1 ـ نحن الآن فى عصر الصحابة حيث كان أهل المدينة يقولون : من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة .. فقد تزوجت هذه السيدة الصحابية ثلاثة من الصحابة فقتلوا عنها .. وهم عبد الله بن أبي بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم الزبير بن العوام ، وكانت لها قصة مع كل واحد منهم..
2 ـ من هي عاتكة .؟ ..
يذكر المؤرخ محمد بن سعد في كتابه المشهور "الطبقات الكبرى" أنها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، أي ابنة عم عمر ابن الخطاب ، وقد أسلمت في مكة ثم هاجرت إلى المدينة..
وقد &Ecد تزوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق بعد هجرته إلى المدينة..
وعبد الله بن أبي بكر أسلم قديماً وهو صبي في مكة ، وطبقا للروايات فهو الذي كان يأتي بالطعام والشراب إلي النبي عليه السلام وأبي بكر وهما في الغار أثناء الهجرة وكان يأتيهما بأخبار مشركي قريش ، وبعد هجرته شارك في الغزوات واشتهر في فتح مكة وحنين والطائف..
3 ـ وفي بداية عهده بالمدينة رأى عبد الله بن أبي بكر عاتكة بنت زيد في صحبة أخيها الصحابي المشهور سعيد بن زيد فأعجبه جمالها وملكت عقله فتزوجها ، وانشغل بحبها ليل نهار . ولاحظ أبوه أبو بكر الصديق أنها شغلته عن صلاة الجمعة فأمره بطلاقها وقال: طلقها فإنها قد فتنتك فرفض وقال:
يقولون طلقها وأصبح مكانها ــ مقيماً تمنى النفس أحلام نائم
وان فراقي أهل بيت أحبهم ــ ومالهم ذنب لإحدى العظائم
فلم يزل أبوه به حتى طلقها ..
إلا أنه ندم واشتد حزنه ، وسمعه أبوه ينشد شعراً حزيناً فيها يقول:
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ــ ولا مثلها في غير ذنب تطلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب ـ وحلم وعقل في الأمور ومصدق
فرقّ له أبوه وأمره بمراجعتها ، فأعادها إلى عصمته وعاشا معاً في سعادة وهناء ..
إلا أنه يبدو أن عبد الله بن أبي بكر كان يحس ــ برغم شبابه ــ انه سيموت قريباً ويترك حبيبته فاتفق معها على ألاّ تتزوج بعده إذا مات عنها في مقابل أرض أعطاها لها.
وشهد عبد الله بن أبي بكر غزوة الطائف فرماه أبو محجن الثقفي بسهم ، وظل جريحاً ينزف حتى مات سنة 11هــ ، وحزنت عاتكة حزناً شديداً على زوجها الحبيب وقالت فيه شعراً حزيناً ..
وآليت لا تنفك عيني سخينة عليك ــ ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى ـ أعف وأكفى في الأمور وأصبرا
وعاشت عاتكة بعده متبتلة ترفض الراغبين في الزواج منها ـ على كثرتهم .
4 ـ وفي خلافة أبي بكر جاء ربيعة بن أمية إلى عمر بن الخطاب وحكى له أنه رأى مناماً في موت أبي بكر وتولى عمر الخلافة وزواج عمر من عاتكة، فغضب عمر من ربيعة ورؤياه.
ولكن حدث فعلاً أن مات أبو بكر وتولى عمر الخلافة ، وبعث إلى عاتكة يقول لها : انك قد حرمت عليك ما أحل الله لك فردى المال إلى أهله وتزوجي .
ولأن عمر الخليفة ابن عمها فقد أطاعته ورضيت بأن تتزوجه.
وعلمت السيدة عائشة بقرارها فأرسلت إليها تقول: ردي علينا أرضنا ، فردتها..
وتزوجت عاتكة عمر وأقام لها وليمة ودعا الصحابة ، فلما اجتمعوا قال علي ابن أبي طالب يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أميل رأسي إلى خيمة عائكة وأكلمها ، فقال : نعم ، فأمال علي رأسه وقال : يا عائكة أين قولك :
فآليت لا تنفك عيني سخينة عليك ـ ولا ينفك جلدي أغبرا
أي يذكرها بعهدها القديم مع زوجها عبد الله بن أبي بكر ، فبكت عائكة فقال عمر : يا أبا الحسن ما دعاك إلى هذا ؟ كل النساء يفعلن ذلك..
وقالت السيدة عائشة تتندر على شـِعرها السابق:
آليت لا تنفك عيني قريرة عليك ـ ولا ينفك جلدي أصفرا
5 ـ ويذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى) أن عائكة صممت على رفض الزواج من كل من تقدم إليها ، ثم اضطرت لقبول الزواج من عمر ، وأنها في ليلة عرسها أبت أن تعطيه حقه الشرعي ، "فعاركها حتى غلبها على نفسها" على حد قول ابن سعد ، ثم خرج عنها غاضباً ورفض العودة إليها ، فأرسلت إليه تترضاه ، ثم سارت الأمور بينهما على ما يرام ، حتى ان ابن سعد يذكر في سيرتها أنها كانت تـُـقـبّـله وهو صائم فلا يمنعها ، وكان يسمح لها ـ على غير عاداته مع نسائه ـ بالذهاب إلى المسجد لتصلي مع الناس ..
ولذلك فقد حضرت واقعة اغتيال زوجها عمر في المسجد..
وقالت ترثي عمر وتلعن قاتله فيروز:
وفجعني فيروز لا در دره ـ بتالي الكتاب في الظلام منيب .
6 ـ ثم تزوجها الزبير بن العوام ، واشترطت عليه أن لا يمنعها من الصلاة فى المسجد.
وكان للزبير زوجات أخريات وأنجب منهن ، وأشهرهن أسماء بنت أبي بكر ، إلا أنه لم ينجب من عائكة ، وكان شديد الغيرة عليها ، فإذا خرجت للمسجد يقول لها : والله إنك لتخرجين وإني أكره ذلك ، فتقول : إذا منعتني جلست ، فيقول : كيف وقد شرطت لك ألا أفعل .
ثم إنه احتال لها فكمن لها في الطريق المظلم وهي عائدة من صلاة العشاء، فلما مرت وضع يده على جسدها ، فاسترجعت واستغفرت ، وسبقها إلى البيت ، فلما جاء أوان الفجر ، وذهابها للمسجد للصلاة قال لها : ألا تخرجين ؟ فقالت : لا ، فقد فسدت أخلاق الناس ، والله لا أخرج من منزلي .!.
فلما استراح إلى أنها أقسمت بالله وستفي بقسمها أخبرها بالحقيقة ..
ثم قتل عنها الزبير بن العوام بعد موقعة الجمل ، فقالت فيه شعراً باكياً : وشاع قول أهل المدينة عنها : من أراد الشهادة فليتزوج عائكة..
7 ـ وبعد انتهاء عدتها خطبها علي بن أبي طالب فقالت: ياأمير المؤمنين قد علمت ما قاله الناس ، وإن المسلمين في حاجة إليك ، فقال على : من أراد الشهادة العاجلة فعليه بعاتكة.
ومات علي مقتولاً مع أنه لم يتزوجها ، والغريب أن الحسين بن علي تزوجها ، ومات عنها مسموماً وكان أخر أزواجها..