بسم الله الرحمن الرحيم
ولما سألت التاريخ ندمت
قال لي صديق : الحمد لله ، فإن نيّة ذلك القس المشهور ودعوته الرامية إلى حرق مصحف القرآن في مناسبة ذكرى الحادي عشر سبتمبر لم يستجب لها ولم تنفذ .
وبعد ذلك، ذهب بي التأمل في صديقي الذي اكتفى بالتفوه بعبارات حمد الله وكفى ، وكأن القضية أو القصة ابتدأت وانتــهت هناك ؟ لاسيما وقد خرجنا من ذكر الNtilde; الله يوم جمعة حيث تلا علينا الخطيب تلك الآيات المشهورة الخالدة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون )آل عمران – 110.
وبعد أن ذهب بي التأمل كل مذهب تجرأت وسألت التاريخ فندمت عن فعلتي أيما ندم ، لأن ما أشار إليه وفضحه في جوابه يبدو أنه مهول ، وأكتفى باقتطاع ما يلي :
إن هناك عدة مناسبات تعرض فيها مصحف القرآن العظيم إلى الاستخفاف والتجاهل والإهانة والدوس بالأرجل، والتقليل من القيمة والتمزيق بكل حنق ، بل وحتى إلى الحرق بالنار .
وأعترف أني اكتفيت بهذا، وأحجمت عن الإلحاح في السؤال خشية أن أتعرض إلى مزيد من الإطلاع، وحاولت أن أدير ظهري إلى تلك الظلال القاتمة التي يلوّح بها لي من بعيد ذلك التاريخ المجيب، لأنها ظلال سوّدتها فضائح سقط فيها مسلمون ضد مسلمين، واقترفها مؤمنون ضد إخوانهم المؤمنين .
ثم رجع بي التأمل إلي يوم الحادي عشر سبتمبر عام 2001 ، وتصورت مواقف أولئك الناجين في ذلك اليوم العظيم ، يوم الحادي عشر سبتمبر، تصورت مواقف أهل الضحايا ومواقف الناجين أنفسهم وأهلهم وذويهم عندما يستمعون إلى ما يقال وهو: الحمد لله الذي هدانا إلى هذا التصرف ، الحمد لله وما كنا لنهتدي إليه لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي وفّقنا أيما توفيق في تنفيذ مخططنا ، الحمد لله ، ولولا إيماننا
الكبير، ولولا التأييد من الله لما نجحنا ذلك النجاح الباهر في تحقيق تلك العملية التي تسجل بحروف من ذهب في حوليات التاريخ الإسلامي .
نعم عندما يسمع الناجون وأهلهم وأهل الضحايا وغيرهم ، عندما يسمعون كل هذا وأكثر من هذا، وعندما يعلمون ويشاهدون أن المسلمين يفرحون ويتهللون ويحمدون الله لذلك الإنجاز العظيم ، وعندما يقال لهم أي للناجين وأهل الناجين وأهل الضحايا وغيرهم ، عندما يقال لهم إن كل ما فعله الفاعلون هو بأمر من الله، وتنفيذا لتعاليمه الواردة في المصحف القرآني .
إذا تصورنا هذا، وعندما نتصوره، ألا يجوز أن نفسح المجال لتصورنا لفهم مواقف أهل الضحايا – وهم غير مسلمين - ؟. ألا يكون المنتظر والمتوقع أن يكون رد الفعل وعلى البديه وعلى الأقل هو الدعوة إلى الحكم على هذا المصحف الشرير؟ وإلى حرقه وإعدامه ؟ ذلك الذي فعل بهم ما فعل ؟ وهو يعد بأكثر مما فعل ؟
وإذا تخيلنا أننا نعيش في عصر علي بن أبي طالب – مثلا – أو في عصر آخر من أمويّ أو عباسيّ أو غير ذلك ، وكنا شاهدين فضائح ذلك الجدل وحمى تلك المناظرات العقيمة حول مواضيع خلق القرآن، وفضائح الإعتداء على حديث وتعاليم الخالق المتمثلة في حرقه أو حرق أجزاء منه ، وفضائح الإدعاء بأن فصولا كثيرة وكبيرة بترت من القرآن المنزل ؟ كيف يا ترى يكون موقفنا ؟
ثم ألا يكون الصواب كل الصواب في الفصل بين الحرق الحقيقي للقرآن؟ والإلتفات بكل جدية واهتمام وشجاعة إلى من يقوم حقا وفعلا بحرقه ؟
ألا يجول في خاطرنا أن مقترفي تلك الحرائق في القرءان يمكن أن يكونوا – سواء في الماضي أو في الحاضر- مسلمين مؤمنين لا غير ؟
ألا يجول في خاطرنا أن هناك نيرانا نضرمها نحن المؤمنين ونترك ألسنتها وأنيابها تفعل أفاعيلها وبنهم شديد في القرآن أكثر مما استطاعت فعله ماديا النيران الحارقة التي تحوّل الورق إلى رماد تذروه الرياح ؟
وعندما يقول لنا التاريخ إن هناك أجزاء كثيرة متفاوتة في الطول كانت من القرآن وسائدة في عهد ما ، ثم بادت وأصبحت في خبر كان، ليس بمشيئة الله العلي القدير ولا بمشيئة ذلك الفعل العجيب الذي يراد له رغم أنفه أن يكون ذا وجهين اثنين ، ويتصرف كما يحلو له وحسب مزاجه المتقلب : مرة ينسخ ويثبت ، ومرة أخرى ينسخ ويمحو، لا ليس بمشيئة الله ولا بمشيئة نسخ ، ولكن بمشيئة ومزاج مخلوقي الله العلي العظيم .
وعندما تزعم روايات أخرى أن هناك آيات ( ناسخة وأخرى منسوخة) آيات فاعلة فعل المحو وآيات ممحوة ، أو محيت معانيها ، وأن هناك معاني وأوامر يجب العمل بها على الرغم من أن آياتها غير موجودة ، وأن اللفظ غائب والمعنى حاضر.
وعندما تتدخل تفاسير وآراء فقهية غريبة لا تتورع ولا تتحرج في تعطيل أحكام وإلغاء أوامر، وتنتهك حرمة آيات وتدوس آيات ، من المفروض أنها آيات بينات ومبينات.
ألا يكون الصواب وعين العقل في التحول عن موقف ذلك القس الداعي إلى حرق المصحف القرآني، في التحول منه للتأمل وبعمق لعلنا نوفق في الأخير ونضع إصبعنا على موطن الداء ؟ ونتفهم أكثر من ذي قبل معنى وروح الآية رقم : 108 في سورة الأنعام : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ) .
ألا يكون كل ذلك وغيره هو الحرق الحقيقي للقرآن العظيم ؟ والأدهى والأمر هو عندما نُعربُ الفاعل ونتعرف عليه ؟ أي على من فعل فعل الحرق .
أما ردّ فعل ذلك القس الذي دعا إلى حرق المصحف فإنه أخيرا لم يفعل شيئا أبدا لا حقيقة ولا مجازا .بل وحتى لو فعل ذلك لكان حرقا يحوّل ورقا رمادا.
أما الحرق الآخر ذو اللهب الذي ما زال متأججا فتمثله مواقف المسلمين الذين من المفروض أنهم بلغوا درجة خير أمة أخرجت للناس، أولئك الذين تلقوا آخر رسالة ، وهي مواقف شتى : من افتراء على الله واتهام رسوله بالتقول عليه وبأنه لم يؤد ولم يبلغ الرسالة. والأدهي والأمر الإدعاء بأن هناك منتظرين منقذين أو مستدركين أو مكملين أو متممين للنقص الذي اقترفه رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والتسليم ، وإلا فبماذا يمكن أن يفهم ويفسر الزعم بأن هناك مهديا منتظرا ومسيحا ؟ وقبله أو قبلهما مدع دجال ؟
وأخيرا فأية نار هي الحارقة الحقيقية .؟