سليمان عليه السلام

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٨ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
سؤال من الأستاذ عبد المجيد المرسلى : ( تحياتى دكتور : ماهو معنى ماجاء فى هاده الايات التى تتعلق بنبى الله سليمان : ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه اواب اذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال انى احببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا تم اناب.) ؟
آحمد صبحي منصور

 الإجابة

1 ـ الله جل وعلا يبتلينا بالخير وبالشر إختبارا وفتنة . قال جل وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(35)الأنبياء ) . وفي سورة ( ص ) ذكر رب العزة مثالين نجحا في إبتلاء الصبر ، أحدهما في إختبار المحنة والآخر في إختبار المنحة . وكلاهما موصوف بصفة التكريم ، هي العبودية للخالق جل وعلا . الإثنان هما النبى أيوب والآخر هو النبى سليمان . عليهما السلام .

2 ـ عن أيوب قال جل وعلا : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ(43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(44)ص ). لاحظ :

 2 / 1 : التكريم لأيوب في البداية :( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ ) أي أذكر يا محمد عبدنا أيوب حتى تتأسّى به . ثم يتكرر التكريم في النهاية : ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ). هنا شهادة إلاهية له بالصبر ، وأنه نعم العبد وأنه أوّاب . فياله من تكريم . !

2 / 2 : الشعب المصرى مشهور بالصبر ، لذا تحوّلت قصة صبر أيوب الى فولكلور شعبى ، ومن أشهره أُغنية ( يا ما صبر أيوب على حكم الزمان ) . إلّا إنّ صبر المصريين صبر سلبى يعنى الخضوع والخنوع والاستسلام للقهر . الصبر في الإسلام هو الصبر الإيجابى ، لذا يأتي في الدهاد والقتال ، وهذا موضوع طويل.

3 ـ في نفس السورة قال جل وعلا مثلا آخر في الصبر على النعمة بالشكر والحمد ، قال جل وعلا عن النبى سليمان :

 

( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(40)ص ). نلاحظ :

3 / 1 : جاء مدح سليمان في قوله جل وعلا عنه ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )، وهو نفس ما قيل عن النبى أيوب .

3 / 2 : السبب : أن خيوله عرضت عليه وهى (صافنات ). والصافنة من الخيل هي التي تقف على ثلاثة أقدام وترفع أخرى إستعداد للجرى . وإنطلقت تعدو ، فقال سليمان إنه يحب الخير في هذا لأنه من الله جل وعلا المُنعم . وطلب إرجاعها اليه فأخذ يمسح العرق عن سيقانها وأعناقها .

3 / 3 : بعدها كان اختباره بخسارة النعمة كلها مرة واحدة . كان ملكا له كرسى . دخل فوجد جسدا يحمل وجهه وشكله يجلس على كرسيّه يأمر وينهى ، وهو ( سليمان ) لا يراه أحد . أصابه الذهول من الصدمة ، ولكن سرعان ما تاب وأناب ورضى بحكم الرحمن جل وعلا . عندها زال ذلك الجسد ، وجلس سليمان مكانه ورجع الى ملكه ورجع اليه ملكه .

3 / 4 : كانت تجربة قاسية جعلت سليمان يدعو ربه جل وعلا أن يغفر له وأن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده . وإستجاب له ربه جل وعلا فسخّر له الريح والشياطين ، وله التحكم فيها . ثم بعد هذا له عند ربه زلفى أي سيكون مقربا في يوم القيامة .

3 / 5 : وفى سورة النمل تطبيق للنعم التي منحها الله جل وعلا للنبى سليمان . نقرأ قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ(16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(44)  )

أخيرا

الصبر على النعمة بالشكر والحمد أصعب من الصبر على الشّدة . من تلحق محنة لا مفر له ولا مهرب ، قد يكفر ولكن هذا لا ينجيه من المحنة ، وهو يخسر الدنيا والآخرة . أغلب الناس إذا أوتى نعمة تجبّر وطغى ونسى المُنعم جل وعلا وهو القائل : (  كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى(6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى(7)العلق ). ما أروع قوله جل وعلا : ( أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ) ، أي رأى نفسه مستغنيا عن ربه ، ومستحيل أن يستغنى عن ربه جل وعلا ، وهو القائل لنا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ(17)فاطر )

 ودائما : صدق الله العظيم

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

 https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 705