أولا :
1 ـ سيذكر التاريخ العربى والمسلم فى القرون القادمة اسم الشاب التونسى بوعزيزى فى سجل الفخار ، بعد أن أعطى درسا نسيناه فى العزة والكرامة . لا كرامة فى وطن تصفع فيه يد شرطى آثم وجه مواطن برىء ، والموت أكرم من حياة يتحكم فيها اللصوص والخونة و شرار الناس و أحطّهم أخلاقا وأوضعهم بيئة.
2 ـ الذى يموت بنفس طريقة البطل التونسى بوعزيزة ليس منتحرا وليس قاتلا لنفسه وليس آثما على الاطلاق . الآثم المنتحر هو الذى يقتل نفسه عدوانا وظلما . إن الله جل وعلا edil; يقول ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )( النساء 29 : 30 ). بوعزيزة عانى الظلم والقهر و ديست كرامته عندما طالب بحقه ، كان بين أمرين كأى إنسان له كرامة ، إما أن يدافع عن نفسه فيعذبوه ويقتلوه وإما أن يقتل نفسه ليفجر ثورة على الظلم ، ففعل الأفضل ، وبدلا من أن يموت مجانا بيد أعدائه وأعداء وطنه أعطانا درسا فى الوطنية والعزة والكرامة فأحرق نفسه علنا أمام قاتليه وظالميه ، لتمتد الشرارة من جسده الطاهر لتشعل تونس وتطهرها من رجس الاستبداد والفساد .. وبقى أن تمتد الشرارة الطاهرة الى مصر لتطهرها من رجسها وعارها .
3 ـ حسب علمى ـ والله جل وعلا هو الأعلم ـ فإن بوعزيزى مات فى سبيل الله جل وعلا .
إن الله جل وعلا أرسل كل الأنبياء وأنزل كل الرسالات السماوية ليقوم الناس بالقسط ، أى إن العدل هو فرض الاهى يجب على الناس الجهاد لإقامته بينهم بالسلم أو بالقتال ، أى إن تحكّم الظلم وأضاع القسط فإن الله جل وعلا انزل شيئا آخر من السماء هو الحديد ذو البأس الشديد ، وهو رمز السلاح والقتال . وبالقتال بالحديد يكون الجهاد ونصرة العدل والقسط ،أى نصرة الرسالات السماوية ، أى نصرة الله جل وعلا ، وهو جل وعلا الأعلم بأولئك المجاهدين الأبطال الذين ينصرونه بالغيب . هذا هو معنى قوله جل وعلا ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحديد 25 ).
إن الله جل وعلا القوى العزيز شرع القتال ليس للاعتداء ولكن لدفع الظلم . ورد الاعتداء يكون بعد استنفاد كل الوسائل السلمية والممكنة لحقن الدماء ، فإذا ظل المعتدى الظالم سادرا فى غيه متحديا رب العزة فقد تحتمت مواجهته بالحديد والنار بقدر المستطاع . فإذا كان المظلوم أعجز عن المواجهة الحربية فليستغل ضعفه ليصبح قوة ، وأفضل وسيلة هى ما فعله بوعزيزة . لم يقم بتفجير نفسه خشية أن يقتل أبرياء ، ولكن أحرق نفسه ليحيى ضمائر ماتت وآن لها أن تستيقظ .
4 ـ ليس هناك أحقر من مستبد يقهر شعبه ، وليس هناك أجبن من جيش يوجّه قواته المسلحة لشعبه الأعزل بدلا من أن يدافع عنه ، وليس هناك أخسّ من شرطة تقهر الشعب بدلا من أن تحمى الشعب .
وكان جيش تونس عند حسن الظن به ، ففى اللحظة الحاسمة اختار جانب الشعب وأدار ظهره للطاغية . بينما كانت الشرطة التى كانت يد الطاغية التى يبطش بها بالشعب لا تقل عداءا للشعب التونسى عن الطاغية بن على ، لذا تحولت الى السلب و النهب والقتل بعد رحيله ، إمعانا فى كراهيتها للشعب التونسى ، فقد عاشت نحو ربع قرن تسلب وتنهب وتقتل وتعذب الشعب التونسى فى ظل رعاية بن على ، فلما هرب واصلت نفس الجرائم لأنها لا تعرف غيرها . وهذا منتظر من أى حكم بوليسى يتخصص فى قتل وقهر الشعب . ومصيرهم فى النهاية هو الهاوية .
5 ـ من العار ألاّ يستفيد المصريون من درس تونس :
لكى تتحرر مصر من العار الذى يحكمها من ثلاثين عاما فإنها تحتاج الى عشرات بل مئات من أبطال من أمثال البطل التونسى الشهيد بوعزيزى . ولا يخلو الشعب المصرى من أبطال على نفس المنوال ، وأتخيل فى أحلام اليقظة مجموعات من الشباب الفدائى يتبايعون على الموت فى سبيل الله جل وعلا حتى تحيا مصر بالعدل بعد موات طال ، وآن له ـ أخير ـ أن ينتهى .
لو بايع الشباب المؤمن رب العزة على الموت فى سبيل إقامة القسط ، ولو قام بهذا العهد عشرات من الفدائيين الأبطال لسقط النظام العار الخائن لشعبه ووطنه ودينه .
هذا خير من طريقين أحلاهما مرّ علقم : استمرار العار والقهر ،أو الفوضى والحرب الأهلية .
من الممكن ان نفتدى مصر من التهلكة القادمة ببعض الدماء الزكية من أبطال مصر . وإذا كان هناك فى تونس نموذج لبو عزيزى فبإمكان مصر ان تهب عشرات بل ومئات من الأبطال يموتون لتحيا ، كلا لا يموتون بل يخلدون فى التاريخ ، وينتظرهم ـ بعونه جل وعلا ـ نعيم الجنة .
6 ـ من العار أن يستسلم أى ناشط سياسى أو مثقف مصرى لمباحث أمن الدولة تقبض عليه وتذهب به الى المجهول .
لقد أخذت عهدا على نفسى بعد تجربة القبض علىّ فى نوفمبر 1987 ألاّ أسلّم نفسى أبدا بعدها لأى قوة بوليس تقتحم بيتى لتعتقلنى ، وصممت لو حدث بعدها فسأقاومهم ولو بسكين المطبخ وأموت كريما بدلا من وضع القيود فى يدى التى لم تمتد الى سرقة أو نهب أو ظلم .
وفى باب الفتاوى ( فأسألوا أهل الذكر ) فى موقعنا (أهل القرآن ) جاءنى هذا السؤال يستفتينى : (استرحت لشرحك قواعد القتال فى الاسلام وأنها لرد الاعتداء و ليس للعدوان ، وأن الأمر بالقتال فى ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) هو ضد الذين يقاتلوننا فقط ، أى فى الدفاع وليس للهجوم .ولكنك لم تشرح لنا بالتفصيل معنى ( يقاتلونكم )، وهل هى تنطبق على حالتى ..أنا رجل مسالم من الاخوان المسلمين فكريا و ليس تنظيميا ، بل حتى لا أوافق على الكثير مما يقولون لأننى اتمتع بتفكير مستقل ـ وأرى أنهم المعارضة الوحيدة المتمتعة بتأييد الشارع. نشرت بعض آرائى على الانترنت باسمى الحقيقى ـ وفى ليلة سوداء فوجئت بالأمن المركزى يقتحم بيتى وهم مدججون بالأسلحة الرشاشة ، وحدث ما تعلم فأنت مجرب ..وأودعونى حفرة داخل مبنى أمن الدولة ، وهات يا استجواب .وانت ايضا مجرب معنى الاستجواب العنيف فى أمن الدولة . أخذت أفكر من وقتها وحتى الان بعد الافراج عنى فى معنى ( يقاتلونكم ) فى الاية الكريمة . وأحاول تطبيقها على حالى حين هاجموا بيتى بأسلحتهم ، وتخيلت لو أننى قاومتهم ماذا سيفعلون ؟سيطلقون علينا النار ، وإلا لماذا كانوا يصوبون أسلحتهم لى ولزوجتى وأولادى وهم يعرفون أننا بلا سلاح ..السؤال الذى أسأله لك : هل لو قاومتهم باطلاق النار عليهم بمجرد اقتحاكمهم بيتى ألا يكون ذلك قتالا مشروعا لأنه دفاع عن النفس ؟ حتى لو ترتب على هذا أننى كنت البادىء باطلاق النار ؟ أريد رأيك ، واحترم ما تقول برغم أننى لا أتفق مع كثير مما تقول فى الموقع ..ولكن أثق فى علمك واخلاصك للاسلام ..والسلام على من اتبع الهدى )
رددت عليه فقلت : ( أهلا أخى :
هم بمجرد أن اقتحموا بيتك مدججين بالسلاح أصبحوا معتدين فيجوز لك أن تدافع عن بيتك بمجرد أقتحامهم بيتك . لا يهم إن بدأت باطلاق النار عليهم لأن الاعتداء حدث منهم مسبقا وأباح لك حق الدفاع عن النفس. وفى حالة اطلاق النار فالفائز هو من يسبق ويجيد التصويب ، ولا شأن لهذا بالجواز للقتال أو تحريمه لأنه من حقك مبدئيا الدفاع طالما بدأوا الهجوم .ولا يقال أيضا إنهم يمثلون السلطة التى من حقها أن تعتقل من تشاء . لأنهم مغتصبون للسلطة و يمارسونها بقانون الطوارىء الذى يخوّل لهم اعتقال من يخالفهم فى الرأى مستخدمين المدافع الرشاشة فى ارهاب من له رأى .)
وفتاواى فى موقعنا معروضة للنقاش.
وقد ردّ عليها الدكتور ليث عوّاد فقال : (هذه فتوى مخيفةوأعتقد أن عواقب إطلاقالنار على الشرطة ستكون غير محمودة ).
وكتبت ردا عليه : (أى إنسان فى مكانك وفى نفس سؤالك سيقول نفس ما تقوله ، وأنا نفسى فى مكانى الآنأعيش متمتعا بحقوقى وكرامتى فى أمريكا سأقول نفس الكلام ،لأن البوليس فى الدولةالديمقراطية وظيفته أن يحمى وأن يخدم المواطن ، ولو وقع المواطن فى تهمة فحقوقهكمتهم مصانة ، وهو برىء حتى تثبت إدانته ، ولو عجز عن توكيل محامى تقوم الدولةبتعيين محامى له ، ويراقب القاضى أداء المحامى المعين حتى يتأكد من قيامه بواجبهوحتى تكون المحاكمة عادلة . ولو حدث خطأ فى الحكم فلن يستمر هذا الخطأ ، وطالما هوبرىء سيجد من منظمات حقوق الانسان وغيرها ما يواظب على متابعة القضية الى أن يخرجبريئا ـ ويحصل على تعويض ، ويقع فى المساءلة من تسبب فى ظلمه عمدا أو إهمالا . وفىكل الأحوال لن يدخل البوليس على أى متهم شاهرا سلاحه ، طالما وجد المطلوب مسالما ،وفى كل الأحوال لن يلقى القبض عليه جزافا وبدون تحريات تستوجب القبض عليه أو وقوعهفى حالة تلبس ، ولن يلقى القبض عليه إلا بعد أن يلقى عليه كل حقوقه كمتهم ، وفى كلالأحوال من حقه أن يمتنع عن الكلام ، وألا يتكلم إلا فى حضور محاميه ، و لا بد منخروجه بعد القبض عليه بكفالة أو غيرها الى حين تحديد موعد لمحاكمته.
فى كل هذه الظروف يا صديقى العزيز ـ لامجال للفتوى هنا للعمل على الاطلاق.
عملها فى نظم الحكم المستبدة التى تستعبدالمواطن . الفتوى هنا عن مواطن برىء قام بعمل مشروع هو الكتابة ، فعوقب بالقبضعليه ، وقام بالقبض عليه جيش صغير مدجج بالسلاح يواجه فردا مسالما أعزل ، يلقى بهفى المجهول ، حيث إمكانية التعذيب و القتل و الاختفاء القسرى.هنا إعتداء مسلح على انسان مسالم مظلوم. هذا الا نسان من حقه طبقا للقانون الطبيعى و القانون الالهى أن يدافع عن نفسه ، فمنيتصدى له بالرصاص مقتحما عليه بيته يجوز له أن يرد بالرصاص فى حالة دفاع شرعى عنالنفس . كما يجوز له أن يستسلم ويستكين. )
لو دافع كل مظلوم عن نفسه رافضا الاستسلام لقهر الشرطة وفضّل الموت كريما لانتهى العار الذى يحكم مصر .
أخيرا
1 ـ اين البرادعى ؟ اين حمدين صباحى وأيمن نور وكفاية والتغيير ..؟؟ إن لم تتحركوا و تقودوا الشارع المصرى اليوم وليس الغد فلن يكون هناك لمصر ..غدّ.
2 ـ أين أبطال الجيش المصرى الحقيقى ؟
هلا خلا جيش مصر من الرجال ؟
هل أصبح جيش سوزان ؟ ياللعار .!
3 ـ أين شهامة الشرطة المصرية الحقيقية ؟ هل أصبحوا كلهم خدما للثعبان الأصلع ؟
وهل ستحتفل شرطة مبارك بقتل المصريين المتظاهرين فى عيد الشرطة القادم يوم 25 يناير؟
4 ـ وما الذى تبقى لمبارك بعد هروب شقيقه بن على ؟
أضاع عليه بو عزيزى التوريث والتمديد ، وتعين عليه إما أن يعتزل ويحقن الدماء ، وإما ستتحول مصر الى حمامات دم ، لن ينجو منها هو واسرته و جوقته
أحسن الحديث وخير الكلم :
يقول جل وعلا لكل المقهورين فى الأرض يدعوهم للقتال فى سبيل الله ضد الظلم والقهر والاستبداد والاستعباد والفساد: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة 14 : 15 ).
ودائما .. صدق الله العظيم.