الحج للناس سواء

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٧ - أغسطس - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
أهلا يا دكتور أحمد . قرأت كتابك عن الحج ، وذهلت للمعلومات الجريئة التي فيه ، وطبعا لا أعترض عليها فكلها موثقة بالقرآن . لكن الذى أذهلنى أكثر أن مدة فريضة الحج أربعة أشهر . وهذا في آية صريحة واضحة . والذى أذهلنى أيضا كيف غفل المسلمون عن هذا ، ورضوا حتى الآن بتكدس الملايين في الحرم خلال أسبوع ؟ مع قيام الإسلام على التيسير والتخفيف . ثم أن البيت الحرام متاح الحج فيه لجميع البشر . أنا فقط أريد توضيح أكثر في هذه النقطة . يعنى يجوز للملحد والبوذى والشيوعى واليهودى ..الخ أن يحج للبيت الحرام ويؤدى الفريضة . دى صعبة البلع يا دكتور . أنا قرأت ما كتبته لكن إسمح لى بتوضيح أكثر . ولك مزيد الاحترام والعرفان . أخوك د : خليل مراد خليل .
آحمد صبحي منصور

الإجابة :

شكرا لك د خليل ، وأقول :

أولا :

تطبيق الشريعة الإسلامية ـ ومنها ما يخصُّ الحج ـ هو بالإسلام السلوكى بمعنى السلام والأمن والأمان في التعامل مع الناس. فكل إنسان مسالم مأمون الجانب فهو مسلم حسب سلوكياته الظاهرة ، والتي نشهدها ولنا أن نحكم عليها . وله أن يحج الى البيت الحرام . بالتالى فالكفر السلوكى والشّرك السلوكى يعنى الاعتداء الظالم والإكراه في الدين. ومن يقترف ذلك فهو كافر مشرك بسلوكه مهما رفع من شعارات . أما الإسلام  بمعنى إخلاص الدين لله جل وعلا وعبادته وحده والانقياد اليه وحده وتقواه ـ فهذا مرجعه لله جل وعلا يوم القيامة ، وهو جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .

عن رجوعنا اليه جل وعلا يوم القيامة ( يوم الدين ) نتدبر الآيات الكريمة التالية :

1 ـ ( ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(23)يونس )

2 ـ ( ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(60)الانعام )

3 ـ ( إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(8) العنكبوت )

 4 ـ ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)لقمان )

5 ـ ( ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164)الانعام )

6 ـ ( إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48)المائدة )

7 ـ (  إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(4)هود )

8 ـ ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(7)الزمر)

9 ـ ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(45) قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(46)الزمر ).

ثانيا :

وهذا اليوم الآخر ينتهى بخلود في الجنة أو خلود في الجحيم . فالموضوع صعب جدا . قال جل وعلا :

1 ـ ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(57)آل عمران )

2 ـ ( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ(4) يونس )

3 ـ ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(23)الحج ).

ثالثا :

الحج للبيت الحرام هو لجميع الناس المسالمين من كل جنس ولون ومن كل ملّة ودين ، فقد أمر الله جل وعلا أن يكون مثابة للناس وأمنا ، وأن من دخله يكون آمنا .

1 ـ هذا من بداية البشرية . قال جل وعلا : ( إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ(96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97)آل عمران ). لاحظ أن كلمة الناس تكررت هنا مرتين .

2 ـ ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(125)البقرة ) هنا ( للناس ) وأيضا ( الطائفين والعاكفين والركع السجود ) بدون تحقق من عقائدهم .

3 ـ ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(97)المائدة ). هنا أيضا كلمة ( للناس )

4 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ) . المقيم في مكة حول البيت لا يتميز بشىء عن القادم اليها بقصد الحج . جاء هذا تقريعا لقريش التي تحكمت في البيت الحرام وشعيرة الحج ، فإعتبره رب العزة جل وعلا صدّا عن سبيل الله جل وعلا .

5 ـ ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(27) الحج ). هنا دعوة إبراهيم للناس جميعا بالحج . ومثله : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37) إبراهيم ).

حين دخلت مكة في دين الله جل وعلا نزل الحكم بمنع المشركين المعتدين من الاقتراب من المسجد الحرام . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(28)التوبة ).

أخيرا

1 ـ لو جعل القائمون على البيت الحرام أنفسهم أوصياء على الدين الإلهى فيما يخص ( لا إله إلا الله ) فقد جعلوا أنفسهم آلهة مع الله جل وعلا . وهذا يستلزم أن يقيموا محاكم تفتيش تفتش على ما في القلوب . وعندها لن يطبقوا سوى دينهم الأرضى الشيطانى ، من سُنّة أو تشيع أو تصوف . ولن يجدوا صالحا للحج إلا القليل ، فأكثرية الناس ضالة مُضلّة فيما يخص ( لا إله إلا الله ) . وقد وصف الله جل وعلا الأغلبية الساحقة من الناس بأنهم لا يؤمنون ، والآيات كثيرة جدا ، ومنها : ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ(49)المائدة )، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ(17) هود ) ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ(1)الرعد) ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ(103) يوسف ). ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ(106)يوسف )ثم قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ(116)الانعام ). أكثرية البش ليست فقط ضالة بل هي مُضلّة ، تستطيع إضلال النبى محمد نفسه . لذا فالأسلم هو معيار الإسلام السلوكى الظاهرى المناسب لامكاناتنا البشرية القاصرة عن علم الغيب ، وهو مدار تطبيق الشريعة الإسلامية .

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 921