أهدف من سطوري هذه، بما قد تحوي من نكأ للجراح، إلى محاولة توضيح أن السلام المعروض علينا، والذي وافقت عليه جميع نظمنا الحاكمة على الأقل، ليس انتقاصاً من حقوق ثابتة لنا.. كما أنه ليس استسلاماً للأمر الواقع، وإنما هو استسلام لحقائق الوقائع، وشتان بين الأمرين، ذلك الواقع الذي نعجز أو نرفض أن نراه كما هو بالحقيقة، ونستبدله بأوهام ومغالطات تستعصي على الحصر.. تلك التصورات تفرغ ما تطلق حكوماتنا من دعوات ومبادرات سلام من مضمونها الحقيقي، الكفيل بإقناع العال&te;م، ناهيك عن إقناع إسرائيل صاحبة الشأن، بأننا حقاً قد جنحنا أخيراً للسلام.. قرار السلام إذن لابد وأن يكون قراراً ثقافياً لصفوة وشعوب المنطقة، وليس لمجرد "قلة حيلة" أو "قصر ديل" لنظمنا السياسية.. هذا التحول الثقافي الحتمي للتقدم نحو السلام هو الكفيل وحده بإعطاء مواقفنا السلمية شكلاً مصداقية موضوعية، لابد وأن تكون معيناً لنا في الحصول على حقوق حقيقية ضائعة لنا، تلك الحقوق الواهنة العلاقة بما نتصوره أو نزعمه لأنفسنا الآن من حقوق.
هكذا فإن فلسطين، تلك القضية المستعصية بأكثر من أي قضية شرق أوسطية أخرى، رغم أن حياتنا كلها تستعصي على المعالجة، لن يكون لها نهاية إلا إذا قمنا بمراجعة أنفسنا، لنبدأ مما نسميه ثوابتنا وحقوقنا التاريخية.. يبدو وكأن هذا هو المستحيل بعينه، فما أن يتلفظ أحدهم بما يخالف الخطاب والرؤية السائدة، حتى يقابل بطوفان من إعادة ترديد مقولات الخطاب العروبي السائد منذ ستة عقود على الأقل، دون محاولة تحليل ما يعرض عليهم تحليلاً هادئاً متمهلاً.. الوضع هكذا شبه ميؤس منه، أن تقدم لأحدهم فكرة واحدة، فينهال عليك بوابل من المقولات المعلبة، التي حفظناها جميعاً منذ وعينا حياتنا البائسة.. لا ينبغي أن نلوم أحداً أو جهة محددة في هذا السبيل، فلقد تعرضت شعوب المنطقة لأكبر وأطول عملية تزييف وتضليل في التاريخ، قام فيها المزيفون باللعب بالعديد من الأوراق.. خلطوا الديني بالسياسي، واختاروا منذ البداية أسوأ الخيارات السياسية، ممثلاً في الجنوح والتحالف مع النازي إبان الحرب العالمية الثانية.. وأسوأ التفسيرات الدينية، تلك التي تعادي الآخر غير المسلم، وترى الحياة حرباً شعواء مستمرة إلى يوم القيامة مع الذين كفروا، وبالأخص مع اليهود أحفاد القردة والخنازير، الذين لن تقوم الساعة حتى يقتل المسلمون آخر يهودي يختبئ خلف شجر الغرقد، وفق حديث منسوب للرسول يقول: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد".
ساعد هؤلاء المزيفون أن التربة الثقافية كانت مهيأة لما يطبخون، سواء سياسياً لتوطن الثقافة الفاشية المعادية للآخر، أو دينياً بعد فترات الإظلام الطويلة التي مرت بها شعوب المنطقة، وتم فيها سحق رموز الاستنارة الدينية، بضرب أعناقهم بالسيوف، منذ مأساة الحلاج وما تلاها، ليكون الخيار السائد دينياً هو أشد التفسيرات تطرفاً.. وجاءت القضية الفلسطينية فرصة ذهبية، لهؤلاء الذين قرروا أن يصيروا أبطالاً على حساب مصير شعوبهم، فدفعونا للصدام بداية مع المهاجرين اليهود بعد الحرب العالمية الأولى، ثم يدفعوننا حالياً للصدام مع العالم كله، ذلك العالم الذي اعترف منذ عام 1947 بحق اليهود في دولة تجاورها دولة فلسطينية، وكان قرار الأمم المتحدة في هذا التاريخ كفيلاً بإنهاء الصراع المحدود الذي استمر حينها لما يقل عن أربعة عقود.. لكن أبطالنا أبوا أن نصل إلى حل يبقي بيننا أحفاداً للقردة والخنازير، رغم أن أبناء المنطقة بداية من اللبنانيين، والآن جميع شعوب المنطقة، مرحب بهم كمواطنين في جميع دول العالم، بداية من أمريكا اللاتينية غرباً واستراليا شرقاً، وانتهاء بالدول الاسكندنافية، وهي الدول التي يخرج علينا مسؤولوها يفتخرون بأن بلادهم تقوم على التعددية الثقافية والدينية، رغم أنهم قبل تشريفنا بلادهم، كانوا موحدين جنساً ودينا ولغة!!.. هل فكر أحدنا مثلاً كم مليوناً من أبناء المنطقة حصلوا على حق المواطنة في العالم الغربي، مقابل عدد اليهود الذين كانت أوروبا في الماضي طاردة لهم، فجاءوا إلى ما نعتبره أرضنا المقدسة؟!
لقد تمثلت عملية التزييف الكبرى التي لم يبخل عليها صفوتنا بجهد، عن كم هائل من المفاهيم والرؤى المغلوطة، نقرأ ونفهم عن طريقها الواقع، فتعطينا بالتبعية صورة مزيفة ومنقطعة الصلة بهذا لواقع.. هي صور لأفكارنا أكثر من كونها صوراً لحقائق مادية مجسدة.. الأمر أشبه برؤيتنا لحيوانات مثل الكلب والخنزير، فبمجرد ذكر هذين الاسمين، تتداعى إلى المخيلة العربية أمور وصفات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهذين الحيوانين الأليفين.. هي صفات تنتمي لأفكارنا وثقافتنا فقط وحصرياً.
"فلسطين وطن سليب" أو "أرض محتلة".. هل هذا صحيح؟.. يبدو هذا بديهياً لنا نحن الذي تغذينا بخبز العروبة المخلوط بأعشاب الصحراء المرة والمسممة، لكننا لو أجهدنا أنفسنا قليلاً أو حتى كثيراً، سوف نتمكن من رؤية الأمر كما يراه العالم كله، وكما يرى إشكاليات عديدة من هذا القبيل في جميع أنحاء العالم، وأغلبها وجد طرقاً للحل.. هي "أرض متنازع عليها"، ويتطلب حل النزاع أن يعترف كل من الطرفين بحق الآخر في الوجود، ودون هذا الاعتراف المتبادل بالحقوق، يكون الحديث عن حل بمثابة سعي لارتكاب جريمة في حق الطرف الآخر، وهذا ما لن يقبل به العالم، حتى لو جلسنا نسب ونلعن هذا العالم كله إلى يوم يبعثون!!
هل اغتصب اليهود الأراضي والبيوت الفلسطينية، وقتلوا أو طردوا أصحابها؟.. الإجابة لدينا جاهزة بنعم كبيرة.. لكن الوقائع التاريخية الحقيقية تقول غير ذلك تماماً.. نعم حدثت مع تعاظم حركة هجرة اليهود في البداية حوادث عنف بفعل منظمات مسلحة، واكبت نشاطاتها حركة الهجرة، لكن هذه ليست كل الصورة، أو حتى المنظر العام والطاغي عليها، فجميعنا يعرف عمليات شراء اليهود للأرض والبيوت من أصحابها بأثمان مضاعفة، وفي حالات كثيرة كان أصحابها عائلات خارج فلسطين، والعمال الذي كانوا يزرعوناها بقى البعض منهم ليكونوا ما نعرفه بعرب 48، وخرج البقية استجابة لدعوات كانت تهدف لإبادة اليهود وإلقائهم في البحر.. إلى حد الآن ترفض إدارات التوثيق في إسرائيل توثيق ملكية دار لإسرائيلي، ما لم يكن معه مبايعة من الفلسطيني الذي كان يقطن الدار، وتتابع هذه الإدارات الفلسطينيين في المنافي، للحصول على مبايعة قانونية منهم.. الأمر إذن ليس كما نسمعه دوماً مختزلاً ومشوهاً على ألسنة الكبار والصغار، حين يضربون لك مثلاً بأن يسرق أحد بيتك ويعتبره بيته، ثم يسألونك إن كنت تقبل هذا لنفسك.. لا نستطيع بأي حال الادعاء الصادق الذي يمكن أن يتقبله العالم الحر، بأن تأسيس الدولة اليهودية قد قام على الغزو والسبي والاغتصاب!!
يقوم خطابنا على اعتبار الحركة الصهيونية حركة عنصرية، دون أن يخطر في بالنا أن نتساءل: متى تكون الحركة عنصرية، ومتى تعتبر حركة تحرر.. لا بأس ولو لبعض الوقت أن نتوقف ونتأمل ونتدبر.. حركات التحرر تسعى لتحرير شعب أو جنس، دون وجود نوازع جذرية معادية للآخر.. الحركة الكردية، وحركات تحرير دارفور والجنوب السوداني، وتحرير السود، وتحرير المرأة، كل هذه وغيرها كثير حركات تحرر، أما الحركات العنصرية، فهي التي تعمل لحساب مكون مجتمعي أو دولي، على حساب مكونات أخرى، مثل النازية والفاشية ومعاداة السامية والقومية العربية وما شابه.. حركة تحرير جنوب أفريقيا التي يحلو لنا مقارنتها بحركات المقاومة الفلسطينية، هذه لم تكن موجهة ضد البيض، مطالبة بترحيلهم من حيث أتوا، لكنها كانت حركة إنسانية، تطالب بالعدالة والمساواة والعيش المتكافئ المشترك، لهذا بالتحديد وقف العالم الحر بجانبها، ولهذا أيضاً قيد لها النجاح.. الآن هل في الأساس الفكري للحركة الصهيونية معاداة للآخر، أم أن تنظيراتها تتركز فقط وبالحصر على إنقاذ اليهود، دون اعتداء أو إضمار شر أو عداء لأي جهة أخرى؟
يمكننا مؤقتاً ولحين بحث الأمر تفصيلياً وموضوعياً، دون التعلق غير الموضوعي بتصريحات أو مقولات شخص عنصري الفكر هنا أو هناك، وتجاهل السياق العام للحركة الصهيونية، أن نجد الإجابة في وعد بلفور، الذي نكيل له اللعنات ليل نهار، دون أن نتوقف لنتأمله:
"في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علما بهذا التصريح.
المخلص: آرثر بلفور"
هل الأمر واضح أم يحتاج إلى شروح مسهبة؟.. لكن لاشك أنه عند التطبيق العملي تحدث تجاوزات، تبقى محاصرة بكونها تجاوزات، فالقوات المتحاربة تضرب أحياناً نفسها، عبر ما يسمى نيران صديقة.. لكن الجرائم الحقيقية التي ارتكبت في الفلسطينيين في هذا المجال هي من صناعتنا نحن، ومن ردود أفعالنا على واحدة من حركات التاريخ، الحافل بانسياح الشعوب، وإلا ماذا نقول نحن أصحاب الحضارة المصرية والبابلية والفينيقية والفارسية، على اجتياح عرب الجزيرة البدو لبلادنا، وتدمير حضاراتنا ومص دماء شعوبنا؟!!
علينا في مراجعتنا المنشودة لمواقفنا، أن نلقي خلف ظهورنا بأي مقولات نرددها ويردد مضادها الإسرائيليون، عن حقوق تاريخية وأمكان دينية مقدسة، فلا اللجوء للتاريخ سوف ينصف العرب ويعضد من أسانيدهم، ولا اللجوء لدواعي القداسة الدينية يمكن أن يحقق لهم بغيتهم، فالقدس أو أورشليم هي تاريخياً ودينياً عاصمة اليهود بالدرجة الأولى... علاوة على أن بقاءنا أسرى لهذا النوع من المحاججة، لن يؤدي بنا إلا إلى البقاء محلك سر، نخاطب بمقولاتنا وأسانيدنا أنفسنا، لكي نوهمها بأننا أصحاب الحق المطلق.. التاريخ يصلح فقط لأن نضطلع منه على سياق مسيرة الإنسانية، والقداسة الدينية تكمن في قلب الإنسان المؤمن، بأكثر مما تكمن في أبنية من حجارة!!
وفق خطابنا فإن الولايات المتحدة الارهابية الكبرى ومعها العالم الغربي، وبالتأكيد الاتحاد السوفيتي الذي بادر بالاعتراف بإسرائيل فور إعلان قيامها، كل هذه الشعوب المتحضرة إرهابية ومجرمة في حق العرب الأطهار، وهم الذين غرسوا ذلك الكيان الغريب في أرضنا.. هذا حسن جداً، لكن ماذا عن الأبناء والأحفاد، هل سنظل نورث لهم تلك المشكلة بخيباتها وهزائمها، بدلا من أن نورثهم مكاناً يصلح لحياة كريمة؟.. تحضرني هنا أغنية للراحل عبد الحليم حافظ، هي جزء من غسيل المخ لشعب جاهل ومتخلف، وتجسد عبثية أفكارنا ومسيرتنا، تقول:
وإن مت يا أمي ما تبكيش.
راح أموت علشان بلدي تعيش.
وإن طالت يامه السنين.
خللي اخواتي الصغيرين.
يكونوا زيي فدائيين.
هل هذه فلسفة وتوجهات من يتمتعون بقدر ولو يسير من العقل؟.. لماذا نحكم على شعوبنا وأنفسنا بالموت، هل ليأسنا من الحياة؟.. أليس هذا هوس وجنون محض؟
لماذا نحكم حول أنفسنا بامتداد أجيالنا تلك الدائرة الجهنمية المميتة؟
لماذا نسد أمام وجوهنا كل الطرق، ماعدا تلك المؤدية إلى الهاوية؟
إلى هذه الدرجة يتملك منا الحقد والكراهية والغباء، حتى ندبر ليس الموت فقط لأنفسنا، ولكن لأبنائنا وأخوتنا الصغار كما يقول عبد الحليم حافظ مطرب السلطان، الذي أثمر نضاله عن احتلال اليهود لبلاده؟!
في الحقيقة إن تصميمنا على طلب المستحيل في هذه القضية، والذي هو إزالة دولة كاملة من الوجود، يشير لنقطة خطيرة في سيكولوجية شعوبنا، فنحن أشبه بطفل يصرخ مطالباً والديه بدمية.. فثقافة البداوة والخنوع لا تعرف الكد والكدح لتنتج على ما تريد.. تعرف فقط الأخذ، الذي قد يكون عن طريق السلب والنهب إذا ما استطاعت إليه سبيلاً، وتكتفي في حالة استشعارها العجز، تلجأ للمطالبة بكل ما تريد، وليس بقدر ما تستطيع.. قد تطالب الأب في سني الطفولة، ثم تطالب بعد ذلك الحاكم، لكي يوفر لها خيرات لم تنتج منها قيد حبة خردل، وتطالبه أيضاً بديموقراطية وحرية، لا تنتهجها هي في حياتها.. وفي قضية فلسطين التي صارت لعنة معلقة فوق رؤوس الشعب الفلسطيني قبل رؤوس الشعوب المجاورة، نطالب العالم والدول العظمى أن تشفي صدورنا من حقد وكراهية وشهوة دماء تزلزلها، بأن تلقى لنا بأحفاد القردة والخنازير في البحر، أو تفنيهم بقنبلة ذرية لم تستطع أيدينا أن تتوصل لها، وإن كان جارنا وزميل نازيتنا أحمدي نجاد يحاول ذلك.. وإذا لم تقم الدول الكبرى بتحقيق كل أمانينا السوداء، فهو الصراخ والبكاء والعويل، والنعت بالإمبريالية والتصهين ومعاداة الشعوب ومص دمائها!!
مشكلتنا الكبرى أننا أميون كتابة وفكراً، فنحن لا نقرأ، وإن قرأنا لا نفهم، لأن ثقافتنا أساساً سماعية، تقوم على الحماسة والفخر والهجاء والرثاء.. أما التحليل الموضوعي فخارج نطاق قدراتنا العقلية.. ثم فوق هذا وذاك هناك في سلوكنا ظاهرة "الاستعباط"، وهي أننا ندرك الحقائق ولو في كواليس عقولنا ونسوق الاستعباط.. الاستعباط في بلادنا سيد الأخلاق!!
من الطبعي أننا حين نتحدث عن حق الشعب الإسرائيلي في الحياة، لا يلزمنا الحديث عن نفس الحق للشعب الفلسطيني، لأن هذا أمر بديهي.. لكن مع الأسف يعتبر البعض المطالبة لليهود بالحياة وكأنها مطالبة بالموت أو الذل والبؤس للفلسطينيين، ويرجع هذا إلى أن عقليتنا أسيرة الأبيض والأسود، مع وضد.. هي غصة في حلوقنا لا نستطيع ابتلاعها، أن نقر بدولة للشعب اليهودي باعتبار اليهود قومية (ولو تجاوزاً، فلهم ما شاءوا بغض النظر عن التعريفات والمصطلحات)، تشمل ما تشمل الآن من أديان وأعراق، على ذات الأسس العلمانية القائمة الآن في إسرائيل، ويتمتع فيها الجميع بالمساواة التامة على أساس انتمائهم الوطني لا الديني، بشرط ولاء كل هؤلاء الصادق للدولة الإسرائيلية، وليس كولاء عضو الكنيست الإسرائيلي ذاك، الذي تاجر بوطنه مقابل دولارات حسن نصر الله.
بجانبها دولة فلسطينية منزوعة السلاح، فالسلاح في يد الفلسطينيين نار تحرقهم هم، قبل أن تحرق غيرهم، والحجر عليهم في حمل السلاح مهمة مقدسة تصب في صالح أولادهم وعائلاتهم.. على أن يقوم المجتمع الدولي ودول الخليج بمساعدة الفلسطينيين، ليس عبر معونات غذائية، ولكن لنأخذ بيدهم في طريق التنمية الشاملة.. كما يمكن لنا جميعاً لو أردنا وأزلنا عقبة تلك القضية من طريقنا، وبعد أن تجف نهائياً بركة الدماء المهدرة، أن نسير في طريق التنمية والحداثة والحرية.
هل هذا دواء مر لا نطيق تجرعه؟
هل من مهرب لنا من القبول بما نرفض من أعماق أعماقنا؟
الحقيقة أن شعوب هذه المنطقة، نظراً لفشلها الذريع في إدارة حياتها في سائر المجالات، تعيش فيما يمكن أن نعتبره عالماً موازياً من صنع خيالها، عالم منقطع الصلة بالواقع الحي الذي تعيش فيه بأجسادها فقط.. فعندما نرى أننا في مؤخرة شعوب العالم، وأننا لا نستطيع إنتاج ما يقيم حياتنا، كان يمكننا البحث عن الوسائل والطرق التي تكفل لنا التنمية ومغادرة قاع البشرية، لكننا لأسباب عديدة اخترنا اختراع هذا العالم الموازي، وبالطبع خيارنا هذا هو الأسهل وإن كان الأسوأ، فهو لا يتطلب بذل جهد، وإنما فقط الجلوس بجوار الحائط نبكي ونولول، ونتصور أنفسنا أننا أهل الحق الأخلاق والإيمان، وأن الآخرين هم أهل البغي والفسق والفجور.. وأننا ننتج خيرات بلا حصر، والآخرون يمصون دماءنا ويفقروننا.. باختصار نتصور أنفسنا حزب الله، والجميع عدانا حزب الشيطان.. هي رؤية لذيذة ومريحة إلى أبعد الحدود، نتعزى بها ونحن منكفئون على وجوهنا في بركة الفقر والجهل والمرض.. هل هذا هو قدرنا الذي لا مهرب لنا منه؟
سؤال يحتاج إلى إجابة واقعية، وليست مشتقة من الهلاوس المسيطرة على عقولنا.