لا يمل المشايخ من القول بانفرادهم بالتخصص في الدين وعدم جواز تعدي أهل تخصص مَّا على تخصص آخر, ولا يملون من تحذير غيرالمشايخ من النظر في الدين مثلما لا يجوز اللجوء لغير الطبيب للعلاج , وتلك قاعدة أرسوها وهم أول من انتهكها , فهم يزاحمون رجال العلوم غير الدينية في شؤونهم , فتراهم يقحمون أنفسهم في أمور علمية بحتة , فيفتون بلا علم , مما يَسِمُ النص الديني بمناقضته للعلم ويرمي المسلمين بالجهل والحماقة ويتهمهم بالخروج من العصر, فمن كبار المشايخ ا&aacutl;لمعاصرين من يرفض القول بكروية الأرض ويهدر دم من يقول بها ! وآخَر من كبار المفتين يكفِّر القائلين بالصعود إلى الفضاء ومنهم من امتنع عن الموافقة على إخراج فيلم سنيمائي يدعو للإسلام بدعوى أن الصورة والموسيقى حرام ! وقد أسلم بعد مشاهدة هذا الفيلم– فيلم الرسالة- من أمريكا وحدها ثلاثون ألف شخص . وانظر الثقة الشديدة بالباطل والانخداع بأنهم أحاطوا بعلوم العصر من داخل "العلم" الديني بينما عجزت عقولهم عن مجاراة الواقع . واسترهب الفقهاءُ الناسَ وحظروا على غيرهم إبداء رأي في الدين ورأوا فيه تعد ٍعلى اختصاصهم .وتعللوا بقَََصْر النظر في الدين على من درس الفقه وأصوله وعلوم التفسير والحديث واللغة والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وعلم الجرح والتعديل , وكان على دراية بتخصيص العام وتقييد المطلق .....الخ , وهي علوم درسها "الفقيه" ولم تمنعه من القول بمثل الفتاوى الهزلية التي ذكرناها آنفا . وكأن الناظر في الدين من غير رجال الدين يلزمه أن يكون في ذكاء آينشتين وعقل سقراط وحكمة أفلاطون وفطنة أرسطو , علما بأنه قد سبق وصح دين الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من دون الفقيه السلطاني وعلومه التي استحدثها , وكأنه أراد بها استعجام الأمر واستبهامه , فعَسّر ولم ييسر, ومن يرتق الفتق غير من يفتق الرتق .
ويضفي الكهنة الغموض والتعقيد على الدين حتى إذا استغلق فهمه على البسطاء جلّت حاجتهم إلى الكاهن فهو الواسطة إلى الله والجنة,وزعموا التفرد باستحواذ العلم الديني السري المقدس المعقد, وإضفاء الغموض والإبهام في الدين من آليات النصب القديمة التي عرفها الكاهن في مصر القديمة , فكان يتم مراعاة التدرج في إظلام أروقة المعابد وطرقاتها حتى يتم استرهاب " المؤمنين " , ويستمر هذا الإظلام إلى أن يغرق قدس الأقداس في ظلمة تامة ويُحظر رؤية الإله إلا على كبير الكهنة والفرعون شخصيا , فهما النصابان الكبيران اللذان يعرفان أن إلههما المفترَى إنما هو محض كذبة لا يعرف حقيقتها سواهما . " وكلما كان الإله غامضا خفيا ومحاطا بالأسرار والألغاز ازداد نفوذ كهنته وزادت فرصهم في التحكم والسيطرة , فليس بوسع أحد فهم الإله أو الوصول إليه إلا عن طريقهم , وبطبيعة الحال كان للكهنة مصلحة حقيقية في الحفاظ على غموض إلههم بل وإحاطته بمزيد من الغموض عن طريق الأساطير المختلفة التي ينسجونها حول قوته وتأثيره على الإنسان , وبذلك يصبحون الوسطاء الوحيدين بين المعبود والناس ". والمعبود المصري الأشهر (آمون) معناه الخفي , وطبيعته الخفية هذه أتاحت للكهنة نفوذا خاصا في نقل إرادته وتفسير مشيئته ." فهو كائن محاط بالأسرار تجهل - حتى الآلهة - شكله الحقيقي وصورته ليست منتشرة في الكتب , وهو كبير فلا تُعرف ماهيته , وهو قوي فوق المعرفة والإدراك". وكان رسمه المعروف على شكل إنسان , وفي المواكب العامة كان يلف هيكله المحمول على أكتاف الكهنة بغطاء لحمايته .
نبيل هلال هلال