أقول بملء في: الغنـــــاء ليس حرامــــاً!!

وداد وطني في الأربعاء ١٥ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

16 

أقول بملء في: الغنـــــاء ليس حرامــــا!

إن من الصعب جدا أن تعيش أو تحاول التعايش مع أناس في زماننا هذا أشبه ما يكونون فيه إلى قساوسة الكنائس بالقرون الوسطى..

يرون أنفسهم وكلاء لله على الناس..

يحرمون على الناس ما لم يحرمه الله عز وجل في كتابه الكريم..

إنما يتبعون فقه أبائهم وأجدادهم الأولين..

فقه الذين خلطوا كتاب الله بآخر من صنع البشر..

وأخذوا يحرمون من عند أنفسهم بما تصف ألسنتهم الكذب..

وهم يظنون أن ذلك شيئاً يسيرا!!

فكيف يكون ذلك يسيرا وقد نزلت في رسول الله سورة تقرأ إلى يوم الدين سميت بهذه المناسبة (التحريم) لأن رسول الله حرم شيئاً من عنده!!

((يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم)).

ولو أمعنا النظر في هذه الآية لوجدنا أن رسول الله حرم أمرا بسيطا في نظرنا (مجرد أكلة معينة)!! وعلى نفسه فقط!! أي أنه لم يحرمها على أصحابه مثلا فكان أمرا فرديا.. فما بالكم بمن يحرم من عامة البشر!؟! أمورا أعظم من ذلك!؟!

على أمة بأسرها!؟!

لذا آثرت توضيح أمر في غاية الأهمية ومن خلاله سنعرج على موضوعنا (الغنــاء) وسأتحدث بلغة يفهمها فقير اللغة هزيل الفهم أجلكم الله..

أقول مستعينا بالله..

 

ان الحلال لا يحتاج إلى دليل..

لأن الأصل في الشئ الحل..

والذي يحتاج إلى دليل هو التحريم والنهي..

فعندما يقال الغناء حلال فهذا لا يحتاج إلى دليل..

أما قول الآخر أن الغناء حرام فهذا الذي يحتاج إلى دليل..

ودليل التحريم بطبيعة الحال هو كتاب الله "حصراً"..

أما من خارج كتاب الله فيكمن هناك النهي ولكن لا وجود للتحريم من خارج كتاب الله..

فــالمولى عز وجل يحرم ويحلل .. ويأمر وينهى..

ولكن رسول الله "قد يأمر وينهى" ولكن لا يحلل محرما ولا يحرم محللا!!

وهذه معلومة قد تكون جديدة لدى البعض من أصحاب الفكر التراثي..

والفرق بين الاثنين واضح جدا..

فالتحريم أمر شمولي وأبدي ويحمل طابع الأزلية كونه صادر من رب العباد الأعلم بعباده "الآن وبعد غد"..

أما النهي فهو أمر ظرفي لزمان ومكان معينين.

فقتل النفس مثلا محرم بنص كتاب الله "الأنعام 151" في القرن السابع والعشرين والأربعين وفي مكة ودمشق والرياض وفي أنحاء العالم هو محرم، وبالمناسبة فهذا أمر "فطري" وكل أوامر الله ومحرماته توافق الفطرة فدينه دين الفطرة ولذلك لن ترى برلماناً في الدنيا يجتمع لإباحة قتل النفس أو إباحة الكذب مثلا فالكذب أيضا من المحرمات "الأنعام 152" قوله تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى). والمحرمات في كتاب الله ثلاثة عشر محرما فقط..

 

أما الغيبة والتجسس فمن المنهيات وبالتالي فهي ظرفية (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) "الحجرات12" لأن الغيبة والتجسس على الأعداء واجب والتجسس على عصابات المخدرات أمر مطلوب بينما أكل مال اليتيم وشهادة الزور فهي حرام في كل الظروف.

فالغناء والموسيقى وهي موضوعنا من أعراف المجتمعات..

كأن يطرب شخص ما بالطبل والمزمار..

ويطرب آخر بالموسيقى الكلاسيكية..

وبالرغم من هذا كله..

إلا أن غالبية أهل الحديث ذهبوا الى التحريم (وهم يعتبرون أن ما حدّث به البشر عن رسول الله "تشريعا")!! فيما ذهب القلة القليلة منهم إلى الإباحة وبالتالي انقسموا على أنفسهم!!

والجدير بالذكر هنا أنه حتى من ذهب الى الإباحة لم يكن منطقه أن التحريم لم يكن من كتاب الله بل ردوا ذلك الى أحاديث يستدل منها على إباحة الغنـــاء.

فابن حزممثلا تتبع الأحاديث التي اعتمد عليها الذين ذهبوا إلى التحريم القاطعوحمل عليها من جهة سندها ورواتها بل طعن فيها من ناحية فهم المانعين!!

ومثله ـ في هذا المنهج ـ أبو الفضل المقدسي..

فهما يريان أن النتيجة الطبيعية هي الرجوع إلى (الأصل) وهو (الإباحة) ما دام لم يصح فيها تحريم..

ويقول ابن حزم الأندلسي في ذلك قولا هاما: "إنه لم يصح في باب تحريم الغناء حديث وكل ما فيه فموضوع"!! ثم يقول: "ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تردّدنا في الأخذ به" .

ومن ثم يتدرج ابن حزم بعد الانتهاء من تتبع أحاديث التحريم إلى المرحلة الثانية التي يقوم عليها الرأي القائل بالإباحة وهي تقديم عدد من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تفيد إباحة الرسول ـ قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً ـ للسماع.

ـ فعن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسْجى بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه، وقال: "دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد"...

وفي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كانت جارية من الأنصار في حجري، فزففتها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع غناءً فقال: "يا عائشة ألا تبعثين معها من يغني؛ فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء؟

وعن جابر رضى الله عنه "نكح بعض الأنصار بعض أهل عائشة، فأهدتها إلى قباء، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهديت عروسك؟" قالت نعم: قال: "فأرسلت معها بغناء فإن الأنصار يحبونه"؟ قالت: لا، قال: "فأدركيها يا زينب ـ وهي امرأة كانت تغني بالمدينة ـ".

ويروي المقدسي بسنده إلى خالد بن ذكوان عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوّذ قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليّ صبيحة بُني عليّ فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن: وفينا نبيٌّ يعلم ما في غد، فقال: "دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين قبله". وهذا حديث ورد في صحيح البخاري!! وتعلمون قداسة البخاري عندهم!!

ويذكر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر سفراً طويلاً فنذرت جارية من قريش لئن ردَّه الله تعالى أن تضرب في بيت عائشة بدفّ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت الجارية فقالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فلانة ابنة فلان نذرت لئن ردّك الله تعالى أن تضرب في بيتي بدف، قال: "فلتضرب" قال أبو الفضل: وهذا إسناده مفصل، ورجاله ثقات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية الله" فلو كان ضرب الدف معصية لأمر بالتكفير عن نذرها أو منعها من فعله.

 

ويروى عن طريق أبي داود عن نافع مولى ابن عمر قال: سمع ابن عمر مزماراً فوضع إصبعيه في أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع، هل تسمع شيئاً؟ قلت: لا. فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا، وصنع مثل هذا (ولو كان الغناء حراماً لما اكتفى الرسول بوضع يديه على أذنيه تنزيهاً لنفسه؛ بل كان نصّ على التحريم).

وعن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاء حبش يزقنون في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعت رأسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم، حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر.

 

وكما ترون..

فقد اعتمد المانعون للغناء على بعض الأحاديث والآراء الفقهية سواء بسواء من رأى الإباحة منهم.

مع محاولة البعض تأويل قوله تعالى ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين)) لقمان6، على أنه الغناء!! في حين أن لهو الحديث هنا يحتمل الغيبة والنميمة وقول الشعر.. وإن سلمنا جدلا بقولهم إنه الغناء فإن هناك شرط بنص الآية الكريمة وهو الإضلال عن سبيل الله.. ولكن هذا غير صحيح.. فعندما يحرم الله شيئا تراه صريحا في كتاب الله كقوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) وقولة تعالى (حرمت علیکم المیتة والدم ولحم الخنزیر وما اهل لغیر الله به) وقوله في مجمل المحرمات (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم... الاية)

 

ولب الكلام أنه لم يرد تحريم الغناء بنص كتاب الله إطلاقا..

فما سكت عنه، فهو حلال..

لأن المولى عز وجل لم ينس شيئاً..

ولا ينسى والعياذ بالله..

والمسكوت عنه إنما سكت عنه تخفيفاً...

وهذه قاعدة لا يختلف فيها اثنان..

وإني لأنصحكم أن لا تعيروا اهتماما لبعض الفتاوى التي تحرم من رأسها..

فقد نصب أصحابها أنفسهم وكلاء حصريون لله في الأرض!!

ونسوا أو تناسوا قوله تعالى:

((ولا تقولوا لما تصف السنتکم الکذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علی الله الکذب ان الذین یفترون علی الله الکذب لا یفلحون)).

 

اجمالي القراءات 76009