آحمد صبحي منصور
في
الأربعاء ٠٨ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
الإجابة
في عام 82 ارسل الحجاج بن يوسف جيشا الى الشرق يقودهعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فدخل بلاد رتبيل ( ملك التُّرك ) في الشرق، وأخذ منها الغنائم والحصون كتب إلى الحجاج يعرفه ذلك وأن رأيه أن يتركوا التوغل في بلاد رتبيل حتى يعرفوا طريقها ويجبوا خراجها . فلما أتى كتابه إلى الحجاج كتب جوابه: ( إن كتابك كتاب امرئ يحب الهدنة ويستريح إلى الموادعة، قد صانع عدواً قليلاً ذليلاً، قد أصابوا من المسلمين جنداً كان بلاؤهم حسناً وغناؤهم عظيماً، وإنك حيث تكف عن ذلك العدو بجندي وحدي لسخي النفس بمن أطيب من المسلمين، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم والهدم لحصونهم وقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم. ) ثم أردفه كتاباً آخر بنحو ذلك، وفيه: ( أما بعد فمر من قبلك من المسلمين فليحرثوا وليقيموا بها فإنها دارهم حتى يفتحها الله عليهم ) ، ثم كتب إليه ثالثاً بذلك، ويقول له: ( إن مضيت لما أمرتك وإلا فأخوك إسحاق بن محمد أمير الناس.). استشار عبد الرحمن قادة الجيش ، وكانوا كارهين للحجاج ، فحثوا إبن الأشعث على عصيان الحجاج بل وحربه . وتنادوا لذلك متشوقين للانتقام من الحجاج ، وبايعوا إبن الأشعث أميرا عليهم. فلما بلغ الحجاج خلعه كتب إلى الخليفة عبد الملك بن مروان بخبر عبد الرحمن ، وسأله أن يعجل بعثة الجنود إليه. وسار الحجاج حتى نزل البصرة. ولما وصل كتاب الحجاج إلى عبد الملك أسرع فجهز الجند إلى الحجاج، وانهزم أصحاب الحجاج امام جيش ابن الاشعث في اول لقاء بعد قتال شديد، وكان ذلك يوم الأضحى سنة إحدى وثمانين،( في الشهر الحرام ) وقتل منهم جمع كثير.إنسحب الحجاج إلى البصرة ، وفرق في الناس مائة وخمسين ألف ألف درهم.دخل عبد الرحمن البصرة، فبايعه جميع أهلها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك.وفي المحرم ( الشهر الحرام ) اقتتل الجيشان فانهزم أصحاب الحجاج أولا ، ثم انتصروا وانهزم ابن الاشعث وانسحب نحو الكوفة ، عاد القتال فأقام الحجاج أول صفر واستعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي. وسار عبد الرحمن إلى الكوفة، فلما استقر عبد الرحمن بالكوفة اجتمع إليه الناس وقصده أهل البصرة، ، وصار واضحا انها حرب بين العراق والشام .وخدع الحجاج الناس بالأمان وقتل منهم أحد عشر ألفاً .ثم كانت الموقعة الفاصلة في دير الجماجم في شهر شعبان من هذه السنة، وتجهز الفريقان لها . قبلها عرض الخليفة عبد الملك بن مروان عليهم خلع الحجاج حقنا للدماء فرفض العراقيون . فبعث عبد الملك ابنه عبد الله وأخاه محمد بن مروان، إلى الحجاج في جند كثيف .
كان ( القُرّاء ) اى المثقفون دينيا ( وبزعمهم يقرأون القرآن ) هم عماد جيش ابن الأشعث ، ويتزعمهم عبد الرحمن بن أبي ليلى! الذى خطب فقال : ( يا معشر القراء! إن الفرار ليس بأحد بأقبح منه منكم، غني سمعت علي بن أبي طالب، رفع الله درجته في الصالحين وآتاه ثواب الصاديقين والشهداء، يقول يوم لقينا أهل الشام: أيها المؤمنون إنه من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعة إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجسر وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونور في قلبه باليقين، فقاتلوا هؤلاء المحلين المحدثين المبتدعين الذين جهلوا الحق فلا يعرفونه، وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.). من قوله هذا إخترع الحنابلة في العصر العباسى حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ..) والذى صار ـ ولا يزال ـ دستورا للتطرف .
المهم :
إشتد القتال وانتصر الحجاج ، وأخذ يبايع الناس، وكان لا يبايع أحداً إلا قال له: اشهد أنك كفرت، فإن قال: نعم، بايعه، وإلا قتله. ولما انهزم عبد الرحمن أتى البصرة واجتمع إليه من المنهزمين جمع كثير ، وسار بهم عبد الرحمن نحو الحجاج فاقتتلوا خمسة عشر يوماً من شعبان أشد قتال، وفى النهاية انهزم عبد الرحمن وهرب الى رتبيل ، وطارده جيش للحجاج ، ولكنه وصل الى رتبيل فأكرمه ، فارسل الحجاج يهدد رتبيل بغزو بلاده وسبى نسائهم وأطفالهم . وفى عام 85 إستعد رتبيل لتسليم إبن الأشعث ، فانتحر ابن الأشعث بأن القى بنفسه من سطح القصر.
جماجم القتلى من أهل العراق من المنهزمين ومن الأسرى صنع بهم الحجاج هرما ، فكان ( دير الجماجم ) . بالمناسبة :
كان تيمورلنك سنيا يؤمن بالبخاري ( البخاري من أوزبكستان موطن تيمورلنك ) ، وقد وصف المقريزى المذابح التى ارتكبها ، ومنها مذبحة دمشق بعد أن خدعهم بالأمان ، ثم سلب كل أموالهم بالتعذيب مع إغتصاب الأطفال والفتيات والنساء جهارا ، وفى النهاية أحرق دمشق وبنى أهرامات من جماجم القتلى . حدث هذا عام 803 هجرية .
وتبقى العبرة :
1 ـ فالقتال دار بلا أي احترام للأشهر الحرم ، ولقد كان الجاهليون يقترفون النسئ بتأجيل حرمة شهر منها الى شهر آخر فجعله الله جل وعلا زيادة في الكفر . قال جل وعلا : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(37)التوبة ) . فماذا عما فعله الحجاج وغيره ؟ ومعروف أن أبا بكر بدأ الفتوحات في شهر محرم ، وإستمرت بلا توقف وبلا إحترام لها . كما لم تتوقف الحروب الأهلية بين ( المسلمين ) مراعاة لتلك الأشهر ، سواء في الفتنة الكبرى الأولى أو الثانية ، وحتى الآن ، حتى تم نسيانها والعبث بها .
2 ـ إن الحج للبيت الحرام هو خلال تلك الأشهر الحرم المتتابعة والتي كانت معلومة وقت نزول القرآن الكريم ، قال جل وعلا : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ(197)البقرة ). أي من يفرض على نفسه الحج في هذه الأشهر فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج . وتبدأ تلك الأشهر بيوم الافتتاح ، ( يوم الحج الأكبر ) وهو أول ذي الحجة . ( الحجة ) تعنى قرآنيا ( العام والسنة ) في قصة موسى مع العبد الصالح : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) 27 ) القصص ) ، الخليفة الفاسق عمر بن الخطاب قام بتغيير هذا ، بما أسماه التقويم الهجرى ، والذى لا يزال سائدا حتى اليوم .
المهم أن الشهر الحُرُم تبدأ بذى الحجة ثم تستمر متتابعة بعده الى الشهر الرابع ( ربيع الأول ). وفى مفتتح سورة التوبة أعطى الله جل وعلا الكافرين ناقضى العهد مهلة الأشهر الحرم للتوبة والعودة للسلام ، فإذا ( إنسلخت ) تلك الأشهر المتتابعة فيجب قتالهم . قال جل وعلا : ( بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)التوبة ) .
انتهاك الكعبة وحرقها جرى في الصراع بين عبد الله بن الزبير والأمويين في خلافة عبد الملك بن مروان ، وهو الذى أسّس ما يسمى بالمسجد الأقصى في القدس على أنقاض الهيكل الاسرائيلى ، حتى لا يذهب أنصاره من أهل الشام للحج ويتعرضون لغسيل المخ من دعاية خصمه إبن الزبير . الحجاج لم يكن بعيدا عن هذا .
هل هناك أوسخ من تاريخ المحمديين الذين ينتسبون للإسلام زورا وبهتانا ؟
لا أظن .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )