الرئاسة يجب أن تعتذر

في الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الرئاسة يجب أن تعتذر – فهمي هويدي

 
 

لأن الزمّار يموت في حين تستمر أصابعه في اللعب، كما يقول المثل الشائع، فإن الحرفة تجعلني أراجع صياغة الأخبار المنشورة كما لو أنني مازلت سكرتيرا أو مديرا للتحرير، وهو ما جعلني أدقق في الكيفية التي نشر بها خبر مصرع مدير مباحث محافظة الجيزة، بعدما صدمته عربة طائشة قبل انطلاق مدفع الإفطار يوم الأربعاء الماضي، 26 أغسطس،

 

 إذ نشرت «الأهرام» في اليوم التالي «27 أغسطس» أن اللواء مصطفى زيد، استشهد في أثناء تأدية واجبه، حيث كان الرجل ومعه مدير شرطة الطرق والمنافذ عند الطريق الدائري بمحور المنيب يشرفان على تسهيل حركة المرور قبل الإفطار، «من خلال المنهج الذي تنتهجه وزارة الداخلية بالدفع بضباط الشرطة والمرور لتسهيل حركة المرور» ـ هكذا ذكرت «الأهرام» بالنص، ثم أضافت أنه:

بعدما انفرجت حركة المرور وتحوّل الطريق من متوقف تماما إلى سهولة ويسر جاءت سيارة منطلقة بسرعة جنونية، فأطاحت بالرجلين، فقتلت اللواء مصطفى زيد وأصابت العميد مجدي عبدالله مدير شرطة الطرق والمنافذ.

 

في اليوم نفسه «27 أغسطس» قالت صحيفة الوفد: إن «العميد» مصطفى زيد مدير المباحث الجنائية بالجيزة كان يقف على وصلة الدائري الجديد بصحبة اللواء محسن حفظي مساعد أول الوزير لأمن الجيزة، واللواء كمال الدالي مدير الإدارة العامة للمباحث، وكان الثلاثة يقومون بمهمة معاينة المحور الجديد ووضع تصور لنقاط الخدمة عليه، تمهيدا لقيام الرئيس مبارك بافتتاحه خلال أيام، وفي أثناء وقوفهم على المحور جاء «أتوبيس» تابع لهيئة حكومية ودهسه مع ضابطين آخرين هما العميد مجدي عبدالله والرائد أشرف فودة، فقتل الأول وأصاب الآخرين.

 

أثار انتباهي في الخبر المنشور عدة أمور،

 فقد لاحظت أن «الأهرام» أغفلت ذكر اثنين من كبار الضباط كانا مع الضابط الشهيد، أعني مساعد أول الوزير لأمن الجيزة، ومدير الإدارة العامة للمباحث،

كما أنني استغربت أن يخرج ثلاثة من أصحاب الرتب الرفيعة بسلك الشرطة لتسيير المرور الذي لا علاقة لهم به على المحور «وهي المهمة التي يستطيع أن يقوم بها أمناء الشرطة أو أي ضابط صغير، وقد جعلني ذلك أكثر ميلا إلى تصديق خبر صحيفة الوفد، الذي ذكر أن مهمتهم الحقيقية كانت ترتيب زيارة الرئيس للمحور.

 دعك من اختلاف الروايتين في رتبة الضابط الشهيد، الذي لم أستبعد أن يكون وزير الداخلية قد أمر بترقيته بعد استشهاده.

 

لاحظت أيضا أن الأهرام تجاهلت هوية حافلة الركاب، التي ذكرت صحيفة الوفد أنها تابعة لإحدى الجهات الحكومية، لاحظت كذلك أن صياغة الأهرام أرادت أن تسجل نقطة لتلميع وزارة الداخلية، حين ذكرت أن الضباط كانوا يشرفون على حركة المرور، التزاما بنهج وزارة الداخلية الحريصة على استمرار تسهيله.

 

لفت نظري أيضا أن وزارة الداخلية بالغت في توديع جثمان الضابط الشهيد، فإلى جانب منحه رتبة لواء، فإن وزير الداخلية أصدر أمره بإقامة جنازة عسكرية مهيبة له، تقدّمها مندوب رئاسة الجمهورية وشيخ الأزهر ورئيس أركان القوات المسلحة ومساعدو وزير الداخلية.

 

ورغم اقتناعي بأن الموت له جلاله، وأن الضابط الشهيد يستحق التقدير، ليس فقط لأنه قتل في أثناء قيامه بواجبه، ولكن أيضا لأنه كان ضابطا متميزا ترك سيرة عطرة وعرف باستقامته وورعه «كان على موعد مع السفر لأداء العمرة في اليوم التالي لمصرعه»، إلا أن ترتيب الجنازة على النحو غير المألوف الذي تم، ظل جديرا بالملاحظة.

 

الخبر الذي نشرته «الشروق» يوم الجمعة 28 أغسطس بدد الشكوك وأظهر الحقيقة، حين ذكر أن حافلة الركاب التي قتلت الضابط الشهيد تتبع «جهة سيادية»، الأمر الذي يؤيد رواية صحيفة الوفد ويكمل الخبر، ذلك أن مهمة الضباط الثلاثة الكبار كانت معاينة المكان تمهيدا لزيارة الرئيس، وأن الحافلة القاتلة تابعة لرئاسة الجمهورية، ولكن وزارة الداخلية حرصت على عدم ذكر الحقيقة، فبالغت في إخراج الجنازة، واخترعت حكاية تسهيل المرور للناس لإخراج الرئاسة من الموضوع.

 

سألت من أعرف فأيدوا ما ذهبت إليه، وعندئذ قلت:

مادام الأمر ليس متعمدا، فماذا يضير لو أن الداخلية احترمت الحقيقة وذكرتها بشجاعة؟

ولماذا لم يصدر بيان من رئاسة الجمهورية ينعى الفقيد، ويعتذر عما جرى، ويقرر صرف تعويض مناسب لأسرته عن مصابها الفادح؟

 

سمعني صديق فأسكتني قائلا:

كيف تطالب الداخلية بذكر الحقيقة وهي التي احترفت التزوير وأدمنته، وأغلب الظن أن الصيام أثر عليك، فطالبت الرئاسة بالاعتذار لأسرة الفقيد وللشعب المصري الذي فقد في الحادث واحدا من أبنائه المخلصين.

..........................

اجمالي القراءات 2772