من ندوات إبن خلدون
الدستور المصري والجمهورية البرلمانية
دعا مدير الرواق الدكتور منصور- فى الاحتفال ببداية العام الخامس للرواق إلى اتجاه بحثى جديد يقوم به أعمدة الرواق من الباحثين الشبان ، وفى رعاية الباحثين والمفكرين من رواد الرواق .واقترح ان تكون الندوة التالية فى الاسبوع التالى عن المواد الدستورية التى ينبغى تعديلها أو إلغاؤها فى ضوء الدÚcute;دعوة الراهنة إلى الجمهورية البرلمانية ، بحيث يكون الرئيس رمزا للأمة ويتولى رئاسة الوزارة صاحب اكبر اغلبية برلمانية ويكون مسئولا امام البرلمان فى اطار فصل حقيقى ومتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . وتحمس من شباب باحثي الرواق .خمسة ابدوا استعدادهم لتجهيز الموضوع خلال الاسبوع الذي يقع فيه عيد الفطر واشغاله ، والباحثون هم : د. عثمان محمد على ، أ. رفعت كامل بيومى ، أ. طه الشريف ، والمهندس حسن الشامى ، والمهندس فتحى عبد السلام . وفى الموعد المحدد يوم الثلاثاء 1 من نوفمبر حضر الورشة رواد الرواق الاخرون وحضر د. سعد الدين ابراهيم ود. محمد ابو الاسعاد . واوضح مدير الرواق ان تنظيم ورشة العمل يختلف عن نظام الرواق العادى ، حيث سيعطى لكل متحدث اساسي عشر دقائق ، ثم يعطى عشر دقائق لكل معقب اساسي ثم تعطى ثلاث دقائق لمن يرغب فى التعليق من الحاضرين ، واكد على الباحثين ضرورة التركيز خلال العشر دقائق على توضيح المواد الدستورية المطلوب تعديلها أو إلغاؤها فى ضوء الدعوة لتحييد سلطة رئيس الجمهورية ، على ان يترك التعليق من الحاضرين ، ..
وتكلم د. عثمان محمد على : فقال ان الدستور جعل الرئيس متحكما فى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وطالما انه يجوز اعادة انتخابه لمدد اخرى طبقا للمادة 77 فإنه يظل متحكما فى كل شيء طيلة حياته ، ومع ذلك فإنه ليس مسئولا امام مجلس الشعب ، واورد المواد الدستورية التى تؤكد على ما قال . فالمادة 101 تجعل انعقاد مجلس الشعب ورفض انعقاده بيد الرئيس حتى فى الاجتماعات غير العادية وفقا للمادة 108 وله حق اصدار القوانين والاعتراض عليها 112
ويتحكم الرئيس فى السلطة التنفيذية فهو الذي يعين رئيس مجلس الوزراء والوزارة ونواب الوزراء وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين ، ويصدر لوائح الضبط وهو الذى يملك عزلهم ( م : 141 ، 143 ، 145 ) ومع ان الدستور ينص على استقلال القضاء إلا ان تعيين وزير العدل بيد رئيس الجمهورية الذي يملك التدخل فى احكام القضاء ، إذ أن له حق العفو عن العقوبة او تخفيفها ، ثم انه رئيس المجلس الاعلى للقضاء ( م: 165 ، 149 ، 173 ) وبالاضافة الى ذلك فالرئيس هو القائد الاعلى للقوات المسلحة والرئيس الاعلى لهيئة الشرطة ومجلس الدفاع الوطنى ، اى انه الذي يملك وحده كل السلطات باسم الشعب ولا يملك احد محاسبته ... وفى النهاية قال د. عثمان محمد على بضرورة تغيير كل تلك المواد الدستورية ليكون رمزا لوحدة الامة ويتم الفصل والتوازن بين السلطات فى ضوء ديمقراطية حقيقية تبدأ بحرية الرأى وتنتهى بتداول السلطة .
وقال طه الشريف : قال ان المادة 16 من اعلان حقوق الانسان للثورة الفرنسية اكدت على ان المجتمع الذي لا يضمن حقوق الافراد ولا يسود
فيه مبدأ فصل السلطات هو مجتمع دون دستور ، والدستور هو القواعد التى تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ومدى سلطتها ازاء الافراد بغض النظر عن مدى تلك السلطة ، مطلقة او مقيدة ، وفى الدستور المصري نرى سلطة الرئيس مطلقة وليس مسئولا امام الامة او مجلس الشعب ، وهذا فى حد ذاته يشكل تناقضا مع الدستور ذاته الذي ينص عليه ان المصريين سواء امام القانون فى الحقوق والواجبات ، ثم يعطي احد المصريين وهو رئيس كل السلطات يتحكم فيها وحده دون مساءلة . بل إنه يتناقض ايضا نع نص الدستور على ان مباديء الشريعة الاسلامية هى المصدر التشريعي ، ومبادئ الشريعة الاسلامية تقوم على العدل ، والعدل يتناقض مع احتكار احد الافراد لكل السلطات دون مساءلة ، ومن هنا فلابد من تغيير كل المواد التى تركز السلطة فى يد الرئيس وتجعله مسئولا امام مجلس الشعب فيما يمارسه من سلطات .
وتعرض حسن الشامى لمراحل صدور دستور 1971
والتعديلات التى اضيفت عليه خصوصا تلك التى تركز السلطة فى يد الرئيس من رئاسته لكل المجالس العليا السياسية والتنفيذية والعسكرية والعلمية والقضائية وتدخله فى عمل السطتين التشريعية والقضائية وهيمنته على السلطتين ، مما يؤسس التناقض داخل الدستور المصري الذي ينص على استقلال السلطة القضائية وان الامة هى مصدر السلطات ، بالاضافة الى تناقض الدستور مع القيم الديمقراطية ، ولذلك لابد من تنقية الدستور من كل تلك المواد التى تجعل الرئيس مطلق السلطات .
وقال رفعت بيومى : الاصل فى الدستور انه هو الذي يحدد نظام الحكم فى الدولة والفصل بين السلطات ورعاية الحقوق وتوازنها بين الفرد والمجتمع . الا ان الدستور المصري منذ نشأة الحياة النيابية فى مصر عام 1866 ، وحتى دستور 7 -2 – 1882 كان منحة من الخديوى الى الشعب ، يعطى للخديوى كل السلطة ، وبعد ثورة 1919 صدر دستور 23 تحت الضغط الشعبي فكان
فيه بعض التقليص لسلطة الملك وفى الدستور الحالى الصادر عام 1971 توجد مواد تقلص حريات الافراد وهى المادة 15 الخاصة بحرية الصحافة والمادة 20 التى تجيز القبض على الافراد بتهمة التجمهر ، وادى ذلك الى احتكار حزب الحكومة للعمل السياسي فى الشارع وان كان الحزب ليس موجودا فى الشارع . ومع ذلك توجد فى الدستور مواد ايجابية مثل المادة 40 التى تحظر التمييز بين المواطنيين على اساس اللون او الدين ، والمادة 47 الخاصة بحرية الرأى عنها فى حدود القانون .
ودعا المهندس فتحى عبد السلام رئيس الجمهورية الى المبادرة بالاصلاح رئيس الجمهورية الى المبادرة بالاصلاح السياسي وتعديل الدستور ، واشار الى احتياج العالم الى دستور جديد يحافظ على البيئة وينشر الاصلاح ويحارب الفساد وترعاه الامم المتحده .
ودعا مدير الرواق الدكتور محمد ابو الاسعاد ليعلق فقال : انه سمع كلاما يدخل فى نظاق التمنى ولا ينتمى الى الواقع لان الدستور لا ينفصل عن القوى التى تصدره ، وينطبق ذلك على كل الدساتير المصرية من 1866 الى الدستور 1923 . وحين قامت الثورة بحثت عن شكل دستورى ملائم فاختارت النظام الرئاسي الامريكى الذي ينفرد فيه الرئيس بالسلطة التنفيذية ، ولكن مع وجود برلمان قوى ومحكمة عليا قوية ، إلا ان الدستور المصري أخد السلطة كلها للرئيس وجعله متحكما فى كل شيء وليس مسئولا امام احد ، واحوالنا الراهنة تستلزم سلطة قوية استبدادية تنفذ سياسة النظام العالمى الجديد فى الاقتصاد ، ومن هنا فلا تتحمس الدول الكبرى لتأييد الديمقراطية فى دول العالم الثانى خوفا من نشوب ثورات اجتماعية تهدد مصالح الشركات متعددة الجنسيات واحتكارها . هذا من الخارج ، اما من الداخل فلا توجد فى مصر قوى اجتماعية تستطيع ان تغير الدستور ، ومن هنا ناشد المتحدثون رئيس الجمهورية التدخل للاصلاح مع انه من المستحيل ان يتنازل المستبد عن سلطاته ليقوم باصلاح سياسي .
وتكلم د. سعد الدين ابراهيم : فأكد على التركيز على الواقع ، وقال ان واقع السلطة ان تتركز فى يد رئيس الدولة ملكيا كان ام جمهوريا خصوصا فى المجتمعات النهرية التى تعتمد على نهر واحد يجري فى صحراء ، فيحتاج المجتمع الى سلطة مركزية تشرف على الرى والصرف ومنشئاتهما ، وفيهما يتحول الملك الى التأليه ، ونجد ذلك فى مصر والصين بغض النظر عن اسم الملك او الحاكم . وهذه الطبيعة الزراعية منعت نمو الطبقات وتبلورها وتأثيرها السياسي وذلك وما اشار اليه ماركس فى نمط الانتاج الاسيوى الذي لا تنطبق عليه نظريته فى الصراع الطبقي . وتساءل د. سعد الدين : هل هذا قدر محتوم ؟ وقال لا ولان الزراعة لم تعد المصدر الرئيسى للدخل مع عظم اهمية النهر ، والزراعة تمثل ثلث الدخل القومى لمصر ، وبعد السد العالى تغيرت الطبيعية النهرية لمصر ولم تعد السلطة المركزية تتدخل فى تقنين وتوزيع المياه او فى مواجهة خطر الفيضان او شح المياه . وقال ان الافضل ان نتحدث ليس عن تداول السلطة ، ولكن المشاركة فى السلطة ، اى يترك لنا الرئيس انتخاب البرلمان بطريقة افضل بقانون انتخاب جديد يقوم على التمثيل النسبي ويضمن وجود اصغر الاحزاب فى ظل انتخابات نزيهة ، وقد تمت تجربة هذا النظام عام 1984 فدخل مجلس الشعب ثلث اعضاء المعارضة كان منهم محمود القاضي ومختار نصار ، اذا علينا ان نطالب بصحافة حرة وحرية رأى وتنقية التشريعات واستقلال القضاء ومجلس شعب قوى يمثل القوى الاجتماعية ويحارب الحكومة .
وعلق د. محمد ابو الاسعاد فقال ان النظام لن بتنازل عن تزوير الانتخابات ، لان التزوير اصبح عادة انتخابية لتدعيم البنية الاساسية التى تقوم على الاستبداد ، ولا توجد فى مصر قوة محلية تفرض نزاهة الانتخابات .
ورد عليه د. سعد الدين ابراهيم بأنه متفائل ويضيء شمعة واحدة وينظر للعالم ككل – ففى الفترة من 74 : 1999 وهى ربع قرن تحولت الى الديمقراطية 140 دولة فى ظل سطوة الرأسمالية فيما يعرف بالموجة الثالثة للديمقراطية ، وبدأت فى البرتغال ثم اسبانيا ثم اليونان ثم امريكا اللاتينية ثم شرق آسيا ثم جنوب آسيا ثم شرق اوربا والاتحاد السوفيتى ثم افريقيا جنوب الصحراء ثم العالم العربي الذي يشهد محاولات للتحول الديمقراطى . ونرى فى اليمن والكويت والاردن انتخابات بدون تزوير ، وقد كان هناك تزوير فى الانتخابات الامريكية 1865 – 1914
يمثل ما تعانى منه الان ثم تخلصت منه امريكا . والمهم ان تبدأ وقد بدأنا تعددية شكلية وستتحول الى تعددية حقيقية ، وقال د. سعد الدين ابراهيم ان جهات عليا طلبت منه دراسة للاصلاح السياسي بدون اسراف فى المثاليات ، فدرس التجارب العالمية فوجد المكسيك اقرب إلى مصر فى تحولها التاريخى والسياسي ، فدعا د. سعد الى تبنى المشروع المكسيكى فى التحول الديمقراطى الذي يتيح للحزب الحاكم اغلبية مريحة يحكم بها مع هامش مريح للمعارضة عبر الانتخابات بالقائمة النسبية .
وقال مدير الرواق اننا سمعنا وجهتى نظر احدهما متشائمة يائسة للدكتور ابو الاسعاد والاخري متفائلة للدكتور سعد الدين ابراهيم ، ولكنها تكتفى بسقف محدد جزئي وتصادر على الجيل القادم حقه فى سقف اعلى من الديمقراطية ، حيث ان الجيل الحاكم الان قد تجاوز السبعين من العمر ، وفى غضون سنوات قلائل سيختفى ، وسيظهر جيل من الشباب الذي سيطالب بحقه فى السلطة ، فهل تفرض على ذلك الجيل الاتى ظروف واقعنا الراهن ؟ وطلب مدير الرواق تعليقات من الحاضرين ، فدعا
العميد حسن عبد القادر الى الاشتراكية النقابية ،
واقترح عبد الناصر عبد الرحمن تدعيم الترابط بالناس وجعلهم بدركون ان مصلحتهم الشخصية فى الانغماس فى العمل السياسي والعمل العام وتدعيم مؤسسات المجتمع المدنى ،
واكد احمد شعبان على التوعية الدينية الصحيحة التى تؤسس للعدل وتناقض الاستبداد ،
واكدت امال ثابت على الاصلاح الذاتى حتى نستحق حكومة افضل .