يتردد هذا السؤال : (هل من يموت قتيلا فى المظاهرات السياسية السلمية يكون شهيدا ؟)
ونحن نجيب عليه
أولا :
1 ـ خلافا للشائع فالشهيد يوم القيامة هو الذى يأتى شهيدا على قومه ، شهادة خصومة ، يشهد عليهم أنه دعاهم الى الحق فأعرضوا عنه وآذوه و اضطهدوه . والشهداء بهذا المعنى يكونون أنبياء ورسلا ويكونون أيضا من دعاة الحق السائرين على طريق الأنبياء ورسل الله جل وعلا .
2 ـ عن الشهداء الأنبياء يقول جل وعلا عما سيقول;وله عيسى عليه السلام يوم القيامة فى شهادته على من زعم تأليه عيسى بعد موته (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)( المائدة 116 : 117 ). هنا الشهادة محددة بوجود الشاهد حيا على من يشهد عليهم ، أو بالتعبير القرآنى لعيسى عليه السلام (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) .
2ـ ويقول سبحانه وتعالى عن الشهداء عموما مخاطبا خاتم النبيين عليهم السلام (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا )( النساء 41 ). الملاحظ هنا: أن هناك شهداء على كل مجتمع (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ )، وتكرر هذا فى قوله جل وعلا : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) ( النحل 84 ) . ويلاحظ أيضا أن شهادة النبى محمد هى خاصة بمن عاصرهم فى حياته فقط ، أو بالتعبير القرآنى (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا ). وستكون شهادة النبى محمد على قومه خاصة بالاكتفاء بالقرآن ، أى القرآن وكفى ، فى رد ضمنى مسبق على من افترى على الله ورسوله كذبا تحت اسم الحديث والسنة: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)( النحل 89 ).
3 ـ ونفس الشهادة ستكون يوم القيامة على كل مؤسسى الأديان الأرضية ، ممن يفترون على الله جل وعلا كذبا ويكذّبون بآياته،فالمتمسكون بالقرآن وكفى سيكونون شهودا على رجال الدين الأرضى من كل نوع وفى كل زمان ومكان ، يقول جل وعلا عنهم وموقف الأشهاد منهم يوم القيامة :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ) ( هود 18 : 22)
4 ـ ويقول جل وعلا عن البدء بحساب الأنبياء والشهداء يوم القيامة ( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ( الزمر 69 )
5 ـ ومن الطبيعى أن يتعرض اولئك الشهداء للقتل ، فيكون قتلا فى سبيل الله جل وعلا . وقد ذكر القرآن الكريم أن بعض بنى اسرائيل كانوا يقتلون الأنبياء و الذين يأمرون بالقسط من الناس (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( آل عمران 21 ) .
الذى يقتل فى سبيل الله جل وعلا قد يكون من أولئك الشهداء وقد لا يكون ، لأن من الشهداء على أقوامهم من الدعاة للحق ومن الأنبياء من يموت على فراشه موتا عاديا ، وبالتالى لا يكون من الذين يموتون قتلا فى سبيل الله .
ثانيا :
ونتوقف مع من يقتل فى سبيل الله ، وهو أساس السؤال . ونقول :
1 ـ إن الله جل وعلا يعوّضه عن حياته الدنيا التى فقدها فى سبيل الله جل وعلا بحياة برزخية فى جنة برزخية ، وفيها يتمتعون برزق الله جل وعلا و يكونون على علم بما يحدث فى عالمنا ويتمنون ان يلحق بهم رفاقهم ليروا النعيم البرزخى الذى يتمتعون فيه،ولذلك ينهى رب العزة جل وعلا عن أن يقال عنهم موتى:(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) ( البقرة 154 ) (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ( آل عمران 169 : 171)
ومن ضمن أولئك القتلى فى سبيل الله ذلك الرجل الداعية الذى جاء من أقصى المدينة يسعى يدعو قومه الى الاستجابة للحق الذى يقول به ثلاثة من الأنبياء أرسلهم الله جل وعلا لتلك القرية (أو المجتمع ) . ونفهم أن القرية قتلت ذلك الرجل فقيل له ادخل الجنة ، فكان ولا يزال من المنعمين فى الجنة وتمنى ان يعرف قومه ما آل اليه مصيره ، وبعد قتله انتقم الله جل وعلا من اولئك القوم : (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)( يس 20 : 29 ).
جدير بالذكر أن الله جل وعلا أخبر خاتم النبيين مقدما ـ حين كان حيّا يرزق ـ إنه سيموت موتا عاديل أى لن يموت قتلا : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) ( الزمر 30 )
2 ـ ليس كل من يموت قتلا يكون فى سبيل الله . الأحاديث الضالة تتوسع فتجعل الغريق والميت من الحب والغرام ضمن من تسميهم بالشهداء. بل تجعل ضمن القتلى فى سبيل الله أولئك القتلى فى الفتوحات التى قام بها العرب فى عصر الخلفاء الراشدين وغير الراشدين. أولئك قاتلوا ليس فى سبيل الله بل فى سبيل الدنيا والتوسع والسلب والنهب . أكثر من ذلك هم أعداء الله جل وعلا لأنهم تلاعبوا بالشرع الالهى وجعلوا حربهم الدنيوية جهادا فى سبيل الله . بينما هم يتناقضون مع شرع الله جل وعلا الذى يحصر القتال فى رد الاعتداء فقط : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) ( البقرة 190 ). ثم فى النهاية يتم احتلال وضم بلاد ودول الى حكم وتحكم خليفة مستبد ظالم يزعم ويعتقد أنه يملك الأرض ومن عليها ،بل يزعم أنه مفوّض من الله لحكم الناس . هذا كله عداء لله جل وعلا ، وحرب لله جل وعلا ورسوله . وبالتالى فلا يمكن أن يكون القتيل فى تلك المعارك ضمن القتلى فى سبيل الله جل وعلا .
ومعروف أن نفس الخليفة أو السلطان الذى يزعم الجهاد ويستولى على بلاد بالقوة ويحكمها بالقهر ـ يحكم المسلمين أيضا بالقهر والظلم ، بل لأن هدفه الدنيا ـ وليس الاخرة وطاعة رب العزة ـ فإنه لا يتورع عن حرب الحكام المسلمين أيضا ، وعن حرب الثائرين عليه . ولذلك ارتبطت الحروب الخارجية ـ بزعم الفتوحات ـ بحروب داخلية وحروب أهلية ، منذ الفتنة الكبرى بعد الفتوحات الأولى فى عهد الخلفاء ( الراشدين ) ثم كان الأمويون يحاربون الثائرين عليهم من آل البيت و الشيعة والخوارج والموالى والزبيريين ، ويحاربون فى الخارج أيضا ضد الروم و الأوربيين وممالك الشرق الآسيوى . ونفس الحال مع العباسيين . ولا يمكن أن يقال عن القتلى هنا فى سبيل الله .
3 ـ تحديد مفهوم ( فى سبيل الله ) فى موضوع القتل نأخذه من القرآن الكريم . وهو باختصار من يقتل ( بضم الياء ) فى سبيل الدفاع عن نفسه وأهله ضد الظلم ، ومن يقتل ( بضم الياء ) فى سبيل الدعوة للقسط أو لارساء القسط .
ولنتدبر قوله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( آل عمران 21 ) . فالذين يتعرضون للقتل لأنهم يأمرون بالقسط هم على منهج الأنبياء . ومنهج الأنبياء وارسالات السماوية هو أن يقوم الناس بالقسط . ومن يلق حتفه بسبب إقامة القسط يكون ذلك فى سبيل الله جل وعلا.
4 ـ إن الله جل وعلا أرسل كل الأنبياء وأنزل كل الرسالات السماوية ليقوم الناس بالقسط ، أى إن العدل هو فرض الاهى يجب على الناس الجهاد لإقامته بينهم بالسلم أو بالقتال ، أى إن تحكّم الظلم وأضاع القسط فإن الله جل وعلا انزل شيئا آخر من السماء هو الحديد ذو البأس الشديد ، وهو رمز السلاح والقتال . وبالقتال بالحديد يكون الجهاد ونصرة العدل والقسط ،أى نصرة الرسالات السماوية ، أى نصرة الله جل وعلا ، وهو جل وعلا الأعلم بأولئك المجاهدين الأبطال الذين ينصرونه بالغيب . هذا هو معنى قوله جل وعلا ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحديد 25 ).
إن الله جل وعلا القوى العزيز شرع القتال ليس للاعتداء ولكن لدفع الظلم . ورد الاعتداء يكون بعد استنفاد كل الوسائل السلمية والممكنة لحقن الدماء ، فإذا ظل المعتدى الظالم سادرا فى غيه متحديا رب العزة فقد تحتمت مواجهته بالحديد والنار بقدر المستطاع . وعندما يموت قتلا يكون ذلك فى سبيل الله جل وعلا.
5 ـ إن ( إقامة القسط ) تمر بمرحلتين : الأولى الدعوة السلمية للظالم المستبد لكى يعتدل أو يعتزل ، ولا يستطيع الظالم العريق فى الظلم أن يتراجع عن ظلمه لأنه فى العادة يكون قد تعود على طاعة الناس وخضوعهم له. ثم هو مغرور بقوته ولا يتصور نفسه يعود شخصا عاديا مثل الناس الذين يحتقرهم ويستعبدهم . ولا يستطيع المستبد المفسد أن يقيم إصلاحا حتى لو أعلن عزمه على الاصلاح لأنه هو الذى أفسد ، والاصلاح لا يعنى فقط محاصرة و قطع دابر الفساد ولكن يعنى أولا محاصرة وقطع دابر المفسدين ومحاسبتهم ومعاقبتهم ، فكيف يعاقب المفسد نفسه . لذلك فإن الدعوة السلمية لاقامة القسط لا بد أن يقابلها المستبد الظالم بالعنف والقتل والسجن والتعذيب . وهذا يعنى تعرض المسالمين العزّل الى حرب وقتل وقتال ليسوا مؤهلين لمواجهته ، ولو واجهوه فالنتيجة فى كل حال هو القتل .
المرحلة التالية هى الدفاع الشرعى عن النفس لارغام المستبد على الرحيل ، والنتيجة أيضا على كل حال هى القتل من الجانبين ، والقتلى من جانب دعاة الحق والقسط هم فى سبيل الله جل وعلا .
6 ـ نحن هنا نحكم على الظاهر ، وهو من يقف داعيا للقسط وإقامة القسط ومواجهة الظلم والاستبداد ، ثم يلقى حتفه بسبب دعوته السلمية أو بسبب وقوفه سلميا فى مظاهرات تدعو للقسط ومواجهة الظلم ، أو أن يقاتل فى سبيل إقامة القسط . أما عقيدته فمرجعها الى الله جل وعلا . ومن الطبيعى ان يظن كل انسان ان عقيدته هى الحق المطلق .
ولكن المهم لدينا هنا اننا نتحدث عن داعية او ناشط او مقاتل لا يفرض رأيه على أحد ، بل هو يؤمن بالحرية المطلقة فى الدين للجميع ، أى لا إكراه فى الدين ولا اضطهاد فى الدين. وهو يعتبر الحرية الدينية ضمن العدل والقسط ، لأننا خصوم فى العقائد،ومن الظلم أن يكون الخصم حكما على خصمه ، بل إن العدل أن يؤجل الحكم فى الاختلافات العقيدية بين البشر الى صاحب الشأن والله جل وعلا الذى خصّص للدين يوما هو يوم الدين أو يوم الحساب ليحكم فيه وحده بين البشر فيما كانوا فيه يخنلفون فى الدنيا (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( الزمر 46 )
هذا الداعية او الناشط او المقاتل يؤمن بأن العدل ودفع الظلم هو أساس الدين الحق ، وبالتالى لا يبيح لنفسه أن يظلم أحدا أو أن يعتدى ظالما على أحد ، ولا أن يسعى لكى يصل الى السلطة أو أن يعلو فى الأرض ظلما وفسادا واستبدادا . هو يريد العدل للجميع والحرية السياسية و الدينية للجميع . يعلن هذا ويتمسك به . ولومات قتيلا بسبب هذا فقد مات قتلا فى سبيل الله حسب الظاهر لدينا.
7 ـ هذا لا يسرى على من يقاتل أو من يسعى للوصول الى السلطة لكى يحلّ محل المستبد الظالم ، أو من يخدع الناس بالشعارات البراقة من العدل وتطبيق الشريعة وعينه على العرش والكرسى . أولئك لا يقلون ظلما وحقارة عن المستبد القائم فى السلطة . أولئك إن دخلوا فى الحركة المطالبة بالعدل أفسدوها وجرّوها الى خلافات سياسية وجدالات مذهبية تفسد الحركة وتفشلها، ولو نجت الحركة المطالبة بالعدل فسرعان ما يركبون موجتها ويصلون بها الى الحكم ،فتستمر مسيرة الاستبداد والفساد .
وبسبب هذا الصنف من البشر يتم إفساد البشر ، وتنتهى الحركات المطالبة بالعدل الى نظم استبدادية ويسكن الثوار الجدد مساكن الذين ظلموا ويحتلون قصور السلاطين ويتشبهون بهم فى الظلم والقهر بحيث يتحسر الناس المظلومون على العهود السابقة ، ويحتاج المظاليم الى ثورة جديدة ..وتتكرر المأساة . والأمثلة كثيرة ، بل هى تشكّل معظم التاريخ (الثورى ) فى العالم شرقا وغربا .
أخيرا
1ـ هى دعوة للفرد المصرى والعربى أن يهب مخلصا لله جل وعلا مطالبا بالعدل والحرية موقنا أنه لو مات قتلا فهو فى سبيل الله جل وعلا.
2 ـ هى أيضا دعوة للاصلاح السلمى قبل ان يغرق العرب والمسلمون فى حمامات دم . لقد بدأ عهد الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الانسان . وبدأ الفرد العربى يغيّر من نفسه ويطالب بحقه وينزع الخوف من قلبه . ولا يزال هناك مجال لمن يستبق الأحداث ويقوم بالاصلاح ،أواعتزل وعاش فى سلام واحترام . وإلا فسينتظرهم مصير صدّام .