* ما هو الفرق بين الحلف والقسم *
IV
ــ سبق أن بينت –بفضل الله وحسن عونه – الفروق بين العقر والعقم – وبين النزول والهبوط – وبين النظر والبصر.
ــ عزمت - بحول الله – أن أحاول في هذه، تدبّر الفرق بين الحلف والقسم في القرءان - - وضمنا – في اللسان URBI)و( ORBI الذي نزل به كتاب الله للعالمين .
ــ سبق أن أشرتُ – كذلك – أن المترادفات - les synonymes - في جميع الألسنة ، لا تؤدي، ولا يمكن أن تؤدي ، معنى واحداً ، فلا بـدّ من فرق بينها ، فقد يكون الفرق ضئيلا أم شاسعاً !كما هو الفرق بين الحلف والقسم ، وكما سيتبين لنا من كلام الله.
ــ أما نحن، معشر الذين يتحدثون بلسان القرءان، فنُـلحن ونُـخلط بينهما !فنستعمل القسم عوض الحلف، والحلف عوض القسم .
ــ ماهية الحلف: إشهاد الله – جلّ وعلا – على ما نقوله – كذبا- لنعزّز أيْــماننا بالله !جُـنّةلقضاء الحاجات الدّنيئة !كمـــا جاء بيانه في كتاب الله الذي هــو ( ... تبيانا لكل شئ ...) وذلك في سورة المجادلة : 14/16. ( ... ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ... اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ).
ــ وفي الحلف – فقط - يكون الحنْـث وتجب فيه الكفارة : المائدة 89 ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته ... ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ...).
ــ نلاحظ : عقدتم الأيمان ( عقدتم الحلف كذباً.) ونلاحظ : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم . لم يقل سبحانه وتعالى : إذا أقسمتم !لم ينج الرسول ( الصلاة والسلام عليه ) من ذلك - خاصة – وأن ذكـّــره الله العليم الحكيم – بعد ذلك – بأداء الكفارة ما سماه: تحلّة الأيمان. ( ... قد فرض الله لكم تحـلّة أيمانكم ...) التحريم 1-2 . ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ...) ( أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً ) .
ــ جاء تقرير الكذب في الحلف - بعد ذكره – في ثلاث ءايات : في التوبة 42: ( ... والله يعلم أنهم لكاذبون ) وفي الآية 107 : ( ... والله يشهد إنهم لكاذبون )وفي ا لمجادلـة 18 : ( ... ألا إنهم هم الكاذبون ) . نلاحظ أنهم يحلفون – كذبا – حتى يوم يبعثون بي يدي العزيز الجبار ! لأن الحلف عادة فيهم في الدنيا. لنتدبر مع قوله تعالى في سورة القلم 10 ( ولا تطع كل حلاّف مهين ) بصيغة فعّال التي تدل على التكثير والمبالغة.
ــ نلاحظ أن هذا التعبير: " حلاّف " جاء بعد قوله : ( فلا تطع المكذبين ...).
ــ و نلاحظ أنه، بعد حلفهم - كذباً – ، يأتي في بعض الآيات التنديد والإنذار، بالحالفين كذبا : 56- 95 – 96 – التوبة . والمجادلة 16 : ( ... ولكــــنهم قـــــــــوم يفرقون ) (... ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ) . ( ... فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) ( اتخذوا أيمانهم جُـنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ). بما استهانوا بعظمة خالقهم ولما يشترون – بالحلف بالله – ثمنا قليلا.
ــ ماهية القســم : يجئ في الأيمان الصادقة ، حتى بالنسبة للكفار والمنافقين إذا ما أقسموا صادقين جاهدين في قسمهم لا كاذبين بالنسبة لاعتقادهم ولما في قلوبهم .
ــ جاء بيانه في قوله تعالى:
ــ ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ... ) الأنعام 109. ومثلها في53 المائدة . وفي 38 النحل. وفي 53 النور. وفي 42 فاطر.
ــ نهانا الله، نهيا صريحا ، على أن نجعل الله عرضة ًلأيماننا وذلك في ءاية البقـــرة224( ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم ...) ثم يأتي بيان ذلك بعدها:( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ...).
ــ حتى المجرمين يلاحط أنهم سيقسمون أمام الخالق يوم القيامة : أنهم لم يلبثوا إلا ساعة في قوله تعالى الروم 55.( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ...) .
ــ هذا قسم - حقيقة – لأنهم صادقون في ذلك !لا كما حلفوا - كذبا – بين يدي العزيز الجبار، - كما سبق أن ذكرت – وذلك كما جاء في سورة المجادلة 18.
ــ أما صدقهم بالنسبة لقسمهم : ( ... أنهم مالبثوا غير ساعة ...) فلقد جاء مثل ذلك ، بالنسبة للناس جميعهم ( ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ...) يونس 45 . وما جاء في سورة الأحقاف35 تقريراً وتصديقا من لدُن الحكيم الخبير. (... لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ..)
ــ أما قوله تعالى : " لا أقسم " التي جاءت في كتاب الله ثمان مرات : في الواقعة 75.والحاقة 38.والمعارج 40.والقيامة 1/2 . والتكوير15. والإنشقاق 16. والبلد 1.
ــ طبعا: أنه القسم الذي نحن بصدده ولكنه من جانب الله ! وقسماً بمخلوقاته !
ــ علة عدم القسم بقوله : لا أقسم ، كأنه تجنّبه وتحاشيه سبحانه وتعالى للقسم ،. لأن العبد المقسوم له ، - تواضعاً - من جانب المولى العليم الخبير ( ... وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ...) لا يدرك ، ولن يدرك عظمة المقسوم به ولن يعلمه !. وبيان ذلك في أول ءاية جاء فيها القسم حسب الترتيب القرءاني ، ما جاء في سورة الواقعة 75/ 76( فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) جاء مرة واحدة في أول ءاية فيها تجنُّـب القسم من جانب الله ( لا أقسم ...) حتى لا يعاد في المرات السبعة الأخرى قوله : ( ... وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) تفاديا للتكرار ومــن باب حمل المطلق على المقيد كـــــلما ذكـــر " لا أقسم " .
ــ لا نعلم ولن نعلم عظمة المقسوم به ( ... وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ).
ــ ملاحظة مهمة:
إن الله استعمل في كتابه، في الآية 21 من الأعراف ، في شأن إبليس ( لعنه الله ) مع أبينا ءادم في الجنة، قوله لهما : ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) . فجلّ المفسرين يلحقون هذا التعبير بالقسم. فهذا لا يصح أبداً ، ولا يمكن بالنسبة لإبليس، لأنه عاهد نفسه كما عاهد الله أن يُضل لا أن يُرشد !وأن يغشّ ويخدع لا أن ينصح !جعلهما – ءادم وزوجه - يستعيبان، بأنه إنما كان لهما ناصحاً فشاركهما في ذلك !وأيّ نصح !?وأيّ رشد !?من قبل إبليس اللعين ، في الوقت أنه في ذلك عاهد ربه على أن يغوي ويزين لعباده في الأرض في قوله: ( قال ربّ بما أغويتني لأزينـنّ لهـــــــم فــــي الأرض ولأغوينهـــم أجمعين )الحجر39. وما جاء في النساء 120. ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا )وفي ص 82.
ــ قاسمهما من مادة : قَــسَمَ لا أقسم، بصيغة: فاعل للدلالة على المشاركة.
ــ أقنعهما أنه لهما لمن الناصحين ( فدلاهما بغرور...)
* الخلاصـــــة *
ــ الحلف: كما تقدم ، هو أن نشهد ما نقوله - كذباً- بعظمة الخالق ويستلزم الكفارة، أم العقاب. يبينهُ قوله تعالى في سورة المجادلة 14/16.( ... ويحلفون على الكذب وهم يعلمون... اتخذوا أيمانهم جُنــة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ) . وفي الحلف فقط يكون الحنث مع الكفارة.
ــ القسم: - كما تقدم – هو أن نشهد ما نقوله – صدقا – بعظمة الخالق ولا يستلزم الحنث ولا الكفارة وذلك حسب ما نعتقده في صميم عقولنا، وقلوبنا، يبين ذلك ما جاء في سورة الأنعام 109 وغيرها من الآيات - كما ذكرت – ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ...) جاهدين في الصدق – إشهاد الله – صدقا – لما في قلوبهم إن صحيحا كان أم خطأً !– لا كذبا ً -
ــ تبــيّن لنا - فيما سبق – حالة المجرمين الذين يحلفون كذبا حتى بين يدي الله . في قوله تعالى في سورة المجادلة 18 ( يوم يبعثهم الله جميعاًفيحلفون لـــه كما يحلفون لكم ... )وجاء مثله في قسم المجرمين بين يدي الله ما جاء في سورة الروم 55 ( ويوم تقوم الساعةيقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ...) وبينت ما يعزز ذلك في سورة يونس 45والأحقاف 35.
ــ فلا حنث ولا كفارة في القَسم كما هي واجبة في الحلف .
ــ ملاحظــة:
ــ وصف الله الحلف بتعقيد الأيمان في قوله ، في سورة المائدة : ( ... ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته...)
ــ ووصف القسم ، باللغو: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ..)المائدة 89. ومثله في البقرة225
ــسماه الله باللغو، ذلك لنتعرض عن اليمين ونتجنبه – ولو صادقين- ( قد أفلح المومنون... والذين هم عن اللغو معرضون )المومنون 1/3.
ــ والله أعلـــــم ــ