعب المصرى ، ويرفض الاعتراف بجرائمه .كان ممكنا أن يثبت خطأ ما قلته ويعلن توبته وندمه و يرجع الحقوق لأصحابها متطوعا دون إكراه أو تأخير أو مساومة طالبا عفو الشعب وغفرانه ، ولكنه سار فى الطريق الذى اختطه لنفسه وسيظل فيه الى النهاية ، ولن يرجع الحقوق إلا بالاكراه والضغط والاضطرار.
هنا أيضا أتذكر فيما يخص علم الله جل وعلا بنا قوله جل وعلا :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ )( الأنفال 22 : 23 )، أى فالذى اختار وصمم على ان يكون معاندا للحق لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل لا يتدخل رب العزة لهدايته لأنه جل وعلا يعلم أن لا خير فيه ، وبالتالى يظل على ضلاله الى الموت .
وأحوال الناس فى عصرنا ـ وفى كل عصر ـ تؤكد صدق القرآن الكريم . هل رأيت حاكما مستبدا تاب فى أواخر عمره واستجاب لرغبة شعبه الثائر عليه ؟ انظر الى اليمن و ليبيا وحتى فى سوريا وحاكمها الشاب ؟ بل انظر الى أئمة الأديان الأرضية من سنة وشيعة وصوفيه ، هل يمكن لأحدهم أن يتوب ويرجع الى الحق ويعلن أنه كان على ضلال وأنه يعود الى الحق فى القرآن و أنه يعلن هذا للناس حتى يبرىء نفسه ويقلع عن الأضاليل التى كان يرددها عشرات السنين من قبل ؟
طبعا لا يمكن .
كلهم أخى العزيز ـ أبو لهب ـ مع اختلاف الزمان و المكان . وهذا جانب من عظمة القرآن يتجلى فى كل عصر لأن أبالهب هو رمز لكل من يصمم على الباطل الى النهاية ، وهو مثال لكل من ينطبق عليه قوله جلوعلا ( مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ )