أخطاء الحكومة المصرية والتفريط فى أراضى الدولة

حمدى البصير في السبت ١٨ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

ببساطة شديدة إختصرت الحكومة المصرية أزمة عقد مشروع مدينتى الحادة فى كلمتين وبس ،هما " الخطأ الإدارى " .

فقدأعلن الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، بعد ثلاثة أيام من صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بتأييد بطلان عقد بيع أرض مشروع مدينتى ، أن هناك خطأ إداريا بين هيئة المجتمعات العمرانية والشركة وليس هناك فساد عام أو مشكلة ولكن كان هناك حسن نية وتم البيع بأعلي سعر.وإن استم&Nticute;تمرار مشروع مدينتى هو إحدى الأولويات المهمة للحكومة من أجل الحفاظ على مناخ الاستثمار وحقوق المساهمين وحاجزى الوحدات السكنية والمستثمرين فى أسهم الشركة وأوراقها المالية.

وأضاف نظيف خلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية والخدمية بمحافظة الفيوم, أن الحكومة تحترم أحكام القضاء ،وسيتم تشكيل لجنة لحل المشكلة علي خير وجه, موضحا أن الحكومة تدرس حاليا كيفية تنفيذ الحكم مع الأخذ في الاعتبار مصالح المواطنين ومناخ الاستثمار وحقوق الآلاف من المستثمرين في البورصة, واعتبارات تأثر أسهم الشركة بما يحدث, وكذلك تأثر كل الشركات العقارية في مصر.

ونفس الكلام ردده وزير الإسكان المهندس المغربى الذى كان مرافقا لرئيس الوزراء فى جولة الفيوم, كى "يؤمن " على كلام رئيس الحكومة ، حيث أكد أن ما جري كان خطأ إداريا وليس أي شيء آخر ، وإن أي حاجز يواجه أية مشكلة عليه أن يتوجه إلي شركة طلعت مصطفى صاحبة مشروع مدينتى ، وليس إلي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة, حيث لا توجد أي مشكلة بين الهيئة والشركة .

وكالعادة سبقت الحكومة الجميع من أجل طمأنة المواطنين ،خاصة الحاجزين فى مشروع مدينتى ،مثلما تفعل فى كل أزمة أو مصيبة ،حيث أكدت من قبل إننا لن نتأثر بالازمة المالية العالمية أو الأوروبية ، ولن يشعر المواطن بوجود أزمة فى القمح بعد حظر تصدير القمح الروسى لمصر ،مثلما لم يشعر بإرتفاع الأسعار المستمر،بل إن مشكلة إنقطاع الكهرباء أنتهت إلى غير رجعة ،كما إن نهر النيل لم يتأثر إطلاقا بعد أن غرق صندل يحمل مئات الأطنان من المازوت فى العيد ولم تنقطع المياه فى محافظة الأقصر التى غرق فيها الصندل أو فى محافظات الصعيد المجاورة لأنه تمت السيطرة على بقعة المازوت فى 48ساعة فقط !

وبعيدا عن تبسيط الحكومة المخل للأمور ، وعن كونها تضحك على الشعب أم لا ،أو إن الشعب أصبح يصدقها من عدمه ، فإن تداعيات حكم بطلان عقد مدينتى على جميع الأصعدة ، أصبحت تتطلب نظرة مختلفة من الحكومة ، وعلاج سريع للأزمات المترتبة على الحكم بحكمة ، قبل أن ينهار السوق العقارى وتتأثر حركة الاستثمارات المحلية والأجنبية ، وقبل كل ذلك الحفاظ مستقبلا على أراضى الدولة ،وإعادة تسعير أراضى مشروعات المنتجعات السكنية الحالية ، وتصحيح أخطائها الإدارية الكثيرة ،فعلى سبيل المثال باعت الحكومة أراضى السليمانية على أنها لمشروع زراعى ضخم ،ولكن السليمانية الأن أصبحت منتجعا سكنيا به مئات الفيلات والقصور يسكنها كبار " كبار " المسؤلين .

وبالتالى الأمر يتطلب ثورة تصحيحية من الحكومة ،لإعادة الأمور إلى نصابها بعدالة ، وأن ياخذ كل صاحب حق حقه ، لإن فى النهاية تلك أموال الشعب وحق الأجيال القادمة ، بدلا من أن يلجأ المتضررون إلى القضاء ، ويتخطون الحكومة ،ويصبح مجلس الدولة مقرا لتصحيح الأخطاءالإدارية الحكومية ،وحامى حمى الحقوق الشعبية.

فبعد يومين فقط من الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا ببطلان عقد "مدينتى" المخصصة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى قررت مراكزحقوقية وقانونية، فضلاً عن أفراد ، تحريك دعاوى قضائية ضد مجموعة من الشركات التى حصلت على أراضى من الحكومة بقرارات تخصيص دون اتباع قانون المزايدات والمناقصات من هيئة المجتمعات العمرانية خلال الفترة من 1998 ـ تاريخ صدور قانون المزايدات ـ وحتى عام 2006 التى شهدت تحرير آخر عقود التخصيص.

فهناك عدد من الشركات حصلت على أراضى بقرارات تخصيص دون إتباع قانون المزايدات والمناقصات من هيئة المجتمعات العمرانية والمهددة بالملاحقة القضائية على غرار "مدينتى" ومنها "الشركة المصرية الدولية للمقاولات والاستثمار" وحصلت على 119 فداناً بمحافظة أكتوبر، و"شركة الزهور للاستثمار والسياحة" 400 فدان فى ذات المنطقة، و"الشركة المصرية الامريكية للاستثمار العقارى" وحصلت على 100 فدان، و"شركة ارابيا للتعمير والإسكان 209 أفدنة"، و"بالم هيلز" وتملك 960 فداناً والأراضى التابعة لـ"شركة القطامية هايتس"، كما ضمت القائمة "شركة أعمار" ، و"ميراج سيتى" وأراضى "دريم لاند".

كما يدرس النوبيون ملاحقة "شركة المملكة للتنمية الزراعية" المملوكة لرجل الاعمال السعودى الوليد بن طلال المشترية لمساحة 120 ألف فدان بمشروع جنوب الوادى "توشكى" عام 1997 قضائياً، فيما حرك أهالى مدينة العياط دعوى قضائية قبل شهرين للطعن على عقد "الشركة المصرية الكويتية" التى خصصت لها الحكومة مساحة 26 الف فدان بالعياط لمخالفاتها شروط التعاقد، فضلاً عن استيلائها على 11 ألف فدان أخرى، كما يعتزم أهالى فيما اعتزم آخرون تحريك دعاوى قضائية ضد جميع الشركات الزراعية والاستثمارية التى خصصت لها أراضى مملوكة للدولة بالمخالفة للقوانين .

وفى محاولة للاستفادة من الحكم ببطلان عقد مدينتى، تقدم شحاتة محمد شحاتة المحامى بالنقض بدعوى قضائية جديدة أمام مجلس الدولة ضد د.أحمد نظيف رئيس الوزراء وأمين أباظة وزير الزراعة، يطالب فيها ببطلان عقد الوليد بن طلال فى توشكى، وذلك ببطلان إجراءات تخصيص 100 ألف فدان لشركة "المملكة" التى يرأسها الوليد .

وطالب صاحب الدعوى التى تم تقييدها برقم 48642 لسنة 64 قضائية بصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار الإدارى الصادر بجلسة مجلس الوزراء فى 12مايو 1997، وما تضمنه من الموافقة على العقد، والذى تضمن بيع كافة الأراضى التى باعتها الدولة للوليد بن طلال بتوشكى، وأكد صاحب الدعوى بطلان القرار والعقد لمخالفته القانون والدستور مع ما يترتب على ذلك من آثار، مطالبا بسحب الأراضى وتوزيعها على شباب الخريجين للقيام بزراعتها وإلزام جهة الإدارة بالمصرفات والأتعاب.

وأكد المحامى فى الدعوى أن عقد التخصيص الصادر لصالح شركة «المملكة للتنمية الزراعية - مصر»، هو عقد «إذعان» تسبب فى «إضعاف هيبة الدولة» على أراضيها طبقا للنصوص التى تم الاتفاق عليها بين الحكومة والشركة، ويمثل «أخطر العقود التى أبرمتها الدولة مع أطراف أجنبية منذ امتياز حفر قناة السويس".

ووصف المحامى التكييف القانونى الدقيق لمثل هذا العقد بأنه "عقد بيع جزء من إقليم الدولة"،

وأنه مع ذلك - كما يقول شحاتة - لم تعلن الحكومات المتعاقبة عن تفاصيل هذا العقد الذى وصفه بالكارثة، وتبين أن مجلس الوزراء وافق فى مايو 1997 فى عهد كمال الجنزورى على تخصيص 100 ألف فدان لتوشكى، وتم توقيع العقد فى عام 1998، وحصل بن طلال على الفدان بسعر خمسين جنيهاً أى كل الأرض بمبلغ 5 ملايين جنيه دفع منها مليونا والباقى حين ميسرة.

وكشف شحاتة المحامى فى دعواه أن البنية التحتية للفدان تكلفت من جهة الدولة 11 ألف جنيه، والتقدير الحقيقى لفدان الأرض المستصلح فى بعض المناطق لا يقل عن خمسين ألف جنيه للفدان .

وأكد إن العقد الذى تم تضمينه فى الدعوى أن الأمير الوليد حصل على مزايا وتسهيلات غير مسبوقة، لا تتناسب مع حجم الإنفاق الكبير للدولة على «البنية القومية» للمشروع البالغة أكثر من ٦ مليارات جنيه، فى الوقت الذى كان مردود ما أنجزته شركة «المملكة» فى مجال الاستصلاح ضعيفا، كما أن نصوص الإذعان فى العقد كانت وراء مماطلة الوليد فى استصلاح المساحات المخصصة له، على الرغم من أنه يتمتع بجميع المزايا المشجعة على الاستثمار الزراعى، من خلال تخصيص أفضل المساحات ضمن أراضى المشروع البالغة ٥٤٠ ألف فدان بمختلف الفروع ..

كما يتضمن العقد دفع الوليد ٢٠% من قيمة الشراء عند التوقيع، والباقى حسب اتفاق الطرفين، وعند سداد كامل ثمن الأرض تمنح شركة الوليد حق الامتلاك المطلق لكامل المنطقة الواقعة فيما بين الإحداثيات المذكورة فى المادة الثانية من العقد، وتسجيلها باسمه، على أن تلتزم الحكومة بتقديم ضمانات خطية ضد نزع الملكية أو مصادرة الأرض المذكورة، وبهذا لن تكون الأرض خاضعة لأى أعباء حكومية أو أتعاب أو رسوم، سواء رسوم التسجيل أو التوثيق أو ضريبة التمغة والضرائب العقارية، وضرائب رأس المال المتعلقة بالأرض أو ملكيتها.

وذكر صاحب الدعوى مبررات إقامته لمثل هذه القضية بأنه مواطن مصرى تضرر من التفريط فى المال العام وإهداره بهذه الصورة بالمخالفة للقانون، خاصة قانون المزايدات والمناقصات، أنه من المفروض أن تكون الدولة هى الطرف الأقوى، لكن العقد المطروح قلب الأوضاع وجعل الطرف الآخر هو الأقوى والدولة هى الطرف الخانع المستسلم الضعيف - حسب وصف شحاته محمد شحاته فى دعواه - .

بالطبع أنا مع إقامة مشروع مدينتى ، والذى أقيم فى صحراء جرداء ، وايضا مع تعمير توشكى ، لأن المشروعان يسهمان فى خلق مجتمع عمرانى جديد ،سواء على أطراف القاهرة ، أو فى أعماق الجنوب ، ولكننى ضد التفريط فى أراضى الدولة ، وضد الإفراط فى رفع الدعاوى القضائية فى مجلس الدولة ، لإن هذا لايهز الثقة فى الحكومة التى لاتتحرك وتبسط الأمور وتحل المشاكل بطريقة الضحك على الدقون فقط ، ولكن يهز الثقة فى الكيان المؤسسى ككل ،وبمبدأ الفصل بين السلطات ، وبالإستثمارت ،بل وبالإستقرار ككل .

فهناك قضايا يجب أن يتفرغ لها مجلس الدولة أهم من الصراع على رئاسة نادى الزمالك ،وتصحيح أخطاء الحكومة ، كما أن هناك مشاكل خطيرة أمام الحكومة يجب أن تتحرك بسرعة لحلها ،منها إعادة الثقة لحركة الأستثمار بصفة عامة والإستثمارات العقارية بصفة خاصة ، والأهم من هذا حماية أراضى الدولة وحقوق رعاياها

اجمالي القراءات 11100