الكرامة الإنسانية كما جاءت في القرآن الكريم
يقول تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)الإسراء (70)
رب العزة جل وعلا الخالق العظيم لهذا الكون وللإنسان يقرر في كتابه العزيز انه كرم بني آدم ، عندما خلق آدم ومعه ذريته أنه تعالى كرمهم
كيف كان هذا التكريم ؟
مظاهر هذا التكريم لآدم وذريته كثيرة ومتنوعة , أولى هذه المظاهر وأشدها تأثيرا على حياة الانسان هى :الاستخلاف في الأرض : فقد جعله الله خليفة في الأرض لمن سبقه من مخلوقات لحكمة أرادها ويعلمها الله . وهذا عكس ما هو معتقد من أن الإنسان خليفة لله في الأرض .
ثاني هذه المظاهر 2- أنه أعطاه مطلق الحرية ( المشيئة الانسانية) في الايمان بالله أو الكفر به وأمهله فرصة الحياة على الأرض لكي يقرر بنفسه مصيره في هذا الشأن العظيم !
لم يُجبَر الانسان على الايمان أوالكفر بل أٌُعطي الفرصة لكي يبرهن على الطريق الذي اختاره لنفسه .
3- ثالث هذه المظاهر أن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسانية البر ، والبر بلغة القرآن العظيم هو يشمل اليابسة وما فوقه من أجواء.
هذا التسخير من الله للأرض اليابسة والغلاف الجوي لحمل الانسان في مناكبها طرقاتها وسهولها ووديانها وجبالها ، وتسخير الأرض يعني جريانها في فلكها الذي تسبح فيه بالفضاء ضمن الأجرام السماوية في نظام محكم لا يتغير . فسبحان الرحمن المسيطر!
يقول تعالى في سورة ابراهيم آية 33 (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) ويقول في سورة النحل آية 12 (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره)
ولكن مع أخذ الانسان بالأسباب مشى في مناكب الأرض بيسر وبسهولة وأحيانا بمشقة بالغة لوعورة أجزاء من الأرض .
ومن مظاهر التكريم تسخير الأرض بتعاقب الليل والنهار للانسان وتسخيرما عليها من أنعام كالخيول والابل وهذه نعم من الله تعالى للانسان وتكريم له,
وزيادة في التكريم علمه استخدام ما في الأرض من طاقات فاخترع عن طريق العقل قوة البخار وصنع الآلة البخارية التي سيرت المراكب العملاقة في البحار وصنع القطار والسيارة والطائرة وهى أسرع وسائل الانتقال حتى الآن .
وكل هذا بسلطان العلم الذي وهبه الله للإنسان عن طريق إعمال العقل والتجريب والابتكار. فماذا يحدث
لو أن الله تعالى جعل البر واليابسة وما فوقه من فضاء غير مسخر للانسان وأن ترفض الخضوع لرغبات الانسان ومحاولاته في السعي لما استطاع أن يطير أو يسبح في الفضاء. أو يجوب الصحراء ليلا ونهارا
4- رابع مظاهر تكريم الله للانسان : أن سخر له البحر وما فيه من نعم ومنافع ، فسخر الله الأنهار وهى أول ما اقتحمه الانسان من عالم الماء ثم البحار والمحيطات(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)) .النحل 14.
5- من مظاهر الكرامة الانسانية في القرآن : الرزق الطيب من نبات وحيوان وتحمله الأنعام من بلد الى بلد هو وأثقاله ، ويتغذي على لحومها ويلبس أوبارها وأصوافها وجلودها ! فتُنقَذ حياته العزيزة بانتفاعه بهذه النعم الإلهية .
6- من أهم مظاهر هذا التكريم تفضيل الله تعالى للانسان على كثير من الخلق وتختتم الآية القرآنية العظيمة بأن الله فضل بني آدم على الكثير من مخلوقات الله تفضيلا . ( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).!
مخلوقات الله تعالى لا نستطيع أن نحصيها عدا ومع ذلك فقد فضلنا الله تعالى على كثير من هذه المخلوقات !!
[ نوع آخر من التكريم للانسانية]
نتعرف عليه من هذه الآية القرآنية الكريمة ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ). الحجرات 13)
فهذا خطاب عام للناس جميعا فيه تقرير تام لمساواة الرجل بالمرأة : الذكر والانثى" ( خلقناكم من ذكر وأنثى) فالمجتمع مكرم بعنصريه دون تمييز عنصر على الآخر وهذه هى رسالة القرآن الخالدة ، آخر رسالات السماء فيها حقوق المرأة الأنثى ومساوتها بقرينها الرجل الذكر ، والخطاب به ندية ، ثم تأتي الآية الكريمة وتقرر الكرامة لكل شعوب الأرض وأعراقها ( قبائلها) .
ويمكن أن نستشهد من هذه الآية الكريمة سببا رئيسيا من خلق الانسان واستخلافه في الارض هو التعارف ( العلاقات المحلية والدولية) فالتعارف والتواصل بين شعوب الأرض وقبائل الناس وأعراقهم وأجناسهم المختلفة هو سبب رئيسي من اسباب الخلق والاستخلاف على ظهر هذه الأرض.
* بتقوى الله تعالى كما تقرر الآية القرآنية الكريمة تزداد الكرامة الانسانية قدرا وعلوا عند الله وعند المؤمنين فألأكثر تنفيذا وتقديسا لأوامر الله تعالى في القرآن وما سبقه من رسالات سماوية هم المتقون
* فتقوى الله تعني تقديس الله تعالى بلا منازع ولا شريك في ملكه وحكمه وتشريعه للبشرية ،وتعني أيضا التعاون على البر وعلى المعروف والتسامح وإعمار الأرض والإخاء بين أمم الانسانية وتبادل المعارف والعلوم بين الشعوب ، والأجناس .. اذن هى كرامة عليا للناس يعطيها الله لمن يستحقها ويأخذ بالأسباب للوصول اليها .
وهكذا يقرر ويؤكد الكتاب العزيز على الكرامة الانسانية للبشر جميعا وكانت الرسالة القرآنية لجميع العالمين تحث على المساواة بين الذكر والانثى تحث على المعرفة ( إقرأ) تحث على التعارف والتواصل ( لتعارفوا) تحث على التعاون الدولي لنشر السلام والخير والبر ونبذ الحروب والصراعات ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
ومن ينأى بنفسه عن هذه القيم العليا والمثل الطيبة من الأفراد ومن الأمم فقد نأى وبعُد عن الكرامة التي وصفها الله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
* وأول وأخطر من وعى وأدرك هذا النوع من التكريم للانسان من المخلوقات العاقلة الذكية هو ( إبليس) المعلون فلقد فهم أنه عندما أمره الله تعالى بالسجود لآدم، أن الله تعالى قد كرم آدم وفضله عليه وعلى كثير من الخلق تفضيلا ! وهذا أثار غيرة وحسد وتكبر الشيطان ! وقال محاورا لرب العزة جل وعلا يجادله في تكريمه لآدم ، في هذا الموقف يقول تعالى :
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس قال :ءأسجد لما خللقت طينا (61) قال : أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتنِ الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليلا 62) الإسراء .
هكذا قرر الله تعالى الكرامة والتفضيل للإنسان وأدرك هذا الشيطان ، فهل أدرك الإنسان حقيقة تكريم الله تعالى له كما جاء بالقرآن الكريم؟؟ !!!
هذا الجزء من المقال عن الكرامة الإنسانية في القرآن الكريم فماذا عنها في الدولة المدنية هذا ما سيوضحه الجزء الثاني من المقال إن شاء الله تعالى